تتباين وجهات نظر الخبراء، بشأن الانفاق الحربي للولايات المتحدة، في العراق وافغانستان، وعلاقة ذلك بازدهار الاقتصاد الامريكي. ويختلف علماء الاقتصاد بالاساس حول فيما اذا كانت هاتان الحربان ذات تأثير ايجابي او سلبي اقتصاديا على المدى البعيد. ومع هذا، يظل اجمالي الانفاق العسكري (بما فيه الانفاق على الدعم والعمليات داخل العراق وافغانستان، وتلك المرتبطة "بالحرب الدولية على الارهاب"، وجميعها ذات ميزانيات منفصلة عن ميزانية الدفاع الامريكية)، انفاقا متواضعا نسبيا مقارنة مع المستويات التاريخية.
ففي الحرب العالمية الثانية، ارتفع الانفاق لاغراض الدفاع ليصل الى 37.8 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة. وفي هذه الايام، وحتى باشتمال الحال على ملاحق الانفاق الحربي ومصاريف الحرب على الارهاب، ووضعها في رأس ميزانية الدفاع الاعتيادية، يصل هذا الرقم الى 6.2 بالمئة تقريبا من اجمالي الناتج المحلي. وبينما يقول خبراء ان اجمالي كلفة الحروب يجب ان يبقى، تبعا لذلك، في اطار العلاقة النسبية، فانهم يشيرون ايضا الى عواقب اقتصادية مصاحبة غير المصاريف المباشرة. ويتضمن ذلك الديون الدولية الناشئة من تدعيم كلفة الحرب، والتطايرية في اسواق النفط العالمية التي تعزى جزئيا الى اعمال العنف في العراق وافغانستان، وعدم اليقين الجيوسياسي الناجم عن حرب ما تزال غير شعبية على نطاق واسع خارج الولايات المتحدة.
ويقول خبراء ان هذه الامور جميعها تأتي بعواقب اقتصادية خاصة بها.
الكلفة الاجمالية لحربي العراق وافغانستان بعد هجمات 11 ايلول، قامت الولايات المتحدة بجهود عسكرية جديدة على عدد من الجبهات، بما فيها العراق. وتبقى التقديرات المتعلقة باجمالي تكاليف هذه المجهودات الحربية مسيسة الى ابعد الحدود. وعلى الدوام، فاقت هذه التكاليف توقعات الحكومة. ففي ايلول ،2002 قدر المستشار الاقتصادي للبيت الابيض لورانس ليندسي ان تصل كلفة غزو العراق ما بين 100-200 مليار دولار. ووصف ميتش دانيالز، الذي كان يرأس في حينه مكتب موازنة البيت الابيض، تقديرات ليندسي "عالية جدا، جدا". وقال ان الحرب ستكلف من 50-60 مليار دولار.
وبعد ذلك بوقت قصير، غادر ليندسي البيت الابيض. وفي كانون الثاني ،2004 صدر تقرير عن مكتب الموازنة في الكونغرس، قدر فيه اجمالي كلفة اعادة اعمار العراق بين 50-100 مليار دولار. غير ان هذا المكتب ذاته قال في تقرير آخر جديد، صدر في تشرين الاول ،2007 ان الولايات المتحدة قد انفقت حتى تاريخه 368 مليار دولار على عملياتها العسكرية في العراق، اضافة الى 45 مليار دولار اخرى صرفت على خدمات ذات صلة بذلك (كالعناية بالمحاربين القدماء، والاجهزة الدبلوماسية، والتدريب)، علاوة على ما يقرب من 200 مليار دولار في افغانستان.
اما اليوم، "فتذهب تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس الى ان كلفة الحرب على العراق، كما هي متصورة حتى ،2017 قد تصل الى تريليون دولار، اضافة الى 705 مليارات دولار هي قيمة فوائد المدفوعات". ويقول التقرير ان اجمالي تكاليف الحربين على العراق وافغانستان معا، قد تصل الى 2.4 تريليون دولار.
ويقول بعض الخبراء، انه حتى هذه الارقام تقلل من القيمة الحقيقية للكلفة. فقد تصور جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، والمستشار الاقتصادي سابقا للرئـيس بيل كلينتون، في ورقة بحث اعدها مع عالمة اقتصاد اخرى هي ليندا بيلميس، ان اجمالي الكلفة الكبرى للحرب على العراق ذاتها ستزيد على تريليوني دولار. ويختلف هذا التحليل عن تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس الذي عاير التأثير المالي للحرب على الموازنة وحسب. كما يتنبأ ستيغليتز وبيلميس ايضا بوقوع تأثير اكبر على الموازنة مما يراه المكتب، هذا بالرغم من رد الاخير في نهاية تقريره لعام ،2007 بان بعض الاختلاف قد اخذ بعين الاعتبار نظرا لعوامل اخرى، كالتضخم ومعايير زيادة الرواتب، التي لا شأن كبيرا لها بالحرب على العراق ذاتها.
