نتابع مع التقدم العراقي غربا (راجع الخارطة):
النقطة 4 تم فيها ايقاف التقدم العراقي بفعل طيران التحالف و اصرار القوات الامريكي في تلك المنطقة على الدفاع. فبعد تقدير حجم القوة العراقية المهاجمة، تراجعت القوات الامريكي لترك مسافة 2 كم و محاولة تصيد الاليات العراقية الثقيلة المتقدمة. و قد استخدم المارينز تكتيكا جديدا. حيث ان مدرعاتهم التي تحمل التاو هي الوحيدة المجهزة بالمناظير الحرارية، و استخدمت المناظير لتوجيه الرشاشات الثقيلة لتضرب الدروع. و الرشاشات الثقيلة لم تكن قادرة على خرق الدرع العراقي، لكنها كانت كافية ان تترك علامة اشارية لطائرات A-10 لتعرف اين الدبابات العراقية! و تم اصطياد دبابتين عراقيتين بهذه الطريقة.
و مع اقتراب العراقيين اكثر، انسحبت القوات الامريكية الف متر اخرى و بدأت اطلاق التاو. و انسحب مرة اخرى لنفس المسافة و استخدم الرشاشات لتحديد اماكن الدروع العراقية، و لكن فشلت الطائرات الامريكية في اكتشاف الهدف مرتين. و هذه من مشاكل طائرة A-10 التي تملك نظام بدائي للمراقبة اثناء الليل، حيث يتم دراسة الهدف من خلال عدسة حرارية موجودة على صاروخ مافريك يكون ضمن حمولة الطائرة و هذه النظام لم يكن يميز بين الصديق و العدو. و كان هناك سرب واحد فقط من A10 مخصص للطيران بالليل لمثل هذا النوع من الدعم. و للتغلب على مشاكل الرؤية بالليل، كانت تعليمات قوات الدلتا باطلاق المشاعل الحرارية لكشف المنطقة امام الطائرة. و لكن بسبب نقص هذه المشاعل، لم يتم التدرب عليها بشكل كاف و تورد السجلات ان قوات الدلتا اطلقت مشعلا فوق القوات المدرعة الامريكية قبل ان يسارع افراد القوة في دفن ذلك المشعل. و الخطأ الاكبر كان حين توجه صاروخ مافريك - الخطأ كان حاسوبي - نحو مدرعة امريكية و دمرها و قتل 7 من المارينز. و اصيب قائد القوة بالرعب، فاصابة مدرعة من الخلف يعني ان العدو يطبق عليك الحصار. و بعد فحص الموقف تبين للنقيب ان موقف قواته سليم. و انسحب 1000 متر اخرى. الساعة الان منتصف الليل. و خلال 4 ساعات من القتال قتل 11 من المارينز كلهم بنيران صديقة. و بعد توقف بسيط استمر التقدم العراقي، ليواجه بغارات مكثفة من الكوبرا و A10 ادت لتدمير 4 دبابات بصواريخ تاو.
على الغرب من نقطة 4 استمر الهجوم العراقي 9 ساعات اخرى. و بعد تقدم تحت ستار الدخان و بهجوم مشترك من المشاة و الدرع العراقي تم احتلال نقطة 6. و لكن تم استدعاء الطيران و ضرب القوات هناك.
بحلول الصباح بدأ العراقيون ينسحبون من المراكز التي احتلوها و ارسل الامريكان المزيد من الغارات على اثر القوات المنسحبة.
الهجوم العراقي الشرقي:
استيقظ العالم على خبر احتلال العراق المدينة. و كان تقدير الامريكان ان عدد القوات هناك حوالي 600 جندي. و بالخطأ دخلت سيارتا نقل للجيش الامريكي للمدينة المحتلة و قد هرب طاقم الاولى، اما طاقم الثانية فقد اسر. و اشتبك السعوديون في النقطة 1 مع العراقيين قبل ان تعود القوة العراقية للكويت.
