شرعت الصيدليات في مناطق عدة من الجزائر في استقبال علب «أر اش بي»، المثيرة للجدل بين من يعتبرها «دواء»، ومن يصنفها في خانة المكمل الغذائي، علما أن هذه العبارة مكتوبة على العلب، وأن وزير الصحة نفسه قال إنه سيسوق على أنه مكمل غذائي، ولكن مع الإشارة إلى أن السبب هو عدم الانتهاء من التحاليل المخبرية، لكن الأكيد أن أغلبية المرضى مقتنعون أن «رحمة ربي» (وهو الإسم المتداول إعلامياً لهذا «الاختراع» ) هو العلاج الشافي لمرض السكري المزمن، وهذا بسبب الخلط الكبير والتلاعب بالكلمات، واللعب على المشاعر والعواطف وآمال المرضى وعائلاتهم، الذين هم بحاجة لأن يصدقوا.
وعرفت بعض الصيدليات التي استقبلت كميات من هذا «المكمل الغذائي» تهافتاً على «الدواء المعجزة»، الذي بيع بأقل من 17 دولاراً للعلبة الواحدة التي تضم 56 قرصاً، وسط إقبال كبير من طرف المرضى وعائلاتهم، الذين وقفوا في طوابير طويلة، وكلهم أمل في الظفر بعلبة من هذا «الاختراع»، الذي انتظروه طوال أشهر، خاصة في ظل الحملة الإعلامية التي صاحبته.
الموضوع يتضمن بين طياته أكثر من سؤال، القصة بدأت بتحقيق تلفزيوني بثته قناة «الشروق» (خاصة) والتي تحدثت عن الاختراع وعن صاحبه توفيق زعيبط (الذي يشكك البعض حتى في كونه دكتوراً) وذلك في إطار تحقيق عن الكفاءات المهمشة، ولم يمر سوى أسبوع حتى كان وزير الصحة عبد المالك بوضياف يستقبل صاحب «الاختراع»، وكانت كاميرا القناة موجودة بالطبع لتخلد هذه اللحظة، وفي اليوم التالي نشرت صحيفة «الشروق» التي تنتمي مع القناة إلى مجمع إعلامي واحد خبراً يقول إنها دفعت الوزير إلى تبني الاختراع، وفي أول تصريحاته راح زعيبط يقول إنه رفض جائزة نوبل، في حين اعتبرت إحدى صحافيات القناة أن المخترع زعيبط بحاجة إلى حراسة أمنية، خوفاً على حياته من لوبيات مخابر الأدوية العالمية!
بعد أيام انتشر خبر «المعجزة» كالنار في الهشيم، ليتراجع زعيبط نوعاً ما عن أقواله السابقة، فبعد أن كان يتحدث عن دواء أصبح يتحدث عن مشروع دواء، معتبراً أن الامر مازال في مراحله الاولى، لكن سرعان ما عادت حملة الترويج ل «المعجزة» و»الدكتور العبقري»، فأصبح صوت الاحتفال يعلو على صوت العقل، وأصبح أي مشكك، ولو كان من أهل الاختصاص يقابل بسيل من الانتقادات والتعليقات من سبيل:» لو كان اسم توفيق زعيبط جان بيار لفرح به وباختراعه الجميع»، أما الوزارة فشعرت بأنها لن تستطيع التراجع، فقررت مواصلة دعم المشروع، ولكن مع ترك هامش خطأ، إذ قال الوزير بوضياف إن المشروع إذا نجح فسيكون ذلك أمراً جيداً، أما إذا فشل فزعيبط يتحمل المسؤولية، مع التأكيد على أنه يثق في صاحب «الاختراع»، وحكى كيف التقاه أول مرة في جنيف وقرر أن يتبناه، وأنه دعمه لما كان محافظاً في مدينة قسنطينة، أي قبل أن يتولى وزارة الصحة.
من جهتها راحت جمعيات مرضى السكري تحذر من مغبة تناول هذه الأقراص، التي لم يتم تجريبها من قبل، كما نددت بما اعتبرته مسلسلاً صنعته وسائل إعلام من أجل استقطاب المشاهدين، إذ أكد فيصل أوحدة رئيس جمعية مرضى السكري بالجزائر العاصمة، أن الإعلام يتحمل مسؤولية كبيرة في المغالطة التي وقعت، أو ما اعتبره عملية بيع الوهم للمرضى والتلاعب بمشاعرهم.
واعتبر أوحدة أن هناك أخذاً ورداً بخصوص هذا الموضوع، فمرة يقال إنه دواء ومرة يقال إنه مكمل غذائي، حتى اختلط الأمر على المرضى الذين يعتقد الكثير منهم أنهم سيتخلصون من مرض السكري بمجرد تناول أقراص «رحمة ربي»، مشيرًا إلى أنه تحدث مع توفيق زعيبط الذي أكد له أنه لم يسبق أن طلب من المصابين بالمرض التوقف عن تناول دواء الأنسولين، وتعويضها بأقراص «أر أش بي».
من جهته اعتبر يوسف خبابة النائب بالبرلمان وعضو لجنة الصحة أنه من غير المعقول أن يجرب هذا الدواء أو هذا المكمل الغذائي على الآلاف من البشر ممن سيشترونه، علما أن السلطات الصحية، حسبه، لم تتبع الخطوات العلمية في التأكد من عدم تأثيره على صحة المرضى، وكذا للتأكد أيضاً من مدى فاعليته.
وأوضح أن الوزير لما يتكلم عن الدواء يفعل ذلك بطريقة أقرب إلى الإعلانات التلفزيونية، في حين أن رأي أهل الاختصاص تم تغييبه، وبالتالي فإن الانعكاسات لإقدام الوزارة على دعم مشروع كهذا قد تكون خطيرة، علماً أنه يوجد أكثر من 4 ملايين جزائري مصابون بمرض السكري.
http://www.alquds.co.uk/?p=634568