أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10الجمعة 16 يونيو 2017 - 23:00

«هكذا نتجاهل ثوارنا» (1)

«يا عزيز يا عزيز كُبّة، تاخد الإنجليز». جملة شهيرة من التراث الشعبى، حفظها الناس. تلخص رأى المصريين فى الاحتلال البريطانى لمصر وتتكرر على مسامعنا مع إعادة الأفلام والمسلسلات المرتبطة بهذه الفترة. تُعرف «الكُبّة» بأنها وصف للشىء أو الإنسان الكئيب، ويرتبط التلفظ بها بإشارة بقبضة اليد نصف المفتوحة فى اتجاه الشخص المذموم. وهى أيضا تعبير عن المرض بالطاعون.
وكأن الشعار الذى عرفته القاهرة فى أتون الحرب العالمية الأولى وصولاً لثورة 1919، مقصود به الموت بالطاعون للاحتلال الإنجليزى. ولكن من هو «عزيز» الذى يتكرر اسمه مرتين فى بداية الجملة المسجوعة وبقى اسمه خالداً عبر كل هذه الأعوام الطويلة. هو عبدالعزيز زكريا على، المصرى الشهير بـ«عزيز المصرى»، أشهر ثائر عرفته مصر فى تاريخها الحديث.

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Image1

سجل التاريخ سير من هم أقل منه شأنًا، ومن هم أكثر شهرة منه بالطبع، ولكن بقى هو جملة ناقصة وغير مفهومة، رغم أن حياته فى كل فصولها قصة كفاح مليئة بالوطنية والدروس والدراما. مفهوم الثورة والثائر فى واقعنا الحالى يخضع للمزاج السياسى العام. ومن هذا المزاج يتشكل «التاريخ الانتقائى» فى المناهج الدراسية. لدينا ثوار حاصلون على الرضا والقبول، وآخرون لا مكان لهم. قدم الفريق عزيز باشا المصرى الكثير لمعظم الأقطار العربية فى كفاحها الطويل للحصول على الاستقلال من الدول الغربية المحتلة فى مطلع القرن العشرين وخاصة بريطانيا وإيطاليا وفرنسا. بل إنه ساند الثورة العربية لحين من الوقت فى مواجهة الاحتلال العثمانى. الرجل عن حق هو «أبوالثوار العرب»، وجدت هذا المصطلح بصياغات مختلفة فى مجلات وصحف مصرية قديمة، لكنى لم أعثر على رسالة علمية واحدة عن سيرته وفكره وكفاحه. كتب محدودة للغاية معظمها تعود لستينيات القرن الماضى، تتحدث على عجل عن حياته أو تتضمن حوارات سريعة معه. اللافت أن الرسالة العلمية الوحيدة التى تتناول سيرته كانت فى جامعة اليرموك الأردنية حيث قدمها الباحث عبدالكريم أحمد سليمان جرادات لنيل درجة الماجستير فى 1999 وكان عنوانها «عزيز على المصرى ودوره فى الحركة العربية 1904-1918»، وقد حصلت عليها من الباحث وأشكره على ذلك وسأعتمد عليها كثيراً خلال هذه الحلقات. أما الجامعات المصرية والتى يدرس الطلاب فى معظمها التاريخ الحديث وكذلك العلوم السياسية فقد تجاوزت «أبو الثوار». أعلم من مؤرخين وصحفيين ثقات أنه خلال ستينيات القرن الماضى، عمدت جامعاتنا إلى تسليط الضوء على ثورات المصريين القديمة والحديثة. غاص باحثو الماجستير والدكتوراه فى سير الثوار والثورات ابتداءً من العصر الفرعونى وانتهاء بالثورة العرابية. دخلت وزارة الثقافة والإرشاد ومعها السينما والإذاعة والتليفزيون على الخط وأنتجت كتبًا وأفلاماً ومسلسلات وبرامج عن مصر وتاريخها. حتى المقررات المدرسية وصلتها هذه التعليمات، والتى تم تكثيفها وتجويدها فى أعقاب نكسة يونيو. وأرى ذلك توجهًا محموداً أن ننقب فى تاريخنا القديم والجديد لنقول للشباب: لا تقفوا عند «النكسة» فهى مؤقتة وستزول لأننا أمة عظيمة.. وهذا هو تاريخنا. تم التجاوز عن محطات بعينها فى تاريخنا. ربما، كان المثال واضحًا فى عدم إبراز التفاصيل الكاملة لأسرة محمد على أو للحياة الحزبية قبيل ثورة يوليو، وكان هذا طبيعيًا فى جزء كبير منه. لكنى لم أتفهم لماذا هذا التجاوز فى حق «عزيز المصرى» فالرجل كان قريبًا من الزعيم جمال عبدالناصر ومن أنور السادات. بل إنهما ومعهما عدد من مجلس قيادة الثورة- قبيل 23 يوليو- عرضوا عليه أن يكون زعيمًا لهم. وعندما رفض الرجل لظروف سنه كان قد تجاوز السبعين. لم يتوقف عن دعمهم بل إنه ساهم فى اختيار محمد نجيب لقيادة الثورة، وتم تكريمه فيما بعد باختياره ليكون أول سفير للثورة فى الاتحاد السوفيتى وذلك حتى 1954- سيأتى ذلك فى التفاصيل خلال هذه الحلقات- وقد وصل التجاهل للرجل لغياب اسمه من الشوارع والميادين والمدارس.
 بحثت طويلاً فلم أجد سوى مدرستين فقط إحداهما وحيدة فى شارع الهرم بمحافظة الجيزة تحمل اسم «عزيز المصرى». سألنا، فقيل لنا «لا علاقة لها بالرجل وعائلته، ولم يسكن بالقرب من المنطقة، لكنه هكذا وجدنا اسمها». فى الخمسينات من القرن الماضى تغير اسم طريق سكة حديد السويس إلى طريق الفريق عزيز باشا المصرى، وبعد فترة طويلة عاد إلى الاسم القديم «جسر السويس» ليكتب فى الأسفل «عزيز المصرى سابقًا» وبمرور الوقت أُزيل اسم الرجل تمامًا. سألنا فى الأحياء التى يمر فيها الشارع الطويل فلم نحصل على إجابة دقيقة: «حدث التغيير من سنوات طويلة قبل أن نصل لمناصبنا».
 هل تم التجاهل، لأن الرجل كان صريحًا ومباشراً ولم يسكت على خطأ. لقد اختلف مع الملك فؤاد ثم ابنه فاروق. لم تعجبه مسيرة الحريات العامة فى عهد عبدالناصر، انتقد تحول مسيرة الثورة إلى الديكتاتورية وتأليه الزعيم. لكن اللافت أن يكون أنور السادات أبرز المتجاهلين لمسيرة عزيز المصرى وهو الذى التصق به قبيل الثورة، وكتب عن مغامراتهما المشتركة مع الألمان وقت الحرب العالمية الثانية الكثير من المقالات فى عدد من المجلات والجرائد وخاصة روزاليوسف والجمهورية.
 لقد بدأت معرفتى بالرجل، وأنا أنقب العام الماضى فى مسيرة أحمد حسنين باشا، فعثرت على سطور هنا وهناك عن الرجل وقوته وثباته على مبدئه. لفت نظرى حرص الملك فؤاد على أن يجعل من «عزيز» مربيًا وقائداً لابنه فاروق ولى العهد وأن يرافقه فى رحلته الشهيرة لأوروبا عام 1935. وأن الرجل اختلف مع «الملكة نازلى» ولم يتحمل مكائد «أحمد حسنين باشا» ففضل الانسحاب. لفت نظرى أيضًا إيمان «فؤاد» به رغم معرفته السابقة بأنه متمرد ولا يمكن ترويضه بسهولة. لقد آمن بشخصية الرجل وقوته وحزمه فاختار رجلاً بهذه المواصفات لكى يعلم ابنه ولى العهد، ورغم ثورية الرجل فإنه لم يكن دمويًا على الإطلاق، بل إنه نصح الضباط الأحرار بأن يتركوا الملك فاروق لشأنه، حيث كان يرى أن محاكمة الملك ستؤدى إلى انتكاسات. ونصح بخروجه من الإسكندرية على يخت المحروسة كملك وألا تلوث ثورتهم بدمائه ولا دماء أى مواطن مصرى.
 هذه الرواية وثقتها من أكثر من مصدر وسأعود إليها فى هذه الحلقات لكنها تكشف أن الرجل كان مؤمنًا بالثورة، من باب التغيير والبحث عن الأفضل لمصر ولشعبها من استقرار ورخاء وحرية. والواضح أن زعماء أى ثورة- عندما يتمكنون من الحكم- يتناسون فضل باقى الثوار، وباقى أفراد الشعب. هل هى خصلة مصرية فريدة، لا أدعى ذلك! لكنها واضحة تمامًا فى أكثر من نموذج ضمّنها قصة الفريق عزيز المصرى. فى حلقاتى طوال الشهر الكريم سألتزم بمسار الأحداث وأماكنها من القديم للحديث. 
مصادرى: دوريات قديمة، كتب مصرية وعربية محدودة العدد. أنطلق من أمهات الكتب عن المرحلة التاريخية التى عاش فيها عبدالعزيز على المصرى، أو عزيز المصرى، وبالمناسبة فهو مولود قبيل الاحتلال البريطانى لمصر بعامين أما وفاته ففى يونيو 1965 أى قبل نكسة يونيو بعامين وفى نفس العام الذى توفى فيه الملك السابق فاروق أو قُتل. تقول معظم الكتب التى رجعت إليها- وسأذكرها بالتفصيل فى الحلقات- إنه كعسكرى مخضرم كان رافضًا لتدخل عبدالناصر فى اليمن، وأنه كان يرى أن عبدالحكيم عامر ليس هو القائد المناسب للجيش المصرى وأنه توقع بشكل ما أن تؤدى القيادة الخاطئة للجيش إلى كوارث.

أنا ملتزم فى هذه الحلقات بالعرض التاريخى المجرد. كما قلت فإننى تعمقت فى مسيرة الرجل بالصدفة فوجدتها أكثر ثراءً من شخصيات شهيرة فرضت نفسها على الساحة السياسية والفنية: مغامرات الرجل مع الأتراك فى اسطنبول، وفى ليبيا مع الإيطاليين والسنوسية، وفى اليمن قائداً حربيًا ومفاوضًا سياسيًا مع «الإمام» ممثلاً للسلطان العثمانى حتى الحكم عليه بالإعدام وحملة التعاطف فى العالمين العربى والإسلامى معه والتى وصلت إلى تدخل أمير الشعراء أحمد شوقى بقصيدة شهيرة قُرئت فى القاهرة واسطنبول، مغامراته ومناوراته فى «الثورة العربية» سواءً مع الإنجليز والشريف حسين ثم الألمان، التصاقه بالملك فؤاد وابنه فاروق قبل أن يتم إبعاده، مغامراته فى الصحراء الغربية وتقربه من الألمان، هجرته إلى العراق ثم إيران، نفيه «الاختيارى» إلى إسبانيا ومنها إلى ألمانيا، ونهاية علاقته الساخنة والممتدة مع عبدالناصر ورفاقه الضباط الأحرار.

رحلة طويلة وساخنة أراها فصولاً تصلح لعمل ملحمى طويل، لكنى لا أمتلك كل المصادر ولا الأدوات المطلوبة، لذلك سأكتفى بزاوية يومية طوال رمضان.


يتبع ........


بقلم الكاتب محمد السيد صالح 


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1279

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10الجمعة 16 يونيو 2017 - 23:03

«أبو الثوار»: «عبدالعزيز» اسم المولد والشارع.. «والسلطان» (2)

فى 1863 زار السلطان العثمانى عبدالعزيز مصر. كان الخديو إسماعيل فى بدايات حكمه وشبابه طموحًا ومتدفقًا بالأمل والرغبة فى بسط نفوذه والحصول على رضا السلطان.
وكان فى نفس الوقت يتمنى أن تمر هذه الزيارة بسلام، فهى أول زيارة لسلطان عثمانى لمصر منذ دخول السلطان سليم فى 1517 واحتلاله لمصر وإعدام حاكمها طومان باى. ولما مرت الزيارة بسلام وأمان، بل حدث فيها أن الشيخ الزاهد الورع «العدوى» قد دعا للسطان، وانشرح قلب الأخير له، وتخليداً لهذه الزيارة وتكريمًا للسلطان، أطلق اسمه على شارع من أهم شوارع القاهرة فى هذا الوقت، وهو «عبدالعزيز». كان إنشاء شارع عبدالعزيز جزءًا من سياسة عامة اعتمدها الخديو إسماعيل بإعادة تخطيط العاصمة.

وكما يقول عبدالرحمن الرافعى فى موسوعته «عصر إسماعيل» فإن الخديو وجه كل عنايته الخاصة إلى القاهرة والإسكندرية، حيث أزال تلال الأتربة من القاهرة وأعاد تخطيط الشوارع وميادين جديدة كشارع الفجالة الجديد، وشارع كلوت بك وشارع محمد على وشارع عبدالعزيز وشارع عابدين. كما أنشأ أحياء بأكملها، كحى الإسماعيلية والتوفيقية وعابدين وميدان الأوبرا، ونظم جهات الجزيرة والجيزة، بعد أن أنشأ بها قصوره العظيمة، وأنشأ حديقة النباتات بالجيزة. وكان لفتح الشوارع والميادين والأحياء الجديدة فضل كبير فى توسيع المدينة وتجميلها، وتوفير الهواء النقى وتدبير الوسائل الصحية للسكان، وارتفاع قيمة الأراضى والمبانى وازدهار العمران.
 ويقال فى بعض المصادر إن شارع عبدالعزيز بالتحديد كان عبارة عن جبانة فسيحة لدفن الموتى، لكن الخديو العصرى الذى أراد للقاهرة أن تنافس مدن أوروبا شق الطريق ليربط العتبة الخضراء حيث قصر الخديو الأسبق عباس الأول وكان مدخله يحمل اللون الأخضر وبالقرب من حدائق الأزبكية التى لا تبعد عنها كثيراً. فى هذا الشارع كانت هناك أسرة يطل مسكنها على حدائق شريف الواسعة التى كانت تمتد حتى شارع محمد على. كانت هذه الأسرة، كما يذكر محمد صبيح فى كتابه عن «عزيز المصرى» تحمل اسم كبيرها الشيخ على المصرى وهو من أعيان البحيرة ومزارعيها. وقد أطلق عليه لقب المصرى، تمييزاً له عن جاره التركى واسمه الشيخ على أيضًا. وكانت زوج الشيخ على سيدة شركسية، تمتاز بالجمال والأناقة، ولكنها ككل السيدات اللاتى استقرت أسرهن فى مصر، كانت شديدة التعلق بموطنها، وكانت دائمة التحدث عن بلادها وروعتها، ولا سيما عن عاصمة الخلافة «إسلام بول» أى موطن الإسلام. وقد حرفت مرتين ليصل اسمها فى النهاية إلى إسطنبول.
 ورزق الشيخ على من زوجته هذه بابنة جميلة، وبعد سنوات قليلة على وجه التحديد رزق بابن، أصرت الأم على أن يسمى عبدالعزيز على اسم السلطان الذى يحمل شارعهم اسمه، وكان الاسم الكامل للوليد الذى تمناه الأبوان: عبدالعزيز المصرى. وتاريخ مولد عبدالعزيز (عزيز المصرى) مختلفا عليه ولكنه يتراوح ما بين 1877و1880.

ويكتب لمعى المطيعى فى كتابه «هذا الرجل من مصر» أن تاريخ مولد عزيز المصرى باشا المرجح فى 1877 وليس 1880 كما تذهب مصادر عديدة أخرى، لكن يؤكد، شأنه فى ذلك شأن آخرين، أن والده كان اسمه «زكريا أفندى على» وتوفى و«عزيز» فى العاشرة من عمره. كان زمنًا يشبه الكثبان الرملية سواءً فى القاهرة أو الأستانة. هناك فى عاصمة الدولة العثمانية، فبعد أربعة عشر عامًا من زيارته الميمونة لمصر، تم انتزاع السلطان عبدالعزيز من قصور الخلافة. حيث عرشه الكبير والوثير إلى سجن ضيق، حيث انتهت حياته قتيلاً هناك. وبعد ذلك بعامين فقط وبالتحديد فى 1879، يصدر السلطان الجديد عبدالحميد الثانى، وبناءً على ضغوط الدول الأجنبية الدائنة لمصر، واحداً من أهم فرماناته بخلع خديو مصر إسماعيل وتولية ابنه توفيق مكانه. فى هذه الأجواء يولد «عزيز». فى هذه الأجواء تتشكل الأرضية الخصبة لاحتلال بريطانى غاشم ليخنق مصر لما يزيد على السبعين عامًا.

بالقرب من مولد «عزيز» مكانًا وزمنًا، ولدت أول ثورة قومية تطالب بوضع حد لاستبداد أسرة محمد على الحاكمة وتطالب بمواجهة النفوذ الأجنبى فى مصر. كان شعارها مصر للمصريين. ونتيجة للإدارة الاقتصادية والسيئة والمبذرة فى عهد إسماعيل، وافق الخديو توفيق على قانون التصفية فى 1880 الذى خصص أكثر من نصف إيرادات مصر لصالح الدين العام وبذلك تمكن الأجانب من السيطرة على الاقتصاد المصرى. لكن المواجهة المباشرة جاءت مع رفض الأميرالاى أحمد عرابى ورفاقه من المصريين تحكم القادة الأتراك فيهم ووقف ترقياتهم عند الرتب المتوسطة. وتصاعد الأمر إلى أن كانت المواجهة مع الخديو توفيق نفسه الذى كان مجبراً على قبول طلبات الضباط المصريين وعلى رأسهم عرابى. فى العام التالى، ومع تواطؤ الخديو وخيانته، انهزم عرابى وجيشه، ثم بدأ الاحتلال البريطانى.

كانت الأسر المصرية، فى غالبها، تتعامل مع الواقع بحذر بالغ، لكن بحرص على تعليم أبنائها وبشكل جيد. ما إن بلغ عبدالعزيز المصرى سن التعليم حتى التحق بالمدرسة. كان تعليمه الثانوى فى المدرسة التوفيقية بحى شبرا. كانت مدرسة الطبقة الراقية فى ذلك الوقت. وكانت المدرسة التوفيقية تعتنى باللغة الإنجليزية، بعد أن فتح الخديو توفيق المجال للثقافة والعلوم الإنجليزية، حتى قبل الاحتلال، ولما تمكن لهم ذلك بسطوا أيديهم على مرافق الدولة وأولها التعليم.

يقول محمد صبيح فى كتابه «إن رئيس النظار مصطفى فهمى باشا كان ينفذ كل شىء يطلبه المستشارون الإنجليز.. فلا بأس من تعلم اللغة الإنجليزية فى المدارس، ولكنها كانت لغة كثير من المواد الدراسية العادية. فالطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعى والجغرافيا والتاريخ كانت تدرس بالانجليزية. وترك للغة العربية المواد الرياضية. هذا إلى جانب اللغات الثلاث العربية والانجليزية والفرنسية والرسم والخط. كان عبدالعزيز قصير القامة، وكثيراً ما عيره زملاؤه بقصره، فعوض هذا القصر بإقباله على الرياضة البدنية، حتى أصبح قادراً على منازلة أطول الأولاد قامة ولسانًا، والتغلب عليهم.

تعلم عبدالعزيز إلى جانب الإنجليزية، التركية- على يد والدته- والفرنسية، كما تعلم العربية التى كان حرص المدارس على العناية بها هو نوعا من المقاومة المثمرة للمحتل البريطانى. حصل على البكالوريا من المدرسة التوفيقية سنة 1896، والتحق بكلية الحقوق على غير رغبته ونزعته إلى العسكرية، تلبية لرغبة على باشا ذوالفقار.