الان بدأت المناقشات حول الخطوة التالية. تقع مدينة الخفجي ضمن مسؤولية القوات العربية المشتركة. و قد كان هناك اقتراح ان تحاصر المدينة حتى تستسلم القوات العراقية، لكن وجود 12 جندي امريكي في المدينة عقد الموضوع. اوضح الامريكان للسعوديين ان الجنود في المدينة قادرين على اعطاء احداثيات مدفعية ليوم او اثنين. و قرر السعوديون الهجوم فورا.
في تلك الليلة تقدمت قوات سعودية و قطرية و امريكية نحو المدينة من الجنوب لجس نبض الدفاعات العراقية. و لكن الهجوم العربي كان عشوائيا حيث كانت تسير السيارات المسلحة في الشوارع و تطلق النار على كل شيء و كان رد العراقيين عشوائيا بالمثل، و لعدة ساعات كانت مدينة الخفجي اشبه بمدينة بيروت اثناء الحرب الاهلية. و عند الفجر عادت القوات العربي و انسحبت. كانت الخسائر العراقية طفيفة في ذلك اليوم، في غالبها من ضربات المدفعية التي وجهتها القوات الامريكية المحصورة، و التي لم تجرؤ على ترك مخابئها بسبب الضرب العشوائي اثناء الهجوم التحضيري.
و لكن الكارثة العراقية وقعت في الشمال، حيث ارسل قائد الفيلق اللواء 26 المدرع كقوات تعزيز لمدينة الخفجي. و رغم تحرك الرتل اثناء الليل الا ان الفارق كان ان السماء هذه المرة كانت مزدحمة بطائرات التحالف من مختلف الانواع تنتظر اي هدف للضرب و كانت المذبحة عندما اصابت قذيفة سعودية اول دبابة من اللواء اثناء مروره من حقل الغام عراقي (روى ضابط من اللواء للأمريكان عند اسره انه شارك مع اللواء في كل معاركه في الحرب مع ايران، ان خسائر اللواء في نصف ساعة من القصف الامريكي تجاوزت خسائره من كل تلك المعارك). حتى ان لهيب النار اصاب السعوديين بأربع خسائر من الضرب الامريكي الجوي (اتهم الامريكيون طائرة قطرية بهذا الخطأ) و كان للعراقيين فرصة للضرب ايضا. حيث تم اسقاط طائرة AC-130 امريكية مسلحة كانت تدور حول نقطة 8 بحثا عن صاروخ فروغ عراقي. طلب منهم قائد العملية الجوية الانسحاب قبل طلوع الفجر، و لكنهم ماطلوا قبل تنفيذ الامر. و اصاب الطائرة صاروخ سام عراقي و قتل في هذا الاسقاط 14 جندي امريكي. ادرك قائد الفيلق اللواء محمود ان اي تعزيز مدرع سيلاقي نفس مصير اللواء 26 و بالتالي اصدر اوامره بايقاف المرحلة الثانية من الهجوم العراقي للحفاظ على القوات.
طلع فجر يوم 31 يناير و قرر السعوديون الهجوم لاستعادة المدينة هذه المرة مع فشل العراقيين في تعزيز قواتهم في الليل. و تحسبا من وصول اي تعزيزات عراقية، قامت سرية قطرية بحراسة الطريق الشمالي مع اسناد امريكي مدفعي و جوي. و دافع العراقيون بعناد و كانت المعركة اشبة بمعركة الامس من حيث عشوائية الضرب. و في منتصف المعركة، توقف السعوديون للصلاة! و صاح الجنرال Boomer من قيادة المارينز، هل هذه هي القوات التي ستخترق الدفاع العراقي الجنوبي!
و استمر القتال، و اعترف الامريكان للسعوديين بالشجاعة المصحوبة بالضعف التكتيكي. و بدل تمشيط المدينة حيا حيا، كان الاندفاع السعودي مباشرة نحو قلب المدينة. و عند الوصول للثلث الجنوبي من المدينة، اصاب صاروخ عراقي مضاد للدروع هدفه و قتل 6 جنود سعوديين. و تمكن الامريكان المحاصرين من الانسحاب و مع نهاية النهار تم تحرير المدينة.
كانت خسائر العراقيين 30 قتيل و 466 اسير (منهم 30 جريح). و قتل 19 جندي سعودي و قطري و جرح 36 منهم. و قتل للامريكان 25 جندي (شامل المعارك في الغرب).
