مع بدء حملة مطاردة صواريخ السكود على الارض (من قبل القوات الخاصة) و من الجو (طائرات التحالف) و في الفضاء (صواريخ الباتريوت) في الاسبوع الثاني من الحرب، بدأت قوات التحالف تواجه مشكلة من نوع جديد. ففي يوم 22 يناير (خامس ايام الحرب) كان مخزون الامريكان من صاروخ باتريوت PAC-2 (المعدل لضرب الصواريخ الباليستية) 499 صاروخ. و كانت الشركة المصنعة تستطيع بناء 4 صواريخ جديدة كل 24 ساعة.
و هذه هي العبرة من هذه الحلقة: الحرب عبارة عن مصنع. و القدرة على توفير السلاح من اهم مكونات الامن.
المشكلة كانت ان البطاريات ال 27 الموزعة بين الخليج العربي و اسرائيل كانت تطلق 10 صواريخ باتريوت على كل صاروخ عراقي! و على هذا المعدل سينتهي المخزون الامريكي من الباتريوت في الاسبوع الثالث من فبراير، موعد الحملة البرية.
و قد فهم المهندسون الامريكيون سبب ان السكود العراقي كان يظهر كبضعة صواريخ على شاشة الرادار - مما كان يستدعي الحاسوب ان يضرب صاروخين على كل اشارة. فلزيادة مدى صاروخ سكود السوفياتي، قام المهندسون العراقيون بتخفيف الحمولة المتفجرة و اطالة قسم المحرك بما يبدو انه لحام اجزاء اضافية في الصاروخ لحمل الوقود. و كان ضغط التسارع على بدن الصاروخ كفيلا بتكسير اللحام و انفصال بعض اجزاء الصاروخ اثناء الهبوط. ببساطة، كان اللحام السيء كفيلا لتصغير المقطع الراداري للصاروخ و تحويله لمجموعة صواريخ و قت الدخول، بما يشبه اخر ما توصلت اليه امريكا و روسيا في المجال. مع الفارق طبعا.
و كان من المفروض على الطاقم الامريكي ان يطلق صاروخين على كل صاروخ حسين ساقط (لرفع نسبة التدمير). و لكن الطواقم عندما كانت ترى عدة قطع من الصاروخ تطلق اثنين على كل قطعة. و كان الباتريوت لا يرسل بيانات المسير و نقطة الانفجار، و بالتالي كان من المستحيل التحقق من فعالية الصاروخ. و بدأ الاسرائيليون يشككون في فعالية الباتريوت. و لكن لم يجرؤ احد ان يقول للصحافة ان سلاح امريكا المدلل لم يكن الحل الكامل للمشكلة العراقية.
و يضاف لذلك ان الباتريوت كان يطلق احيانا بفعل التشويش الالكتروني عندما كانت البطارية متموضعة بجانب مطارات (مثلما هو الحال في اسرائيل). و قد حصلت اطلاقات غير مرغوبة بمجرد ان جرب طيارون حربيون اسرائيليين معدات تشويش طائراتهم! و في يوم 25 يناير، ارسل العراق 7 صواريخ حسين على اسرائيل، و صرف 31 باتريوت لصدها.
و لمواجهة الازمة، سافر نائب رئيس الاركان الامريكي لشركة رايثون يوم 26 يناير. و كانت التعليمات بسيطة: يجب خفض نسبة الباتريوت المطلقة امام كل سكود و زيادة الانتاج. و كان الرد بتطوير برنامج حاسوب لمقاومة الاشارات الكاذبة، و كذلك توجيه الطواقم لعدم ضرب المحرك و الاجزاء المتطايرة من الصاروخ (كونها كانت تلاحق الصاروخ بسرعة ابطأ). اما تسريع انتاج الصواريخ فكان مستحيلا. و قبل ان يعود للجبهة، مر نائب رئيس الاركان بمصانع السلاح و مصانع الاكفان. حيث تم تجهيز 16 الف كيس لبقايا الجنود للاحتياط. و تم ترتيب الخطط لتوثيق الجثمان (تصوير الاسنان بالاشعة و المقارنة بالسجلات) و الدفن بعد المراسم. و كان هناك قلق من انعكاس عمليات دفن واسعة على الروح المعنوية، فاعلنت منطقة المقابر منطقة مقفلة على الاعلام تحسبا.
كل الحلقات السابقة شملت مواجهات في العراق الكويت و بضعة مدن سعودية و في فلسطين المحتلة بفعل القصف و القصف المضاد. الحلقة التالية سيكون عنوانها المواجهة البرية. حيث كانت الجبهة هادئة اول اسبوعين من الحرب. و كان كل النشاط العسكري عبارة عن قصف اعلامي امريكي بالمكبرات الصوتية يدعو العراقيين للاستسلام، و يرد العراقيون عادة ببعض الرمايات. و اسم الموقع اكثر من كاف لتعريف المعركة: مدينة الخفجي السعودية.
Crusade, R. Atkinson