الصورة أعلاه للمهاتما غاندي أثناء مسيرة الملح الشهيرة و التي قادها إحتجاجاً على الضرائب التي كان الأنكليز يفرضونها على الشعب الهندي فيما يخص إنتاج الملح من أراضيه و شواطئه. أحياناً كانت الحكومة البريطانية تلجأ للعنف ضد الهنود لفرض هذه القوانين المجحفة و اللامنطقية.
أو ماذا عن تدمير البريطانيين الممنهج لصناعة النسيج في الهند (بالتحديد دكا عاصمة بنغلادش الحالية)؟ لنقرأ المقال في الأدنى.
نيودلهي: براكريتي غوبتا
كشف المصممون في عروض الأزياء التي أقيمت في الهند خلال العام الحالي، أن قماش الموسلين التقليدي خامة مهمة لا يمكن الاستغناء عنها. فهو من الأقمشة القديمة التي تناسب كل الفصول والمناسبات.أول ذكر لقماش الموسلين جاء في كتاب «أرثاساسترا» الاقتصادي من تأليف كاوتيليا عام 300م، بينما ذكر تاجر عربي في القرن التاسع الهجري، يدعى سليمان، أن أصل هذا القماش هو البنغال. وكان التجار الأجانب يأتون من بلاد بعيدة، مثل شبه الجزيرة العربية وإيران، ومن أرمينيا غربا، والصين والملايا والشام شرقا، لشرائه.
وتكمن أهمية وجمالية الموسلين البنغالي، حسب ما ذكر في كتاب «الجغرافيا» لبطليموس، في نعومته ورقته، إلى الحد الذي يجعل من الممكن أن يمر ثوب كامل منه من حلقة ضيقة.
ولا شك في أن هذا القماش تمتع بمكانة وشهرة عالمية منذ مئات السنوات، حيث يعتقد أنه استخدم ككفن لمومياوات الفراعنة. واشتهرت مدينتان هنديتان؛ هما: ماشيليباتنام في جنوب الهند ودكا في البنغال، بنسجه، بينما يشير المؤرخ الروماني الشهير بليني إلى أحد أنواع الموسلين الهندي الذي يعرف باسم جهونا والذي كانت ترتديه النساء الرومانيات من الطبقة الراقية من أجل التباهي بأجسادهن. وكانت الإمبراطورية الرومانية تستورد كميات كبيرة من هذا القماش، الموشى بالفضة أو الحرير، من الهند، وكان يعرف آنذاك باسم كاسيدا. أقبلت عليه أيضا الإمبراطوريات الصينية المتعاقبة. وتم تصنيع الموسلين في الهند قبل استقلالها، حين كانت الأراضي الهندية تضم الهند وباكستان وبنغلاديش، في البنغال بالأساس، حيث كان يعرف بموسلين دكا، وهي عاصمة بنغلاديش الآن.
خلال حكم المغول كان يحظى نساجو هذا القماش بالتشجيع والرعاية من قبل الحكام، لأنه كان ينسج خصيصا من أجل الملك ويعرف باسم «ملمولكاس»، وكانت جودته لا تضاهيها أفضل الأقمشة الأوروبية، ولم يكن ينافسه في المكانة سوى قماش الـ«أبراوان»، أو المياه الجارية. وتقول القصة إن جودة قماش الـ«أبراوان»، جعلت الإمبراطور يوبخ ابنته أورانغزيب لعدم تواضع ملابسها. وكان ترتيب قماش الـ«شابنام» أو ندى المساء، هو الثالث من حيث الجودة ونادرا ما نرى قماشا مثله هذه الأيام. ويلي هذا الـ«سركار علي» والـ«تونزيب».
كان الموسلين يصنع يدويا برقة وشفافية لا مثيل لهما، لأن عملية نسجه كانت صعبة جدا. في البداية، كان على النساجين العثور على نوع جيد، ثم تأتي مرحلة الدقة، حيث لا يمكن القيام بهذه العملية إلا في الصباح الباكر أو العصر لتفادي حرارة الشمس الشديدة. ويبلغ عدد الخيوط في أفضل نوع من هذا القماش 1.800 لكل بوصة، بينما يكون عدد الخيوط اللازمة لصناعة كل بوصة في الأنواع الأقل جودة 1.400. وفي النهاية، تأتي روعة هذا القماش على حساب بصر النساجين. في المقابل، كانوا يتمتعون بمكانة اجتماعية متميزة.
