اقتصاديات الإرهاب: من يدفع الثمن؟
يشير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أن تكلفة تنفيذ أي تفجير انتحاري تقدر بـ150 دولارًا تقريبًا، بهذا المبلغ الزهيد يمكن للإرهابي قتل حوالي 12 شخصًا فى المتوسط، وإثارة الذعر في نفوس آلاف المواطنين.
يكفيك هنا أن تعلم أن سلسة التفجيرات التي استهدفت شبكة مواصلات لندن في يوليو 2005 والتي خلفت أضرارًا قُدرت بنـحو 2.5 مليار دولار تكلّفت ألفي دولار فقط!.
إذن فالإرهاب تجارة غير عادلة، تعظم ربح الإرهابيين في حين تتحمل الدولة والمواطن الخسارة كاملة.
اقتصاديات الإرهاب العالمي
تزايدت وتيرة العمليات الإرهابية خلال الفترة الأخيرة ليس في مصر فقط، وإنما في شتى دول العالم المتقدم منه والنامي على السواء، حتى أن مفهومًا جديدًا تمت صياغته في هذا الصدد، هو مفهوم اقتصاديات الإرهاب. وظهرت جهود لمحاولة تحديد حجم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد العالمي كل عام نتيجة الهجمات الإرهابية.
ففي آخر تقرير له أشار معهد الاقتصاديات والسلام إلى أن خسائر الاقتصاد العالمي بسبب الإرهاب تقدر بـ16.3 تريليون دولار عام 2015، هذا الرقم يتضمن جميع الخسائر المباشرة من الممتلكات والأرواح التي بلغت 28328 ضحية عام 2015، وغير المباشرة كالإنفاق على الاحتياطات الأمنية والذي بلغ 4.2 تريليون دولار على مستوى دول العالم خلال نفس العام، ناهيك عن توقف نشاط الشركات وتراجع أداء قطاعات معينة كالسياحة والاستثمار والتصدير.
إلا أن لكل عملية إرهابية على حدة تكلفة مباشرة وغير مباشرة ترتبط بها، ويمكن تقدير هذه التكاليف من خلال رصد حجم الخسائر في الممتلكات والأرواح والدخول. فعلى سبيل المثال لا الحصر قدرت إحدى الدراسات قيمة الممتلكات التي أتلفتها أحداث 11 سبتمبر بـ14 مليار دولار، كما قُدرت تكاليف إزالة المخلفات بنحو 10 مليارات دولار، بالإضافة إلى 3.3 مليار دولار تمثل فاقد الأجور نتيجة توقف الأعمال خلال تلك الفترة.
أما الناتج المحلي الإجمالي فقد حقق خسائر تقدر بـ47 مليار دولار، ناهيك عن الخسائر البشرية، وغيرها من الخسائر التي لا يمكن بحال من الأحوال تحديد قيمة لها، كالألم البدني والنفسي الذي ألمَّ بالمصابين وذويهم.
اقتصاديات الإرهاب في محيطنا العربي.. تونس نموذجًا
تسارعت وتيرة العمليات الإرهابية في تونس، شأنها في ذلك شأن مصر، منذ أحداث الربيع العربي. ولعل أشهر هذه العمليات على الإطلاق هي محاولة مسلحي داعش الاستيلاء على مدينة بن قردان والتي تقع بالقرب من الحدود الليبية وإقامة إمارة داعشية بها في 7 مارس 2016، إلا أن قوات الأمن التونسية أجهضت تلك العملية.
ما يهمنا في هذا الطرح هو تداعيات الإرهاب على الاقتصاد التونسي، فقد كشفت دراسة أعدها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات عن تكلفة مكافحة الإرهاب في تونس خلال عام 2015، والتي بلغت حوالي 1.125 مليار دينار؛ أي ما يعادل 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والذي يقدر بـ97 مليار دينار، بالإضافة إلى تكبد القطاع الخاص خسائر إضافية تقدر بـ225 مليون دينار.