فى المقابل وفى الرؤية السائدة التى حصلت عليها من أكثر من مصدر، أنه بعد أن حصل عبدالعزيز المصرى على شهادة البكالوريا بتفوق، قرر أن يلتحق بالمدرسة الحربية ليكون ضابطًا، عسى أن يتمكن من إيقاف الإنجليز عند حدهم وأن يثأر لهزيمة التل الكبير. وتقدم للمدرسة الحربية، فرفض لأن قامته أقصر من الطول المقرر للضباط، حسب المواصفات التى وضعها الإنجليز للالتحاق بهذه المدرسة. وصاحت أمه فى غضب تصف قائد المدرسة الذى رفض ابنها قائلة: خرسيس أدب سيس. عبدالعزيز يذهب إلى الأستانة العليا. أقاربنا هناك ويدخل مدرسة حربية أكبر من مدرسة القاهرة.
 تأهب الشاب الصغير القصير عبدالعزيز للرحلة التى ظل كل أيامه ولياليه يسمع من أمه عنها.. يشجعه إتقانه اللغة التركية ووجود أقارب له من أسرة والدته. وهناك فى عاصمة الدولة العثمانية «إسطنبول» التى كانت تعج بحركات تحررية وثورية شابة، تبدأ المرحلة الأولى فى «ثورية» عزيز المصرى.


يتبع ......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10الجمعة 16 يونيو 2017 - 23:05

«أبو الثوار»: وساطة أمير الشعراء نقلته من «الحقوق» لـ«العسكرية» (3)

عندما غادر الفتى عزيز للأستانة للمرة الأولى فى حياته عام 1896، للدراسة فى الكلية العسكرية، كانت القاهرة وأهلها قد خمدت ثورتهم ورفضهم للاحتلال البريطانى الذى تسبب فيه خديو خائن وجيش ضعيف.
تم تسريح وسجن ونفى قادته الوطنيين. لكن الصورة تغيرت إلى حد ما، بوصول الخديو عباس الثانى للسلطة عام 1892 وبرغم أنه ابن الخديو توفيق المتهم فى فصول تاريخنا ومن متورطين قريبين من العائلة العلوية بأنه ساهم فى احتلال مصر وقمع حركتها الوطنية. كان «عباس الثانى» مختلفًا حيث دعم الحركة الوطنية الوليدة، وتواصل مع شبابها وعلى رأسهم مصطفى كامل ومحمد فريد. وفى عهده شهدت مصر حراكًا سياسيًا وصحفيًا. كانت الحركة الوطنية بشقين الأول ينادى بالاستقلال من بريطانيا ولكن تحت راية الدولة العثمانية، وآخر وليد هو نواة الليبرالية الأولى والمنادين بالاستقلال التام عن بريطانيا والدولة العثمانية معًا. كان عزيز المصرى، والذى تشكلت رؤيته فيما بعد، مؤمنًا بشكل ما بالتيارين..

وتواصل مع الفريقين فى وقت ما من حياته. لم يستسلم الشاب عزيز المصرى ولا أمه، بقى حلم إدخاله للكلية العسكرية فى الأستانة قائمًا. ونجحت وساطة أمير الشعراء أحمد شوقى- صديق العائلة فى هذا المجال. كان حلم «المصرى» الأساسى أن يصبح ضابطًا عسكريًا من أجل طرد البريطانيين من مصر إلا أن أخته وزوجها على ذو الفقار باشا حاكم القاهرة آنذاك قد عارضا هذه الفكرة وأدخلاه فى مدرسة الحقوق كرهًا. وقلنا إنه كان قد تقدم بطلب لدخول الكلية العسكرية البريطانية وقد تم رفضه لقصر قامته. نجحت وساطة أحمد شوقى الذى كان يدرس له اللغة الفرنسية فى كلية الحقوق لدى العائلة، بعد أن أمضى «عزيز» عامًا كاملاً فى دراسة الحقوق. استعد للدراسة فى الأستانة، تعلم اللغة التركية فى شهور الإجازة السنوية وذهب إلى هناك حيث دخل كليتها العسكرية. وصل «عزيز» للأستانة والمد الثورى فى أشده ضد السلطان عبدالحميد.

كان حكم السلطان «عبدالحميد» قد بدأ فى 1876 وانتهى فى عام 1909، وكان حاكما بغيضًا رغم شهرته فى أرجاء السلطنة بأنه خليفة المسلمين المتدين المحافظ على استقلال الأمة والرافض لتواجد اليهود فى فلسطين. وحظى بدرجة متساوية من البغض من الأتراك والعرب وغيرهم نتيجة للحكم الديكتاتورى الذى قام على القهر والعنف كأساس للحكم. ظهرت العديد من الجمعيات السرية التى كان الهدف منها فى بداية الأمر المناداة بتطبيق الدستور وإنشاء مجلس نيابى والاعتماد على الشباب فى حكم الدولة، وفى مرحلة تالية، كان هدف هذه الجمعيات قيام اتحاد فيدرالى يجمع الدول الواقعة تحت الحكم العثمانى، مع استقلال كل وحدة سياسية فى الشؤون الداخلية وتوحيد السياسة الخارجية والجيش تحت قيادة واحدة، وفى المرحلة الأخيرة كان هدف هذه الجمعيات عزل السلطان لأن وجوده على العرش أصبح يعوق أى تقدم، حتى أطلقت العواصم الأوروبية على الدولة العثمانية «رجل أوروبا المريض»..

يستعرض محمد عبدالحميد فى كتابه عن عزيز المصرى «أبوالثائرين» عدداً من هذه الجمعيات التى كان أبرزها: حركة تركيا الفتاة وترجع إلى عهد السلطان عبدالعزيز وكان يرأسها مدحت باشا، ثم تحولت إلى جمعية سرية بعد تشريد الأعضاء وهروبهم إلى فرنسا ومصر، ثم نشأت جمعية أخرى عام 1906 برئاسة كمال أتاتورك وتغير اسمها إلى جمعية الوطن والحرية، ونشأت جمعية أخرى فى سالونيك تحت اسم «القحطانية الحرة» ومن عباءة الجمعيات السابقة نشأت جمعية الاتحاد والترقى التى كان من أعضائها العرب عزيز المصرى وياسين الهاشمى ومحسن العدوى وطالب النقيب وسليم الجزائرى، ومن الأتراك أنور باشا وكمال أتاتورك.

وقاد عزيز المصرى بعض القوات التركية الموالية للاتحاد والترقى فى الهجوم على إستانبول حيث تم خلع السلطان عبدالحميد بعد معارك دامية. وبذكر الجمعيات التى انضم إليها عزيز أيضًا فقد شارك فى جمعيات «المنتدى الأدبى والقحطانية» و«العربية الفتاة»، وفى القاهرة تواصل مع الشيخ محمد رشيد رضا صاحب جريدة المنار. أعود لدراسة عزيز المصرى فى الكلية الحربية، حيث تأثر هناك بالخبراء العسكريين الألمان وظل قريبا من المدرسة العسكرية الألمانية لصيقًا بها طوال حياته وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية.

كان يرى أنهم يتمتعون بسمعة عالية فى الشؤون العسكرية العثمانية، تخرج عزيز بالكلية العسكرية ثم بكلية أركان وتخرج منها بتفوق عام 1904، برتبة يوزباشى (ملازم) حيث عين فى الجيش الثالث فى مقدونيا، وتميزت فترة دراسته بتعرفه على عدد كبير من الضباط العرب الذين سلكوا نفس طريقه، ونشأت فيهم المحبة والمودة وتطابق الآراء والأفكار وتشاركوا فى عضوية الجمعيات السرية التى نجحت بعد وقت قليل فى عزل السلطان. يؤكد عبدالكريم أحمد سليمان جرادات فى رسالة الماجستير «عزيز المصرى ودوره فى الحركة العربية» أن انضمام عزيز وعدد كبير من الضباط العرب فى جمعية الاتحاد والترقى كان بدافع أفكارهم القومية.

ويركز على عزيز ويقول كان محبًا لخير الإمبراطورية العثمانية، ومتطلعا فى نفس الوقت لمستقبل أمته العربية ودولته التركية، وأنه كان يتمنى أن تقوم الدولة على عنصرى الأتراك والعرب وأن يتم تعاون وثيق ومستمر يجعلهما قويتين لمجد الدولة وقوتها. كان الشاب «عزيز» يعرف مقصده تمامًا، فرغم وجود أقارب والدته وأصدقاء والده فى الأستانة، بل إن أقارب والدته كانوا فى استقباله إلا أنه كانت له مآثر إنسانية رائعة.

وكان لا يشرب الخمر أو يلعب الميسر أو يندفع وراء الملذات أو يكذب على أحد أو يخل بوعد أو يتملق فى حديثه وتصرفاته. ورغم هذه الصفات فقد كان عنيداً وقويًا فى حجته ومنطقه. فى عام 1906، تشاجر مع قائده عثمان باشا فى منطقة أسكوبيا وكان لهذه المشكلة أثرها على علاقاته فيما بعد مع السلطات العثمانية، فقد أهان عثمان باشا أمام العامة وأمام جنوده، وكرد فعل على هذا التصرف، قام عثمان باشا بإصدار أوامره بوضع عزيز المصرى فى السجن.

وفى 1908، أصبح «المصرى» مشغولاً بالتخلص من العصابات البلغارية.

كانت العصابات تهرب وتخاف لمجرد سماع اسم عزيز المصرى، ومن الأعمال العسكرية الكبيرة التى قدمها لجمعية الاتحاد والترقى مشاركته فى ثورة 1908 التى أجبرت السلطان عبدالحميد على إعادة العمل بالدستور الذى كان قد أوقفه منذ السنين الأولى لحكمه.

قام عزيز المصرى، بعد إعلان «السلطان» العودة للدستور، بزيارة سوريا ومصر حيث اجتمع فى القاهرة مع محمد فريد وأعضاء آخرين من الوطنيين المنضمين للحزب الوطنى وقام بدعوتهم للانضمام لجمعية سرية أراد تأسيسها وتسمى «جمعية الشبان العرب» وبعد مناقشات طويلة، وكما يقول محمد فريد فى مذكراته، فقد تم رفض مشروعه لتخوفه من اتساع التفرقة بين عناصر الإمبراطورية. عاد إلى الأستانة «وكان يشعر فى ذلك الوقت بالإحباط لعدم نجاح مشروعه، ولما أراد السلطان عبدالحميد أن ينهى العمل بالدستور الذى كان قد أعلنه سنة 1908، كان المصرى أحد قادة الجيش العثمانى الذى زحف إلى الأستانة وأسقط السلطان عبدالحميد.

كانت مهمة عزيز فى هذا الزحف، الاستيلاء على جسر «غلطة» والمناطق المجاورة من الثكنات العسكرية وقد وفق إلى ذلك بشكل سريع، وأتم المهام التى أوكلت إليه. وبعد ذلك بمعاونته أنور باشا فى شمال المدينة واشترك فى الاستيلاء على ثكنة «تقسيم» التى كان الدفاع عنها شديداً. يكتب محمد عبدالرحمن برج فى كتابه عن عزيز المصرى أنه أدخل جنوده إلى الأستانة فى ذلك اليوم فى عربات قطار للبضاعة، وقد غطاها بأغطية من قماش غليظ فلم تشعر القوات الموالية للسلطان بوجود الجنود فى العاصمة إلا بعد دخولها.

وفى السابع والعشرين من إبريل 1909، تم خلع السلطان وتعيين أخيه الأمير رشاد الذى تسمى بمحمد الخامس ورغم اعتراف قيادات الثورة بفضل عزيز المصرى لجمعية الاتحاد والترقى، إلا أن الأمور لم تمض معه بشكل إيجابى بعد ذلك الصدام. ظهر للعلن وبوضوح عنصرية الضباط الأتراك تجاه زملائهم العرب رغم اشتراكهم فى مهمة ناجحة انتهت بإسقاط عبدالحميد.


يتبع ......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10الجمعة 16 يونيو 2017 - 23:07

«أبو الثوار» «العروبة».. أحلام للشروق من «اسطنبول» (4)

5 سنوات فاصلة فى تاريخ «عزيز المصرى» ما بين ١٩٠٩ حيث تنحية السلطان عبدالحميد وحتى 1914، حيث الحكم بإعدامه فى قلب عاصمة الخلافة بتهم عديدة أهمها «الخيانة والسرقة».. هى سنوات فاصلة فى العالم العربى كله لأنها كشفت الوجه الحقيقى لتركيا والقادمين الجدد فى عاصمتها، بينما لم يلجأ السلطان عبدالحميد، رغم سلوكه الديكتاتورى، إلى أساليب عنصرية أو عرقية فى أرجاء دولته، حيث كان يهدف للسيطرة على جميع العناصر العثمانية والإسلامية دون أن يلجأ إلى «التتريك»، كما فعل الاتحاديون، وهذه كانت مفاجأة سريعة اكتشفها الثوريون العرب وعلى رأسهم «عزيز المصرى».
وبعد استيلاء الاتحاديين الأتراك على أمور البلاد دبّ الخلاف مع هؤلاء الضباط العرب، الذين كانوا يأملون الحصول على نوع من الحكم الذاتى لبلدانهم، فلما لم يتحقق ذلك بدأت الدعوة إلى العروبة يشتد عودها، وكان لـ«عزيز» دور كبير فى هذه الدعوة، فاختاره الضباط العرب لقيادتهم. انفصلت العناصر العربية عن جمعية «الاتحاد والترقى» وأسسوا أكثر من جمعية أشهرها «العهد» التى أقامها عزيز المصرى بنفسه، وكانت «سرية ثورية» ضمت فقط غالبية الضباط العرب فى الجيش التركى، كان هدفها الوقوف ضد تعنت وقسوة نظام الحكم الذى كان يدين بالولاء لجمعية الاتحاد والترقى، فى الوقت الذى كان فيه السلطان محمد الخامس لا يملك أى شىء سوى مجرد اللقب. والمؤكد أن الحكام الفعليين عاملوا الضباط العرب بشدة، وتخلوا عن المبادئ التحررية التى جمعتهم فى بداية النشأة والتكوين.

يقول محمد عبدالحميد فى كتابه «أبوالثائرين» إن سياسة عزيز المصرى، وما كان يؤمن به من أفكار ثورية داخل الجمعيات التى كان عضواً بها أو التى قام برئاستها- إنما كانت اللبنة الأولى للقومية العربية التى طال انتظارها، والتى تمثلت فى الجيش العربى الذى كان من المفروض أن يظهر فى سماء الأمة العربية ليحقق الوحدة المنشودة لجميع العرب، ولكن سياسة كل من بريطانيا وفرنسا الاستعمارية، ورغبة كل منهما فى توزيع البلاد العربية تحت نفوذهما، وظهور وعد بلفور.. كل ذلك حوّل الأمانى العربية إلى سراب عندما تم غرس إسرائيل داخل أرض فلسطين.

وبينما كانت أوروبا تعيد تشكيل تحالفاتها وترسم معالم العالم العربى وتوزيعه، كقطع دومينو فيما بينها، كانت سياسة التتريك العنصرية ضد العرب مستمرة.

يقول عبدالكريم جرادات فى رسالته للماجستير عن «عزيز المصرى والحركة العربية» إن رجال «الاتحاد والترقى» كانوا يسعون إلى إحياء أمجاد الأتراك الأوائل عن طريق إحياء التراث الحضارى القديم.. وقد بدأوا يتركون بصمات واضحة على سياسة الاتحاديين.

لقد استأثر الاتحاديون بالسلطات والنفوذ، لأنهم هم الذين أعلنوا الدستور، وعزّ عليهم أن يجودوا على العرب وغيرهم بشىء من الحرية والمساواة والعدالة التى كانوا يطالبون بها.

وأخذ الصراع بين العرب والترك منذ ١٩٠٩ طابعاً عنيفاً ومظهراً جريئاً، وبدأت الحملة التركية الجائرة على العرب والعروبة فى كثير من الميادين، كالجوامع والصحف والأندية. وفى ظل هذه الظروف كان نمو الحركة العربية على أشده، وتمثل فيما كان يكتب وينشر فى بعض الصحف، وفى إنشاء وتكوين الجمعيات العربية، ولم تأت هذه الجمعيات بجديد فى الفكر، ولكنها كانت أداة ووسيلة للتعبير عن طموح النخبة العربية، وكان معظمها ذا طبيعة سرية فى معظم أنشطتها بعد أن أيقنت أنها تحت رقابة الاتحاديين. ومن بين هذه التنظيمات العربية حظيت أربعة منها بالأهمية فى تطور الوعى القومى العربى وتنظيم العلاقة بين العرب والأتراك على أساس ومفاهيم جديدة وهى «المنتدى العربى» و«الجمعية القحطانية» و«الجمعية العربية الفتاة» و«جمعية العهد».

ونؤكد، هنا، أهمية هذه الجمعيات وخطورتها فى الحياة السياسية العامة، فالانتماء إلى واحدة منها أوصل عزيز المصرى إلى حكم بالإعدام، رغم بطولات الرجل فى اليمن وليبيا قبل ذلك بشهور معدودة.

كانت هذه الجمعيات فى بدايتها ذات طبيعة ثقافية تتحدث عن العرب والإسلام والحضارة وإعادة إحياء الحكم العربى، لكنها أزعجت الأتراك. ويرصد «جرادات» فى «رسالته» أن الحكومة انزعجت، على سبيل المثال، من قصيدة بعنوان «الليل والنهار»، ويورد «جرادات» جزءاً من أبيات هذه القصيدة، ويؤكد أنها لشاعر يدعى رفيق رزق سلوم وجاء فيها:

قالوا بماذا يفخر العربى/ قلت بما يفاخر

أو لم يروا ما خلف الأجداد/ من بيض المآثر

فتحوا البلاد بسيفهم/ وبعلمهم كانوا المنائر

وبعدلهم شهد الورى/ فالفضل مثل الشمس ظاهر

كتب الجيش الرابع أن الهدف من القصيدة كان تحريض العرب على الثورة ضد الترك، وامتد أقدم هذه المنتديات وهو «المنتدى الأدبى» لمختلف الدول العربية، وذلك بفضل فروعه واتصاله بالجمعيات العربية الإصلاحية فى بيروت والبصرة ومصر، كما كان لأعضائه نشاط فى التمهيد ثم المشاركة فى عقد المؤتمر العربى الأول بباريس عام ١٩١٣ وبأقطاب المعارضة العربية فى مجلس المبعوثان العثمانى، ولكن تم إغلاقه فى عام ١٩١٥ بسبب معاداة الحكومة القائمة للحركة العربية والقائمين عليها.

أما أقوى هذه الجمعيات فكانت «الجمعية القحطانية» التى جاءت تسميتها بهذا الاسم نسبة لقحطان، الجد الأول للعرب، ويؤكد بعض المؤرخين أنها جاءت رداً على المخلصين من جمعية الاتحاد والترقى لتوران، (طوران) جد الأتراك، والتى تعنى أيضا الأرض الأسطورية «الأصلية» التى أتى منها الأتراك. أسس الجمعية فى ١٩٠٩ مجموعة من الضباط العرب إضافة إلى المدنيين، كان من بين المؤسسين ثلاثة ضباط فى بغداد هم: جودت الأيوب وجعفر العسكرى ونورى السعيد. وكانت الجمعية تسعى إلى إنهاض العرب وجمع كلمتهم والمطالبة بحقوقهم فى المشاركة بحكم الدولة، وتعتبر مظهراً من مظاهر التذمر العربى تجاه الحكومة الاتحادية.

