أورد الصحفي والباحث الجزائري فوزي سعدالله قصة من سماهم "كوماندوس" جزائريون تطوّعوا للقتال في الأندلس لحماية الفارّين من بطش الإسبان بعد سقوط غرناطة وقبلها، وهي قصة بطولة "مغمورة" لا يعرفها كثيرون، تروي استبسال آلاف المتطوّعين الجزائريين في إجلاء المسلمين المضطهدين من إسبانيا على مدى زمني قارب الثلاثمائة سنة.
يقول سعد الله في كتابه "الشتات الأندلسي في الجزائر"، الذي سيُنشر قريبا،".... على الضفة الجنوبية للمتوسط، وبتشجيع من الباب العالي وبإسناد لوجستي أندلسي من اللاجئين الذين التحقوا بالجزائر منذ سقوط غرناطة وقبلها وأبنائهم وأحفادهم، الذين كانوا يتطوعون في عمليات كوماندوس في صفوف القوات البحرية الجزائرية، كانت الجزائر العثمانية الفتية تعمل كل ما في وسعها لدعم الثورة بالسلاح والمال وحتى بإرسال المجاهدين المتطوعين من العثمانيين والجزائريين الأهالي بمختلف انتماءاتهم الإثنية والقبلية.
ويضيف يعد الله "بهذا الشأن، يقول المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني إن العلج علي الجزائري فكَّر في "إمكانية تقديم المدد لمجاهدي الأندلس، ولقد اجتمع لهذا الغرض جمعٌ من أهالي الجزائر في أحد المساجد وتمكنوا من اختيار المتطوعين للاشتراك في ثورة جبال البشارات التي اندلعت عام 1569م، وتمكن المتطوعون من النزول بشواطئ شرق الأندلس بنواحي المريّة ومَارْبِلَّة ما بين سنتي 1568م – 1569م، وقد بلغ عدد المتطوعين من الأتراك والأهالي عدة مئات مزوَّدين بكميات من الذخائر، منها 400 بندقية وإن ذهبت بعض الروايات إلى حدّ القول إن عدَدهم ناهز 4 آلاف رجل" ...
كما بذلت الجزائر بالتزامن مع ذلك جهودا كبيرة لإنقاذ العالقين من المدجنين والموريسكيين المقيمين على السواحل الإسبانية ونقلهم حتى الجزائر وإدماجهم في نسيجها الاجتماعي.
وأكّد الباحث الجزائري أن أندلسيّي وموريسكيي الجزائر اللاجئون نَفِّذوا - حينذاك- مهمَّات تجسسية، بمعية القوات الجزائرية، مستغلين معرفتهم بالأرض الإيبيرية وبعادات إسبانيا وإتقانهم لغاتها ولهجاتها، حتى أن مصادر تاريخية تتحدث عن إنقاذ 70 ألف موريسكي من سواحل شرق الأندلس من طرف البحرية الجزائرية ما بين 1530م و1570م، خصوصا في عهد البايْ لاَرْبَايْ أمير البحر الرَّايَس العُلْج علي (1569م – 1571م) أو أُوتْشْيَالِي، الإيطالي الأصل، كما كان يسميه الأوروبيون.
كانت القوات البحرية الجزائرية تُرسِي سفنَها على السواحل الأندلسية، عند مصبّات الأنهار بشكل خاص، وتُخْفيها عن الأنظار لتحاصر قرى ومدنا صغيرة متنكرة في أزياء محلية لتُجْلي المئات أو الآلاف من سكانها المسلمين وتأخذهم على مَتْن مراكبها إلى السواحل الجزائرية حيث يُدمَجون في مدنها وقراها، لا سيّما في التجمعات السكنية الشمالية من البلاد كالجزائر والبليدة والقليعة والمدية ودلّس وبجاية وقسنطينة وجيجل والقل وعنابة ووهران وتلمسان وندرومة ومستغانم ومازونة وأرزيو والغزوات وغيرها.
وعندما تعثرت ثورة البشارات، تجندت البحرية الجزائرية بكل ثقلها لإنقاذ الموريسكيين وتسهيل خروج المقاتلين من بلادهم باتجاه الجزائر، لتتواصل المجابهة لاحقا مع الإسبان عبْر المعارك البحرية والعمليات العسكرية الخاطفة التي كانت تخوضها القوات الجزائرية ومُجنَّدوها الموريسكيون انطلاقا من مدينة الجزائر بالسيطرة على مناطق ساحلية إسبانية لبضع ساعات أو أيام ريثما يتم إجلاء مَن علق فيها من الموريسكيين ونقلهم إلى الجزائر. واستمرت هذه المجابهة العسكرية على مدى مئات السنين حتى أطلق عليها بعض المؤرخين "حرب الثلاثمائة سنة.....".
الشروق