هذه هي الآثار المباشرة والمنظورة لحرب الإرهاب في تونس، إلا أن إلقاء نظرة سريعة على الموازنة العامة التونسية لعام 2016 قد يميط اللثام عن بعض الآثار الأخرى غير المباشرة، فقد استأثرت ميزانيتا وزارتي الدفاع الوطني والداخلية بـ20% من الميزانية التونسية، وقد بررت الحكومة هذة النسبة بحرصها على توفير الاعتمادات المالية واللوجسيتيات اللازمة لمكافحة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة.
إلا أن ذلك الرقم في ثوبه المطلق لن يعكس مدى تأثير الإرهاب على ترتيب أولويات الإنفاق في الموازنة العامة للدولة، وبمقارنة ذلك الرقم بميزانيات الصحة والتعليم يمكننا أن ندرك مدى الضرر الذي تلحقه العمليات الإرهابية بالتنمية الاقتصادية، فقد تم تخصيص 5.5%، 6% كنسبة من الميزانية التونسية لكل من وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والصحة على التوالي.
تأثير العمليات الإرهابية على الاقتصاد المصري
تستنزف العمليات الإرهابية اقتصاد الوطن تمامًا كما تستنزف دماء أبنائه، فقد كبدت العمليات الإرهابية مصر خسائر فادحة، بلغت قيمتها 110 مليارات جنيه في عام 2015-2016 وفق تقرير مؤسسة مؤشر الديمقراطية. وقد أشارت إلى أن هذه الخسائر تنوعت بين خسائر في البنية الأساسية من محطات توليد كهرباء وسكك حديدية، وخسائر في قطاعات خدمية كالسياحة والبورصة والتجارة.
قطاع السياحة هو الأكثر تضررًا
شهد عام 2015 العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت السائحين في مصر، كان أبرزها مقتل سائحين مكسيكيين في الواحات في سبتمبر 2015 وسقوط طائرة الركاب الروسية في سيناء في أكتوبر من نفس العام، وهو ما دفع العديد من دول العالم إلى تحذير مواطنيها من السفر إلى شرم الشيخ، فكانت النتيجة المباشرة هي انخفاض أعدد السائحين بنسبة 10.5% في نوفمبر 2016 مقارنة بنفس الشهر في العام السابق.
أما عن إيرادات القطاع فقد انخفضت من 6.1 مليار دولار عام 2015 إلى 3.4 مليار دولار عام 2016، محققة انخفاضًا بنسبة 44.3 عن العام السابق. هذه هي التكاليف المباشرة التي يتكبدها القطاع جراء كل عملية إرهابية، انخفاض في أعداد السياح الوافدين لمصر، ومن ثم انخفاض إيرادات قطاع السياحة. أما عن التكاليف غير المباشرة فتتمثل في زيادة تكاليف تأمين المطارات، وضياع الملايين من فرص العمل التي يوفرها القطاع والقطاعات الخدمية المرتبطة به.
ومع وقوع تفجير الإسكندرية وطنطا بالأمس شددت إسرائيل على ضرورة مغادرة مواطنيها سيناء خلال أسبوعين، كما قامت بإغلاق معبر طابا البري. وقد أشارت ألمانيا إلى خطورة التواجد في مصر خلال الفترة الراهنة، هو ما يعمق أزمة السياحة في مصر.
في الوقت الحالي لن يمكننا تحديد مدى عمق التأثير الذي ستحدثه العمليات الإرهابية الأخيرة على قطاع السياحة في مصر، فلابد أن يمضي بعض الوقت حتى نتمكن من رصد انعكاس صدى هذين التفجيرين داخل القطاع. إلا أنه من المستبعد أن يتحسن أداء القطاع السياحي خلال العالم الجاري، وهو ما يكبد الاقتصاد المصري خسائر فادحة كونه اقتصادًا خدميًا في الأساس ولا يمتلك قاعدة صناعية وتصديرية قوية.
رأس المال بطبيعته جبان
على مدار سنتين اتخذت الحكومة المصرية عدة إجراءات تستهدف جذب الاستثمارات الأجنبية، بداية من مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي وتعديل قانون الاستثمار، وصولاً إلى تدشين الاتفاق مع صندوق النقد والذي يعد شهادة ثقة في الاقتصاد المصري.
