بعد الاجابة على التفاصيل الاستراتيجية خلال الاسبوع الاول من فبراير، و التي حددت طبعة و محاور الهجوم الرئيسية على الكويت و جنوب العراق. حيث تم عمل تمويه بانزال بحري على شواطئ الكويت و ان محور الهجوم الرئيسي سيكون من الجنوب الكويتي نحو مدينة الكويت. و لكن الجهد الرئيسي سيكون من الغرب بالتقدم نحو الكويت و جنوب العراق لمحاولة حصار الجيش العراقي كاملا. و الذي كان تواجده في كل الكويت يخالف ابسط بديهيات التخطيط الدفاعي كما اشارت القيادة العسكرية العراقية مرارا و تكرارا.
نقول بعد ان تم وضع الخطوط العريضة، بدأ السباق مع الزمن في حسم ملايين التفاصيل الصغيرة لتحرك قوات بهذا الحجم و من جيوش مختلفة و تحت تحد لوجستي كبير. اسئلة مثل اين تتمركز القوة الفلانية و جدول التقدم و كيف نؤمنهم. و قد كان هناك جبهتان منفصلتان:
1- التقدم من جنوب الكويت شمالا اسند للمارينز و القوات العربية المشتركة. و كانت مهمة هذه القوات الهجوم الاسنادي، و لم يطلب منهم ان يقهروا حوالي 170 الف جندي عراقي و يجبروهم على الانسحاب. فقط تثبيتهم حتى تأتي القوة الضاربة من الغرب لحصار هذه القوات. و كان عدد قوات هذا المحور حوالي 70 الفا. و كانت نتيجة معركة الخفجي و الرصد الامريكي تشير الى ان الجيش العراقي بدأ يتفكك. و كانت قيادة المارينز (جنرال بومر Boomer) حريصة على اختيار محور هجوم يستغل اضعف نقطة في الدفاع العراقي. و تم تعديل محور الهجوم 5 مرات! و لم يتدخل شوارتزكوف في الموضوع رغم شكوى بعض قيادات الاركان من هذا التردد. و كانت اكبر مشاكل المارينز هي توجيه الفرقتين في الهجوم حتى يتقدمان معا بدون تغيرات و بدون تداخل يعيق الحركة. و تم دراسة اقتراح ان تتقدم فرقة واحدة من خاصرة الكويت نحو الشرق للسيطرة على مرتفعات الجهراء. لكن كثافة الدفاع العراقي في تلك المنطقة لم يكن مشجعا. و في النهاية تم اقرار الهجوم من الجنوب بالفرقتين. و ان يتم تقدم كلا الفرقتين من نفس نقطة الاختراق! و كان هذا خيارا مليء بالتحديات. فأن تقوم الفرقة الاولى بفتح ثغرة في حاجز الالغام العراقي و بعدها حاجز الاسلاك الشائكة و تدع الفرقة الثانية تتقدم قبلها (اي الهجوم ب 5 الاف الية بينما تتوقف بجانبها 5 الاف الية اخرى) قد يؤدي لازمة طرق طولها 50 كم. تحت نيران المدفعية و تخيل لو ان العراق ضرب بالكيماوي على تلك المنطقة. سوف تصبحة الثغرة مقبرة للقوات الامريكية. و بقي هذا مصدر قلق للمارينز حتى اتى اقتراح من العميد كيز keys. حيث وصلت معدات ازالة الغام من اسرائيل للسعودية الامر الذي يسمح بعمل ثغرة اخرى. و كان الاقتراح من ان تكون الثغرة 60 كم غرب الثغرة الاولى. عبر حقل ام غدير النفطي. حيث من المستحيل ان يتوقع العراقيون الهجوم من منشأة صناعية مليئة بالعوائق كلانابين و غير هذا و هو ما سيخفف القوة الضاربة للهجوم بتوزيع القوات. و صدم بومر من الاقتراح. و لكن العميد كان شخصا محل ثقة. و بعد يوم من التردد، وافق بومر على الخطة.
2- التقدم من الغرب الى الشرق نحو شمال الكويت و جنوب العراق. هناك تدخل شوارتزكوف يكل التفاصيل. و قد كان حجم القوات حوالي 255 الفا. و مرة اخرى تم توزيع الجهد على فيلقين: الفيلق 18 المجوقل يدخل شمال الكويت لقطع اي اسناد من بغداد. و الفيلق السابع - باسطول دباباته الكبير - كانت تعليماته تدمير الحرس الجمهوري و منع اي اسناد من الوصول للكويت حتى لا يتسنى للعراق عمل هجوم مضاد.
