مع مرور شهر على بدء الحرب الجوية. كانت مشكلة ضربات العراق الصاروخية قد تراجعت لمرتبة متأخر من سلم اهتمامات قادة الاركان. قوات الدلتا و القوات الخاصة البريطانية نجحتا في حصر الاطلاق الصاروخي ضمن نطاق ضيق في حول مدينة القائم، و كان هناك بين 75-150 غارة كل يوم على تلك المناطق لاخماد اي جهد عراقي لاطلاق صواريخ الحسين. و حتى الطرف العراقي توقف عن اطلاق الصواريخ باستثناء عندما يكون الجو سيئا، مما يسمح بمزيد من التمويه. و تراجع معدل الاطلاق من 5 كل يوم الى واحد كل يوم. و بدأت مشكلة تناقص احتياط صواريخ الباتريوت تقل بسبب قله الحاجة لاطلاقه.
و قد تم اصلاح الخلل الحاسوبي في نظام الباترويت بالتحديث للنسخة الاحدث من البرمجية (تسمى النسخة 34) و قد وصلت يوم 4 فبراير للسعودية و اسرائيل. كان لدى اسرائيل 6 بطاريات باتريوت. و قد امرت قيادة الدفاع الجوي الاسرائيلي باطلاق الصواريخ بشكل يدوي بدءا من 25 يناير بسبب مشكلة الاسراف في الاطلاق عند التشغيل على النمط الالي.
كان الحكم على فعالية الباتريوت محور نقاش مستمر و خلاف رأي قوي بين الامريكان و الاسرائيليين. فبينما كان شواتزكوف يمدح النظام امام وسائل الاعلام و يصفه بالدقيق بنسبة 100% و انه من 39 مواجهة مع الصاروخ العراقي كان الاسقاط 39. اما في تل ابيب و سفارتها في واشنطن فقد اقترح على تسمية هذا الكلام ب "هراء الباتريوت". و كان للاسرائيليين منطق قوي وراء رأيهم السلبي في المنظومة. حيث لم تمتلك اي من المنظومات ال 21 الموجودة في السعودية نظام تسجيل بيانات ليكون قادرا على تسجيل مسار الصاروخ و معلومات ارتطامه بالصاروخ القادم. حيث كان القادة الميدانيون يخشون ان تتداخل انظمة المراقبة مع الكترونيات الصاروخ نفسه. من جانبهم كان للاسرائيليين 3 انظمة تسجيل و نظام حاسوبي يتتبع كل شظايا السكود، و رغم كون النظام الاسرائيلي بدائيا الا ان بياناته كانت تشير بقوة الى عدم فعالية الباتريوت.
و تردد البنتاغون في كشف اي من هذه التفاصيل او التراجع عن الباتريوت بوصفه بطل حرب. و لم يعترف الا بعد الحرب باكثر من عام ان الاصابة - بنسبة تأكيد عالية - كانت موجودة ب 10 حالات اعتراض فقط حيث تم تدمير الرأس المتفجر. اما في حالات اخرى فكان يتم حرف مسار الرأس المتفجر فقط! و لكن الملحق الاسرائيلي في واشنطن قال لخبراء جيش بلادهم ان يخفوا هذه التفاصيل. "الباتريوت هو افضل سلاح لأنه السلاح الوحيد الموجود، لماذا نتبرع بهذه المعلومات لصدام حسين بأن الباتريوت لا يعمل!".
في المقابل لم يتردد الاسرائيليون في مشاركة الامريكان انطباعاتهم عن نظام الباتريوت في الاجتماعات. يوم 4 فبراير في مقر وزارة الدفاع في تل ابيب قالها الجنرال بن نون صراحة للعقيد جولدبيرغ - قائد خلية ادارة نظام الباتريوت في البنتاغون - "الباتريوت لا يعمل". من اصل 12 اشتباك حللها الاسرائيليون تم تدمير 3 رؤوس فقط من قبل الباتريوت. "ربما يجب ان تتوقفوا عن تصنيع النظام قبل اصلاحه". فكان رد العقيد " سيدي، هل تفضل ان لا يكون عندك شيء حتى نستطيع انتاج نظام كامل؟". و قد نقل العقيد هذه الانطباعات للبنتاغون بعد يومين.