وفي الفترة القريبة الماضية، نشرت مجموعة من الديمقراطيين الاعضاء في اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس، تقريرا يقدر اجمالي كلفة العمليات في العراق وافغانستان، على المدى البعيد، بين 2.6-4.5 تريليون دولار، ويتوقف ذلك على سرعة سحب القوات منهما. وقد لقيت هذه الارقام انتقادات حادة من الجمهوريين في الكونغرس، الذين اصدروا بيانا يبيون فيه عشرات الاخطاء في استنتاجات التقرير، التي جرى تصحيحها لاحقا.
ميزانية الدفاع مقارنة مع الاقتصاد الاجمالي
ازدادت ميزانية الدفاع في الولايات المتحدة، خلال العقد الماضي، لكنها بقيت ادنى بكثير من مستوياتها التاريخية، من حيث نسبتها المئوية من اجمالي الناتج المحلي. وقد طلب الرئـيس بوش مبلغ 481.4 مليار دولار، في شكل انفاق استنسابي، لميزانية وزارة الدفاع عام 2008 . ولا يتضمن هذا الرقم اي شيء يتعلق بالانفاق على الحربين على العراق وافغانستان، اللتين يجري الانفاق عليهما بصورة اساسية من خلال "مطالب اضافية طارئة"، لا تدخل في حسابات الموازنة الفيدرالية. ومن المتوقع ان يصل الانفاق الى 193 مليار دولار في عام ،2008 بزيادة مقدارها 22 مليار دولار، وبنسبة 13 بالمئة تقريبا عنها في عام 2007 . كما ان هناك جوانب من الانفاق، ذات علاقة بالامور الحربية، لا تقع ضمن اطار موازنة الدفاع، مثل بحوث الاسلحة النووية، وبرامج شؤون المحاربين القدماء، وانشطة وزارة الخارجية في مناطق الحرب، وعمليات تغطيها ميزانيات اجهزة الاستخبارات المختلفة. هذا اضافة ان مخصصات "الحرب على الارهاب"، التي تزيد على 145 مليار دولار لعام ،2008 تقع هي الاخرى خارج ميزانية الدفاع، ولا تشمل ملحقات الموازنة الحربية.
ومع ذلك، وحتى بالنظر الى الموازنة العسكرية والانفاق الحربي مجتمعين، فان اجمالي الانفاق الامريكي يظل متواضعا بالمقارنة مع مستوياته التاريخية في زمن الحروب. فقبل وقت قصير من الحرب الفيتنامية، اي في عام ،1962 استنفد الانفاق على شؤون الدفاع وحدها 9.3 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي. وكان الانفاق خلال الحرب العالمية الثانية اعلى من ذلك، اذ بلغت ميزانية الدفاع 37.8 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي في عام 1944 . وحتى بعد الزيادات الاخيرة، فقد بلغ الانفاق على شؤون الدفاع، اليوم، حوالي 3.7 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي. وباجمال هذه النفقات مجتمعة، حتى بعد تضمين ملاحق الانفاق على الحرب وعلى "الحرب الدولية على الارهاب"، تصل النسبة الى 6.2 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي. ومع كل ذلك، ما يزال الانفاق الحالي يمثل ازديادا عنه منذ ما قبل الحربين على العراق وافغانستان، حيث بلغ الانفاق على الدفاع 3 بالمئة تقريبا من اجمالي الناتج المحلي.
وفي سياق عالمي، يحتل انفاق الولايات المتحدة على الجهود المتعلقة بالشؤون العسكرية مرتبة عالية. فحسب بيانات صادرة عن "معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام"، في عام ،2005 تنفق الولايات المتحدة على الجهود الحربية اكثر من اي بلد آخر في العالم. ولو استثني الانفاق على الحرب، وكذلك مخصصات "الحرب الدولية على الارهاب"، لظلت الميزانية العسكرية للولايات المتحدة اكبر سبع مرات من ميزانية اقرب منافساتها، وهي الصين. واذا اضيفت المصاريف الاخرى، فسيفوق الانفاق العسكري الامريكي انفاق جميع دول العالم مجتمعة. وتذكر وكالة المخابرات المركزية الامريكية، على صفحتها على الانترنت، انه عند النظر الى "الانفاق العسكري بنسبته المئوية الى اجمالي الناتج المحلي"، نجد ان ترتيب الولايات المتحدة يأتي في الثامنة والعشرين بين دول العالم.
المصدر: المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب |