الجيش الإسرائيلي فهم أخيراً ان الدبلوماسية هي مهنة
كان هنالك تقرير آخر هذا الأسبوع عن غارة إسرائيلية مزعومة في منطقة دمشق. إسرائيل لا تمس الموضوع، الروس صامتون، الأمريكان صامتون، وحتى السوريين صامتين.
هذا الصمت ليس صدفة -فخلف هذا الصمت تكمن شبكة معقدة من الاتفاقيات والتفاهمات التي تخدم مصالح الأقوياء واللاعبين المؤثرين الكبار الذين لهم دخل في المنطقة: الولايات المتحدة، روسيا، إيران، واسرائيل.
الكل يتحدث مع الكل -بشكل مباشر وغير مباشر -والكل ينسّق مع الكل. هذه هي الدبلوماسية السرية لأصحاب البزات العسكرية. هذا نوع من الدبلوماسية التي لا دخل لوزراء الخارجية بها.
في إسرائيل، إن تأثير ذلك بارز أكثر بكثير. بينما تضعف وزارة الخارجية، والوضع الدبلوماسي لإسرائيل يتدهور في العالم، الدبلوماسية الاسرائيلية البديلة تواصل تعزيز مكانتها. أجسام كوحدة العلاقات الدولية في الجيش الإسرائيلي دخلت الى الصورة لتعبئة الفراغ الذي خلفته الدبلوماسية العامة.
عند التعامل معهم، رؤساء الدول ووزراء خارجيتهم ليسوا معرضين للانتقاد العام، والرأي العام لا يهم. حتى أنه يشمل دول التي لا توجد لها علاقة رسمية مع اسرائيل، أو التي لديها مصلحة في إخفاء علاقاتها بإسرائيل بسبب الضغط عليهم من قبل حلفائهم أو القوى الاقليمية الأخرى.
من وجهة نظر الجيش الإسرائيلي، إسرائيل دولة تتمتع بشعبية كبرى. حجم التعاون العسكري بين إسرائيل والدول الاجنبية هذا العام سيكون غير مسبوق، من حيث عدد الدول التي سيتعامل معها "وزارة خارجية الجيش الإسرائيلي"، وحجم النشاط: عمليات تدريب مشتركة، تعاون عسكري، تبادل وتشارك بالمعلومات، زيارات مسؤولين رفيعي المستوى، وشتى القضايا السرية.
بدأ العالم يفهم أن هناك عدو غير مقيّد بأي حدود دولية -الجهاد العالمي. هذه المصالح المشتركة تخلق روابط بين الأعداء. إسرائيل -عبر جهود وحدة العلاقات الخارجية في الجيش الإسرائيلي-تستغل هذه المشكلة العالمية لخلق علاقات في مواقع لم تكن لديها في السابق. هناك عدد ليس بقليل من الدول التي تسعى لتجنب وزارة الخارجية الاسرائيلية -إما لأسباب سياسية، أو بسبب كشفهم عن نقطة ضعف الخارجية الإسرائيلية -ويرغبون بنوع من العلاقات مع الدولة اليهودية دون ان يكونوا على اتصال بالسياسة الاسرائيلية.
تطوّر هذه الدول علاقات عبر "الباب الخلفي" للدبلوماسية العسكرية. حتى أن هذه المجموعة تشمل دول أوروبية ذات علاقات دبلوماسية واسعة النطاق مع اسرائيل ولكن ضغط داخلي وحركة المقاطعة ترغمهم على التقليل من أهمية هذه العلاقات.
30% من الصادرات العسكرية الإسرائيلية توّجه الى الهند، والمستوى العال من التعاون بين الجيشين -من بحث وتطوير الى تبادل وتشارك المعلومات –يتم بشكل يومي. الهند هي مثال لدولة خبأت علاقاتها مع الدولة اليهودية طوال سنين، ولكن بعد انتخابات 2014، وصعود ناريندرا مودي اليميني، ترجمت العلاقات العسكرية الوطيدة بين البلدين الى علاقة سياسية قوية.