وقد سعت منذ البداية إلى تحويل الدولة العثمانية إلى مملكة مزدوجة، وذلك بأن تكون البلاد العربية مملكة واحدة لها برلمانها وحكومتها الخاصة بها، وتكون اللغة العربية لغة التدريس بها، على أن تصبح هذه الدولة جزءاً من إمبراطورية تركية عربية تشبه فى تكوينها اتحاد المجر مع النمسا. وقد كان لعزيز المصرى دور بارز فى تأسيس هذه الجمعية، حيث كان آنذاك برتبة بكباشى «مقدم» أركان حرب، فقد سعى إلى ضم خيرة رجال العرب بأى وسيلة كانت ومن مختلف أوطانهم. كان الهدف الأساسى- كما ذكر عزيز المصرى- نشر الفكرة العربية والعمل على ترقى حالهم (أى العرب) وإصلاحه. كان «عزيز» فى هذه المرحلة متخصصاً فى أمور تنظيم الجمعيات السرية وتدبير شؤونها وأعمالها، وكان حينئذ أكبر ضابط عربى فى الجيش العثمانى، وفكر بمستقبل قومه وأمنه، وهو أول من عمل من الضباط على إنقاذ العنصر العربى من التدهور، الذى سيصيب الدولة العثمانية، وقد صدق الاتحاديون بوصفهم عزيز «بأنه بيت الفكرة العربية فى الجيش»، ويؤكد «جرادات» فى رسالته أنه رغم قوة هذه الجمعية، فإنه تم حلها، ربما لأسباب أمنية على الرغم من الدقة والحذر الذى اتبعته فى اختيار أعضائها، فقد انتشرت بينهم فكرة وجود جاسوس فى صفوفها، واضطر كثير من الأعضاء إلى ترك الأستانة سنة ١٩١٤، إلا أن أبرز الجمعيات العربية السرية كانت «الجمعية العربية الفتاة» وذلك بسبب الدور الكبير الذى لعبه أعضاؤها فى تنمية الوعى العربى بشكل عام، وفى التمهيد للثورة العربية الكبرى بشكل خاص، ورغم قسوة الاتحاديين ضدها ومواجهة عدد من أعضائها لأحكام الإعدام، فإنهم لم يبوحوا بسر هذه الجمعية.

وقد استمرت فى نشاطها إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وكان لأعضائها دور بارز فى الثورة العربية الكبرى ١٩١٦، ولكن قبل ذلك سنصل مع عزيز المصرى إلى اليمن ثم ليبيا.


يتبع ......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10الجمعة 16 يونيو 2017 - 23:09

«أبو الثوار»: اليمن.. الانتصار على «الإمام» بـ«حرب العصابات» (5)

فى عام ١٩٠٨، أى قبل خلع السلطان عبدالحميد الثانى بعام واحد، تم افتتاح خط سكة حديد الحجاز والذى ظل يعمل حتى تم تخريبه تماماً خلال الحرب العالمية الأولى، وأثناء الثورة العربية الكبرى، بلغت تكلفة الخط «أربعة ملايين ليرة عثمانية» بدأت بحملة فى أرجاء البلاد لجمع الأموال والمواد الخام والعمالة، وافتتحها السلطان بنفسه فى عام ١٩٠٠، بالتبرع بـ٥٠ ألف ليرة عثمانية من أمواله الخاصة. كان الهدف المعلن للمشروع منذ انطلاقه، كما تم الترويج لذلك فى أنحاء العالم الإسلامى، هو نقل حجاج الدولة العثمانية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة.
جاءت الفكرة من الأساس من الإمبراطور الألمانى «ولهلم» خلال زيارته الأسطورية للأستانة، لكن المشروع تعثر لبعض الوقت، كانت هناك مخاوف لدى دول أوروبا، وخاصة روسيا وإنجلترا وفرنسا من المشروع ومن زيادة النفوذ الألمانى فى المنطقة، وصولاً لتحالف ألمانيا الفتية- فى ذلك الوقت- مع رجل أوروبا المريض (الدولة العثمانية)، لكن الهدف الحقيقى لخط سكة حديد الحجاز- كما يقول المؤرخون- كان ربط أرجاء الدولة العثمانية، وسرعة نقل الجنود من الشمال للجنوب، كانت العواصم العربية متخمة بأسباب الثورة والنفور من العثمانيين، لكن كان الوضع فى الجنوب «اليمن» ذا طبيعة مختلفة. كان هناك حيث الموقع الاستراتيجى الذى تتصارع فيه كل القوى الدولية، إمام عنيد وهو الإمام يحيى، رفض الانصياع للدولة العثمانية، بل إنه نجح فى أسر عدد ضخم من قادتهم وجنودهم.

تم إرسال وفد رفيع كان من بين أعضائه البكباشى عزيز على المصرى وعزت باشا الأرناؤوطى، وكان رئيساً عاماً لأركان الجيش للتفاوض مع «الإمام». كان «عزيز» وهو يقوم بهذ الدور، كما يكتب د.محمد عبدالرحمن برج فى كتابه عنه، يريد أن يجنب الدولة العثمانية الكثير من سفك الدماء بسبب اليمن، كان مخلصاً للدولة العثمانية، وكان الإمام مستبشرا بإعلان الدستور وقيام العهد الجديد وأخذ يأمل الكثير من حركة الإصلاح.

وأطلق الأسرى من الضباط والجنود العثمانيين دلالة على حسن نيته، كاد الصلح أن يتم بين الدولة العثمانية واليمن لولا ثورة إبريل المضادة فى إسطنبول، ولكن بعد القضاء على هذه الحركة وعزل السلطان عبدالحميد الثانى، تعثر إقرار الاتفاق، وساءت العلاقة بين الإمام يحيى والدولة العثمانية مجددا، فى ١٩١٠ حيث زحف «الإمام» إلى صنعاء فقررت حكومة الأستانة إرسال حملة إلى اليمن بقيادة المشير عزت باشا وزودته بسلطات واسعة لحل مسألة اليمن، وبعد أن نزلت الحملة فى «الحديدة» فى فبراير ١٩١١، أسرعت فى الزحف نحو صنعاء فدخلتها فى إبريل من العام نفسه.

يؤكد كثير من الكتب والدوريات فضل القائمقام «عزيز المصرى» فى عودة النفوذ العثمانى لليمن فى هذا الوقت وسأعود إلى شىء منها، لكن أنقل مما قاله هو لـ«محمد عبدالحميد» فى كتابه أبوالثائرين عن هذه المعركة.. كانت طبيعة أرض اليمن فى صالح أهلها سواء فى السلم أو الحرب.. كان اليمن قادراً على فهم وإدراك ومعرفة البيئة التى يعيش فيها، لذلك أحسن استخدام ارتفاعات الجبال فى سرعة تسلقها والسيطرة على قممها العالية، الأمر الذى جعل أى جيش صاعد على مرمى بنادق أهل اليمن، أيضاً ساعدتهم البيئة على استخدام حرب العصابات التى تعتمد على الهجوم السريع وحسن الانتشار، وأيضا على التقهقر والهروب بشكل مفاجئ.

لقد كان سكان اليمن- إضافة إلى ذلك- وبإيعاز من «الإمام» يقومون بثورة كل عامين أو ثلاثة- موعد جمع الضرائب- حيث يرفضون دفع الضرائب للدولة العثمانية ويدفعون فقط ما يخص الإمام الذى يحكمهم، وكانت الدولة العثمانية أمام ذلك الرفض ترسل قوة عسكرية قوامها لواءان، وأحيانا ثلاثة ألوية تشرف على جمع الضرائب بقوة السلاح.

وكانت القوة العسكرية- عادة- تفقد معظم أفرادها فى حرب العصابات التى كان يجيدها أهل اليمن.

يقول عزيز المصرى: لقد عاينت الطبيعة الجبلية فوجدت أن إحراز نصر دائم أمر مستحيل، لذلك طلبت تحرير ثلاث فصائل عثمانية من الأحمال التقليدية التى كان يحملها الجندى على كتفيه تماماً، كما فعلت فى منطقة الجبل الأسود والبوسنة والهرسك، وعندما كنت أحارب الثوار، كانت خطتى ممارسة الحرب بأسلوب أهل اليمن.

وفى إحدى الأمسيات هدانى تفكيرى لحل بجعل قوتنا العسكرية تحصل على المال المطلوب دون إطلاق طلقة واحدة أو إزهاق روح جندى عثمانى أو مواطن يمنى. كان قرارى كتابة خطاب إلى الإمام يحيى بن حميد الدين أدعوه فيه إلى الحل السلمى بعد أن كبدت قواته خسائر موجعة عن طريق حرب العصابات التى شلت أفكاره وأدهشتهم إلى حد بعيد، ولقد استخدمت فى ذلك الخطاب الحكمة والعلوم الإنسانية، والقيم الدينية الإسلامية المشتركة، وطالبت فى نهايته بضرورة الجلوس معاً والبحث عن وسيلة لحقن دماء المسلمين من الجانبين. يقول عزيز المصرى: «وافقت قيادات الدولة العثمانية على صيغة الخطاب، وكذلك اللقاء» وذهبت للقاء الإمام يحيى الذى قام من مكانه وأحسن استقبالى، واختار لى مكاناً إلى جواره.. وعلى مدى يومين كاملين كنت فيها ضيفاً عليه، تم الاتفاق المشترك وعلى مسودة معاهدة جديدة تضمن حقوق الدولة العثمانية الحامية والعسكرية والسيادية على اليمن، مع راتب شهرى للإمام وتعيين اليمنيين فى وظائف القضاء والدولة. وتم توقيع المعاهدة واستتب الأمر تماما وابتهج رجال «الاتحاد والترقى» فى اسطنبول بهذه المعاهدة وباركوها وأثنوا عليها.

وتقدر بعض المصادر عدد الجنود العثمانيين الذين قتلوا فى المواجهات مع «الإمام» قبل توقيع «عزيز المصرى» لهذه الاتفاقية بـ٢٥ ألف جندى.

وقد اشتهر دور «المصرى» فى هذه الحرب، وحتى القادة الأتراك لم يبخسوه حقه فى هذا الوقت، وأجرت جريدة «المفيد» البيروتية حوارا «مع الأميرالاى إحسان بك» رئيس أركان الحرب لجيش اليمن تم نشره فى فبراير ١٩١٢ قال فيه إن عزيز بك شاب غيور يعز عليه أن يستمر القتل بين الجنود العثمانيين وبين عرب البادية، وقد أتى هذا القطر والتحق بحملة اليمن وفى النية أن يوفق بين عزت باشا والإمام يحيى حقناً للدماء، وقد نجح مسعاه لدى قائد الحملة، فعزت باشا لم يكن ممن يحبون سفك الدماء دون طائل، وهذه العاطفة التى وجدها عزيز بك فى قلب عزت باشا سهلت عليه سبيل الاتفاق مع الإمام، وعزيز بك هو بطل هذا الاتفاق، وأؤكد لكم أن هذ البطل هو من أصدق الرجال الذين خدموا الدولة والأمة معاً..

وقد تمكن بطلاقة لسانه من إقناع الإمام بأن القتال إذا استمر بينه وبين الدولة فإن الأجانب الذين يتربصون بنا الدوائر سوف يستولون على هذه البلاد، ومع هذه الفكرة بنى أساس الاتفاق بين الإمام يحيى وعزت باشا. هذا النجاح فى اليمن استدعى تدخل «عزيز» ومعه أنور جمال ومصطفى كمال أتاتورك إلى ليبيا. هناك كان فى انتظاره أرض مختلفة ومعركة أصعب.. حيث احتلال إيطالى غاشم وحركة وطنية وليدة وضعيفة.


يتبع ......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10الجمعة 16 يونيو 2017 - 23:11

«أبو الثوار» ليبيا.. قتال الإيطاليين إلى جوار عمر المختار (6)

اقترب «عزيز المصرى» من عمر المختار فى ليبيا، وكذلك مع قادة السنوسية خلال حروبهم المشتركة ضد الاحتلال الإيطالى لليبيا.. المواجهة العسكرية كانت مختلفة تماماً عن اليمن.. صحراء ممتدة وعدو أوروبى قوى وغاشم له أطماع قديمة فى طرابلس.
مع تولى الاتحاديين الحكم فى إسطنبول فى ١٩٠٨، ازداد النفوذ الإيطالى فى طرابلس الغرب بدرجة كبيرة، فقد أكثر الإيطاليون من فتح المدارس، وأرسلوا البعثات تحت ستار إجراء البحوث العلمية والجغرافية، كانت مهمة هذه البعثات الحقيقية تصوير المواقع وعمل الخرائط الجوية.

وفى سبتمبر من عام ١٩١١، وبعد إنذارين بأسباب واهية، شنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وقامت بغزو ليبيا، وفى شهر نوفمبر من السنة نفسها، تم إرسال الضباط العثمانيين إلى ليبيا لتنظيم حركة المقاومة ضد الإيطاليين بمن فيهم أنور باشا ومصطفى كمال أتاتورك، وآخرون من جمعية الاتحاد والترقى. وفى نهاية تلك السنة وبناء على أوامر الأستانة ذهب عزيز المصرى متنكراً إلى ليبيا مروراً بمصر، حيث التقى بالخديو عباس حلمى الثانى، ثم تابع طريقه بعد ذلك حتى وصل ليبيا.

وينقل عبدالكريم جرادات فى رسالته للماجستير عن «الحركة العربية» عن محمد عيسى صالحية أن الدولة العثمانية آثرت أن تقود حربها مع الإيطاليين بهذا العدد المحدود من الضباط لكى يقودوا الجيش المحلى الذى تشكل من الأهالى الليبيين، ولأنها كانت مشغولة آنذاك بحروب البلقان، ولصعوبة المواصلات البرية بين الأستانة وطرابلس، استطاع هؤلاء الضباط أن يكونوا جبهة مقاومة قوية، حيث قرروا مقاومة الإيطاليين على ثلاث جبهات: جبهة بنغازى وكان قائدها عزيز على المصرى، جبهة درنة وقائدها ممتاز بك ومعه مصطفى كمال.. جبهة طبرق وتولى قيادتها أدهم بك الحلبى. كان القائد العام لهذه الجبهات أنور باشا، حيث كان مقر قيادته فى مدينة درنة، وإذا كان لليبيين شرف المبادرة بإعلان الجهاد ضد الغزو الإيطالى منذ البداية فإن الفضل فى تنظيم صفوفهم ورسم الخطط العسكرية لهم كان للضباط العثمانيين الذين كان أكثرهم من منظمة «تشكيلات مخصوصة» التى توافد أفرادها تباعاً لليبيا.

يؤكد «جرادات» أن «عزيز» كان آخر الضباط العثمانيين الذين بدأوا بالانسحاب من جبهات القتال بعد توقيع الدولة العثمانية وإيطاليا اتفاقية لوزان عام ١٩١٢، التى منحت بموجبها الدولة العثمانية ليبيا استقلالها، وكان هذا إيذانا بإطلاق يد الغزو الإيطالى فى هذه المنطقة. وقد بقى عزيز المصرى يقود قوات المقاومة حتى شهر يوليو ١٩١٣، علماً بأن القائد العام للضباط الأتراك كان أول من انسحب من ميدان القتال وذلك تنفيذاً للتعليمات العسكرية التى تلقاها، وقبل مغادرته عهد لعزيز المصرى مهمة القيادة العامة لقوات المقاومة المحلية فى ليبيا، وخلال هذه الفترة الزمنية التى أمضاها عزيز المصرى فى ليبيا والتى اقتربت من السنتين، جرت معارك حاسمة قدم فيها الضباط والقوات السنوسية وغيرهم من السكان المحليين أروع البطولات فى التضحية والإقدام، مع ما رافق تلك المعارك من سياسات ومشاورات واختلافات فى وجهات النظر. ويشير «جرادات» إلى أن الحدث المهم والخطير فى هذا الموضوع يتلخص بانسحاب عزيز المصرى من جبهات القتال بعدما صدرت له الأوامر بضرورة الانسحاب مع ما رافق ذلك من سوء فهم بينه وبين أحمد الشريف السنوسى والقوات المحلية، وما ترتب عليها من أحداث وقضايا خطيرة ارتبطت بدوره فى حركة الجهاد الليبى ونتج عنها إشارات استفهام كثيرة وما زالت هذه الإشارات تثير الجدل الكبير بين مختلف الباحثين، اعترف القادة الأتراك بمهارات عزيز المصرى القتالية، ولم يحاولوا أن ينافسوه، لكن بعد أن تركوه هناك لقيادة المقاومة كان شىء يحاك ضده.

كان أنور باشا أول العائدين من ليبيا بعد توقيع معاهدة الصلح، وهناك ــ فى إسطنبول ــ قام بدعاية لنفسه وأنه صنع انتصاراً على الإيطاليين، وعاد مصطفى كمال باشا صامتاً وبقى عزيز المصرى بعدها يواصل مسؤولية الحرب، لم يكن يعلم أن «أنور» قد امتلأ قلبه حقداً عليه، وجزعا منه أن هو وصل إلى مركز المسؤولية، فلما عقدت معاهدة الصلح مع إيطاليا.. أو على الأصح معاهدة الخيانة الأولى للعرب، استدعى باقى الضباط العثمانيين من ليبيا.. يكتب محمد صبيح فى كتابه «بطل لا ننساه» أن عزيز المصرى قد أعد لمعركة مهمة فى يونيو ١٩١٣، ولم يأبه للصلح الذى عقد، فهو يحارب الآن باسم السنوسيين، وقد انتصرعلى الجيش الإيطالى انتصارا مؤزراً، على الرغم من ضعف وسائله، وضخامة القوة العسكرية للعدو، إلا أن فنه العسكرى، وسرعة حركته وقدرته على المفاجأة أتاحت له النصر.

ولفتت هذه المعركة نظر الصحافة العالمية، فراحت تكتب عنها وقالت إحدى المجلات العسكرية الألمانية إن هذا النصر على الإيطاليين يشبه معركة «كان» التى انتصر فيها هانيبال على الرومانيين.. ودخلت هذه المعركة فى تاريخ المعارك الحربية. وضغطت الحكومة التركية على عزيز المصرى كى يعود، بناء على ضغط الحكومة الإيطالية، وإلا أصبحت معاهدة الصلح حبراً على ورق، واستأنف الأسطول الإيطالى قرصنته ضد الموانئ العثمانية. عاد «عزيز» ولم يكن يدرى أن سجل الكراهية الذى يجمعه له «صديقه» اللدود أنور زاد كثيراً.

ينقل محمد عبدالحميد فى كتابه «أبوالثائرين» بعض الذكريات عن حرب ليبيا على لسان عزيز المصرى بنفسه ويقول: «عرض علىّ القائد الإيطالى (سالزا) كميات كبيرة من الذهب والقصور فى إيطاليا مقابل التخلى عن مهمتى، ولكننى رفضت تماماً جميع الإغراءات التى قدمتها القيادة العسكرية الإيطالية.. فى المقابل لحقت الجيوش العثمانية خسائر كبيرة على جميع حدودها، سواء مع الروس أو البلغار وغيرهم، وبدأت الدولة العثمانية تفقد الكثير من حدودها التى استولى عليها الثوار الوطنيون، وجاءت أخبار تطلب سفرى إلى تركيا، ولكننى رفضت وواصلت نضالى مع أهل ليبيا.

وبعد ثلاث سنوات كان لابد من العودة بعد أن سلمت كل شىء إلى المناضل الشعبى الليبى عمر المختار.. كنت أراه الرجل المناسب الذى يمكن أن يحمل لواء الثورة وقيادة حرب العصابات ضد الجيش الإيطالى المحتل. وقد أبلى هذا الرجل بلاءً حسناً واستوعب تماما كل دروسى وخططى العسكرية فى حرب العصابات التى طبقتها بنجاح بخلاف إضافاته التى استخدم فيها العقل والبيئة والمعرفة الجيدة لطبيعة الصحراء.