و من بين عديد الاسرائيليين الغاضبين من الباتريوت، كان من اخطرهم وزير الدفاع موشيه ارين. حيث كان الجيش الاسرائيلي ان صدام سوف يلجأ للكيماوي في اخر الامر. و كان وزير الدفاع قلقا من ان قدرة الباتريوت على اعترض الهجوم الكيماوي قليلة. و قد بدأ يظن ان الفرصة قد تكون قريبة للطيران الاسرائيلي ان يضرب العراق المنهك من الحرب الجوية في هذه المرحلة.
و كان القلق الاكبر لوزير الدفاع ان حصانة اسرائيل قد تراجعت بعد ضرب العراق لها. فمنذ اربعين عاما كانت سياسة اسرائيل في الردع تحتم الرد السريع و القاسي على ادنى تحرش عربي بها. و قد بدأ الاسرائيليون يظنون ان التحالف لن يتفكك الان - بعد 4 اسابيع من الحرب - بفعل ضربة اسرائيلية. و مع مرور الايام بدأ ارين يظن ان شامير قد اقتنع. و لكنه رفض قطعا اعطاء ضوء اخضر دون اذن من واشنطن. و سافر ارين الى واشنطن لهذا الغرض ليضغط على الحليف بالسماح بضربة ردع و انتقام اسرائيلية.
صباح يوم 11 فبراير بدأ اجتماع ارين الرئيس بوش، وزير الخارجية بيكر، مستشار الرئيس ديك تشينيو غيرهم. و بسرعة استعرض الوزير الاسرائيلي الاضرار من السكود العراقي في الايام الاخيرة و اردف (نحن قريبون جدا من اتخاذ اجراء).
كان الرئيس بوش يجهل انطباعات الاسرائيليين عن فشل الباتريوت، و كان رده انه يوجد انخفاض كبير في الصواريخ العراقية المطلقة، لماذا هذا الانزعاج و الاصرار على الرد؟
رد ارين ان كل صاروخ يطلق يسبب الرعب في اسرائيل. نحن نشهد دمارا لم تشهد مثله اي دوله اوروبية منذ الحرب العالمية الثانية!
و كان رد بوش ان اخرج بطاقة من جيبه تحمل ارقام استطلاعات الرأي التي تشير الى ان غالبية الاسرائيليين يؤيدون سياسة شامير في ضبط النفس وواجه ارين بها. و كان الرد ان هذا الدعم سيختفي مع نزول اول صاروخ يحمل رأي كيماوي على اسرائيل.
كان رد بوش: "ماذا تستطيع ان تفعل اكثر منا؟"
و لم يكن يعلم ارين بموضوع قوات الدلتا على الارض التي تطارد فرق الصواريخ العراقية. و اقترح بالتالي ارسال قوات اسرائيلية بالمروحيات لغرب العراق. و بعدها عاد الوزير لموضوع الباتريوت: في رأي ان نسبة نجاح الباتريوت لا تتجاوز العشرين في المئة.
استغرب الرئيس و سأل بيكر الضيف ان يوضح.
"من اصل 10 سكود اردنا الاعتراض، تم اسقاط فقط اثنان".
ضغط تشيني على نفسه و بدل ان يتهم الضيف بنكران الجميل رد "هناك خلاف اساسي حول تقدير فعالية الباتريوت بيننا و بين الاسرائيليين سيادة الرئيس". و انقلب جو الاجتماع الى متوتر بعد ان تفاجأ الامريكيون من الضيف الغاضب، على عكس ما توقعوا من مشاعر الشكر و العرفان.
في اجتماعات لاحقة رفض تشيني منح الاسرائيليين ممرا امنا عبر السعودية لضرب العراق. و رفض ان يعلق اذا ما كان قد ارسل قوات امريكية خاصة لغرب العراق. كل ما وافق عليه هو اعلام الاسرائيين بموعد الهجوم البري. و وافق بيكر على مساعدات بمبلغ مليار دولار. ساعد على هذه الموافق حقيقة ان صاروخ سكود نزل على تل ابيب قبيل الاجتماع بساعات و انه سقط على بعد 500 متر من بيت ارين!
المصدر:
R. Atkinson - Crusade