من الناحية الاستراتيجية - صرح شوارتزكوف - كانت احتلال الخفجي مثل قرصة البعوضة. و لكن كان هناك ارتياح لأداء السعوديين في المعركة، فرغم سوء التنفيذ، الا ان المقاتلين لم تنقصهم الشجاعة و الاصرار امام قوات عراقية متميزة في الخبرات و المستوى. و بناء عليه، اصر الامير خالد ان تلعب القوات العربية دورا اكبر في الهجوم البري المرتقب، و صار للعرب جبهة خاصة بدل الاكتفاء بالسير خلف الامريكان كخط تعزيز. و وافق شوارتزكوف، حيث يسمح له ذلك بتركيز المزيد من القوات في مقاطع مواجهة اهم، مثل القوات المكلفة بتحرير المطار الدولي في الكويت.
الاهم من ذلك، ان المعركة اوضحت المستوى الحقيقي للعراقيين. فالخطة الهجومية كانت جيدة جدا، و كان هناك اتقان للحشد الالي بدون ان يكتشف الحلفاء النوايا العراقية. لكن التنفيذ الهجومي كان سيئا لقوات كانت بدون غطاء جوي، و كان يعيب على العراقيين عدم قدرتهم على المناورة بالنيران المدفعية حسب ظروف الحرب، و حتى اثناء الانسحاب، علق العراقييون في الخنادق و حقول الالغام التي عملوها بانفسهم. و قد قدر شوارتزكوف ان الفرقة الخامسة خسرت 80% من الياتها. و الملاحظة الاخيرة على العراقيين كانت افتقادهم القدرة على تدمير العدو تماما عند الاطباق عليه و الاشتباك معه. و هذه كانت الفرصة الوحيدة للوحدات العراقية ان تنجو من الضرب الجوي بسبب التحامها مع العدو. و كان التقدم العراقي بدون استكشاف لساحة المعركة، و عند اكتشاف قوات امامهم كان الهجوم بالتعرض المباشر بدون اي مناورة. و في البداية كان العراقيون يقاتلون بقوة، و لكن بمجرد ان يتبين ان المارينز لن ينسحبوا بسهولة لمجرد ان العراقيين يهاجمون بالدروع كانت الكتائب العراقية تنسحب (و قد تكون هذه هي تعليمات القيادة، بأن يتم جس النبض في الهجوم و التقدم فقط من مناطق الضعف). و هو ما يفسر قلة الخسائرة الامريكية بيد النيران العراقية. و نفس التقييم الضعيف يشمل القوات التي علقت في الخفجي، حيث ان الدفاع كان ثابت و ضعيف المناورة و كان من السهل تماما على العراقيين التعامل على الاقل مع الهجوم السعودي القطري الاول بمناورة التفاف بسيطة و هو ما لم يتم، و حتى دقة الاصابة النارية كانت ضعيفة.
كان تقييم قيادة الاركان الامريكية للحالة العامة للخصم العراقي بعد الهجوم مختلطا، منهم من قال هذا العدو سيقاتل حتى النهاية، و منهم من قال ان ضربة واحدة قوية سوف تحطم الجيش العراقي و تنتهي الحرب معها.
و كانت المعركة فرصة لتقييم مشاكل الحلفاء. الهجوم على الخفجي كان بمحاذاة الساحل، فمالذي منع السفينتين الامريكيتين (ميزوري) و (ويسكونسن) من ضرب العراقيين بالمدفعية من البحر؟ الجواب كان الالغام البحرية التي زرعها العراقيون و الفشل الامريكي في التعامل معها و كذلك الخوف من صواريخ ارض بحر الموجودة عن العراقيين. و كان هناك مشكلة الضربات الصديقة و الخسائر الكبيرة المرتبطة بها.
و كان الدرس قاسيا للعراقيين و تعالى صوت القيادة العسكرية احتجاجا على امر بهجوم مماثل بعد معركة الخفجي، وهي من المرات القليلة التي تعترض فيها القيادة العسكرية العراقية على القيادة السياسية.
المصادر:
R. Atkinson - Crusade
الحمداني - قبل ان يغادرنا التاريخ
K. Pollack- Arabs at War