وينقل صبرى أبوالمجد فى الجزء الأول من كتابه «عزيز على المصرى وصحبه» عنه قوله: إنه أبلى بلاء حسناً فى حربه ضد الطليان، وكان لديه مال قليل وعدد قليل من الجنود لكنه صمد ودحر الطليان، وقال إن العرب والسنوسيين عاونوه فى هذه الحرب، لكن السيد أحمد الشريف كان يدعى أنه يقاتل ولكن فى الحقيقة لم يعمل شيئا جدياً، فكان يتسلم الفلوس ويتزوج نساء كثيرات ولا يعمل عملا جدياً فى الحرب، ولم يتفق معه حول طريقة الحرب، أما الرجل الذى حارب بإخلاص فهو عمر المختار.

كان العرب يعدونه ولياً وكانوا يتبركون به، فكان كثيراً ما يأتى إليه العربان ويقطعون قطعا من ثيابه ويعلقونها عليهم، كان العرب فى ليبيا متأخرين به للغاية.


يتبع .....

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10الجمعة 16 يونيو 2017 - 23:13

«أبو الثوار».. بطل في طرابلس.. وخائن في اسطنبول (7)

انتهت الحرب فى ليبيا باحتلال إيطالى غاشم، وانسحاب عثمانى مخز. وانتهت المواجهة أيضًا بفتنة كبرى كان عزيز المصرى طرفًا فيها، فمع ضغوط الأستانة لتوقيع الاتفاق الذى يعترف باحتلال إيطاليا لطرابلس الغرب، استجاب «عزيز» وانسحب بقواته إلى قرب السلوم لكن الشيخ السنوسى اعتبر ذلك خيانة من العثمانيين ومن عزيز المصرى، رغم أنه كان آخر القادة المنفذين للانسحاب.
يرجع محمد فريد فى مذكراته أمر انسحاب عزيز المصرى فى ذلك الوقت إلى تدخل خديو مصر عباس حلمى (الثانى) وبثه الفرقة بين عزيز المصرى والشيخ السنوسى، وأن الأمر انتهى بإحداث فتنة بين الفريقين وسقوط قتلى من الرجال والضباط. عاد «المصرى» للأستانة ليتعايش مجدداً مع سياسة الاتحاديين بإفناء الجنس العربى، كما يذكر محمد عبدالرحمن برج فى كتابه عن عزيز المصرى فإن العرب كانوا يشكلون نصف سكان الدولة أو أقل من ذلك بقليل ولم يكن لهم سوى 50 نائبًا من مجموع 270 نائبًا، ولم يكن لهم فى بعض الأحيان سوى وزير واحد وهو وزير الأوقاف.

كذلك لم يكن لهم سوى أربعة أو خمسة أعضاء فى مجلس الأعيان البالغ عدد أعضائه 45 أو 50 عضواً. عندما عاد عزيز المصرى إلى الأستانة كان الجو السياسى على أشده، فقد تعاظمت الحركة الطورانية ضد القوميات الأخرى لاسيما القومية العربية وباعتبارها القومية الأكبر من بين جميع القوميات التى تشكل فى مجموعها الإمبراطورية العثمانية.

ومع ازدياد هذه الحركة ومع ما رافقها من استعمال الشدة من قبل الأتراك ضد العرب، قرر أن ينشئ تنظيمًا عسكريًا سريًا سماه «جمعية العهد» يلتحق به الضباط فقط. وعقد الاجتماع الأول فى 23 سبتمبر 1913 فى بيت «المصرى» وكان مجموع الحضور أحد عشر شخصا، وبدأوا أعمالهم بوضع نظام أساسى للجمعية التى قرروا تأسيسها واتفقوا أن يكون الاجتماع سريًا وأن هذه الجمعية ستعمل على بلورة وتلبية تطلعات العرب وخروجهم من سيطرة الإمبراطورية العثمانية، فكانت جمعية العهد من أكثر الوسائل فاعلية فى نشر الأفكار العربية.

يكتب عبدالكريم جرادات فى رسالته للماجستير عن «عزيز المصرى والحركة العربية» أن معظم أعضاء هذه الجمعية أصبحوا من المعدودين من كبار رجالات الحكم والسياسة فى الوطن العربى، وإزاء هذه التطورات والأحداث قرر الاتحاديون القيام بمجموعة أعمال كان من شأنها تفتيت القوة العربية داخل الأستانة، وذلك بإبعاد معظم الضباط العرب إلى مختلف المناطق البعيدة عن العاصمة مع تولية الضباط الأتراك القيادات العليا فى مناصب الجيش فى البلاد العربية لم تكن حركة «عزيز» وجماعته بمنأى عن مسامع الحكومة التى أحاطته بالجواسيس، مع تشديد المراقبة على منزله الذى كان يستضيف الاجتماعات.

فأرادت الحكومة أن تتخلص منه ومن نشاطاته فعينته رئيسًا لأركان حرب جيش أنقرة. كان عزيز- قبل ذلك- أحد القادة المشهورين فى جمعية الاتحاد والترقى، ولكنه ابتعد عنها عندما رأى الفساد يتسرب داخلها، والمثل العليا التى قامت لأجلها هذه الجمعية قد تم التخلى عنها على يد الأتراك، وعليه فقد قرر «المصرى» أن يفضح خططهم الشريرة التى حاكوها تجاه العرب وشجعه على هذا القرار معرفته بعقلية وخطط بعض الاتحاديين. وتبع عزيز المصرى عدد كبير من الضباط العرب الذين كانوا يخدمون فى الجيش التركى.

كان ناظر الحربية آنذاك عدوه التقليدى أنور باشا، لذا لم يكن «المصرى» مرتاحًا لهذه «الترقية» فرفضها، وقدم استقالته من الجيش العثمانى حيث قام بإرسال برقية إلى نظارة الحربية مقدمًا بها استقالته وشارحًا بها ظروف هذه الاستقالة وينقل محمد صبيح فى كتابه «بطل لا ننساه» نص الاستقالة إلى وزارة الحربية الجليلة: «لقد تركت الجيش العثمانى، ابتداءً من هذا التاريخ، ولكن حياتى العسكرية الماضية لا تزال تربطنى به برباط متين.

فإذا نشبت حرب أو احتاج الوطن إلى أبنائه، فعلى وزارة الحربية الجليلة أن تطلبنى من الكومسارية العثمانية بمصر محل إقامتى، على أن تعين لى القوة التى أتولى قيادتها». وما إن تلقى أنور باشا هذه الرسالة، حتى أدرك أن غريمه العنيد يوشك أن يفر من القفص، ويذهب إلى القاهرة، حيث يتسع له مجال العمل دون قيد أو رقابة أو جواسيس أتراك. وهذا لا يمنع أن يكون فى القاهرة جواسيس آخرون يعملون لحساب الإنجليز. ورأى وزير الحربية أن هذه الاستقالة إنما هى مبرر يريد به «المصرى» الخلاص من قيود وظيفته لكى ينضم إلى صفوف المطالبين بالإصلاح اللامركزى، فما كاد يمضى على ذلك خمسة عشر يومًا حتى أمر عدوه الشخصى أنور باشا باعتقاله، وكان ذلك فى التاسع من فبراير 1914.

بقى «عزيز» رهن الاعتقال لمدة شهرين، وأثناء ذلك ظهرت مجموعة من القوى على مسرح الأحداث خاصة فيما يتعلق بالتهم التى وجهت له أو بالجهات المختلفة العربية والأجنبية التى حاولت التوسط أو التدخل فى هذه المسألة بالقدر الذى تسمح لها مكانتها آنذاك. وعن كيفية اعتقاله فإن المصادر تؤكد أنه تم بشكل مهين وتتلخص القصة كالآتى: بينما كان «عزيز» يهم بمغادرة فندق طوفتليان وبعد انتهائه من طعام الغذاء، أحاط به ثلاثة من رجال الشرطة السرية والذين قاموا بإخباره بأن مفتشى شرطة الأستانة يريد مقابلته، وبعد أن أقتيد إلى مركز الشرطة تم استقباله بعد انتظار دام خمس ساعات، ثم أخبروه بصدور مذكرة اعتقال بحقه، وتمت مصادرة مسدسه الشخصى ووضع فى سجن الوزارة بانتظار المحاكمة على يد محكمة عسكرية.

يشرح عبدالكريم جرادات فى رسالته العلمية أن وزير الحربية أنور بك كان قد روج الكثير من الشائعات ضد «عزيز» فى الأستانة بأنه اختلس أموال الدولة، مما اضطر «عزيز» فى ذلك الوقت إلى الطلب من قياداته أن يقوموا باستجوابه لبيان موقفه والتخلص من الشائعات التى مهد لها أنور بك. وعليه فقد أزيلت السمعة السيئة عن اسمه. لقد مهد أنور باشا وأعوانه الطريق لاعتقال عزيز المصرى سواء بترويج الشائعات، وكذلك فى الإجراءات العسكرية التعسفية التى اتخذوها فى محاولة فهم لمقاومة الحركة العربية بمختلف الوسائل والأساليب. ويشرح عزيز المصرى ظروف اعتقاله فيقول إن الشرطة جردوه من مسدسه، ثم وضعوه فى غرفة رئيس أركان الفرقة الأولى، ومنعوه عن مقابلة زائريه وطال اعتقاله 70 يومًا.. وكان فى الليل يسمع أصوات التعذيب والاستغاثة من الغرف المجاورة لغرفته.. كان الأتراك يقتلون المتهمين ويقطعونهم إربًا إربًا ويرمون بهم فى مصارف مياه المدينة.

أثار اعتقال عزيز المصرى ردود فعل غاضبة، واستياءً شديداً فى مختلف الأوساط السياسية المحلية والأجنبية وخاصة بريطانيا وفرنسا. فى الأستانة وقع الخبر كالصاعقة على الضباط العرب، وعقدوا اجتماعًا سريًا لمناقشة الخطوات التى ينبغى اتخاذها لإنقاذ حياة عزيز المصرى، وتمشيًا مع اقتراح ثابت عبدالنور، تم تجهيز سيارة خاصة لمحاولة تهريبه من السجن، لكن المجتمعين لم يوافقوا على الاقتراح نظراً لعدم إمكانية نجاحه. انتشر الخبر، واحتفت به الصحافة العربية والمصرية بوجه خاص. ومنذ وفاة مصطفى كامل وحادث دنشواى، لم تتوحد الأحزاب التى كانت وليدة حينئذ ولا الصحف ومعهم شيوخ المساجد مثلما توحدت فى قضية عزيز المصرى.


يتبع .......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10السبت 17 يونيو 2017 - 14:55

«أبو الثوار» .. الفريق «عزيز المصرى» (8)

أعشق صحافة وأحزاب القاهرة فى بدايات القرن العشرين. فرغم أن البلاد كانت محتلة، إلا أن الأجواء التعددية كانت ملحوظة فى كل سطر تقرأه. أحزاب تنادى بالاستقلال عن بريطانيا والدولة العثمانية معًا، وأخرى تنادى ببعث الخلافة الإسلامية. على صفحات الأهرام، لاحظت اختلاط الرأى بالخبر فى تغطية رائعة وحرة لواقعة القبض على عزيز المصرى ومحاكمته فى إسطنبول فى مارس 1914، وإلى جوار مناشدات الشيخ سليم البشرى، شيخ الجامع الأزهر، للباب العالى بالإفراج عن «البطل العربى عزيز» إعلانات للعرض السينمائى «سبارتاكوس محرر الأسرى» فى سينما توغراف شيدوفر «بشارع بولاق». وإلى جوارها خبر آخر عن انتشار حمى التيفود فى سجن النساء فى المنشية. وفى نفس العدد إعلان عن ملهى «كورسال دلبانى»، حيث ألعاب بهلوانية من أنحاء العالم ومغنيات فرنسيات رائعات. فى إسطنبول، وبعد 40 يومًا من اعتقاله ورغمًا عن الضجة التى أحدثها على أفراد الشبيبة العرب والمظاهرات التى خرجت، بدأت محاكمة عزيز المصرى فى 25 مارس 1914. كان رئيس المحكمة العسكرية برتبة جنرال وكان معه ضباط آخرون يجلسون معه على أنهم قضاة. وأنقل عن رسالة عبدالكريم جرادات، سير المحاكمة: تم توجيه عشرين تهمة مختلفة ضد «المصرى» فى غضون أربع جلسات. كانت التهمة الرئيسية أنه اختلس 30 ألف ليرة عثمانية تلقاها من «أنور» قبل مغادرته ليبيا، وعندما طلب منه التوضيح والرد. أجاب «المصرى» أنه لم يسبق له أن تلقى أى مبلغ وأن المال الذى بحوزته ضرورى لتغطية ديون والتزامات «أنور»، وأن ما تركه «أنور» لم يكن كافيًا لتغطية متطلبات الحرب فى ليبيا.. وتم توجيه اتهام آخر لعزيز المصرى بإهانة الضباط العثمانيين وإجبارهم على العودة إلى الأستانة، وبإثارة عداء «السنوسى» وبإخلاء سبيل حسن بسكرى، الذى كان يعمل كجاسوس للإيطاليين بعد الحكم عليه بالموت بواسطة المحكمة العسكرية، وأن المصرى ادعى أنه لم تثبت عليه الخيانة أبداً، كما تضمنت لائحة الاتهام الموجه لعزيز المصرى أنه سلم برقة للإيطاليين مقابل رشوة كبيرة أخذها منهم، وأنه سعى إلى إقامة مملكة عربية فى شمال أفريقيا. والمتتبع لهذه السلسلة من التهم- كما يشرح «جرادات»- يلاحظ مدى السخف والانحطاط الذى وصل إليه «الاتحاديون»، فإذا كانت تلك التهم التى وجهتها المحكمة العسكرية لعزيز المصرى صحيحة فلماذا لم يقبض عليه حال عودته من بنغازى ووصوله الأستانة فى أغسطس 1913، ففيما يخص التهمة الأولى فان أنور باشا- وزير الحربية حينئذ- لم يعترف أو يشر فى مذكراته إلى هذه الرواية، أما ما يتعلق بإهانة الضباط وإجبارهم على العودة إلى الأستانة، فهذا الكلام غير صحيح، فعزيز المصرى لم يجبر أحداً على مغادرة جبهات القتال ولم يكن من النفوذ الذى يسمح له بذلك، علمًا بأن غالبية الضباط العثمانيين كانوا قدموا إلى ليبيا كمتطوعين وليس بشكل رسمى، ولم يكونوا أقل رتبة من «عزيز». أما إطلاق حسين بسكرى فقد ثبت لـ«المصرى» أنه لم يكن يعمل لحساب الإيطاليين. أما عن تسليم برقة للإيطاليين، فكانت قد سقطت فى يد الإيطاليين قبل قدوم «عزيز»، أما التهمة الفاصلة والمتعلقة برغبته فى إقامة مملكة عربية فى شمال أفريقيا فإن هذه التهمة إن دلت على شىء فإنما تدل على وطنية صادقة وغيرة صادقة من قبل عزيز المصرى على ولايات الدولة التى كانت تحيطها الأخطار من كل جانب. كان معظم شهود المحكمة العسكرية من الضباط الصغار الذى كان الهدف من شهاداتهم تثبيت التهم على «المصرى» وجاء تلخيصها «أنه حاول نشر الفكرة العربية أثناء تواجده فى ليبيا وحاول تأسيس دولة عربية مستقلة»، وأنه عدو للأتراك بشكل عام وعدو لأنور باشا بشكل خاص وأنه خائن للإمبراطورية العثمانية. وطالت الاتهامات التى تداولها الشهود خدمة عزيز المصرى فى اليمن، فقال أحد الضباط إن «المصرى» توصل إلى اتفاق مع الإمام يحيى فى اليمن من أجل تطبيق برنامج مشترك يهدف إلى ضم اليمن إلى مصر وقام بالعمل لتطبيق هذه الفكرة وهو فى بنغازى، وذلك بأن يجمع بنغازى واليمن ومصر فى دولة واحدة، وأنه تلقى 15 ألف ليرة من الإيطاليين مقابل التنازل لهم عن ليبيا. كان عزيز يرد ويفند كل التهم التى تواترت على مدى ثلاث جلسات. كانت معظم الاتهامات تستند إلى دعاوى كيدية وبلا وثيقة واحدة، بل إن المحكمة استمعت إلى الخادم الذى كان يعد القهوة إلى «المصرى» أثناء تواجده فى ليبيا، فقال إن الخديو عباس حلمى الثانى بعث رجلاً يدعى حسن حمادة إلى عزيز بك ليفاوضه فيما يتعلق بتسليم ليبيا للإيطاليين، واستشهد على ذلك بمقابلة عزيز بك لسمو الخديو أثناء قدومه إلى ليبيا ومروره بمصر. ويكتب د. محمد عبدالرحمن برج فى كتابه «عزيز المصرى» أن المحكمة العسكرية استشهدت بضباط لسوء سلوكه. ولم تكن الشهادة كافية.. فهناك عبد وهناك ضابط شركسى كان «المصرى» قد جلده لجبنه وسوء سلوكه فى برقة.

وكانت الأسئلة لعزيز المصرى غريبة حقًا. هل أنت عدو أنور باشا؟ هل فضلت السنوسيين على السلطان؟ هل تآمرت لتجعل حاكمًا أجنبيًا على اليمن. وبينما كانت المحكمة العسكرية تجهز لحكم الإعدام رميًا بالرصاص، كانت الأجواء ملبدة بالثورة خارج القائمة. وسأشرح فى هذه الحلقة ردود الفعل فى إسطنبول والدول العربية، وسأترك ما حدث فى القاهرة للحلقة المقبلة. يكتب «عبدالكريم جرادات» فى رسالته «وردت البرقيات من الشريف حسين بن على أمير مكة المكرمة، معبراً فيها عن موقف إمارته الرافض، وكذلك فعل طالب النقيب فى البصرة، مشيراً إلى أنه سيقوم بانقلاب ضد الحكومة التركية فى البصرة وبمساعدة ابن سعود، ووردت رسالة من اليمن محتجة على معاملة (المصرى) الفاضحة، وقام عونى عبدالهادى بجمع عدد من الأصدقاء فى باريس والذين قاموا بإرسال رسائل احتجاج إلى الباب العالى وحتى إنهم حركوا الصحف المهمة فى المدينة للاحتجاج أيضًا. وقام عدد من الضباط الأتراك مثل مصطفى كمال أتاتورك..

وفتحى بك، سكرتير الاتحاد والترقى، اللذين صادقهما عزيز المصرى أثناء جهادهما فى بنغازى بإرسال برقيتى احتجاج إلى أنور باشا بسبب اعتقال عزيز المصرى، مما كان له أطيب الأثر فى صفوف قادة الحركة العربية، مما جعل الناس فى الأستانة يتداولون هذا الخبر بالثناء والإعجاب بشجاعة هذين القائدين وحبهما للحق والحقيقة». يستكمل جرادات «قضية اعتقال عزيز المصرى خدمته شخصيًا حيث أكسبه ذلك تأييد الرأى العام العربى والأجنبى، كما خدمت سير الحركة العربية بشكل عام، تلك الحركة التى كانت بحاجة إلى حدث مهم ليوحدها، فيكفى الإشارة هنا إلى أن تلك القضية كانت حديث الساعة فى كل من سوريا وفلسطين والعراق وليبيا واليمن والحجاز ومصر، حيث توقفت العلاقة العملاقة بين زعماء هذه المناطق بسبب موقفهم الموحد فى هذه القضية». يكتب المناضل الفلسطينى أكرم زعيتر فى مجلة «العربى الكويتية» أنه على إثر القبض على عزيز المصرى قامت أضخم وأقوى مظاهرات عربية عرفها تاريخ العرب الحديث حتى ذلك الوقت، شباب العرب يثورون فى الأستانة ويتظاهرون، اجتماعات بقصد تهريبه من السجن، ضباط يهددون بالانتقام، مناشير عديدة بدأت تظهر لتندد بالحكومة، سفراء دول عظمى يتدخلون ومراسلو صحف عالمية يخوضون غمار هذه القضية. وبالرغم من كل ذلك، وبعد حملة الاتهامات التى وجهت لعزيز المصرى، صدر الحكم بعد الاستماع للشهود بالإعدام رميا بالرصاص. ولما ثار العرب فى كل مكان، قرر الاتحاديون اغتياله فى السجن مدعين أنه انتحر، وبدأ رجالات العرب فى كل مكان يستحثون بريطانيا على التدخل فى هذه القضية والعمل على إنقاذ «المصرى» من الظلم الذى لحق به.. ومن هنا بدأت الوساطة البريطانية. وفى القاهرة تنشر «المنار» فى عددها الصادر فى 27 مارس 1914، تفاصيل أكبر اجتماع تضامنى عرفته القاهرة فى تاريخها الحديث مع «المصرى» برعاية شيخ الأزهر، بحضور رجال الدين والسياسة والأحزاب.. وممثلين عن الجاليات العربية والأجنبية. الكل حضر الاجتماع، وألقى خطبًا حماسية، ولم توجه الاتهامات إلا لشخص واحد!.


