27 عاماً على تأسيس مجلس التعاون
نجح الخليجيون ولكن ببطء.. مقابل إخفاقات عربية متعددة
الوقت - تمام أبوصافي:قبل 27 عاماً عقدت دول الخليج العربي قمة تأسيسية في إمارة أبوظبي تم فيها إقرار ورقة عمل تناولت تحديد العمل الخليجي المشترك، وتشكيل سبع لجان وزارية تم تحديد اختصاصاتها. بعد يوم واحد جاء البيان الختامي ليحمل وثيقة وقعت عليها الدول المجتمعة لتولد معها حقيقة باتت تعرف بمجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية.
وإذا كان المجلس قد نجح في الاستمرار كمشروع وحدوي عربي مقارنة بالتجارب التكاملية العربية الأخرى التي فشل بعضها مثل مجلس التعاون العربي الذي تأسس في 16 فبراير/ شباط 1989 في العاصمة العراقية بغداد وضم الأردن، مصر، العراق، واليمن قبل أن تكتب فصول نهايته مع اجتياح العراق للكويت في 2 أغسطس/ آب .1990 وجمد بعضها الآخر مثل اتحاد المغرب العربي الذي تأسس في 17 فبراير/ شباط 1989 قبل أن تطفو الخلافات المغربية الجزائرية حول قضية الصحراء على السطح وتتعثر كل الجهود نحو الاستمرار. السؤال الذي يطرح نفسه هل نجح المجلس في تقديم رؤية سياسية واقتصادية متكاملة على مدار 27 عاماً؟ أم أنه نجح في موقع وتعثر في آخر؟
يرى المفكر البحريني علي فخرو أن السبب الرئيس وراء استمرارية المجلس أن الدول الأعضاء لم تواجه مشكلة حقيقة فيما بينها، في الوقت الذي عززت التحديات التي واجهت دول الخليج من جعل المجلس كحائط صد أمام أخطار واحدة.
يقول فخرو «لم تحدث أية مشكلة كبيرة بالنسبة لدول المجلس بحيث يختلفون حولها ويضحون بوجود المجلس (...)، نعم هناك خلافات تحدث ولكنها خلافات صغيرة وقابلة لأن يتخطوها ويبقوا على هذه المنظومة. لكن الوضع مختلف بالنسبة لاتحاد المغرب العربي، حيث قضية الصحراء بين الجزائر والمغرب جعلت من المستحيل أن تجتمع الدولتان تحت مظلة منظومة واحدة».
ويضيف «بالنسبة لمجلس التعاون العربي كان السقوط المذهل بعد غزو الكويت الذي جعل من المستحيل الاستمرارية بهذه المنظومة وأدى إلى سقوط المجلس سقوطاً ذريعاً (...)، لكن بلا شك أن الحربين في دول الخليج فرضت تحديات على المجلس والأخطار التي واجهها المجلس لم تكن لتسمح لأحد أن يخرج عن هذا الجدار أمام حربين واجهتهما المنطقة (...)، واقع الأخطار المشتركة كانت كبيرة جداً أمام المجلس».
فرصة تاريخية لم تتحقق
- لكن السؤال الذي يطرح نفسه مرة أخرى هل نجح المجلس في خلق مواطنة خليجية؟
؟؟ يقول فخرو «لو طرحنا هذا التساؤل على مواطني مجلس التعاون نجد أن الغالبية مع هذا المجلس واستمراره، ومع الانجازات التي يريد ان يحققها المجلس (...)، نعم نجح المجلس في توزيع بعض الانجازات الاجتماعية، التعليمية، والصحية لمواطنيه، لكن لنكن أكثر صراحة، قضية النجاح هي قضية نسبية وإذا قورنت بالإخفاقات التي شهدتها الأرض العربية نجد أن المجلس نجح نسبياً، لكن إذا ربطنا هذا النجاح بالفرصة التاريخية بحيث يكون كتلة عربية اقتصادية تنمو نمواً صحيحاً نحو اقتصاد إنتاجي وجعل هذه المنطقة قوة سياسية فاعلة، سيما أن المنطقة مسنودة بقوة اقتصادية كبيرة اعتقد أن هذه الفرصة لم تتحقق بعد».