واستمر بيع قماش موسلين دكا في لندن حتى عام 1813، وكان يحقق أرباحا نسبتها 75%، لأنه كان أرخص من الأقمشة البريطانية، والسبب أن الخوف من المنافسة جعل البريطانيين يفرضون ضريبة على المنتجات الهندية قدرها 80%، بالإضافة إلى أن ظهور ماكينات النسج سدد ضربة قوية لصناعة الموسلين. بحلول عام 1817، وصل الخيط الإنجليزي المصنوع من الماكينة إلى دكا وكان سعره ربع سعر النسيج الهندي.لم يكتف البريطانيون بهذا الهجوم، بل قطعوا أصابع النساجين البنغاليين المتخصصين في هذا القماش. كان هدف البريطانيين إنشاء صناعة للنسيج في مانشستر والاستفادة من كل السوق الهندية الكبيرة بتصدير الأقمشة إليها. ولتنجح هذه الفكرة كان لا بد من تدمير صناعة النسيج في الهند، بما في ذلك قطع أصابع فناني الموسلين حتى لا يتمكنوا من إنتاج هذا النوع الراقي من القماش، مما يساعد على رواج أقمشتهم.لكن لا شيء يمكن أن يضاهي الصناعة اليدوية وجودتها، فالموسلين في أفضل أحواله يكون خفيفا ورقيقا جدا إلى الحد الذي يجعل من الممكن أن تزن الياردة منه 10 غرام، و6 ياردات منه يمكن أن تمر عبر خاتم يرتدى في السبابة. وكتب دكتور تايلور، خبير النسيج البريطاني، عام 1840: «حتى في يومنا هذا، ورغم المثالية التي تحققها ماكينات النسيج، لا يمكن أن ينافس أي قماش أقمشة دكا في الشفافية والجمال ورقة النسيج». ويذكر تايلور: «لقد كان الموسلين أسطورة لأنه يمكن طي ثوب طوله 50 مترا من هذا القماش داخل علبة ثقاب». وكان أكثر النساجين من الفتيات ذوات الأنامل الرقيقة الماهرة اللاتي يتمتعن ببصر حاد وتتراوح أعمارهن بين الثامنة عشرة والثلاثين.
وأوضح قائلا: «خلال العصور الوسطى، كان أفضل موسلين في دكا يخصص للبلاط الإمبراطوري. وكان يتم التعامل مع أشهر نساجين وكأنهم موظفون في البلاط ولا يسمح لهم بنسج الموسلين لآخرين». كما كانت عملية النسج تعتمد على الطقس، حيث لا يمكن تجفيفه جيدا وإلا فسيصبح هشا ولن يحتمل أي ضغط ويكون من المستحيل العمل عليه. ولا بد أن تكون لرطوبة الجو مواصفات بعينها، حيث يمتصها النسيج من الهواء. وللحفاظ على النسيج من الحرارة، ينبغي أن يبنى سطح من ثلاث طبقات عازلة. تصنع أول طبقة من القش، والثانية من القصدير، والثالثة من خشب البامبو. وخلال فصول الصيف، يتم تعليق قطعة قماش مبللة على النوافذ للحد من تأثير الهواء الساخن.
من السمات المميزة لقماش الموسلين، التي يعشقها المصممون، قدرته على متابعة شكل الجسد والانسدال عليه، مما يزيده أنوثة ورقة. ويستخدم المصممون اليوم الموسلين الهندي كقماش معياري أثناء عملية القص قبل الخروج بالشكل النهائي للفستان المصنوع من أقمشة باهظة الثمن. وكذلك من السمات الأخرى المميزة لهذا النوع من القماش هو إمكانية صبغه وتلوينه وتطريزه. ويمكن أن يتم استخدام الكثير من الأشكال والتصميمات المختلفة التي تكسبه تفردا وتجعله متعدد الاستخدامات.