يتبع ......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10السبت 17 يونيو 2017 - 14:58

«أبو الثوار العرب» ..وساطة شوقى والبشرى لمنع إعدامه (9)

كان شيوخ الأزهر فى مطلع القرن العشرين لهم هيبة دينية وسياسية مختلفة. ثابتين فى مواقفهم مع الحاكم والاحتلال، متواصلين مع الحركة الوطنية، متعمقين، فى نفس الوقت فى المسائل الشرعية والفقهية. ولم لا وهو فى زمن جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده.
ولم يكن الشيخ سليم البشرى الذى تولى الأزهر مرتين آخرهما من 1909 وحتى 1916 استثناءً من ذلك. ففى عهده بدأت الإدارة الحديثة لمؤسسة الأزهر حيث تم إجراء امتحانات تمهيدية للراغبين فى العمل بالأزهر (جامعا وجامعة) وهو أيضًا الذى قاد كل السياسيين ورجال الدين فى حملة شعبية وسياسية عظيمة للتضامن مع «عزيز المصرى» الذى كان يخضع فى حينها- 1914- لمحاكمة ظالمة فى الأستانة.

وتنقل الأهرام فى عددها الصادر فى 22 مارس 1914 رسالة من شيخ الأزهر جاء فيها: «إن لجنة تشكلت برئاسته للنظر فيما يجب عمله فى مسألة عزيز المصرى.. وليس من الناس إلا من عرف اسم ذلك البطل وأتاه نبأ سجنه بالأستانة منذ شهر ونصف بلا سبب، ولذلك رأينا أن نعقد لهذا الغرض اجتماعًا فى محل إدارة (اللواء) القديم أمام نظارة الحقانية بشارع الدواوين الساعة الثالثة بعد الظهر اليوم الاثنين. للتشاور فيما يجب اتخاذه من الطرق المؤدية إلى إنصاف هذا البطل». وفى نفس الأسبوع تنقل «الأهرام» رسالة أرسلها الشيخ «البشرى» إلى سعادة أنور باشا ناظر الحربية العثمانية يلفت فيه نظره إلى عزيز المصرى وقضيته لأن خدماته للدولة والمملكة تقضى بمراعاة جانبه وألا يعامل معاملة شديدة، فتلقى فضيلته أمس من أنور باشا تلغرافًا يقول فيه إن التهمة الموجهة إلى عزيز المصرى تتعلق بإدارته فى بنغازى ولا يمكننى أن أطلق سراحه قبل النطق بالحكم ببراءته ولربما بعد براءته يسمح له بالسكن فى نقطة معينة غير القطر المصرى، فاستدل من تلغراف ناظر الحربية أن الحكومة العثمانية معولة حتى بعد حكم البراءة على إبعاده ونفيه.

وينقل د. محمد عبدالرحمن برج فى كتابه «عزيز المصرى والحركة العربية» تفاصيل الاجتماع الذى دعا إليه شيخ الأزهر، نقلاً عن جريدة المنار الصادرة فى 27 مارس 1914 «اجتمع ألوف من الناس فى 26 من هذا الشهر وكان قد دُعى إلى الخطابة فيما يتعلق بهذا الموضوع رفيق بك العظم ومحمد أفندى لطفى جمعة ومحمد أبوشادى بك وإبراهيم بك الهلباوى والثلاثة من المحامين، فخطب كل منهم فأجاد وأثنوا على عبدالعزيز بك المصرى وأطروا خدمته للدولة وأقاموا الدلائل والبيانات على استهجان القبض عليه.

وفندوا ما شاع وما تصور من اتهامه به. وخطب صاحب هذه المجلة «رشيد رضا» خطبة ارتجالية وحده وأنقل هنا جزءًا منها: «إننى أظن كما تظنون أن الرجل برىء مما رماه به السعاة الواشون. ولكن أبنى كلمتى على غير الأساس الذى بنوا عليه، فأنا لا أفرض أنه برىء وأنه يخشى أن يؤثر فى أعضاء المحكمة التى تنظر فى قضيته وما يدور حولها من السحابات والأوهام فتصدق بعضها وتبنى عليه الحكم. يجوز أن يكون عبدالعزيز المصرى قد أتى بذنب لأننا نحن المسلمين لا نقول بعصمة أحد من البشر غير الأنبياء.. وإن كان لدينا دلائل متعددة تؤيد البراءة الأصلية.. أنتم تعلمون أن الأمم لا تغزو ولا ترتقى إلا بالرجال القادرين على الخدمة العامة للأمة القائمين بها، وهؤلاء الرجال قليلون لذلك يجب أن تقال عثرتهم. وعزيز المصرى من هؤلاء الرجال الذين قدموا الكثير للدولة والأمة فإذا صدق ذلك الواشى النمام الخبيث، وما كان إلا كذوبا فى زعمه، أنه قد أتى ذنبًا يحاكم عليه. أليس من حسناته وخدماته العامة صنيع يقتضى أن تغفر الدولة ذنبه وتقبل عثرته. وهل كان الذين يريدون الانتقام منه برآء من الذنوب». وانتهى الاجتماع الذى كان تحت رئاسة شيخ الأزهر وشهده طائفة من أكبر علمائه إلى إرسال برقية بإمضاء الإمام الأكبر إلى مولانا السلطان المعظم يخاطبه فيها بعنوان الخلافة وجاء فى مسودة الرسالة «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة» ويطلب منه ألا يؤاخذ عبدالعزيز بك المصرى بما ينسبه إليه ديوان الحرب من ذنب أو تقصير. ولم تعمل لجنة الاجتماع بهذا الاقتراح لأنها كانت قد وضعت صورة برقية باسم الصدر الأعظم تتضمن نفس شفاعة الأمة المصرية بالرجل فجاءها جواب أنور باشا وزير الحربية، ما ملخصه أن المجلس الحربى مستقل تمامًا لا يطرأ عليه أقل تأثير. وفى 9 إبريل تنشر الأهرام الرسالة التالية من أتباع محفل ماسونى بالقاهرة، «ولم تكن الماسونية ممنوعة، بل إن صفوة الأمة وقادتها كانوا أعضاء فى هذه المحافل حينئذ وتردد أن عزيز بنفسه انضم إلى محفل ماسونى فى القاهرة وكذلك فى إسطنبول»، وجاء فى الرسالة: حضرة الفاضل رئيس تحرير جريدة الأهرام، بما لكم من الهمة فى خدمة الإنسانية جئنا اليوم نرجوكم نشر ما يأتى: اجتمعنا أمس بمنزل أحدنا بباب الخلق، ففاض ببعض أفاضل القوم وبعض رجال الماسونية ودارت المباحثة عما يصح تقريره حول مسألة عبدالعزيز بك المصرى فقصر الرأى على كتابة عرائض استرحام لجلالة المتبوع الأعظم، وإلى جانب وزارتى الحربية والداخلية العثمانية مع طائفة من التلغرافات باسترحام جلالة المتبوع الأعظم والخاقان.

فى المقابل، فإن د. محمد عبدالرحمن برج ينقل فى كتابه عن جرائد صدرت فى ذلك الوقت- لم يسمها- أن الذى وشى بعزيز المصرى هو الشيخ عبدالعزيز جاويش الذى وظيفته التجسس على العرب. على حد قوله. ومسيرة الشيخ شاوى شاو جاويش حافلة بالعمل الوطنى منذ عمل إلى جوار مصطفى كامل فى «اللواء» واللافت أنه كان مقربًا من الشيخ رشيد رضا فى نفس الفترة، ولم يثبت هذا الاتهام فى أى مصدر آخر. وأخذت حركة الرأى العام فى القاهرة بعداً آخر، حيث طلبوا التدخل البريطانى فى هذه القضية، ويكتب عبدالكريم جرادات فى رسالته عن عزيز المصرى أن عدداً من أعيان القاهرة رفعوا برقية إلى السير إدوارد جراى فى مارس 1914 هذا نصها: «باسم الإنسانية نحن الموقعين أدناه نلتمس تدخلك الكريم فى قضية عزيز بك المصرى الذى ألقى فى السجن فى الأستانة والذى يجهل تمامًا سبب اعتقاله، نتضرع إليك بأن تعجل فى محاكمة عادلة أو إطلاق سراحه، وبهذه الاستغاثة نكون قد عبرنا عن عواطف وشعور الشعب المصرى بأكمله». ويذكر السفير البريطانى فى الأستانة السير لويس مالت أنه تلقى مطالب أخرى من مصادر عديدة ومختلفة للتدخل وكان أحد هذه المطالب من حاكم القاهرة «محافظ القاهرة» على ذو الفقار باشا زوج أخت عزيز المصرى، «حيث تقدمت بطلب رسمى لكل من وزير الداخلية والصدر الأعظم حول هذا الموضوع. وقد أوضح لى الصدر الأعظم أن اعتقال عزيز بك يعود إلى موقفه تجاه الحكومة منذ عودته إلى الأستانة، وقد علمت من مصادر أخرى الأمر سياسى بحت، فعزيز بك كان أحد القيادات العربية النشيطة فى جمعية الشباب العرب المدنيين والعسكريين المستشارين من الحكومة التركية. يكتب «جرادات» أن السفير البريطانى استمر فى غضون ذلك باتصالاته الهادئة وغير الرسمية مع طلعت «الصدر الأعظم» فى محاولة لإقناعه بأن الموضوع سيخلق انطباعًا سيئًا فى مصر، فإن كان مذنبًا فإنه من الأحسن نفيه إلى مصر مقابل التعهد بعدم عودته إلى الأستانة وبهذا ينتهى الأمر.

توقف السفير عن اتصالاته عند نهاية مارس، عندما اكتشف حتى قبل نهاية المحاكمة أنه تم القرار بالحكم بالإعدام بحق المصرى فقام السفير البريطانى للمرة الثالثة بتحذير الصدر الأعظم من مغبة هذا الحكم على الرأى العام البريطانى والمصرى إذا تم تنفيذ الحكم فعليًا. عبر الصدر الأعظم عن ازدرائه الرأى العام المصرى ولتعهد الحكومة المصرية بأن عزيز بك سوف لن يتدخل فى الشؤون العربية. وقد اهتمت باقى البعثات الدبلوماسية وخاصة «الألمانية والفرنسية» بقضية «عزيز» كما تواترت البرقيات الصحفية فى الصحف الكبرى، لكن «التيمس» البريطانية كان لها اهتمام خاص بالقضية، ودأبت «الأهرام» على ترجمتها فى مكان بارز وخاصة افتتاحية الصحيفة الأشهر فى لندن فى مطلع إبريل والتى اعتبرت محاكمته باطلة- وامتدحت «المصرى» ووصفته بالشجاع، ون الرأى العام الدولى والعربى لن يسكت على هذه المحاكمة العسكرية. لكن أعظم صور التضامن فى القاهرة مع عزيز المصرى وأرفعها شأنًا جاءت من أمير الشعراء أحمد شوقى فى قصيدة رائعة جاءت كرسالة للسلطان محمد رشاد بالإفراج عن عزيز باعتباره من أبطال اليمن وبرقة فى ليبيا.

شعرى إذا جبت البحار ثلاثة... وحواك ظل فى «فروق» ظليل

وتداولتك عصابة عربية... بين المآذن والقلاع نزول

وبلغت من باب الخلافة سدة... لستورها التمسيح والتقبيل

تلك الخطوب وقد حملتم شطرها... ناء الفرات بشطرها والنيل

قل للإمام محمد ولآله... صبر العظام على العظيم جميل

أن تفقدوا الآساد أو أشبالها... فالغاب من أمثالها مأهول

صبراً فأجر المسلمين وأجركم... عند الإله وإنه لجزيل

يا من خلافته الرضية عصمة.. للحق أنت بأن يحق كفيل

والله يعلم أن فى خلفائه... عدلاً يقيم الملك حين يميل

والعدل يرفع للممالك حائطاً... لا الجيش يرفعه ولا الأسطول

هذا مقام أنت فيه محمد... والرفق عند محمد مأمول

بالله، بالإسلام بالجرح الذى... ما انفك فى جنب الهلال يسيل

ألا حللت عن السجين وثاقه... إن الوثاق على الأسود ثقيل

أيقول واش أو يردد شامت... صنديد (برقة) موثق مكبول

هو من سيوفك أغمدوه لريبة... ما كان يغمد سيفك المسلول

فاذكر أمير المؤمنين بلاءه... واستبقه إن السيوف قليل

يقول عزيز المصرى فى حواره مع محمد عبدالحميد والذى ضمنه كتابه أبوالثائرين: إن السلطان تأثر كثيراً لإخلاص أحمد شوقى لتلميذه عزيز المصرى، وكان لها تأثير عظيم فى إصدار العفو عنى.


يتبع ......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10السبت 17 يونيو 2017 - 15:02

«أبو الثوار».. استقبال رسمي وشعبي للعائد من الإعدام (10)

نشرت صحف القاهرة خبر الحكم بإعدام عزيز المصرى فى إبريل 1914، فيما تواصلت مقالات وخطب التضامن معه والتأكيد على أن جميع التهم سياسية وفيها مكيدة واضحة من منافسيه فى الأستانة.
لم تمنع هذه الأجواء من اهتمام صحف القاهرة وخاصة «الأهرام» بالربيع وشم النسيم. كان جورج أبيض وفرقته يعلنون عن ست روايات عالمية مترجمة على «الأوبرا الخديوية» وكان ثمن التذكرة الواحدة يتراوح ما بين 125 قرشًا فى البنوار وعشرة قروش فى الصفوف الأولى.

وكانت شركة ترمواى مصر تعلن عن رحلات كل 15 دقيقة ما بين الأهرام وروض الفرج وشبرا والجزيرة، فيما كانت شركة الهليوبوليس، «ونظراً للازدحام، تعلن عن قطارات إضافية بين محطة كبرى الليمون وأوتيل بلاس واللونا بارك وذلك من الساعة 4 وثلاثة أرباع الساعة بعد ظهر يوم الإثنين». وفى نفس المنطقة وسط العاصمة حيث حديقة الأزبكية كانت حملات التضامن والمظاهرات الملتهبة بالخطب الحماسية الرنانة الداعمة لـ«عزيز» والمهاجمة لأعدائه الأتراك مستمرة. كانت البرقيات تصل متأخرة أحيانًا فاختلط خبر الحكم بإعدامه مع خبر آخر بتخفيف الحكم إلى المؤبد، لكن بشرى العفو عنه والسماح بسفره إلى مصر جاءت واضحة فى برقية نشرت فى 13 إبريل 1914 فى صدر صحيفة الأهرام.

وفى إسطنبول وعلى أرض الأحداث، مضت الأحداث بشكل مختلف. تكشفت حيل «الاتحاديون» باغتيال عزيز المصرى فى سجنه والادعاء بأنه انتحر. والذين توصلوا لهذا القرار بعد أن انتهت المحاكمة ورأوا هياج العرب لم يخمد، بل كان يزداد شدة وضراوة، فبلغ زعماء الحركة العربية من قبل أحد المصادر الاتحادية فى الأستانة فاجتمعوا وتداولوا الأمر، وتدخل دبلوماسيون غربيون ومنعوا الاتحاديين من اقتراف جريمتهم الكبرى. ويقول عبدالكريم جرادات فى رسالته للماجستير عن عزيز المصرى «عندما تم السماح لعزيز المصرى باستقبال الزوار وامتلأت زنزانته بالعديد من الأصدقاء، وهكذا فى أحد الأيام عندما زاره أحد الأصدقاء، استطاع المصرى تمرير ورقة مكتوب عليها ما يلى: لقد زارنى اليوم عضو كبير فى جمعية الاتحاد والترقى وكشف لى أنه سيكون هناك محاولة لاغتيالى، وأعطانى مسدسًا لحماية نفسى.

إن صحت هذه الرواية، فإن الهدف كان اغتيال «عزيز» فى السجن واتهامه بقتل نفسه بالانتحار بدليل وجود مسدس معه، وربما اتهامه بمحاولة الفرار من السجن وتبادل إطلاق النار مع الحرس. مع تواصل الضغوط الدبلوماسية- التى كان أهمها التدخل البريطانى، أطلعت السلطات فى إسطنبول السفير البريطانى فى الرابع عشر من إبريل أنه تم اتخاذ قرار بتخفيف عقوبة الإعدام بحق «المصرى» إلى خمسة عشر عامًا مع الأشغال الشاقة، مع التلميح إلى أنه بالإمكان تخفيف العقوبة إلى أقل من ذلك.

وفى السابع عشر من نفس الشهر، وصل الأستانة، الدكتور سعد الخادم بك حاملاً رسالة تبين حقيقة العلاقة بين أنور باشا- وزير الحربية حينئذ- وعزيز المصرى والسيد السنوسى، مفادها أن «أنور» كان يريد افتعال مشكلة بين السنوسى وعزيز المصرى، وبأن السنوسى لم يتلق أى شىء من أنور، وأضاف أن هذه الرسالة سوف يقدمها الدكتور الخادم للسلطات الحكومية، وأنه سوف ينشر نص الرسالة إذا لم يطلق سراح عزيز المصرى. يذكر «جرادات» أن مراسل جريدة «التايمز» فى الأستانة قام بنشر عدد من المقالات لصالح المصر» مؤثراً فى الرأى العام.

أما الصحفى الفرنسى جورج ريمون فقد قام بزيارة إلى جمال باشا محاولاً إقناعه بسخافة الادعاءات الموجهة ضد «المصرى» وإعلامه بالأمر المدمر الذى قد يسببه مثل هذا الحكم فى توجهات الوطن العربى للإمبراطورية العثمانية، برميل برقيات الاحتجاج التى كانت تصل إلى الأستانة. ويذكرها جمال باشا وكان من قادة «الاتحاد والترقى» فى مذكراته، كما يقول «جرادات» إن الرأى العام أصبح أشد سخطًا على أنور من عزيز المصرى نفسه، فقام بإرسال الكتاب الآتى إلى أنور حيث قال: عزيزى أنور بالرغم من كل البيانات العديدة التى جمعتها المحكمة العسكرية ضد عزيز بك وبالرغم من الحكم صدر عليه فعلاً «فإن الرأى العام غير ساخط إلا عليك، فالسخط عليك بهذه الطريقة يحدث لك ضررا أكثر بكثير من الضرر الذى يلحق بعزيز بك من جراء سجنه بضع سنين، فأرجو أن تبذل جهدك فى الحصول على العفو الشاهانى عنه، وأنا أبُعده عن الأستانة على ألا يعود إليها.

وفى اليوم التالى، العشرين من إبريل 1914، قام أنور بإعلام جمال باشا أنه طلب وحصل على عفو كامل لعزيز المصرى من السلطان، حيث تم إطلاق سراحه فى 21 إبريل وأُحضر لمقابلة أنور باشا وطلب منه أن يغادر إلى مصر على الفور وألا يتدخل ثانية فى شؤون الدولة العثمانية التزامًا كان من الظاهر أن «المصرى» لم يكن أبداً قادراً أن يبرّ به.

