تسعى إندونيسيا إلى امتلاك أسطول غواصات هجومية محلية الصنع عبر التصنيع المشترك مع دول، بينها فرنسا وكوريا الجنوبية، ضمن برنامج عسكري أشمل من المقرر أن يمتد حتى عام 2024، وتحكمه الصراعات على السيادة في بحر الصين الجنوبي، الغني بحقول النفط والغاز الطبيعي، وتحديدا جزر "ناتونا"، الغنية بالأسماك، أقصى شمال إندونيسيا.
وفي 31 مارس الماضي، أعلنت فرنسا تمديد اتفاقية بين شركة المقاولات والحلول البحرية الفرنسية DCNS وشركة بناء السفن الإندونيسية PT PAL ، كانت قد انتهت في ديسمبر الماضي.
هذه الاتفاقية تهدف إلى تعاون فرنسا مع البلد الآسيوي في تعزيز طموحه في اقتناء الغواصات العسكرية.
ووفق شركة الصناعات البحرية الفرنسية، في بيان، يتضمن التعاون بين الطرفين، والمتوقع له أن يستمر سنوات، إجراء دراسات حول كيفية تعزيز قدرات إندونيسيا البحرية، عبر بحث إمكانية مساهمة البحرية الإندونيسية في تصنيع الغواصات والسفن الحربية السطحية.
** اكتفاء ذاتي
ما تشتمل عليه هذه الاتفاقية ليس توجها جديدا على جاكرتا، فمنذ سنوات تدرس الشركات الفرنسية والإندونيسية خطة تصنيع إندونيسيا للجيل الجديد من الغواصة متعددة الأغراض Scorpene الفرنسية، القادرة على حمل أسلحة مضادة للغواصات ومضادة للسفن وصواريخ مضادة للسطح.
وقبل خمس سنوات، ترجمت جاكرتا هذا الطموح بتخصيص مليار دولار أمريكي لاقتناء ثلاث غواصات هجومية من كوريا الجنوبية، يتم تصنيعها بمشاركة شركات محلية إندونيسية.
هذه الرؤية الإندونيسية الخاصة ببناء غواصات محلية جاءت في إطار قانون الصناعات العسكرية، الذي فُعل عام 2012، ويطالب الحكومة بإشراك الشركات المحلية في تصنيع جميع الواردات العسكرية، لتنمية الصناعات الدفاعية المحلية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي لسنوات، وليس فقط لعامين أو ثلاثة.
** حتى عام 2024
وفق تقرير لمدرسة "راجاراتنام" للدراسات الدولية في جامعة نانيانج بسنغافورة، فإن الطموح الإندونيسي في اقتناء الغواصات يمثل جزءا من مشروع برنامج الدفاع العسكري، القائم على استراتيجية قوة الحد الأدنى الأساسية.
وتحت عنوان "خطة شراء الغواصات الإندونيسية: قيادة الطموح البحرى فى جاكرتا"، أضاف التقرير، المنشور عام 2015، أن هذا البرنامج من المقرر له أن يمتد حتى 2024، ويهدف إلى تعزيز قدرات إندونيسيا العسكرية، وتحديدا البحرية منها.
وتسعى البحرية الإندونيسية إلى تزويد أسطولها بـ14 غواصة، بعد أن كانت تخطط عام 2015، لأسطول من ١٠ غواصات.
وبحسب بيانات إندونيسية رسمية، تمتلك جاكرتا حاليا غواصتين فقط في الخدمة، وهما الألمانيتان KRI Cakra و KRI Nanggala
وهناك ثلاث غواصات قيد التصنيع والتجربة، وهي الغواصات الكورية الجنوبية، التي تم تصنيعها بمشاركة إندونيسية.
وبشأن التعزيزات العسكرية الأخرى للبحرية الإندونيسية، توجد في الخدمة حاليا فرقاطتان هولنديتان، وثالثة قيد التصنيع، وأربع أخريات تشملها خطة تصنيع، فيما يسستعد الأسطول الإندونيسي لضم 43 سفينة قذائف محلية خلال أعوام.
** جزر "ناتونا" هذا التطور السريع في تعزيز قدرات إندونيسيا البحرية، ولا سيما الرغبة في اقتناء الغواصات عبر التصنيع المشترك، يطرح سؤالا حول الأسباب والأهداف. محاولا الإجابة عن هذا السؤال، قال الباحث في مدرسة "راجاراتنام"، دارما أغاستيا، إن "الغواصات هي الموجة الجديدة، فالجميع يريد اقتنائها". أغاستيا تابع، في تقرير له العام الماضي، أن إصرار الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، الذي تولى السلطة في 2014، على تحديث إسطول الغواصات البحرية يعود إلى حلمه بتعزيز مكانة جاكارتا كقوة بحرية إقليمية واقتصادية في جنوب شرقي آسيا.