ويضيف «هذه المنطقة كان يمكن لها أن تدخل في اقتصاد المعرفة الذي يشكل اقتصاد القرن الـ21 بشكل أفضل بكثير مما حدث، فيما لو قررت أنها سوف تدخل مجتمعة، لكن مع الأسف الشديد كل جهة تحاول أن تدخل بمفردها واقتصاد المعرفة يتطلب نوعاً من التكاثف والتعاون».
وفي الوقت الذي يرى فيه فخرو أن المجلس استطاع تحقيق نجاحات نسبية في قضايا التعليم والخدمات الصحية، فإنه يرى أن الإخفاقات كانت لها الحصة الأكبر في تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين دول المجلس.
فهو يقول «يجب أن نعترف أن قوة ''درع الجزيرة'' لم تحقق شيئاً بل طغت صياغة العلاقات العامة على أعمالها، لذلك لم تحقق الهدف الرئيس الذي أنشئت من أجله، بحيث يتم بناء قوة عسكرية موحدة قادرة على صد العدوان عن المنطقة، والدليل على ذلك المعاهدات الثنائية بين مختلف دول المجلس مع دول خارجية مثل الولايات المتحدة وفرنسا ومع حلف الناتو، وهذه دلالة على أن جميعهم يحتاجون لمظلة خارجية توفر الحماية في ظل غياب مظلة قومية عربية، والآن الولايات المتحدة تدفعهم دفعاً إلى أن عدوهم الرئيس هو إيران وليس الكيان الصهيوني».
ويضيف «رغم العجز المفرط في تشكيل قوة عسكرية للمنطقة إلا أن هذه المنطقة هي أكثر مناطق العالم إنفاقاً على السلاح كما لو أن الغرب يريد أن يقول إن مردود الارتفاع الهائل في أسعار النفط يجب أن يعود إلى جيوب مصانع السلاح الغربية (...)، لقد مررنا بثلاث حروب في هذه المنطقة ولم يستخدم السلاح على نطاق واسع، لذلك اعتقد انه يتوجب علينا أن نضع ميزانيات التسلح في حقول التربية والتعليم والصحة وان يقلص الإنفاق على التسلح. ففي الوقت الذي نصرف فيه أكثر من 10% من ميزانياتنا على السلاح لا يتجاوز حجم إنفاق الولايات المتحدة على السلاح من دخلها القومي نسبه 3%».
النجاح لايزال بطيئاً
ورغم اتفاق مستشار الدراسات الاستراتيجية بمركز البحرين للدارسات والبحوث محمد نعمان جلال على أن المجلس استطاع أن يحقق نجاحات نسبية مقارنة بالتجارب التكاملية العربية، لكنه يرى أنه لازال بطيئا أمام ما تحقق بتجارب عالمية أخرى وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي.
يقول نعمان «في تقديري أن مجالات نجاح المجلس تتوقف على استمراريته، وهذه العملية مهمة جداً. فالتجارب الأخرى سرعان ما تفتتت في حين استمر المجلس الخليجي 27 عاما، وهذا بحد ذاته خلق ديناميكية خاصة به جعل التخلي عنه مسالة بالغة الصعوبة لذلك لا تجد الدول الخليجية أمامها الاستمرار مهما كانت حالة الضعف أو القصور الذي يعاني منها».
ويضيف نعمان «النتيجة الأولى هي إنشاء السوق الخليجية المشتركة العام ,2007 وهذه النتيجة تتقدم ببطء والثانية هي الموافقة على التنقلات بين دول المجلس بواسطة الهوية والنتيجة الثالثة هي منح المواطن حقوق متساوية في دول المجلس مثل حق التملك والاستثمار، مع بعض القيود في بعض الدول الخليجية، والرابعة هي تعزيز وزيادة مستوى التنسيق في الإطار الأمني».