غادر المصرى فى اليوم التالى بحراً إلى الإسكندرية على ظهر سفينة رومانية ووصلها 26 إبريل، وتكتب الأهرام فى عددها الصادر يوم 24 إبريل، أن عزيز بك المصرى قد غادر إلى الإسكندرية على الباخرة الرومانية وهتف له عند سفره الشباب المصريون وغيرهم من أصدقائه. وتنقل الصحيفة فى نفس العدد نص برقية وجهها «المصرى» إلى جريدة التايمز قبل أن يبرح الأستانة يشكرها فيها على ما أبدته له من المساعدة والعضد الكريم الذى أيدته به، قائلاً إنه لا ينسى لها أبداً هذا الفضل. وتتوالى برقيات التهنئة على «الأهرام» وعلى محاكمة عزيز المصرى وخاصة صهره على ذو الفقار باشا محافظ القاهرة، لدرجة دفعت «الأهرام» للإعلان عن اعتذارها عن نشر كل هذه الرسائل.

أما يوم وصوله فكان بمثابة عيد قومى فى العاصمة وفى الإسكندرية حيث وصلت الباخرة الرومانية التى كانت تقله. أعربت محافظة القاهرة من خلال لجنة خاصة شكلتها لمقابلته فى الإسكندرية ومحطة القاهرة عن أملها أن يتم بهدوء وبعيداً عن التظاهرات. غادر وفد المقابلة إلى الإسكندرية فى قطار خاص.

نزل عزيز بك المصرى وسعد بك الخادم رفيقه الذى دافع عنه فى الأستانة أحسن الدفاع- فقابلهما على الرصيف سعادة محافظ القاهرة وأنجاله والوفد الذى سافر من القاهرة وجمهور عظيم من القاهرة وجميع مراسلى الصحف الأوروبية والمصرية وكان مصورو السينماغراف قد أعدوا عدتهم لأخذ صور الموكب، وصفق الحاضرون تصفيقًا متواصلاً لعزيز بك عند نزوله، وعلت الأصوات بالهتاف، وكانت محافظة الإسكندرية قد صفت بلوكًا من العساكر من الرصيف حتى القطار.

فسار عزيز بك بين صفين من الجند وبين التصفيق والهتاف وصعد إلى قطاره بعض مراسلى الصحف الأوروبية لالتقاط أقواله وأحاديثه، ثم صار القطار الخاص إلى القاهرة فوصلها فى الساعة الواحدة والنصف. وكان على الرصيف لاستقباله جمهور غفير من الوجوه والأعيان والأدباء والشيوخ وشلة من رجال البوليس لضبط النظام ومديرى الضبط، فلما وقف القطار ارتفع التصفيق والهتاف، ونثرت طاقات الأزاهير، وأسرع عبدالعزيز بك بالنزول إلى عربة شقيقته وركب وحده إلى منزلها فى الناصرية ثم أخذ الحاضرون يهتفون للدكتور سعد بك الخادم وركبوا قطاراً من العربات والأوتومبيلات وبأيديهم طاقات الأزهار إلى منزل سعادة ذو الفقار باشا. وكانت طائفة من النساء تزغرد فى الطريق على جانبى الموكب وعند منزل سعادة المحافظ. والمهم فى هذه التغطية الصحفية المتميزة، مقال قصير بدون توقيع فى «الأهرام» جاء فيه أن «العفو دليل على أن الرأى العام على الحكومة الدستورية تأثيراً وفعلاً كبيراً خلافًا للحكم المطلق المستبد». لم يهدأ «أبوالثوار العرب» لوقت طويل، فما هى إلا شهور معدودة، إلا وكانت تركيا قد تحالفت مع ألمانيا، وأعلنتا معًا الحرب على روسيا وإنجلترا وفرنسا فى أكتوبر 1914.

وبدخول تركيا الحرب أصبحت الحركة العربية فى مرحلة امتحان دقيق. أتقف مع دولة الخلافة الإسلامية فى محنتها أم تنفصل عنها وتعاديها؟ كان الرأى السائد لدى رجال الحركة الإصلاحية العرب الوقوف مع تركيا وتناسى الخلافات معها لحين انتهاء الحرب. كان موقف عزيز المصرى- القائد السابق فى الجيش التركى- دقيقًا. فأصدقاؤه وعشيرته حكموا بإعدامه، وتوسطت بريطانيا- دولة الاحتلال- للإفراج عنه. هذه الإشكالية ما بين «الثورة العربية الكبرى» والولاء القديم للدولة العثمانية والتجاذب مع الإنجليز سيحدد فصولاً مهمة قادمة فى حياة عزيز المصرى.


يتبع .....

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10السبت 17 يونيو 2017 - 15:05

«أبو الثوار» .. حلم الاستقلال بمساندة محتل آخر (11)

شهد العالم العربى محنًا عديدة. تداخلات خارجية استمدت شرعيتها من ضعف عام وتفرق للقوى الداخلية، وتلاعب مقصود بشعارات «القومية» و«الدين» وتزايد الجواسيس في العواصم العربية. كانت الحرب العالمية الأولى وتورط تركيا فيها محركاً رئيسياً لخروج الأفكار القومية المنادية بالاستقلال، واستغلت الدول الأوروبية وخاصة إنجلترا عروشاً مسلمة بعينها لتحقيق أهدافها.
كانت نوايا معظم القيادات العربية شرعية وطبيعية، لكن البعض تحمس وتبدلت قناعاته أكثر من مرة بين القيادات المنافسة. لم تستمر فترة الهدوء التي عاشها عزيز المصرى في القاهرة طويلاً بعد أن عاد إليها ناجياً من حكم بالإعدام في الأستانة قبل أن يتم العفو عنه في إبريل 1914. في أغسطس من نفس العام تسجل الوثائق البريطانية، مقابلة بين «عزيز» والكابتن «رسل» أحد ضباط المخابرات البريطانية في القاهرة. طلب عزيز المصرى خلال تلك المقابلة معرفة موقف بريطانيا من إقامة دولة عربية مستقلة عن تركيا «الدولة العثمانية». وأضاف المصرى الذي كان يتحدث باسم اللجنة التنفيذية لجمعية العهد أنه إذا ما وافقت بريطانيا على دعم تلك الدولة فإنها في المقابل ستحصل على امتيازات تفضيلية دون غيرها وتمارس السياسة الخارجية لهذه الدولة العربية نيابة عنها.

يكتب عبدالكريم أحمد سليمان جرادات في رسالته «عزيز المصرى والقومية العربية» أن تلك المحادثات قد تمت ولم تكن الدولة العثمانية قد دخلت الحرب علماً بأن بريطانيا لم تكن راغبة حتى ذلك الحين في دخولها إلى جانب ألمانيا بل إنها كانت تحرص مع عدم تأييد الحركات العربية ضدها على الرغم من احتمال دخول الأخيرة الحرب بجانب ألمانيا. ومع هذا الأساس فإن الكابتن رسل أخبر عزيز المصرى بأنه يملك الصلاحيات الكاملة للتحدث نيابة عن حكومته.

وأضاف أن بريطانيا ترى أن الوقت غير مناسب لإثارة هذا المشروع، وأن حركتهم لن يكتب لها النجاح دون النوايا الحسنة من حكومته، وكرد فعل على هذه الإجابة، قال عزيز إنه سينقل فحوى هذه المقابلة إلى أعضاء جمعيته، وكدليل على حسن النية وعد عزيز المصرى الكابتن رسل بأنه سيخبره عن أي تحركات تبعث على الريبة والشك من قبل الأتراك في مصر.

ويلخص المندوب السامى البريطانى في مصر هذه المقابلة لوزير الخارجية البريطانى بين فيها نشاط عزيز المصرى في القاهرة. ويتضح من تلك الرسالة أن الدوائر البريطانية في القاهرة كانت منزعجة من نشاطات «المصرى» وبتعليمات من لندن أرسلت لندن عميلاً لينذر عزيزاً بأن يلتزم الهدوء، حيث قام الكابتن رسل بمقابلته للمرة الثانية وأكد على ضرورة الالتزام بالهدوء والحد من نشاطه.

ويشرح د. محمد عبدالرحمن برج جانباً آخر من هذه المقابلات بين عزيز المصرى ورسل.. بدأ عزيز أول الاجتماعات بالتأكيد بأنه مندوب من لجنة مركزية مقرها بغداد بهدف تلمس موقف الحكومة البريطانية نحو الدعاية لإقامة دولة عربية متحدة مستقلة عن تركيا ولا ارتباط لها بأى دولة أخرى ماعدا بريطانيا التي تطلب رعايتها وتمارس السياسة الخارجية لهذه الدولة العربية نيابة عنها.

ويعرف عزيز المصرى بلاد العرب بأنها الأقاليم التي تتحدث اللسان العربى وتمتد حدودها الشمالية بخط يمر بالإسكندرية والموصل إلى الحدود الإيرانية. وهذه الحركة لا ارتباط لها بالجامعة الإسلامية والخلافة العربية ولذلك لم يطلب القائمون بأمر الدعوة تأييد المتعصبين أمثال الشيخ رشيد رضا ولكنهم في الوقت نفسه يدركون أهمية تأييدهم إذا ما كانوا على استعداد للخروج من آفاقهم الضيقة. ويعتقدون أن قوة الحركة تتمركز في بغداد ونجد وسوريا. أما الجنوب العربى فهو مشحون بالخلافات الداخلية مما يباعد بينه وبين التأييد الفورى لها. ولم يذكر عزيز في هذه المقابلة اسم زعيم هذه الحركة.

وتقدم «المصرى» خلال ذلك اللقاء بخطة القيام بثورة في العراق يدعمها ما يقارب من خمسة عشر ألف جندى عربى في الجيش التركى، وقد طلب أيضاً أن تقوم بريطانيا بمساعدة هذه الثورة وذلك بتقديم المال والسلاح فقط، أما كلايتون فإنه لم يقدم لعزيز أي ضمانات أو تشجيع. استمرت مساعى «المصرى» لدى البريطانيين، لكنها كانت ترد على مقترحاته بالتحفظ وعدم الموافقة، كانوا يرون أن المقترحات التي قدمها غير عملية من وجهة النظر البريطانية هذا أولاً، وأن تركيا في ذلك الوقت لم تكن قد دخلت الحرب وبالتالى فإن بريطانيا لم تكن تريد الظهور بمظهر المؤيد لحركات مناوئة لتركيا ثانياً.

في المقابل، وحسبما أصبح من الواضح أن «الدولة العثمانية» توشك أن تشترك في الحرب أرسل عزيز المصرى من مقر إقامته في القاهرة رسالة حاسمة إلى أعضاء جمعية العهد في سوريا يطلب منهم عدم القيام بأى عمل فدائى ضد تركيا، لأن اشتراكها في الحرب سيعرض ولاياتها العربية للغزو الأجنبى وأن الواجب عليهم أن يقفوا بجانب تركيا أو أن ينالوا ضمانات قاطعة تحميهم من الأطماع الأوروبية، وكان أعضاء «الجمعية العربية الفتاة» قد اتخذوا قراراً مشابهاً لرسالة عزيز المصرى حيث اتفق أعضاء الجمعيتين فيما بعد على رأى واحد. وفى شهر نوفمبر 1914 دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا- فيما سمى بعد ذلك بالحرب العالمية الأولى.

وأعلنت بريطانيا الحرب عليها وقامت بإبلاغ ممثليها في القاهرة أن بإمكانهم إعطاء «المصرى» ألفى جنيه إسترلينى لكى يتمكن من التنظيم وأى مساعدة أخرى قد يحتاجها ولكن المصرى أبلغهم آنذاك بعدم حاجته إلى المال. ومع ظهور أطماع بريطانيا في احتلال العراق، تبدلت مواقف عزيز المصرى، حيث رفض أي تعاون سواءً من قبله أو من قبل أعضاء جمعيته، إذا كان هدف بريطانيا احتلال العراق. وإذا تعهدت بعدم ضم العراق فإنه يستطيع الذهاب إلى هناك ويقنع الضباط العرب في الجيش العثمانى بأن يتخلوا عن القادة الثائرين ولا يعارضوا تقدم الجيش البريطانى، محذراً أنه بدون مساعدته ستواجه القوات البريطانية في تقدمها نحو بغداد بمقاومة عنيفة من الجنود العرب والأتراك الذين سيبقون موالين للإمبراطورية العثمانية في حربها ضد الغزاة البريطانيين.

استمرت اتصالات عزيز المصرى مع المسؤولين البريطانيين في هذه الفترة كما يرصد جرادات في «رسالته» حتى 1916، لكنها لم تثمر عن نتيجة حاسمة، لأن «المصرى» كان متشدداً في طلباته وشروطه وهذا ما لا تريده بريطانيا. هذه الاتصالات واللقاءات التي أجراها عزيز المصرى تعكس شخصيته وهو الذي أمضى سنوات طويلة في الشؤون السياسية والعسكرية، كما أنها سببت إحباطاً في نفسيته تجاه السياسة البريطانية.

وبسبب هذا الإحباط الذي لقيه نتيجة عدم الأخذ بمقترحاته قام عزيز المصرى بمقابلة رئيس بعثة الجيش الفرنسى في مصر في يونيو 1915 محاولاً من خلال ذلك اللقاء إقناعه بأن الحلفاء وخاصة فرنسا لهم مصلحة في إجراء محادثات سلام مع تركيا، كما أوضح أن استمرار الحرب مع الإمبراطورية العثمانية سيكلف الحلفاء خسائر كبيرة حتى وإن نجحوا في هزيمة الإمبراطورية فإن ذلك سيكلفهم حياة وأرواح المسيحيين في أراضى الإمبراطورية العثمانية. يشرح جرادات أن هذه الأفكار التي طرحها باءت بالفشل، كما حدث له مع المسؤولين البريطانيين من قبل، كما أنها تمثل الثنائية الفكرية التي كان عزيز المصرى يعيش بها.

ومن هذه الاتصالات وهذه المرحلة من حياته يقول عزيز المصرى في مذكراته مع محمد عبدالحميد في كتابه «أبوالثائرين» لم أكن أعلم ما هو موقفى عند الإنجليز، وما هو موقف الأحزاب في مصر من وجودى في القاهرة. كانت قضيتى أن الدول العربية يجب أن تنفصل عند الدولة العثمانية، وأيضاً يجب أن يكون هناك اتحاد فيدرالى يضمها جميعاً، اتحاد أساسه حق كل دولة في التصرف في سياستها الداخلية، أما السياسة الخارجية والجيش فحق للدولة العثمانية، ولقد تغيرت فكرتى فيما بعد حول هذا الاتحاد الفيدرالى، وكانت دعوتى إلى وحدة عربية يساندها جيش عربى قادر على حماية هذه الوحدة لكن الاستعمار الإنجليزى والفرنسى والإيطالى كانوا يخططون لمصالحهم من خلال جيوش عصرية تحمى هذه الأحلام.

كانت قضيتى الأساسية أننى لست سياسياً محترفاً ولكننى رجل عسكرى أحترف هذه المهنة. وبدأت أفكر كيف أحقق أفكارى من منطلق كونى الرجل العسكرى المحترف، ولكننى لم أعلم أين ميدانى.


يتبع .....

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10السبت 17 يونيو 2017 - 15:10

«أبو الثوار».. اللقاء الأول مع «لورانس» (12)

كان «الثوار العرب» الرافضون للتواجد التركى بشكل عام، يحاولون الاستفادة من الأجواء السياسية والعسكرية الملبدة. اقتربوا فى مصر والشام والعراق ومن الإنجليز أملاً فى تشجيع الحركة العربية، لكن الإنجليز- كعادتهم دائماً- كانوا يسعون للفتنة والاستفادة من تحرك هؤلاء الثوار ضد تركيا على أن تدعمهم فى الخفاء دون أى التزامات ظاهرة، لجأت بريطانيا فى المقابل إلى من تضمن ولاءهم بشكل تام.. فاقتربت ابتداءً من ١٩١٥ من الشريف حسين، ثم عبدالعزيز آل سعود، وظهر على الساحة أشهر رجل مخابرات فى القرن العشرين وهو «لورانس العرب».
كانت الاتصالات البريطانية مع الشريف حسين إحدى حلقات الاتصالات البريطانية مع الزعامات العربية، وقد بدأت هذه الاتصالات عام ١٩١٤، وأخذت طابعها الرسمى فى شهر يوليو ١٩١٥، وانطلقت بواسطة الأمير عبدالله بن الحسين «الابن الثانى للشريف» عندما كان نائباً عن مكة فى مجلس المبعوثان العثمانى، فأثناء ذهابه إلى الأستانة كان يمر بالقاهرة وينزل ضيفاً على الخديو عباس حلمى الثانى، وفى إحدى تلك الزيارات التقى اللورد كتشنر، المندوب السامى البريطانى، وفى اليوم نفسه قام كتشنر بزيارة الأمير عبدالله فى قصر عابدين، حيث أعرب عن رضا الحكومة البريطانية عن الوضع فى الحجاز.

هذه الاجتماعات والزيارات المتبادلة بين الأمير عبدالله والمسؤولين البريطانيين مهدت الطريق أمام الاتصالات البريطانية مع الشريف حسين بن على، وأوجدت ما يُعرف تاريخياً بمراسلات الحسين- مكماهون.

ويرصد «جرادات» فى رسالته أنه فى هذه الفترة ابتداء من يوليو ١٩١٥ وحتى مارس ١٩١٦، تم تبادل عشر رسائل، خمس كتبها الشريف حسين، وخمس كتبها السير هنرى مكماهون، وكان الشريف حسين بن على هو البادئ فى تلك المراسلات، حيث بعث أول رسالة يوم ١٤ يونيو ١٩١٥ إلى نائب ملك بريطانيا بمصر، تضمنت مطالب العرب فى الاستقلال والتحرر.

وقد نوقش فى فترة تلك المراسلات عدد من القضايا المهمة، كمسألة حدود الدولة العربية المقترحة، ودور بريطانيا فى المساعدة على قيام الثورة العربية الكبرى، ومسألة المصالح الفرنسية فى بعض المناطق العربية وغيرها من المسائل. وقد انتهت هذه المراسلات بموافقة بريطانيا على مطالب الشريف حسين بن على. يؤكد «جرادات» أن هذه المراسلات كانت الأساس والقاعدة الصلبة لقيام الثورة العربية الكبرى.

فى ١٠ يونيو ١٩١٦، أعلن الشريف حسين بن على الثورة العربية، وذلك استجابة طبيعية ونتيجة حتمية لمجريات الأحداث السياسية والعسكرية التى كانت تعصف بالمنطقة العربية بشكل خاص. حاول الشريف حسين وأحرار العرب أن يعبّروا من خلالها عن رغبات وآمال أبناء الأمة فى الحرية والاستقلال من زعماء الأتراك الذين تمادوا فى أعمالهم ضد العرب وأساءوا للدين الإسلامى، وتنكروا للعرب وللغتهم أكثر من أى وقت مضى.

ينقل «جرادات» تأكيد الوثائق أن الشريف حسين قد تريث كثيراً قبل إعلان الثورة العربية الكبرى لئلا يُساء فهمُها من قِبل البعض.

وعلى هذا الأساس وصلته برقيات التأييد والتعضيد من زعماء الأقطار العربية ونواب العرب فى مجلس المبعوثان العثمانى، وأحرار العرب فى بلاد الشام ومصر والعراق والذين كانوا يمثلون فى غالبيتهم أعضاء جمعيات العهد والعربية الفتاة وحزب اللامركزية فى مصر.