الأمر ذاته صحيح بالنسبة لمصر. في نهاية الأسبوع الماضي، تفاخر وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس بالتعاون الامني الوطيد بين اسرائيل ومصر مادحا التعاون المصري بإغراق أنفاق حماس بين غزة ومصر. غضب المصريون، وحتى الآن يحاول المبعوثون من الجيش الإسرائيلي تصليح الضرر بالعلاقات.
إذا كانت لدى الأردن أي مصالح بعلاقاتها مع اسرائيل، فإن هذه المصالح هي أولا وقبل كل شيء متعلقة بالأمن. في البحر الهائج من الدول المتفككة الذي تحوّل الشرق الأوسط اليه، اسرائيل هي سفينة تترنح على أمواجه -ولكنها ليست بموقع سيء يقترب حتى من درجة القارب الأردني. لكن الملك عبد الله لا يملك الكثير من الحلفاء الاخرين في المنطقة الذين يستطيع الاعتماد عليهم.
في أيلول/ سبتمبر الماضي شاركت مقاتلات إسرائيلية وأردنية في عملية تدريب عسكري مع سلاح الجو الأمريكي والسنغافوري في الولايات المتحدة تحت اسم "العلم الأحمر". وفقا للموقع العسكري "فوكستروت ألفا" ساعدت الطائرات الإسرائيلية بإعادة تعبئة وقود المقاتلات الاردنية في طريقها من والى الولايات المتحدة. لم ينكر الأردنيون ذلك، ولكن إذا كان هذا التقرير صحيحا، فهو يشير الى درجة عالية من التعاون بين الجيشين.
في تموز/ يوليو 2015، سرّب مسؤولو دفاع أمريكيين لوكالة رويترز بأن إسرائيل قدمت للأردن 16 مروحية كوبرا حربية هجومية.
قد تكون هذه القصة مجرد رمز لشيء أعمق بكثير.
إضافة الى الدول ذات "الأهمية العليا" والتي تضم اليونان أيضاً، هناك نحو 30 دولة أخرى يملك الجيش الاسرائيلي مصلحة باستثمار مجهود فيها بطريقة أو بأخرى، يشمل دول يجب أن تبقى العلاقة بينها وبين اسرائيل سرا. ويتوقع أن تطول هذه القائمة أكثر خلال السنة المقبلة.
في غضون العام المقبل، ستتوسع مسؤوليات وحدة العلاقات الخارجية أكثر لتشمل إدارة العلاقات مع الوكالات الدولية كقوات حفظ السلام الأممية. بما يخص العلاقات مع الأمم المتحدة، فهذا لا يعني بالضرورة قوات حفظ السلام اليونيفيل على الحدود مع لبنان أو اوندوف على الحدود مع سوريا. تشغّل الأمم المتحدة قوات حفظ السلام الأممية في عشر دول إفريقية على الأقل. في حين أن العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة ليست قصة حب، إلا انه عندما تحتاج قوات حفظ السلام أسلحة، ذخيرة، او تدريبات تكتيكية ضد المليشيات الجهادية -قد يلجؤون سرا الى اسرائيل عبر جهود الدبلوماسية العسكرية.
أحيانا، تستخدم العلاقة مع الأمم المتحدة لإرسال رسائل الى العدو. كانت إسرائيل قلقة من مواجهة شاملة مع حزب الله عقب اغتيال سمير القنطار في كانون الأول/ ديسمبر المنصرم. وقد وجّهت اسرائيل رسالة واضحة لممثل القوات المسلحة اللبنانية والذي بدوره حوّلها الى حزب الله.
اعترف الجيش الإسرائيلي وأخيرا بحقيقة أن الدبلوماسية هي مهنة، وأنه لا يكفي ان تكون ضابطا ماهرا في وحدة مشاة لكي تكون دبلوماسيا عسكريا ناجعا. في جيوش غربية أخرى، المبعوث هو عادة شخص درس الدبلوماسية العسكرية، وفي العديد من الأحيان إنها مهنته الوحيدة. الجيش الإسرائيلي، كالعادة، يعتمد على موهبة ضباطه الكبار الطبيعية وقدرتهم على الارتجال.
أحيانا، هذا ينجح أيضا.
--------------
الكاتب اليكس فيشمان هو محلل في الشؤون الدفاعية
مصدر