ويستدرك بالقول «لكن إذا كانت هذه ملامح النجاح إذن أين القصور بالنسبة لدول مجلس التعاون؟ في تقديري هو ضعف قوة «درع الجزيرة». لا يجب أن ننسى أن المجلس عندما تأسس كان يواجه نوعين من التحديات وهو التحدي الأمني النابع من الحرب العراقية - الإيرانية وما تلاها من حروب لاحقة في المنطقة، وكانت قوات درع الجزيرة تهدف لإيجاد قوة ردع وقوة عسكرية قادرة على حماية المنطقة ولكن مازالت هذه القوة ضعيفة ولا يستطيع الاعتماد عليها».
ويضيف «التحدي الثاني هو التكتلات العالمية ودول مجلس التعاون الخليجي لم ترقَ فيما بينها لهذا المستوى، فمازال هناك الكثير من القيود أمام السوق الخليجية المشتركة مثل تحديد السلع والخدمات، وحتى انتقال الأفراد وحرية التملك، أيضاً تتنافس الصناعات بين دول مجلس التعاون الخليجي بدلا من أن تكون صناعات متكاملة هي صناعات تتنافس فيما بينها مثل صناعات البتروكيماويات، وهذا يعكس ضعف التنسيق الاقتصادي فيما بينها، والأمر ذاته يتكرر في قضية استقطاب المصارف الإسلامية والاوفشور (...)، أيضاً العملة الخليجية الموحدة لازالت موضع شك ولازالت هناك دول تطالب بالتأجيل في الوقت الذي يستمر ارتباط اقتصاديات المنطقة بالدولار الأميركي (...)، العنصر المشترك الذي سوف يبنى عليه. العملة الخليجية الموحدة باتت موضع ضعف وتراجع، ناهيك عن الإجراءات الرسمية المرتبطة بإصدار العملة الموحدة، وحتى الآن لم تتخذ أية دولة خليجية إجراءات من شأنها تهيئة مجتمعها لإصدار عملة موحدة».
يشير نعمان الى وجود ما اسماه - بالمنغصات - التي تظهر بين فترة وأخرى بين دول المجلس مثل الخلافات الحدودية وإن كانت تتخذ شكلاً محدوداً.
الاستمرار وتأثير القوى الخارجية
مرور 27 عاماً على تأسيس المجلس واقتصار عضويته على الدول التي وقعت على وثيقته من دون فتح الباب أمام دول أخرى يطرح تساؤلا ما إذا كان هذا الاقتصار يشكل عامل نجاح نحو الاستمرارية.
يقول نعمان «بلا شك إن تشابه الأنظمة السياسية والبعد الجغرافي أسهم كثيرا باستمرار المجلس أمام إخفاق الاتحاد السوري - المصري في الخمسينات من القرن الماضي (...)، أيضاً التحديات الأمنية التي واجهها المجلس والتي لازالت قائمة باتت تشكل عنصر تعزيز لإبقاء المجلس وتشابه الاقتصاديات والاعتماد على النفط والغاز جعل من مستوى المعيشية متقارب بالنسبة لشعوب دول المجلس، في الوقت الذي يشكل هذا العنصر معوقا يحد من التكامل الاقتصادي والتجارة البينية. فالتجارة البينية بين دول الخليج لا تزيد عن نسبة 8% من تجارة كل دولة من دول المجلس مع العالم الخارجي وهو معدل ضعيف (...)، أيضاً هناك تشابه بالتركيبة الاجتماعية وصلات القرابة بين شعوب المنطقة».
لكن نعمان لا يستثني أيضاً العامل الخارجي من نجاح استمرارية مجلس التعاون الخليجي بالقول «القوى الخارجية لديها مصلحة أن تبقى دول الخليج متماسكة وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية لأنها تشكل القوة المسيطرة المهيمنة اليوم وهو دور مهم لا نستطيع أن نستبعده».
لقد اعتبر محدثنا أن استمرارية مجلس التعاون الخليجي شكل نجاحاً نسبياً أمام الإخفاقات العربية بخلق أي مشروع وحدوي رغم المكونات التي تتقاسمها المنطقة العربية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، سيما عنصر اللغة والدين في الوقت الذي نجحت الدول الأوروبية بالقفز على الاختلاف والاتجاه بخطى سريعة نحو التكامل.