كانت فرحة أحرار العرب بإعلان الثورة العربية نابعة من شعورهم بالتخلص من الحكم المركزى التركى، ورأوا أن هذه الثورة هى التى ستوصلهم لهدفهم بالتحرر من ذلك الحكم، فزعماء المنطقة أظهروا تعاطفهم وتأييدهم للشريف حسين، فالإمام يحيى حميد الدين فى اليمن أعلن تأييده ودعمه للشريف حسين وأمر قواته بمهاجمة الحامية التركية فى صنعاء، والتى كانت تتكون من ١٦ ألف جندى كان من ضمنهم جنود عرب أُجبروا على التجنيد، ومع ذلك فإنهم لم يحاربوا ضد الإمام، كما أن الإدريسى أعلن ولاءه ودعمه للشريف حسين، ووضع ولاية عسير تحت تصرفه، وتنفيذًا لذلك قام الإدريسى بمحاصرة «القنفذة» التى كانت بها حامية تركية تتألف من ٢٧٠٠ جندى تركى ومعهم ٢٠ ضابطاً ألمانياً، حيث استسلم جميعهم، كما أعلن السلطان عبدالعزيز بن سعود فى نجد دعمه الكامل للشريف حسين.

كان الشريف بن على مقتنعاً بضرورة انضمام أكبر عدد من الضباط والجنود العرب الذين خدموا بالجيوش العثمانية ووقعوا كأسرى حرب فى أيدى جيوش الحلفاء، هذه الفكرة أيدتها بريطانيا بشكل كبير، وذلك لخبرة هؤلاء فى مجال الشؤون العسكرية، وهذا ما تحتاجه قوات الشريف، وبنفس الوقت يوفر على بريطانيا إرسال جنودها بشكل كبير إلى الحجاز، والذى قد يؤثر على صورتها أمام العرب والمسلمين. كما أن استخدام هؤلاء الجنود والضباط بمختلف جنسياتهم سيعطى انطباعاً وشعوراً عاماً لجميع أبناء الأمة العربية بقومية الثورة. بالفعل، فقد كانت جيوش الثورة تتألف بالإضافة إلى أبناء الحجاز من معظم أبناء الأقطار العربية، فكانت ثورة عربية إسلامية ولم تكن ثورة إقليمية طائفية أو عائلية.

يذكر «جرادات» أن الضابط العربى محمد شريف الفاروقى كان من أوائل الضباط العرب الذين تركوا مراكزهم فى الجيش العثمانى وسلموا أنفسهم للسلطات البريطانية بغية التعاون مع البريطانيين لتحقيق الاستقلال العربى، وقد حاز هذا الضابط ثقة الشريف حسين بن على وعُين ممثلاً له فى القاهرة منذ يونيو ١٩١٦، أى مع بداية عمليات الثورة العربية.

وقد نجح الفاروقى فى استقدام عدد من الضباط العرب إلى الحجاز، ولما كان عضوًا فى جمعية العهد، فقد قام بالاتصال مع عزيز المصرى من أجل الاشتراك فى الثورة العربية الكبرى.

وجاءت مشاركة «عزيز» فى الثورة العربية بعد جهود متواصلة قام بها الفاروقى فى مصر مع المسؤولين البريطانيين. اقترح الفاروقى على البريطانيين تزكية عزيز المصرى لكى يُعيَّن لدى الشريف حسين قائداً لجيش الثورة العربية، أما بالنسبة للشريف حسين فقد كان متردداً فى استقدام عزيز المصرى إلى الحجاز لما عُرف عنه عبر حياته الثورية فى مقدونيا والأستانة واليمن وليبيا، بل إن الشريف حسين كان حذراً من جميع الضباط الذين كانت لهم مساهمات ونشاطات فى جمعية الاتحاد والترقى.
بالمقابل فإننا نجد عزيز المصرى نفسه مترددًا فى الاشتراك بالثورة العربية الكبرى وقبوله منصب قائد جيوش الثورة العربية، لأنه وكما قال «المصرى» لم يكن متأكداً من هدف الشريف حسين.. هل هو الدفاع عن الحجاز ضد القوات الأجنبية، أم الثورة ضد السلطان العثمانى وتحقيق الاستقلال؟.

ينقل «جرادات» تأكيدات أكثر من مؤرخ لتردُّد الشريف حسين فى إشراك عزيز المصرى وقيادته لقواته.

وفقاً لجميع المصادر العربية والأمنية المتاحة، فإن الشريف تلقى نصائح متطابقة، وكذلك ضغوط بريطانية بتولى عزيز المصرى قيادة القوات العربية، لما له من خبرة وقوة هيبة لدى الضباط والجنود العرب، فتراجعت المواقف الرافضة للشريف.

أقلّت الباخرة الحربية «لاما» عزيز من عرض البحر وقبالة السويس قاصداً الحجاز، والتقى على متنها بتوماس إدوارد لورانس الشهير بـ«لورانس العرب» الثعلب الإنجليزى المحرك لجميع الأحداث حينئذ. اقترب الرجلان فى هذه المرحلة وعملا معاً لإنجاح الثورة العربية، لكنهما اختلفا فيما بعد، ورغم شهرة «لورانس» العسكرية والسياسية يقول عنه «عزيز»: لم يكن قائداً عسكرياً بقدر ما كان فى الأصل «عميلاً سياسياً» أُلحِقَ بالعمل مع الأمير فيصل للتأثير عليه وضمان نجاح الخطة الإنجليزية.

إن لورانس لم يكن يهمه أبداً أمر العرب فى شىء، والمودة التى قيل إنه كان يكنّها للعرب غير صحيحة. إنه لم يكن يُكرّس نفسه لإنشاء أمة عربية موحدة الكلمة، لأنه كان يؤمن تماماً بأن مصلحة بريطانيا تقضى بإبقاء الشرق الأوسط منقسماً على ذاته.


يتبع .....

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10السبت 17 يونيو 2017 - 15:12

«أبو الثوار».. الثورة العربية تنطلق مع طلقة مسدس فى مكة (13)

كانت مصر فى هذه السنوات وعلى أرض الواقع، مشاركة فى الحرب العالمية الأولى، إلى جوار بريطانيا، وذلك تحت مسمى «إعلان الحماية»، وفى نفس الوقت، كان لدى نسبة عالية من الرأى العام «المتدين» حنين إلى الدولة العثمانية، حامية الإسلام ومقر خليفته، لذلك فإن القاهرة عاشت أجواء متناقضة مع إعلان الدولة العثمانية تحالفها مع ألمانيا وإعلانها الحرب على بريطانيا، تعقد الوضع أكثر مع إعلان الثورة العربية الكبرى التى خططت لها بريطانيا فى الأساس ولكن تم التنفيذ بيد عربية من قلب الحجاز.. بل من مكة المكرمة.
فى سبتمبر ١٩١٦، وصلت الباخرة البريطانية التى كانت تقل عزيز المصرى ولورانس إلى مدينة جدة، واصطفت مجموعة من رجال الشرطة السوريين الذين عينوا حديثاً حرس شرف لاستقبال عزيز المصرى وأداء التحية.. وقد تابع «عزيز» ومن معه من الجنود سفرهم إلى مكة، وعند هذه النقطة يقول عبدالكريم جرادات فى رسالته عن الثورة العربية إن بعض المراجع تذكر أن عزيز المصرى مكث شهراً كاملاً فى مكة دون أن يتمكن من مقابلة «الشريف»، ولكن تبعاً لضغوط رفاقه هناك وافق الشريف حسين على مقابلته، حيث أكد فى بداية الحديث أنه ليس مع إلغاء الرابطة العربية العثمانية، وأوضح الشريف أن ما عليهم إلا أن يعملوا برأيه وهو منع انتشار الأعمال العسكرية بين العثمانيين والبريطانيين فى الحجاز، كما اقترح على الشريف حسين ألا يقطع العلاقات نهائياً مع الإمبراطورية العثمانية وألمانيا.

وقبل الوصول إلى أعمال «عزيز» فى الثورة العربية وعملياتها أقدم وصفاً لمسيرة العمليات فى هذه المرحلة قبل وصوله.. كانت حامية جدة أول حامية تركية استسلمت للعرب بعد إعلان الثورة. فقد بادر أربعة آلاف من رجال القبائل، وأكثرهم من قبيلة حرب بقيادة الشريف محسن بن منصور فى صباح يوم السبت ١٠ يونيو- إلى ضرب نطاق الحصار حول الثكنات التركية فى أطراف البلدة، وحالوا بينها وبين الوصول إلى مصادر المياه العذبة فى وسط البلدة، ولم تستطع الحامية الخروج من ثكناتها لاحتلال البلدة، كما أنها حاولت الزحف نحو مكة ولكن البدو ردوها على أعقابها. وفى ١٣ يونيو اقتربت ثلاث سفن حربية بريطانية من الشاطئ، ودكت ثكنات الترك بقنابل مدافعها حتى اضطرت الحامية إلى الاستسلام بعد ثلاثة أيام.

أما مكة فقد بدأ القتال حولها عندما دخل الشريف يوم ١٠ يونيو من إحدى نوافذ قصره وأطلق رصاصة إيذانا بإعلان الثورة، وفى اليوم الثالث استسلمت دار الحكومة وفيها وكيل الوالى. وظل القتال محتدما بين العرب من جهة وقلعة جياد وثكنة جرول. ووصل الفاروقى قادما من جدة ومعه مدفعان من المدافع التى غنمها العرب، وفى يوم ٢٩ يونيو وصلت ثلاث سفن تحمل بطاريتى مدفعية من المدفعية المصرية بقيادة الأميرلاى سيد على وكميات من العتاد والذخائر، وانتهى الأمر باستسلام ثكنة جرول يوم ٩ يوليو.

أما عن الأعمال التى قام بها عزيز المصرى خلال وجوده فى صفوف الثورة العربية الكبرى، فقد كانت كبيرة وعظيمة، حيث أخذ بكل ما أوتى من همة ونشاط فى خلق نواة جيش مدرب من شعب لا يحمل للنظام والتنسيق إلا الشىء القليل. فقرر أن يكون ميدان عمل عزيز المصرى فى «رابغ» حيث يستطيع القيام بمهمته التى تم تكليفه بها، وهى تشكيل جيش نظامى مدرب وفق أحدث الأساليب والخطط العسكرية، حيث تم اجتماع بينه وبين الأمير على ونورى السعيد وجميع الضباط الذين سبقوه إلى «رابغ».. وفى أول أكتوبر ١٩١٦ تم تشكيل أول حكومة عربية فى الحجاز، حيث نودى بالشريف حسين بن على ملكاً للعرب، وتم تشكيل الحكومة المذكورة كما هو آت: الشيخ عبدالله سراج نائباً لرئيس هيئة الوكلاء، الأمير عبدالله بن الحسين لوكالة الخارجية ويكون وكيلاً عن وكيل الداخلية الأمير فيصل بن الحسين وعبدالعزيز على «المصرى» رئيس أركان حرب ووكيلاً عن وكيل رئاسة الجند مع ترفيع درجته عن رتبته الحاضرة.

وقد أثار تعيين عزيز المصرى فى هذا المنصب- كما يقول «جرادات»- مخاوف البريطانيين حيث قام «ستورز» بتوجيه استفسار للشريف حسين قائلاً: إننى أثق بهذا التعيين وأرجو ألا يعنى إزاحة عزيز المصرى من الجبهة حيث المكان المناسب الذى يجب أن يكون فيه فعالاً وذا فائدة، وقد أجاب الشريف حسين- الملك بعد إعلانه- بأنه سيبقيه فى الجبهة والمقدمة، وأنه سيعين ممثلين عنه فى النقل والتزويد وما إلى ذلك فى مكة وأن رواتبهم ستدفع من قبل الملك نفسه. والواقع أن أوروبا- خاصة إنجلترا وفرنسا- ورغم تفجيرهم للثورة العربية، لم يعارضوا إعلان حكومة الشريف وحسب، بل إنهم عارضوا إعلانه نفسه ملكاً للعرب.

ومن المعروف أن الدولتين لم تعترفا بالشريف إلا ملكاً على الحجاز فقط، كانت العاصمتان لديهما تواصل وعلاقات دافئة مع بقية أمراء وشيوخ المنطقة، وخافتا غضبهم فى هذه الظروف. على أرض الواقع، وبسقوط الطائف فى ٢٩ نوفمبر عام ١٩١٦، أعلن الشريف حسين نفسه ملكاً على العرب ونشرت جريدة «القبلة» التى تصدر فى مكة خبرا بحروف من ذهب عنوانه «يوم العيد الرائع للعرب والإسلام» وذكرت أن مبايعة القبائل للشريف عمل عربى رائع. بعيدا عن هذا الجدل، اجتمع عزيز المصرى بجميع الضباط فى «رابغ» القريبة من مكة، وسمى هذا اللقاء فيما بعد «مؤتمر رابغ العسكرى» فسر خلاله أهداف الثورة العربية كما فهمها والالتزامات التى يجب أن يقوموا بها لتحقيق هذه الأهداف. كما أوضح لهم أن تحقيق الاستقلال الذى ينشدونه يرتب عليهم إنشاء جيش نظامى.

وينقل «جرادات» أن عزيز قال فى ذلك المؤتمر: «إننا لا نحارب رغبة فى الحرب ولا كرهاً بالترك أو حبا بالإنجليز.. بل نحارب من أجل تحرير بلادنا وتأمين استقلالها. فهل تعتقدون أننا نستطيع تحقيق هذه الأمنية بالقوات التى لدينا الآن؟ هل تقبلون أن تدخلوا سوريا بهذا الجيش؟».

ومن الأعمال والأفكار التى قدمها عزيز المصرى فى تلك الفترة ضرورة تقسيم الجيش إلى قسمين، القسم الأول وهو المهم، عليه أن يحارب كبقية الجيوش، والقسم الثانى يتألف من جحفل سيّار مجهز بأسلحة خفيفة تكون مهمته الحركة وراء خطوط الأتراك، وشل حركتهم، بحيث إن القوات التركية لا تستطيع أن تلحق به أضراراً كبيرة، وقد استحسن الأمير فيصل هذه الفكرة وطلب أن يكون هذا الجيش الثانى تحت قيادته، والجيش الأول يكون تحت قيادة أخيه الأمير على.

زاد «عزيز» عدد الجيش، كما قام بتسليم قائمة بمطالبه اللازمة لتجهيزه، واقترح انضمام الأسرى الهنود لجيش الثورة، وكانت الاقتراحات التى يقدمها عزيز المصرى تقابل بالإيجاب والقبول من قبل الأمراء الهاشميين، حتى إذا ما بدأ العمل وبشكل فعلى لتطبيق هذه الاقتراحات كانت تواجه بالعراقيل والصعوبات من قبل أطراف أخرى.

يرى بعض المؤرخين أن السبب فى الخلاف الذى نشب كما يؤكد د. محمد عبدالرحمن برج فى كتابه عن «الحركة العربية» يعود إلى تخوف الشريف حسين من إنشاء قيادة عسكرية مستقلة، كما كان يقترح عزيز المصرى، كتب الكولونيل الإنجليزى ويلسن رسالة إلى الشريف يقترح عليه منح عزيز صلاحيات لإنشاء قوة نظامية، وأن يخصص له ميزانية خاصة (١٥ ألف جنيه) شهريا ينفق منها على إنشاء تلك القوة، ولكن الشريف لم يوافق على ذلك لأنه كان يخشى أن يتكرر معه ما حدث مع السلطان عبدالحميد من انقلاب العسكريين. وقد طلب عزيز من الإنجليز أن يخصصوا له مبلغاً من المال والأسلحة والتجهيزات، وأن يمنحوه صلاحية الاتصال المباشر بهم، وليس عن طريق الشريف من أجل أن يتسنى له إنشاء القوة النظامية اللازمة، ولكن الإنجليز لم يوافقوا على ذلك، وازداد الشقاق بين «عزيز» والشريف، فقد بلغ الأخير أن «عزيز» يبحث مسائل سياسية مع الضباط ويتحدث معهم فى مشروعه القديم القائل بإنشاء دولة ثنائية من الأتراك والعرب، تحت سيادة السلطان، على نحو ما هو معمول به فى النمسا والمجر.

شعر عزيز بالإحباط لعدم تنفيذ مشروعاته ومقترحاته من قبل الشريف «الملك» وبعد أن رفض، وكذلك ابنه فيصل هذه الاقتراحات، عاد إلى القاهرة فى النصف الثانى من نوفمبر ١٩١٦ لتكون قد انتهت فعلياً المرحلة الأولى من مشاركته فى الثورة العربية الكبرى، أما المرحلة الثانية من هذه المشاركة فتبدأ فى ٩ ديسمبر ١٩١٦.. لقد بذل البريطانيون فى مصر أقصى جهودهم لإقناع «المصرى» بالعودة إلى الحجاز فوافق، وضغط لإقناع الملك حسين بإعطاء عزيز المصرى سلطة تنفيذية أكثر من سابقتها، ولكنهم عندما رأوا تردد «حسين» فى هذا الموضوع وجدوا أنه من الأنسب عدم فرض هذا الأمر عليه خوفا من أن يصبحوا مسؤولين عن تصرفات وسلوك المصرى. بعد أسابيع معدودة عاودوا الضغوط لصالح «عزيز».. وبشكل رسمى أصبح وزيراً للحربية فى ١٤ ديسمبر ١٩١٦.. لكن الأمور لم تستقر طويلاً على هذه الجبهة.


يتبع ......

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10السبت 17 يونيو 2017 - 15:34

«أبو الثوار».. حينما رفض أن يكون ملكاً لليمن (14)

احتضنت القاهرة العشرات من الثوار العرب الهاربين من أحكام بالإعدام من السلطات التركية وكان معظمهم من الشام حين عمد أحمد جمال باشا القائد الحربى العثمانى- والذى صار مشهوراً فى كتب التاريخ بـ«لقب السفاح» إلى سياسة البطش والقتل والتشريد والإرهاب تجاه كل الثوار العرب. نفذ «السفاح» مجازر رهيبة فى أنحاء الشام وبمباركة من قيادات «الاتحاد» فيما هرب العشرات إلى مصر مع أسرهم فى أكبر عملية نزوح جماعى عرفتها مصر لتزامنها مع هجرات الآلاف من الأرمن أيضًا من بطش الدولة العثمانية فى أنحاء البلاد.
يؤكد عزيز المصرى أكثر من مرة أن عدداً من أصدقائه الذين عملوا إلى جواره فى اليمن وليبيا والأستانة شُنقوا على يد جمال «السفاح» لذلك فإن ثقته فى تركيا تراجعت كثيراً، إلا أن ثقته مع الشريف الحسين وكذلك الإنجليز كانت ضعيفة أيضًا. وعلى الجانب الآخر فإن الواشين نشطوا للإيقاع بينه وبين الحسين وأبنائه الأمراء. وافق «الحسين» بضغوط بريطانية على تعيين عزيز المصرى فى منصب وزير الحربية. وما إن تولى منصبه حتى اقترح فى بداية يناير 1917إنشاء قوة من الهجانة، وطلب تزويده بعدد من الرشاشات لتسليح هذه القوة، وقد كتب القائد العسكرى البريطانى ولسون للملك الحسين بهذا الخصوص حاثاً إياه على تسهيل مهمة «المصرى» مشجعًا الملك أن عزيزاً لا يرغب فى الاستقالة وأنه ماضٍ فى خدمة جلالته.

ينقل عبدالكريم جرادات فى رسالته عن الثورة العربية مقدمات الخلاف بين عزيز والحسين فيقول إن «(المصرى) وضباطه ضاقوا من تدخل الأمير على- نجل الحسين- فى الأمور العسكرية، وأن ذلك قد يؤدى إلى الفوضى». ينقل محمد صبيح فى كتابه «بطل لا ننساه» أن الأمير فيصل- نجل الحسين أيضًا- وصلته مقولة على لسان عزيز وهو فى الحجاز إنه لا يرجو خيراً من الأشراف ولا من هذه الثورة ماداموا مسيطرين عليها، ولذلك قررت الانسحاب منها والعودة إلى مصر. وإنه وصله أيضًا أنه يستطيع طرد الترك من سوريا فى أسابيع قليلة إذا تخلت إنجلترا عن الأشراف وعمل هو وأصدقاؤه فى إدارة الثورة. ورغم هذه الوشاية، فقد تلقى عزيز أمراً من «الحسين» بوجوب السفر إلى مصر لاختبار الأسلحة التى يراها لازمة للجيش.