كان السؤال الاهم امام الاركان هو: اين يتوقف الهجوم الثاني؟ كان اول اقتراح هو قاعدة الجلبة جنوب الفرات. حيث تشرف على الطريق السريع رقم 8 و تقع حوالي 100 كم غرب البصرة. حيث ان النجاح في قطع هذا الطريق سيعزل العراقيين. و لكن شواتزكوف بقي يقدم نقطة التوقف في كل نسخة من الخطة حتى وجد المساعدين انفسهم يدرسون خريطة السماوة على بعد 150 كم غرب الجلبة. حيث تم عمل خطط لقطع 3 طريق تؤدي للمدينة و كذلك الهجوم على الناصرية القريبة منها. و الحقيقة لم يشرك شواتزكوف اركانه حول اسباب هذا التعديل. و كان الظن انه يريد ان يخيف بغداد بحجم التهديد حتى لا ترسل اي تعزيزات نحو الكويت.
و لكن مع كل تقديم لنقطة التوقف، يصبح سؤال التموين اكثر صعوبة. فالقوات تحتاج 15 مليون غالون في اليوم، ترسل عبر صهاريج مسافة 600 كم من ميناء الجبيل السعودي حتى قيادة الفيلق المجوقل و بعدها 200 كم اخرى للسماوة. اضافة لهذا فان ادخال الجيش الامريكي حرب شوارع في المدن العراقية و الخسائر المدنية المحتملة كان عاملا سلبيا اخرا. اخيرا تراجع شوارتزكوف و اعاد القوات لنقطة التوقف الاولى. خصوصا و ان القوات الامريكية كانت ستكون بعيدة جدا عن معركة الحرس الجمهوري لو تطلب الامر اسنادا.
كانت حرب الصحراء امرا جديدا على هذا الجيل من القادة الامريكيين، و اصطحب الكثير منهم كتاب "اوراق رومل" و كتاب "جنرالات الصحراء" لدراسة طبيعة المعارك في هذا الظرف. و كانت الصحراء انسب كثيرا لجيش مرن متصل و صاحب سيطرة جوية و عقيدة تشجع على المرونة و المناورة في القتال. و كان التشبيه دائما بان قتال الصحراء هو اشبه بقتال البحار. و لكن كان هناك تحديات مثل الاجناب المكشوفة و كذلك صعوبة تعيين المدفعية. اضافة الا ان الدعم بالطعام و السلاح و الوقود يحسم الحروب الصحراوية. مثلا ابدع الانجليز في شمال افريقيا في هذا المجال عن طريق بناء سكة حديد و انبوب ماء خلف قواتهم. عامل اخر مهم في حرب الصحراء، الهزيمة قد تكون الاولى و الاخيرة. فلا يوجد ملاذ للجيوش المهزومة ان تهرب و تختبئ خلفها.
و لو كانت الحرب الصحراء تشبه حرب البحر، فقد كانت دبابة الابرامز هي خير سفينة للقوات الامريكية. حشد الامريكان حوالي 2000 دبابة على مسرح العمليات. هذا الوحش الذي يزن 67 طن مع مناظر حرارية تكشف فوق 3 كيلومتر و قدرة على الضرب من الحركة و بسرعة 50 كم في الساعة (و اكثر على الارض الصلبة). و كان مجموع الاليات المحشودة من الطرفين حوالي 10 الاف. و قارن هذا بالعلمين (الفين) و بمعركة كيرسك (8 الاف) لنجد ان حرب الخليج حطمت الرقم القياسي باكبر معركة اليات.
افضل الدبابات العراقية - T-72 - كانت تقل عن وزن الابرامز ب 20 طنا. و كانت قذيفتها غير قادرة على اختراق الدرع الامريكي الامامي (سماكة قدمين و زاوية 60 درجة) حتى من مسافة متر واحد!! و لكن مقتل الابرامز كان الوقود = 8 غالون لكل ميل! اي انها تحتاج اعادة تعبئة بعد 8 ساعات من العمل بحوالي 500 غالون! و كان القتال على اسلوب طور في بداية الثمانينات. حيث يجب على قائد القوة معرفة تحركات العدو ضمن عمق 150 كم و احباط اي نوايا هجومية له باستدعاء القوات الجوية و القوات الخاصة عند الضرورة و التركيز على المرونة و السرعة و المفاجأة. و كانت مصادفة ان اول تطبيق حقيقة لهذا الدرس سيكون في الصحراء، حيث الوضع المثالي لهذا الاسلوب.
في المقابل غاب عن القيادة العراقية اي مصدر للمعلومات عن المصيبة التي تنتظرهم. فلم يقم العراقيون باي استطلاع عميق، و لم يكن هناك مجال للكشف الجوي، و روسيا لم تعط اي معلومات عسكرية. ببساطة جلس الجنود و الضباط في ثكناتهم ينتظرون المصيبة القادمة.
R. Atkinson - Crusade