الولايات المتحدة وأوروبا مصممتان على تعقيد العلاقات مع روسيا
على الرغم من التوقعات بأن الاتحاد الأوروبي سيواصل طريق التصعيد مع روسيا، إلا أن موسكو استقبلت نبأ تمديد العقوبات ضدها بخيبة أمل شديدة، وسط انتقادات من الكرملين والخارجية الروسية.
وزارة الخارجية الروسية وصفت قرار الاتحاد الأوروبي تمديد العقوبات ضد موسكو والربط بين رفع تلك العقوبات وتطبيق اتفاقات مينسك، بأنه أمر مناف للعقل. ما يعني ببساطة أن اللوبي المعادي لروسيا نجح في تمرير سيناريوهاته بصرف النظر عن الأضرار التي ستلحق بجميع الأطراف، ومن ضمنها أوروبا نفسها، والتي سيفقد مواطنوها ما لا يقل عن 2 مليوني فرصة عمل، وستفقد دول الاتحاد ما يقرب من 100 مليار يورو. لكن الحكومات الأوروبية تخفي ذلك عن مواطنيها، وربما أشعلت حملات إعلامية وسياسية تتهم فيها روسيا بأنها السبب.
على محور آخر جرت مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي وكل من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، حيث أكد بوتين على ضرورة وقف القوات التابعة لكييف قصفها مدن شرق أوكرانيا، وتفعيل عملية التسوية السياسية للنزاع في دونباس، وحل القضايا المتعلقة بالإصلاح الدستوري في أوكرانيا، إضافة إلى ضرورة إنعاش جنوب شرق البلاد اقتصاديا واجتماعيا. وعلى اعتبار أن بوتين وميركل وهولاند أطراف في رباعية نورماندي، فقد تم تبادل بعض الأفكار بشأن لقاء المجموعة على مستوى وزراء الخارجية في 23 يونيو/حزيران الحالي في باريس.
هذا الاتصال كشف جانبا مهما من فهم أوروبا القاصر للنزاع الداخلي في أوكرانيا، ومدى انحيازها إلى سلطات كييف على الرغم من كل الأخطاء التي ترتكبها ليس فقط بحق سكان شرق أوكرانيا، بل وأيضا بحق المواثيق والتشريعات الأوروبية نفسها في مجالات عديدة، وعلى رأسها حقوق الإنسان وحقوق الأقليات ومكافحة التطرف القومي والنازية الجديدة. ولكن يبدو أن الغرب يرفع هذه الشعارات عندما تحقق بعض المصالح، ويغض البصر عنها حين يريد أيضا تحقيق بعض المصالح.
لقد نقلت وسائل إعلام فرنسية عن مصدر قريب من الرئيس الفرنسي أن المكالمة الثلاثية استغرقت 45 دقيقة وأن هولاند وميركل أشارا خلالها إلى أن التقدم الذي تم إحرازه في عملية التسوية في أوكرانيا "غير كاف"، وتحدثا عن ضرورة ممارسة الضغط على طرفي النزاع "نظرا لتوتر الوضع". وهذا يعني ببساطة أن هولاند وميركل يحملان موسكو مسؤولية عدم إحراز تقدم في التسوية الأوكرانية، وكأنه لا وجود لكييف وقواتها وسلطاتها أصلا. ومن جهة أخرى، تحدث الرئيس الروسي من عدة أيام حول تأثير روسيا الواضح، كطرف في "رباعية نورماندي"، على سلطات جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد.
وتساءل بوتين عن مدى تأثير الغرب على سلطات كييف! لكن هذا التساؤل لم يلق أي رد حتى الآن، سوى إمعان الغرب في إفساد العلاقات مع موسكو، وليس مع كييف.
أما واشنطن فقد صاغت موقفها ورد فعلها بشكل لافت للانتباه. إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي أن الولايات المتحدة ترحب بقرار الاتحاد الأوروبي "تمديد العقوبات ردا على العدوان الروسي في شرق أوكرانيا"، وأن هذه الخطوة جاءت كإشارة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة "G7" إلى أن العقوبات مرتبطة ارتباطا مباشرا بالتطبيق الكامل لاتفاقات مينسك. وهو ما يعكس تنسيقا شبه كامل بين واشنطن وبروك
وإذا كان التنسيق وصل إلى هذا الحد بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فليس مصادفة أن يختار الاتحاد يوم 22 يونيو/حزيران ليعلن فيه عن تمديد العقوبات ضد روسيا. ففي هذا اليوم تحديدا تحيي روسيا ذكرى هجوم ألمانيا النازية على الاتحاد السوفيتي عام 1941. وهو ما يمكنه أن يعكس نوايا سيئة من جانب الغرب على الرغم من حالة "النفاق السياسي" التي اعترت العديد من الساسة الأوروبيين عقب إعلان تمديد العقوبات. إذ أعربت المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني عن رغبة الاتحاد الأوروبي في تحسين علاقاته وتعزيز الحوار والتفاهم مع روسيا رغم العقوبات المفروضة عليها من قبل الاتحاد!
وأعلن وزير خارجية إيطاليا باولو جينتلوني أن الاتحاد الأوروبي سيعود لمناقشة نظام العقوبات على روسيا بعد مدة تتراوح بين 6 و 7 أشهر في ضوء تطورات "امتثال روسيا لاتفاقات مينسك"، مشيرا في نفس الوقت إلى أن "هناك حاجة ملحة للحوار مع روسيا. فنحن بحاجة إلى إشراك روسيا في حوار حول مختلف القضايا على الساحة الدولية، مثل ليبيا وسوريا"!
وعلى الرغم من العقوبات والمناورات، وبصرف النظر عن خيبة أمل موسكو من قرارات الاتحاد الأوروبي، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن روسيا مستعدة لقبول أي صيغة تفاوضية إذا أسهمت في تحقيق تقدم في تسوية الأزمة في جنوب شرق أوكرانيا. وشدد على وجود انتهاكات عديدة لوقف إطلاق النار في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا، وقصف مدن المنطقة من قبل العسكريين الأوكرانيين، الأمر الذي يؤدي إلى سقوط ضحايا هناك بصورة شبه يومية، إضافة إلى غياب أية أدلة تشير إلى استعداد كييف لإجراء الإصلاحات السياسية الضرورية.
في نهاية المطاف ردت موسكو بهدوء وعقلانية على تمديد العقوبات الأوروبية، حيث أعلن رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف عن تمديد حظر استيراد المواد الغذائية من دول الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر أخرى.
RT