الحروب الصليبيبةبوادر الحروب الصليبيبة
في عام 1088م أعلن البابا أوربان الثاني الحرب الصليبية لاستعادة الأراضي المقدسة في بيت المقدس، وأعلن دعم بيزنطا أمام الهجوم السلجوقي، وبدأ ينشر شائعات عن أذى المسلمين للحجاج المسيحيين الذاهبين لبيت المقدس وأن المسلمين يعتدون على المقدسات المسيحية ويدنسون قبر المسيح ، فألهب ذلك مشاعر الأوروبيين النصارى وقامت دعوات كبيرة من فرنسا وإيطاليا تطالب ببدء هجوم عسكري نحو القدس
وبعد ذلك بعامين استطاع "النورمان" في أوروبا أن يحتلوا جزيرة صقلية التي كانت تحت حكم المسلمين، فكان ذلك نصراً عظيماً بالنسبة للأوروبيين لأنهم شعروا ببدء قدرتهم على مهاجمة المسلمين وكان ذلك دليلاً على ضعف الدولة الإسلامية، إلا أن الفاطميين (العبيديين) في المغرب العربي قد شعروا بخطورة تلك الهجمات وشعروا أيضاً بخطورة السلاجقة الأتراك الذين أوشكوا على السيطرة على المشرق في تركيا والعراق، وعندها ارتكب الفاطميون الخيانة العظمى حين بدؤوا بمراسلة الصليبين والتحالف معهم ودعوتهم لدخول بلاد الشام بدل السلاجقة وذلك ليضعوهم في مواجهة الأتراك وليكونوا فاصلاً بينهم وبين السلاجقة، وكان هذا خطأ شنيعاً حيث استعان هؤلاء بالنصارى على المسلمين من السلاجقة
ونستطيع استخلاص أهم أسباب الحروب الصليبية كما يلي:
أولاً : الحماس الديني والدعوة لتحرير المقدسات المسيحية في القدس
ثانياً: وجود طبقة فقيرة معدمة في أوروبا وجدت لها باباً للعيش في القتال ودخول بلاد الأغنياء بعد أن صور لهم قادتهم بأن بلاد المسلمين غنية وضعيفة
ثالثاً: التوجيه الفكري الذي قام به الرهبان بين الناس لتحريضهم على قتال من اغتصب مقدساتهم
رابعاً: شهدت أوروبا الكثير من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين فقر في المواد الخام وازدياد في أعداد السكان وخلافات بين الملوك والفرسان وبين البابا والملوك، فكانت الإغارة على الشرق حلا مريحاً لجميع الأطراف
الحملات الصليبية
عاد الاحتلال الأجنبي لفلسطين مرة أخرى مع نهايات القرن الحادي عشر الميلادي. وقد بدأت عمليات الشحن المعنوي بخطبة للبابا أوربان الثاني سنة 1095 طالب فيها العامة بتخليص قبر المسيح المقدس من أيدي المسلمين وتطهير القدس منهم .
فقاد بطرس الناسك أولى الحملات العسكرية التي استمرت قرنين والتي عرفت باسم الحملات الصليبية لأنها اتخذت الصليب شعاراً لها. وتحركت الحملة الشعبية نحو المشرق ولم تكن منظمة أو مدربة عسكرياً لأنها كانت من تنظيم الرهبان والبابا، لذلك فقد ضمت بين صفوفها النساء والأطفال وبلغ تعدادهم ثمانين ألفاً.
حيث وصلت الحملة إلى بيزنطا والتي كان يحكمها الامبراطور البيزنطي الارثوذكسي وكان أصحاب الحملة من الكاثوليك، فلم يستطيعوا فتح بيزنطا ولكنهم عاثوا فساداً حول القسطنطينية فرأى الامبراطور البيزنطي أن يتخلص منهم فجهز لهم السفن ليعبروا إلى تركيا ووجههم لقتال السلاجقة الذين كانوا في حرب مستمرة معه.
كان السلاجقة على أهبة الاستعداد لكونهم جيشاً مدرباً ومنظماً، فلم تصمد الحملة في وجه الاستعداد السلجوقي وانتهت في بادئ أمرها وسحقت أمام القوة التركية
حملة الأمراء
في المرة التالية ولما زاد نفوذ البابا في أوربا وتعاظم شأنه عند الحكام والأمراء، نظم حملة الأمراء ، وتتكون من المقاتلين الأمراء المدربين تدريباً عسكرياً عالياً بالإضافة إلى أحدث التقنيات والمعدات، ولما وصلوا إلى بيزنطة سهل الامبراطور البيزنطي مرورهم عبر البوسفور ، ودارت معارك طاحنة بينهم وبين السلاجقة الأتراك ولكن السلاجقة لم يستطيعوا الصمود أمام القوة البشرية الهائلة ، فسقطت "قونية" عاصمة السلاجقة في الروم وتمزق السلاجقة إثر هذه الهزيمة إلى خمس دول ..