إلا أن رأس المال بطبيعته جبان، يكره الاضطرابات السياسية والعمليات الإرهابية ويفر منها، ومن ثم كانت التشريعات الاقتصادية مهمة في سبيل تحسين مناخ الاستثمار في مصر، إلا أن الاستقرار السياسي هو عنصر الحسم في المعادلة.
وقد أدت تفجيرات طنطا والإسكندرية إلى حالة من الارتباط في صفوف المستثمرين، دفع بعضهم إلى عمليات بيع عشوائية للأسهم وهو ما انعكس على أداء المؤشرات خاصة مؤشر السوق الرئيسي الذي خسر 1.5% من قيمته، كما خسر رأس المال السوقي للبورصة المصرية 6.9 مليار جنيه مع ختام جلسة الأمس وفقًا لجريدة البورصة.
حالة الطوارئ.. ورقة ضغط جديدة على الاقتصاد
حالة الطوارئ تعني فرض قيود على النقل والمواصلات وإغلاق المحال التجارية ليلاً، وهو ما يعني توقف رحلات المترو والسكك الحديدية بشكل جزئي، فقد خسرت السكك الحديدية حوالي مليار جنيه نتيجة أحداث العنف منذ يناير 2011 حتى سبتمبر 2014.
كما بلغت خسائرها 25 مليون جنيه في يوم واحد خلال شهر يناير 2015 نتيجة أعمال العنف، وفقًا لمؤسسة مؤشر الديمقراطية.
ومن المتوقع أن تزداد هذه الخسارة خلال الثلاثة أشهر المقبلة.
بالإضافة إلى أن هذه القيود حتمًا ستطال حركة السياح الأجانب وقطاع الشحن والنقل والتجارة الداخلية، بالإضافة إلى فرض قيود على العمال والموظفين الذين يعملون في فترات مسائية إذا فرضت الحكومة حظر التجوال.
مما لا شك فيه أن إعلان حالة الطوارئ وما تستتبعه من هروب لرأس المال الأجنبي خارج مصر بالتزامن مع تراجع أداء قطاع السياحة سيؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار في الفترة القادمة ليتجاوز حاجز العشرين جنيهًا من جديد، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار خاصة مع حلول شهر رمضان الكريم وزيادة الواردات من السلع الاستهلاكية.
كيف نحارب الإرهاب؟
يمكننا القول إن أي عملية إرهابية ترتبط بالعديد من الآثار السلبية التي تلحق باقتصاد الدولة المستهدفة، هذه الآثار تمتد كما أسلفنا إلى قطاع السياحة وتؤثر على الصادرات وتدفق الاستثمارات.
أضف إلى ذلك زيادة العبء على الموازنة العامة للدولة، ناهيك عن إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام مع توجيه قدر أكبر منه للإنفاق العسكري والأمني، دافعًا بذلك بنود الإنفاق التنموي إلى الخلف.
وأخيرًا، هذه ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها المسيحيون في مصر، فقد نالتهم يد الإرهاب الغادر عدة مرات منذ 25 يناير وحتى الآن، ومع كل حادث أليم يشار بالبنان إلى دور الدين، وترتفع الأصوات التي تنادي بتجديد الخطاب الديني، وإعادة هيكلة مؤسسة الأزهر وتعديل المناهج الأزهرية وتنقيح كتب التراث، إلا أن أحدًا لم يشر إلى المقاربات الاقتصادية للعمليات الإرهابية.
فإن كان الفكر والدين هما إحدى جبهات المواجهة مع الإرهاب في مصر على المدى البعيد، إلا أن الاقتصاد يمثل سلاحًا فعالاً في مجال محاربة الإرهاب، كون ثلاثية الفقر والجهل والبطالة هم وقود الإرهاب وشعلته، هم أرضه الخصبة المتعطشة لدماء الأبرياء، فهم الوباء الذي ينهش فى جسد هذا الوطن المفخخ بالهجمات الإرهابية منذ ثورة يناير.
مصدر