فسر بذلك سروراً عظيمًا وأسرع إلى مصر فى أول باخرة صادفها. تنقل صحف هذه الفترة أن الإنجليز كانوا معجبين بـ«عزيز» إعجابًا شديداً وإنهم يرون فيه قائداً من أكفأ قواد الميدان لكنهم كانوا ومعهم «الحسين» لا يثقون فى ميوله السياسية. فكانت هذه الرحلة هى الأخيرة له، حيث أجبر بعد بضعة أيام على ألا يعود إلى الحجاز، ثم أمر بوجوب الخروج من مصر، وقد خير بين السفر إلى سويسرا أو إسبانيا فاختار إسبانيا لسببين: الأول رغبته فى زيارة الآثار العربية فيها، والثانى اعتقاده أنه لو اختار سويسرا لكان قد اعتقل فى مالطة.

يشير «جرادات» فى رسالته إلى أن الصفات الشخصية لكل من الملك الحسين وعزيز المصرى لعبت دوراً مهمًا فى قضية انسحاب «المصرى» من الثورة، فالملك كان يتصف بالثبات والدقة فى قراراته وآرائه فكان لا يسمح لأحد من أبنائه أن يتدخل فى شؤونه، وهذه الصفة لم تتوافر فى عزيز المصرى الذى لم يتعود على الطاعة العمياء ودون نقاش. ويضيف «جرادات» سببًا مهمًا فى زيادة الخلاف بين «المصرى» و«الحسين» وهو دور نورى السعيد، والذى تطوع بنقل حديث عزيز المصرى مشوهًا إلى الإنجليز والذين بدورهم أصبحوا ناقمين على عزيز المصرى وقرروا أن يتخلصوا منه بأى شكل كان. ويعتقد جرادات أن «عزيز» لم يكن يثق فى نورى السعيد بشكل كبير بدليل ما يذكره سليمان فيضى فى مذكراته التى يستند بها إلى الوثائق البريطانية. أن نورى السعيد لا يحوز على ثقة كاملة من عزيز. لم تكن العلاقات بين الاثنين جيدة منذ كانا فى الأستانة كضباط فى الجيش العثمانى رغم اشتراكهما فى جمعية واحدة «العهد».

وينقل عن أكرم زعيتر فى مذكراته أن عزيز المصرى كان يملك أثناء إقامته فى الأستانة خمسمائة ليرة عثمانية ذهبية، وكان سمح لنورى السعيد أن يسحب ما يحتاجه من المال، وأثناء سجن عزيز المصرى يتبين أن نورى السعيد جمع المال الموجود فى بيت عزيز المصرى.

ويذكر أيضًا أن نورى السعيد عندما تسلم الحكم فى العراق تنكر لعزيز المصرى وأهمله إهمالاً تامًا عندما زار العراق، وأن نورى السعيد زعم عند الملك فيصل أن عزيز المصرى يدعو للجمهورية مما جعل بقاء عزيز فى العراق غير مرغوب فيه على الإطلاق. وحاول نورى السعيد أن يستأثر بالمنصب الذى تركه عزيز المصرى بانسحابه من الثورة بدليل أنه عندما انسحب عزيز، أصدر الملك الحسين مرسومًا بتعيين الضابط المصرى البكباشى محمود القيسونى وزيراً للحربية ومنحه رتبة لواء، مما أغضب نورى السعيد الذى كان أكبر الضباط العرب رتبة وقام بإرسال خطاب للقيسونى بأنه لا يعترف له بهذا المنصب.

وفى القاهرة، لم يعرف الإنجليز كيف يرضون عزيز المصرى قبل أن يقرروا التخلص منه. لقد دارت مباحثات طويلة بينه وبين القادة العسكريين البريطانيين بشأن العراق. كانت خطة «عزيز» أن يسافر إلى البصرة- على حسابه- وأن يتعاون مع طالب النقيب زعيمها وبعض أركان جمعية العهد هناك لتأليف قوة عراقية وطنية تنهى الوجود التركى فى العراق.

واشترط عزيز ألا تنزل هناك أى قوة إنجليزية، وإذا احتاج الأمر إلى مدد، فليكن بقوة فرنسية «لم يكن لفرنسا أطماع فى العراق، كما قدر عزيز فى ذلك الوقت. وجاء تصريح من إنجلترا لرجالها فى مصر، وقد أحسست بحرج الموقف، وبالموافقة على الاستعانة بكل الأفكار الوطنية، مادامت تؤدى إلى إنهاء الوجود التركى. وطلب من عزيز أن يستعد للسفر إلى البصرة.

وقبيل سفره جاءه القائد البريطانى كلايتون، ليزف له بشرى نزول القوات البريطانية فى البصرة. ويستحثه على السفر. وكان هذا خلافًا لكل اتفاق تم بحثه. فما إن سمع عزيز بهذا النبأ، حتى وقف دون أن يعقب بكلمة قائلاً لكلايتون: مع السلامة. أراد الإنجليز أن يدوروا حول عزيز المصرى من طريق آخر. كانوا يعرفون مقام عزيز المصرى فى اليمن بعد أن تدخل فى إيقاف الحرب بين الأتراك بقيادة عزت باشا، وبين اليمنيين بقيادة الإمام يحيى حميد الدين، وإقرار الصلح بينهما، وبمقتضى هذا الصلح بين الجانين ظلت القوات التركية فى اليمن فعرضوا عليه تصفية القوات هناك مقابل منحه عرش اليمن. يقول عزيز المصرى عن هذه المحادثة خلال حوار لمحمد عبدالحميد ضمن كتابه «أبوالثائرين»: «قلت له كيف أجلس على عرش اليمن وهو ملك لأهله وليس ملكًا لكم.. إننى أرفض جميع هذه العروض».

يضيف «لقد عودتنى الأيام من كثرة تعاملى مع الإنجليز أن من يهتمون به كثيراً ويكون تحت أعينهم ويأملون فى تنفيذ مطالبهم ولا يحقق لهم أى مطلب أو رجاء لابد أن يصيبه الكثير من الضرر. وتوقعت المزيد من المصادمات معهم، حتى إننى جهزت نفسى لأمر اعتقالى. كان هذا الإجراء شيئًا طبيعيًا للغاية. وعندما استدعانى كلايتون للمرة الثالثة كانت حاستى السادسة تشير إلى أن أمراً ما سوف يحدث ولم تمض دقائق على لقائنا حتى عرض على كلايتون أوامر السير «رينالد وينجت» المندوب السامى البريطانى والذى كان سرداراً وحاكمًا للسودان، الخيار بين السفر إلى سويسرا أو إسبانيا. قلت له: هل هذا التصرف من جانبكم إبعاد أم استبعاد؟ فقال فى رقة بالغة: رأينا أن تقضى فى أحد هذه البلاد الجميلة بعض الوقت ونحن نحبذ لك إسبانيا. وقال «المهلة المحددة ثلاثة أيام..

وهناك باخرة ستقدم من الإسكندرية فى ذلك الموعد». كان النفى إلى إسبانيا هذا الإجراء الطبيعى بعد أن فشلت محاولات الإنجليز فى إقناعى بالانضمام إلى صفوفهم، وعلى الجانب الآخر خوفًا من أن أثير القلاقل داخل مصر خصوصًا وأنه قد استقر فى أعماقى إنشاء جمعية سرية مدنية. وكان فى نيتى أن أفاتح سعد زغلول فى أمر هذه الجمعية لأنه لم تكن أمامى شخصية مصرية وطنية سواه على الإطلاق. ولكن أمر النفى لم يتح لى أى فرصة فى هذا المجال.


يتبع ........

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43829
معدل النشاط : 58579
التقييم : 2418
الدبـــابة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B3337910
الطـــائرة : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Dab55510
المروحية : الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  B97d5910

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  1210

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Best11


الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Empty

مُساهمةموضوع: رد: الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار    الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار  Icon_m10السبت 17 يونيو 2017 - 15:36

الفريق «عزيز المصرى» «أبو الثوار».. المنفي بصحبة «شوقي» وآثار الأندلس (15)

لم تكن خلافات عزيز المصرى مع الملك الحسين ومع الإنجليز سببًا وحيداً فى نفيه إلى إسبانيا ليلحق هناك بأمير الشعراء أحمد شوقى وليرتبط به مصيره للمرة الثالثة. تواصل «عزيز» مع القوى الوطنية فى الداخل وخاصة قيادات الحزب الوطنى الذى كان يديره ويحركه محمد فريد من منفاه فى الأستانة، كما أقلقهم اتصاله بسعد زغلول وأحمد لطفى السيد، لذلك كان قرار النفى إلى إسبانيا جزاءً لـ«المصرى» عن مجمل نشاطاته واجتماعاته فى هذه المرحلة. كان الإنجليز فى هذه المرحلة يخافون من أى تعاطف شعبى مع الدولة العثمانية. وفى هذه الفترة حاولت الدولة العثمانية العودة إلى مصر واحتلالها من ناحية قناة السويس لكن حملتهم فشلت. ومع تعرض السلطان حسين كامل- الذى كان قد حصل على منصبه من الإنجليز، مع إعلان الحماية والاستقلال عن الدولة العثمانية- إلى محاولة اغتيال زادت عمليات القمع والتنكيل والنفى. أراد الإنجليز استغلال أجواء الحرب العالمية الأولى وحكم قبضتهم على البلاد تمامًا، فزادت الرقابة على الصحف.
كانت المقالات والأخبار التى يسطرها سياسيون أو صحفيون محسوبون على الحزب الوطنى أو التيار المستقل بشكل عام كفيلة بمصادرة العدد أو إغلاق الصحيفة تمامًا. بدأت عمليات اعتقال واسعة فى صفوف السياسيين، وبجانب هذا بدأت عمليات طرد بالجملة لكثير من الشخصيات التى كانوا يرون أنها مثيرة للفتن من جانب، أو أنها تؤيد عودة الحكم التركى إلى البلاد من جانب آخر، بالإضافة إلى أعوان الخديو السابق عباس حلمى الثانى، الذين كانوا يروجون لعودة حكمه. كان أمير الشعراء أحمد شوقى على رأس الذين تم نفيهم إلى إسبانيا. رحل شوقى وزوجته وأولاده إلى السويس ومن هناك استقلوا باخرة عبرت بهم القناة إلى بورسعيد ثم إلى المنفى.. لم يكن عزيز المصرى يعلم فى ذلك الوقت أن الأيام والأقدار سوف تجعله يلحق بشوقى مطروداً من مصر إلى منفاه. قابلت عزيز صعوبة بالغة فى تدبير المال الذى سوف يستعين به على الحياة فى منفاه الجديد. يقول المصرى فى حواره مع محمد عبدالحميد ضمن كتابه أبوالثائرين: «لم أكن أملك سوى منزلى فى منطقة عين شمس بالقاهرة ولم أفلح فى بيع بعض الأفدنة من الحديقة وذهبت إلى شقيقتى وابنها يوسف باشا ذوالفقار وكتبت لها تنازلاً عن البيت والحديقة لأنى خشيت أن يصادرها الإنجليز. ولقد كان هذا التنازل سببًا فى الكثير من المشاكل العائلية والقضائية بعد ذلك بسنوات بعد عودتى إلى القاهرة بعد قرابة تسع سنوات أو ربما أقل من ذلك». ركبت الباخرة التى كانت سوف تنقلنى إلى مرسيليا، ولقد قضيت أيامًا أفكر فى الإنجليز الذين أحالوا حياة العرب بوجه عام إلى سلسلة من المآسى، وحياة المصريين بوجه خاص إلى سجن كبير، وآمنت تمامًا أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على التقسيم بين الإنجليز وأيضًا الفرنسيين. ورميت بكل اللوم على العثمانيين الذين أضاعوا البلاد التى كانوا يمتلكونها فى غرب أوروبا بسبب الجهل والمؤامرات والدسائس. كنت من المؤمنين تمامًا بأن العثمانيين لو كانوا اتخذوا اللغة العربية لغة رسمية فى تلك البلاد لتغير الحال وأصبحت المساحات جزءًا من الأمة الإسلامية، ولزاد التوسع تجاه الغرب، ويكفى أن الأتراك عندما تركوا يوغسلافيا كان بها قرابة 300 مسجد وذلك بخلاف عشرات المساجد فى البلاد الأخرى.

ولو كان استمر التعاون بين الألمان والأتراك بدون الحرب العالمية الأولى لسطع نور الحضارة الإسلامية على ربوع أوروبا كلها. ولكانت لنا عودة بطريقة أو بأخرى إلى بلاد الأندلس التى ضاعت بسبب الخلاف بين أمراء العرب. وصلت إلى ميناء مرسيليا، وكان هذا النزول إجباريًا ومن هناك ركبت القطار إلى مدريد عاصمة إسبانيا ثم ذهبت إلى برشلونة. كانت سعادتى لا توصف عندما التقيت بأمير الشعراء أحمد شوقى أستاذى الذى أحببته وكان السبب المباشر فى التوسط عند أختى الكبرى وزوجها لدخولى الكلية الحربية فى تركيا، وحكى له أن الإنجليز نفوه إلى هنا خوفًا من شعره الوطنى الحماسى الذى اعتبروه وقوداً للثورة فى مصر ضدهم إذا استمر وجوده هناك، ومن أجمل ما كتب أمير الشعراء وهو فى منفاه قصيدة مطلعها:

يا ساكنى مصر إنا لا نزال عـلى ■ ■ عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا

هلا بعثـــــــتم لنا من ماء نهركمُ ■ ■ شيئا نبل به أحــشاء صادينا

كل المناهل بعد النـــــــــيل آسنة ■ ■ ما أبعد النيل إلا من أمانيــنا.

هذه الأبيات وغيرها أرسلها شوقى إلى شاعر النيل حافظ إبراهيم الذى رد عليه بهذه الأبيات:

عجبت للنيل يــــــدرى أن بلبله ■ ■ صادٍ ويسـقى ربى مصرٍ ويسقينا

والله ما طاب للأصحاب مـورده ■ ■ ولا ارتضوا بعدكم من عيشه ليـنا

وينقل محمد عبدالحميد عن عزيز المصرى قوله: وجدت فى الشاعر أحمد شوقى خير رفيق فى غربتى، ووجدت عنده ما يعزينى ويؤنس وحدتى فى غربتى، حكيت له قصة حياتى كلها خلال السنوات الماضية، ووجدت فيه آذانًا مصغية لأحلامى التى كانت تستقر فى أعماقى ورأسى وكيف ذابت هذه الأحلام وتلاشت، وكيف أن العرب سوف يقاسون مرارة الاحتلال لأعوام طويلة. حكى عزيز قصته الأخيرة مع الإنجليز وكيف أنهم راقبوه بشدة بعد منع الخديو عباس من العودة إلى مصر لأنه كان فى صف المصريين ولم يكن محببًا للإنجليز. وباعتبار أحمد شوقى من العاملين فى قصر الخديو ومن المقربين إليه خافوا تأثيره على الناس، وخشوا تأثير شعره الحماسى ليس فى مصر وحدها ولكن على مستوى البلاد العربية.

فى برشلونة نزل عزيز المصرى فى بيت قديم اختاره له أحمد شوقى بعد أن غادر الفندق، ولم يمر عليهما فى برشلونة سوى شهر واحد حتى أخبر «عزيز» شوقى بضرورة أن يتجولا فى إسبانيا وترك برشلونة حتى يستمتعا معًا برؤية الآثار الباقية من الأندلس. يقول «عزيز»: وجدت أن هذه الفكرة لها صداها فى نفس «شوقى» وكان قرارنا الذهاب إلى مدريد.. عمل عزيز فى التدريس ليكتسب ما يعول به نفسه. ولاحظ الإسبانيون الذين عاش معهم، ما عليه هذا الرجل من خلق عظيم وسماحة نفس فى محنته هذه، فكان محل تقدير وإعزاز.

وما إن انتهت الحرب حتى سافر إلى ألمانيا، وهناك عرض عليه أن يعمل مدرسًا فى كلية أركان الحرب الألمانية فقبل هذه المهمة بصدر رحب، وبامتنان. وقبل الوصول إلى ألمانيا أنقل عنه ما قاله عن هذه المحطة أمير الشعراء لما لاحظ حماسه البالغ للألمان فى «مدريد» طلب الاتصال بهم عن طريق سفارتهم وقال لى: حاول الاتصال بهم، وأخبرهم برغبتك فى المشاركة فى الحرب معهم خاصة أنك تعرف جيداً جميع البلاد والمناطق التى يمكن أن تساهم فيها والتى يرون وجودك مناسبا فيها. يقول «عزيز»: ذهبت إلى السفارة الألمانية فى مدريد، وطلبت مقابلة السفير الألمانى، لكن أحد موظفى السفارة أخبرنى بالحضور فى اليوم التالى، وكتب لى اسم أحد موظفى السفارة لمقابلته، وشعرت بضيق كبير لسوء الاستقبال. وفى اليوم التالى ذهبت إلى السفارة وقابلت الموظف الذى اختاروه وكان فظًا متعجرفًا إلى أبعد الحدود. كنت قد كتبت مذكرة أعرض فيها خدماتى للعمل بالجيش الألمانى مع نبذة مختصرة عن خبراتى والميادين التى عملت بها وأسماء الضباط الألمان الذين عملت معهم.. وقصتى مع الإنجليز وما فعلوه معى حتى طردى من مصر منفيًا إلى إسبانيا. حتى هذا الوقت كان معى قرابة الـ 250 جنيهًا هى كل ما أملك.. وكنت قد اتفقت مع الشاعر أحمد شوقى أن نبدأ جولة على آثار الأندلس القديمة، بعد انتهاء الرحلة عاد عزيز إلى مدريد واختار للإقامة بنسيونًا بسيطًا، وتعرف خلال هذه المرحلة على الدكتور الألمانى بد ستشر ودارت بينهما مناقشات طويلة عن الحرب وألمانيا وفرصها فى الحرب العالمية. فى هذه الأثناء وعند خروجه من البنسيون جاء البوليس الإسبانى لتفتيش غرفته.. وطلبت منه إدارة الفندق وكذلك أصدقاؤه عدم العودة إلى هناك، وأحضروا ملابسه، إلى أطراف مدريد. وركب سيارة ولم يكن يملك حينئذ سوى سبعة جنيهات إنجليزية. فى إحدى المكتبات التى تهتم بالمخطوطات العربية تعرف على قسيس طويل القامة والذى قال له بهدوء شديد: «هل تقرأ العربية؟».. فقلت له إننى عربى مصرى أجيد اللغة العربية بالطبع. عرض القسيس وظيفة براتب جيد لمدة شهر كامل وذلك للقيام بترجمة أكثر من كتاب للغة العربية. كما يقول عزيز المصرى لمحمد عبدالحميد: «ضمنت الإقامة فى الدير وطعاماً مجانياً طوال الشهر.. عشت فى الدير وأطلقت لحيتى وشاربى وشعرى.. وأطلق القسيس علىّ اسم (خنتو) ولا أدرى حتى الآن لماذا اختار لى هذا الاسم الغريب».


يتبع ....

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

الفريق عزيز المصري ......ابو الثوار

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية

 مواضيع مماثلة

-
» عزيز المصري
» قريبا حوار جديد - النسر المصري سمير عزيز ميخائيل
» "المصرية للاتصالات" ترعى الفريق المصري في البطولة العالمية للروبوت بامريكا
» الدفاع الجوي المصري وقائده الحالى الفريق أركان حرب عبدالعزيز سيف الدين
» فؤاد عزيز غالي..القبطي الذي قاد المصريين للعبور

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام العسكريـــة :: التاريخ العسكري - Military History :: شخصيات تاريخية-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019