وتابعت الحملة طريقها إلى "أنطاكية" شمال الشام، فحاصروها فترة من الزمن وفي نفس الوقت تحرك الفاطميون نحو فلسطين واحتلوا القدس وأخذوها من السلاجقة مستغلين انشغالهم بمعاركهم ضد الصليبيين، بل وقاموا بإرسال التهاني للنصارى لاحتلالهم "قونية" وتشجيعاً لهم لفتح "أنطاكية" وأرسلوا وفداً بذلك!!
وصل مزيد من القوات النصرانية إلى المنطقة بقيادة "جوديفري" إلى أنطاكية وانضم إلى الجيش المرابط، ثم أخذ جزءً من الحملة الأولى معه وتحرك باتجاه منطقة "الرها" وأبقى جزءً يتابعون حصار أنطاكية. وقد كانت الرها منطقة شمال العراق يسكنها الأرمن النصارى وقد أرسلوا إلى الجيش الصليبي لتخليصهم من الحكم الإسلامي فوصل إليهم "جوديفري" بسرعة وأخرج الحامية المسلمة منها فكانت الرها أول مدينة تسقط بأيديهم. وبعد ذلك تابع جوديفري التقدم باتجاه الشام فسيطر على حمص وعلى حماة ووصل إلى بعلبك.
وبعد حصار دام ستة أشهر تم فتح حصن أنطاكية على حين غرة من أحد الحراس الخائنين، وبعد ثلاثة أيام وصل جيش جرار من العباسيين بقيادة "كربوغا" وحاصر الحصن وضيق الخناق على النصارى ومنعهم من الخروج منه، وكان عددهم كبيراً فضاقت الأمور بهم كثيراً حتى قيل أنهم أكلوا لحم الكلاب وبدؤوا بالانهيار
وفي هذه الأثناء عمد قائد النصارى إلى حيلة من أجل رفع المعنويات فادعى أنه رأى المسيح في منامه وأنه أرشده إلى حربة المسيح التي لا يهزم حاملها تحت أحد كنائس أنطاكية، ونشر الخبر بين الناس وبالفعل حفر الناس تحت الكنيسة المزعومة ووجدوا الحربة فالتهبت معنوياتهم للقتال، وطلبوا من "كربوغا" أن يسمح لهم بقتاله ليحسم أمر الحصار، فوافق "كربوغا" على القتال المباشر في حين أن فريقاً من جيشه خالفه الرأي ودب الخلاف بين العرب والأتراك، لكن النصارى لم يلبثوا أن بدؤوا هجوماً قوياً فتقهقر الجيش العباسي وتفرق.
سقوط القدس
وبهذه الهزيمة الثانية فقد فتح الطريق أمام الصليبيين للقدس، فتقدمت جحافل الجيوش تريد القدس ولم تتلق أي مقاومة تذكر ، فاحتلوا طرابلس وبيروت وصيدا، وحاصروا القدس وضيقوا عليها وفي هذه الأثناء وثلت إمدادات جديدة من أوروبا تحتوي على آليات ومعدات حديثة لاقتحام الحصون، ودام الحصار اثنين وأربعين يوماً، انتهت باستسلام القدس للنصارى
المجزرة والانتهاك
دخل النصارى بكل وحشية ، وبدأ ذبح الناس في الشوارع دون تمييز، وتكدس الناس في المسجد الأقصى يحتمون به حتى تجمع ما يربو على مئة ألف من الشباب والشيبان والنساء والأطفال، منتظرين بفزع شديد، ولم يكن للحاكم النصراني إلا أن يصدر قراره بالذبح وبدء التقتيل في هذه الجموع بلا تفرقة.
وبعد هذه المجزرة قسم النصارى المسجد الأقصى أقساماً فجعلوا الجزء الأساسي منه كنيسة وخصصوا قسماً آخر كمساكن للفرسان ، وآخر حولوه إلى مستودع للذخائر وجعلوا أروقة المسجد الأقصى اسطبلاً للخيول!
كلمة للتاريخوللإنسان أن يقارن بين هذا البطش النصراني، والفتح العُمري للقدس، وليقارن بين السماحة الإسلامية في عهد هارون الرشيد مع الكنائس والحجاج المسيحيين مع هذا العنف الرهيب، ولينصف بعد ذلك من شاء أن ينصف.