واعتبر أن هذا الطموح الإندونيسي تحكمه عوامل عدة، أهمها التوترات الإقليمية، ولاسيما في بحر الصين الجنوبي، إضافة إلى التطور المتسارع في سوق الأسلحة التنافسية بجنوب شرقي آسيا.
ورجح أن ذلك الطموح لن يجد له أفقا، إلا إذا جعلت القيادة الإندونيسية من هذا التوجه البحري سلاحا متوسط القوة على الأقل، يمكنه حماية المصالح البحرية الإندونيسية وتأمين الحدود الاقتصادية.
وبالفعل، تواجه إندونيسيا تهديدا صينيا تجاه جزر "ناتونا"، وهي مجموعة جزر في أقصى شمال إندونيسيا في بحر الصين الجنوبي، فبين البلدين نزاع على حقوق الصيد في مياه تلك الجزر الغنية بالأسماك، والتي تعرف باسم "منطقة الصيد التقليدية"، ويوجد فيها حقوق بحرية متداخلة.
** إغراق السفن
هذا التداخل في المصالح الاقتصادية كان وراء اعتلاء الرئيس الإندونيسي، العام الماضي، سفينة حربية تنفذ دوريات في مياه جزر "ناتونا"؛ للتأكيد على أن هذه الجزر جزء من الحقوق الإندونيسية الاقتصادية الخالصة.
ولهذا السبب، تتعمد جاكارتا إغراق سفن الصيد الأجنبية المتحفظ عليها، جراء تعديها على المياه الإقليمية الإندونيسية، وخصوصا الصينية منها، حيث أغرقت، منذ 2014، 170 سفينة صيد أجنبية.
تلك التوترات بشأن السيادة على مياه جزر"ناتونا" كانت سببا في إجراء جاكرتا مناورات على أطراف بحر الصين الجنوبي، كان آخرها في أكتوبر الماضي.
وتعد هذه المناورات ردا على تصريحات بكين المتعاقبة حول أحقيتها بالسيادة على بعض أجزاء جزر "ناتونا"، ضمن سعيها إلى السيطرة على أغلب مساحات بحر الصين الجنوبي.
ويأتي التوجه العسكري الإندونيسي في بحر الصين الجنوبي، رغم أن جاكارتا ليست طرفا في التنازع على الأراضي في هذا البحر، حيث تلعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة.
** مهام متعددة
ووفق الباحث في مدرسة "راجاراتنام" فإن الحلم الإندونيسي لاقتناء عدد متزايد من الغواصات يعود إلى قدرتها على أداء مهام متعددة في ظل التوترات القائمة في بحر الصين الجنوبي.
أغاستيا أوضح أنه في حال الحرب يمكن استخدام الغواصات لنقل القوات سرا وإجراء عمليات تجسس، ما يتماشى مع طموح البحرية الإندونيسية بالعمل في كل من المناطق الساحلية والمحيطات المفتوحة لتحقيق السيادة البحرية.
ولتحقيق هذا الحلم، خصصت جاكرتا، تحت رئاسة ويدودو، 8.3 مليار دولار أمريكي، لتمويل احتياجات ومشروعات وزارة الدفاع الإندونيسية خلال العام الجاري، بزيادة قدرها مليار دولار عن العام الماضي.
** بحر الصين الجنوبي
ومن إجمالي 3.5 ملايين كيلومتر مربع غنية بحقول النفط والغاز الطبيعي، تطالب الصين بالسيادة على 80% من مساحة بحر الصين الجنوبي.
فيما تطالب ماليزيا، والفلبين، وسلطنة بروناي، وتايوان، وفيتنام بالسيادة على أجزاء من البحر، الذي يشهد حركة بضائع سنوية بقيمة 5 تريليونات دولار، أي قرابة نصف حركة الشحن في العالم.
وفي ظل هذا الصراع تخشى إندونيسيا أن يتداخل "خط القواطع التسع"، الذي يحدد حدود الأراضي، التي تطالب بها الصين في هذا البحر، مع الحدود البحرية الإندونيسية قرب جزر "ناتونا".
ويمثل ذلك الخط أساس النزاع، وهو على شكل حرف "يو" بالإنكليزية، ومكون من 11 قطع غير متصل، وبموجبه يقع الجزء الأكبر من بحر الصين الجنوبي تحت السيادة الصينية، بما في ذلك جزر باراسيل، وسبراتلي، وبراتاس الاستراتيجية الغنية بالمواد البترولية والموارد الاقتصادية.
مصدر