لاحظ نابليون ان الجنرال لا يعلم اي شيء عن ارض المعركة على وجه اليقين. و لا يعلم بوضوح اين يوجد العدو، و لا يعلم اين توجد قواته بدقة. و هذا الكلام صحيح منذ ايام نابليون و ما قبلها و ما بعدها. حتى في اول حروب العصر الحديث: حرب الخليج. و كان من اصعب مشاكل الحرب على القيادة المشتركة، ان تعرف مواضع القوات العراقية و حجم الضرر الذي اصابها. و كان تقدير اضرار ساحة المعركة Battle Damage Assessment مصدر خلاف منذ سقوط اول قذيفة على العراق.
و على سبيل المثال نذكر مؤتمر صحفي يوم 30 يناير، حيث اظهرت كاميرات مركبة على طائرات اف-15 صور اصابة شاحنات زعم وقتها انها حاملات صواريخ سكود عراقية. و قد ادعت القيادة المشتركة (بعد تأكيد المحللين من هناك) ان تلك الغارة دمرت 7 ناقلات عراقية.
شاهد محللين المخابرات الامريكية المؤتمر مثل غيرهم. و قد صدموا من هذا التحليل. و قد كان رأيهم ان هذه ليست منصات متحركة، بل هي صهاريج بترول! و خلال دقائق تم الاتصال بشوارتزكوف الذي دخل في نوبه غضب في وجه المحللين الذين اقترفوا هذا الخطأ. و مرت هذه الاخطاء مثل غيرها. لكن الكل كان يعرف ان اهم قرار امام شوارتزكوف: متى نوقف القصف الجوي و نبدأ الحملة البرية. يعتمد على معرفة قدرة العراقيين على القتال.
تم تخصيص موارد هائلة لمسح ساحة المعركة. حيث استخدمت 23 نوع طائرة تجسس. من بينها طائرات U-2 الشهيرة. و فوق هذا تم استخدام 6 اقمار صناعية كانت تستخدم الكاميرات بكل انواعها. و كان من بينها ساتل keyhole القادر على رصد اجسام بعرض ربع متر! و من بينها Lacrosse القادر على رصد الدبابات حتى في اليوم الغائم اعتمادا على تقنية الرادار. و تخصص قمران اخران Magnum و Vortex بالتجسس على الاتصالات العراقية.
و قد عمل مئات المحللين من القوة الجوية و البحرية على دراسة هذه الصور. و قد تجمع في نهاية الحرب طنين من هذه الصور و الوثائق! و كان حجم 2000-3000 غارة جوية كبيرا حتى على محللي الاستخبارات لدراسة كل ما نتج عنها. و كانت الغيوم ثقيلة بشكل غير متوقع في بعض الاحيان. و كانت بطاريات السام العراقية تمنع طائرات التجسس من التوغل فوق مناطق حساسة اول اسابيع الحرب، و في المحصلة كانت الاستخبارات متأخرة عن سير الحرب بيومين او ثلاثة. و هي فترة اكثر من كافية للعراقيين لتغيير الوضع على الارض.
بخلاف القصف التقليدي، حيث يكون تقدير الضرر بكمية مخلفات الدمار، او بحجم الثقب في سقف المصنع او المنشأة. فان قنابل التوجيه الذكي قادرة على حرق المنشأة من الداخل بينما الثقب على السطح صغير جدا. و اضطر المحللون لكثير من التقدير، و احيانا مهاتفة الطيارين لسماع انطباعهم قبل تقرير ان كان الهدف يحتاج جولة اخرى. و بعد الكثير من الشد و الرد - لدرجة ان الجنرال Liede قائد العملية الاستخبارية شارف على الانهيار العصبي، تم تغيير نظام الرصد من تقدير الضرر الى تقدير مدى قدرة الوحدة على العمل.
مثلا في فبراير تم تقدير ان المطارات العراقية معطلة بشكل منخفض نسبيا، لكنها كانت غير عاملة بسبب ان العراقيين توقفوا عن الطيران. و بنفس الاسلوب، كان التقدير ان صواريخ سكود عانت اضرار منخفضة على الارض، لكن العراقييون خففوا الاستخدام بسبب الضغط و بالتالي تم وضع تقدير انها غير عاملة. و قبل شوارتزكوف بهذا الحل.
اما تقدير قوة الدرع العراقي فكانت مهمة مخابرات الجيش. و التي اعتمدت على تحليل الصور و الاتصالات العراقية. و قد اتضح فشل هذا الاسلوب مبكرا. فالعراقيين لم يستخدموا الراديو الا للضرورة القصوى. صور الفضاء كانت اما بعيدة بشكل غير جيد او مركزة على دبابة واحدة او قطعة مدفعية! و تم تغير الحال و الاعتماد على ارصاد طائرة U-2 و ارصاد الكاميرات التي تحملها المقاتلات. اول فبراير قدر الامريكان تدمير 476 قطعة حتى اليوم، و بعدها باسبوع رفع العدد ل 728.
و بمرور الايام اصبح هناك خلاف كبير بين محللي الجيش و محللي المخابرات - الذين استخدموا كوسيلة تدقيق مستقلة و كانوا يرفعوا التقارير مباشرة للرئيس. و كان محلل المخابرات مضطر لاستخدام صور الاقمار الصناعية فقط بسبب تأخر وصول صور U-2 لعدة ايام. و بالتالي اختلفت تحليلات ال CIA عن تحليل الجيش الذي استخدم اضافة لذلك تقارير الطيارين و الجنود و الضباط العراقيين الاسرى. و كان الخلاف اكبر ما يمكن في موضوع الدروع و قطع المدفعية العراقية المدمرة. و مع ازدياد الغارات الجوية كان الفارق في تقديرات الطرفين يكبر لدرجة ان الجيش ادعى تدمير 4 اضعاف القطع التي قدرت المخابرات تدميرها. و ان كان هناك هوس عند الامريكان بعدد قتلى العدو في حرب فيتنام - بشكل غطى على الصورة العامة - انتقل الهوس في حرب الخليج لخسائر الدروع العراقية.
اخر اختراعات الجنرال Lied كانت لوحة تمثل مسرح العمليات و عليها كل من ال 42 فرقة للجيش العراقي و الحرس الجمهوري. كل فرقة تمثل بورقة مع لون: الاخضر 75%-100% جهوزية. الاصفر 50%-75% جهوزية و الاحمر اقل من 50%. خلال ايام حفظ شوارتزكوف كل الخارطة و بدأ يطلب التركيز على وحدات معينة دون حتى التظر للخارطة. و قليلا قليلا بدأ اللون الاخضر ينحسر لمصلحة اللونين الاصفر و الاحمر.
R. Atkinson - Crusade