يقول نعمان «عندما نشأ اتحاد الحديد والصلب في الاتحاد الأوروبي ومن ثم تطور حتى وصل إلى المرحلة الراهنة كان يقوم على التكامل الاقتصادي كنقطة البداية إضافة الى وجود نخبة مثقفة تؤمن بالاتجاه الوحدوي إضافة الى عنصر الثقافة الأوروبية التي تختلف اختلافاً كبيراً عن الثقافة العربية التي لازالت تتمسك بالبعد القبلي (...)، للأسف دائماً نبدأ من نقطة الصفر ولا نتجه الى ما انتهى عنده الآخرون وهذه نرجسية فكرية نعتنقها في العالم العربي وهذا ما أدى الى ضعفنا وتفككنا وإعادة تكرار المحاولة من دون تحقيق شيء».
نجاح قائم على الانسجام والترابط الاجتماعي
فيما يرى عضو مجلس النواب الأردني السابق الكاتب والمحلل السياسي حمادة فراعنة أن نجاح مجلس التعاون الخليجي يكمن في تماثل الأنظمة الحاكمة في منطقة الخليج.
يقول فراعنة «الأنظمة الخليجية هي أنظمة محافظة وتتماثل بالجوانب الاقتصادية والدينية والاجتماعية، أيضا المخاطر المشتركة التي واجهت هذه البلدان سواء كانت من قوى محلية إرهابية متطرفة أو إقليمية مثل الحروب التي شهدتها المنطقة والتدخلات الأجنبية (...)، الاحساس بالخطر دفع باتجاه زيادة تقارب بلدان الخليج والمحافظة على الحد الأدنى من علاقاتها مع بعضها البعض عبر هذه الأطر التي تشكلت».
ويضيف «القوة الاقتصادية التي تستند عليها منطقة الخليج وضعف التباين في مستويات المعيشية بين بلدان الخليج هي في حالة مستقرة مما يساعدها على توسيع سوق رؤوس الأموال الخليجية لأنها بحاجة دائمة للتجارة والاستثمار. هذه العوامل عززت من الاستمرارية بالنسبة للمجلس رغم أن هذه الاستمرارية عليها تحفظ كبير بحيث إنها لم تستطع قطع أشواط عملية ملموسة في التقارب، حيث لازال هناك بعض الحساسيات السياسية ومعوقات تعترض قضية التكامل فيما بينها، لكن عموماً نجحت بصورة نسبية في تحقيق كيان خليجي على ارض الواقع».
يشير فراعنة الى أن الإخفاق بخلق كيانات مماثلة على الأرض العربية يعود الى حالة التناقض بين مصالح الدول التي شكلت كيانات مشابهة مثل مجلس التعاون العربي والاتحاد المغربي.
يقول فراعنة «لقد دمر صدام حسين مجلس التعاون العربي عندما اجتاح الكويت في العام 1990 وتباين المواقف حول هذا الغزو إضافة الى أن العامل الجغرافي الذي يشكل عنصراً ايجابياً في تجربة الخليج نحو الاستمرارية فيما كان هذا العنصر شبه مفقود في تجربة مجلس التعاون العربي باستثناء العراق والأردن (...)، ولو انتقلنا الى الاتحاد المغاربي نجد أن هناك وحدة جغرافية، ولكن هناك تناقضا في المصالح والرؤى بين المغرب والجزائر أدت الى القطيعة السياسية وحالة حرب غير معلنة بالنسبة للصحراء المغربية. وهناك برامج سياسية نقيضة بين ليبيا والبلدان المغاربية الأخرى (...)، لذلك نجد انه لا توجد رؤية أو فهم بين دول المغرب، لكن في التجربة الخليجية هناك انسجام وتوافق وترابط اجتماعي وتبادل مصالح ولم تكن هذه الخصائص لتتوفر في رؤية مجلس التعاون العربي أو الاتحاد المغربي».