ويتجه القماش، الذي كان في أوج مجده، ببطء نحو القمة مرة أخرى، فهناك محاولات دؤوبة في مدينة كالنا بولاية غرب البنغال لإعادة إحياء صناعة نسيج الموسلين، خصوصا بعد أن أتى آلاف النساجين الهندوسيين عام 1947 وفي نهاية السبعينات من بنغلاديش إلى البنغال. وفي العقد الماضي، أخذ سوجاي ناغ، مسؤول تنفيذي رفيع المستوى في شركة «تاتا أيرون آند ستيل كوربوريشين»، على عاتقه مبادرة إنشاء مركز لصناعة الساري من الموسلين، يعمل فيه نساجو مدينة كالنا. وتم اتخاذ خطوات للتنسيق مع صناع الموسلين في بنغلاديش حتى تستطيع كلا الدولتين الاستفادة من انتعاش هذه الصناعة. ورابندراناث ساها، أحد ناسجي الموسلين الذي فاز بجائزة قومية، ينتج خلال السنوات القليلة الماضية 500 وحدة من الغزل، وينسج أنواعا جيدة تجعلك ترى العشب إذا بسطت ساريا من الموسلين عليه. وليس ساها هو مخترع الموسلين ذي الخمسين وحدة، فقد تمكن نساجو نبادويب في عام 1992 من إنتاج الموسلين ذي الخمسين وحدة بشكل تجريبي، لكن تكلفة الإنتاج كانت مرتفعة جدا، مما تعذر معه تحويله إلى منتج تجاري. ما قام به ساها أنه ثابر واستمر في إنتاج هذا القماش إلى أن نجح أخيرا، ويبيع حاليا مترا منه مقابل 2000 روبية، ولا يوجد سوى القليل من العملاء، على حد قول ساها من منزله في كالنا، رغم أنه يمكن وضع سار كامل من هذا النوع بداخل قشرة جوز هند. لقد تطلب إعادة سحر ماكينات الغزل اليدوي إلى البنغال نحو قرنين من الزمن. ولحسن الحظ، لم يختف فن نسج الموسلين، بل مر فقط بفترة خمول بسبب غياب الرعاية، لكنه الآن ينهض مثل طائر العنقاء على حد قول أمريتا موكيرجي من سوترا، الذي يعمل بدأب من أجل إعادة إحياء بعض التقاليد المندثرة في صناعة النسيج في البنغال. من جهته، يقول رئيس المركز الحرفي الهندي، كستوري غوبتا مينون، إن كلمة الموسلين تذكره بوالدته وهي تروي له الحكايات التي يوصف فيها الموسلين بأنه أزرق بلون السماء، وخفيف بخفة النسيم، ويمكن أن يمر من خاتم. وحاول كستوري خلال عمله مسؤول تطوير ماكينات الغزل اليدوي، أن يولي اهتماما خاصا بإعادة إحياء الموسلين، وتشجيع الكثير من المصممين في شبه الجزيرة الهندية على استخدام موسلين دكا الأسطوري المصنوع يدويا، الذي اختفى من الهند بعد الانقسام. مع ذلك، يعود فضل إعادة إحياء هذا القماش إلى مصممة الأزياء مادو جين، التي كانت تعمل بدأب واجتهاد على مدى الخمسة وعشرين عاما الماضية من أجل إعادة إحياء صناعته وجعل حرفته جزءا من عالم الأزياء. فهي التي أعادت تقديم موسلين دكا إلى الوعي الهندي وإلى عروض الأزياء، بما في ذلك الموسلين القطني الهندي، الذي يعتبر نوعا آخر استعمل بوفرة في صناعة «الكورتا» والمنامات و«الغاغرا»، وهي تنورات طويلة، فضلا عن الساري في العروض الأخيرة. رغم أن هذه القطع تعرف إقبالا أكبر في فصل الصيف، إلا أن ما يثير الانتباه فيها أن تصاميمها أصبحت أكثر ابتكارا، وليس أدل على هذا من قطعة الـ«غاغراتشولي»، وهي بلوزة، من تصميم أنجو مودي ارتدتها نجمة السينما الهندية مادهوري ديكسيت، وكانت مصنوعة بأقمشة هندية تقليدية جدا، منها الموسلين والتوسار.
مصدر
ماذا عن الهولنديين في أندونيسيا؟ ألم يكونوا يزرعون القهوة على أراضي الأندونيسيين و بعمالة أندونيسية و لكنهم لم يسمحوا للعمالة المحلية بتذوق القهوة و كان هؤلاء يجمعون بذور القهوة من براز زباد النخيل الآسيوي و يغسلونه ثم يحمصونه و يشربونه بعد غليه في الماء (و هو ما عرف الناس على إحدى أفضل أنواع القهوة بالمصادفة Kopi Luwak).
الإحتكار هو سلوك تمارسه العديد من الدول حتى اليوم (و بعضها دول متقدمة و تنادي بحرية التجارة و لا داعي للتذكير بالضغوط التي مارستها أسبانيا ضد الطماطم المغربية على سبيل المثال و لا بالقيود القانونية المتخذة لطابع تقني بخصوص تصدير البتروكيماويات إلى الإتحاد الأوروبي). و لنعد إلى نص المقال الأصلي حيث يذكر ((أوعزت بريطانيا إلى شركة «الهند الشرقية»
التابعة لها والمُحتكرة الوحيدة للتجارة مع الصين بزراعة مساحات كبيرة من المناطق الوسطي والشمالية الهندية بالأفيون وتهريبه إلى الصين. وبدأت بشائر نجاح الخطة الجُهنميّة في الظهور؛ إذ تم تصدير أول شحنة من الأفيون عام 1817.))
, أي أن بريطانيا نفسها كانت تمارس الإحتكار لذلك لا تثريب على الصين!.