بسم الله الرحمن الرحيم
تركز مهمة التعليم في غالبية الكليات والمعاهد العسكرية على تزويد الطالب بما يلزم من العلوم العسكرية، وغيرها من العلوم الإنسانية والتطبيقية، ليحوز على الصفات الضرورية التي تؤهله للخدمة العسكرية ضابطاً عاملاً بها، ومن خلال هذه المهمة يتم العمل على إحداث تنمية في الشعور بالواجب والمسؤولية في نفس الطالب، حيث تتأكد صفاته الأخلاقية وانضباطه العسكري، ومن ثم يصبح عضواً فعالاً في الميدان الذي يعمل به، كما أن تزويده بالعلوم العسكرية وغيرها من العلوم التطبيقية، يمكنه مستقبلاً من تطوير مجتمعه إلى الأفضل، فضلاً عن حرص العملية التعليمية على زرع أصول التربية العسكرية الصحيحة في عقله، وترسيخ قواعد الانضباط العسكري في وجدانه، وتنمية الملكات القيادية في إحساسه، اقتناعاً بأن ذلك يمثل القاعدة والمنطلق لتأصيل الروح العسكرية العالية التي تمثّل أهم ركائز الكفاءة القتالية. ومن الطبيعي أيضاً أن يستهدف التعليم العسكري رفع اللياقة البدنية لدى الطالب بوسائل مختلفة، ليكون قادراً على تحمل مسؤوليات العمل العسكري. وحتى يكون هذا التعليم على درجة عالية من الشمول والتكامل، تتضافر في سبيل ذلك العلوم المختلفة: عسكرية، وإنسانية، وتطبيقية.
وعلى الرغم من الدور الذي تلعبه هذه العلوم في صقل شخصية الطالب، وإثراء معارفه ومداركه، وتمكينه من مسايرة المتغيرات المستمرة في جوانب الحياة المختلفة، وأن معظم المواد المنضوية تحت هذه العلوم تساير الخريج في حياته العملية، وتوفّر له فرص التعامل بفهم ودراية مع كثير من القضايا والمشكلات، فإن الحرب النفسية باعتبارها واحدة من بين مفردات علم النفس تظل لصيقة بشخصية الضابط، مهما امتدت به سنوات الخدمة العسكرية، ومهما تنوعت مجالات عمله وتعددت جهاتها، واختلفت مهامها.
وتستمد الحرب النفسية أهميتها من كونها مشابهة لمختلف أنواع الحروب الأخرى العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية فهي سلسلة من الأعمال التي تحاول بواسطتها قوة أو سلطة ما إرغام الخصم أو العدو على قبول مطالب معينة، سواء أكانت عادلة أو غير عادلة، باستخدام أساليب الدعاية والوسائل السيكلوجية والمعنوية الأخرى، للتأثير في المعنويات والاتجاهات، ومن ثم تُوجِد حالة من الانشقاق والتذمّر بين الصفوف، تساعد على كسب المعارك الحربية، وإلحاق الهزيمة بالخصم. وبمثل ما توجَّه هذه الحرب للأعداء والخصوم لخفض الحالة المعنوية لهم، فإنها توجّه أيضاً للموالين والحلفاء والمحايدين والعسكريين والمدنيين، لكسب مزيد من ولائهم وتعاونهم، أو لرفع الروح المعنوية لدى المحاربين منهم.
إن معرفة الضابط بقواعد الحرب النفسية تكسبه خبرات وقدرات لا غنى له عنها، إذ إن هذا النوع من الحروب يستهدف تدمير العزيمة والإرادة للخصوم من عسكريين ومدنيين على حدٍ سواء، وإضعاف القدرة القتالية للمحاربين، وخفض معنوياتهم، وتشكيكهم في عدالة قضيتهم؛ ويستهدف في الوقت نفسه رفع الحالة المعنوية للأطراف التي قامت بشنّها، ورفع قدرات قواتها القتالية، وزيادة كفاءتها على النضال والصمود والتضحية والبذل والعطاء؛ وحسبنا أن نعلم أن إتقان الضابط لأصول هذا النوع من الحروب يجعل بإمكانه أن يغير مشاعر الخصوم، سواء بالتحريض بأن دعواهم باطلة، أو بإقناعهم بأن الاستسلام والخضوع هو السبيل الوحيد لتحقيق مصالحهم، بحيث لا تكون هناك جدوى من الاستمرار في الحرب والمقاومة، وأن الحل الوحيد هو استسلامهم.
إن الحرب النفسية كأداة من أدوات السياسة والحرب أقدم عهداً من صليل السيوف، ودويّ المدافع؛ كما أنها لا تعرف حدوداً للزمان والمكان، ولاشك في أن الطبيعة المستترة لهذه الحرب تجعل الضابط بحاجة دائمة إلى التعرُّف على مستجدات أساليبها، ومستحدثات طرائقها، فغاية الضابط في كل وقت، وفي أي جيش هي كسب الحرب، والحرب النفسية هي إحدى الوسائل المؤثرة في ذلك إيجاباً وسلباً