الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
رأت دراسة صادرة عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنّه عندما بدأت روسيا تدخلها العسكريّ في سوريّة، كانت الاعتبارات السياسية محفزها الأساسي أكثر منها تلك الاقتصادية. لكن الآن، في وقت تميل فيه كفّة الانتصار أكثر فأكثر إلى نظام الأسد، وجدت روسيا فرصةً جديدةً لترسيخ موطئ قدمها في المنطقة. وتتطلع شركات الطاقة الروسيّة إلى تجديد استثماراتها في قطاع الطاقة السوريّ وتوسيعها.
لكنّها، أضافت الدراسة، لا تسعى إلى التنقيب عن احتياطيات النفط السوريّة المحدودة واستخراجها، فهي تختزن كميات هائلة، بل تحاول الاضطلاع بدور فعال في إعادة إعمار البنية التحتية للنفط والغاز في سوريّة وتشغيلها.
ومن خلال هذه الجهود الحثيثة، أردفت، تأمل شركات الطاقة الروسية التحكّم بجزءٍ كبيرٍ من خطوط الأنابيب ومنشآت التسييل والمصافي والموانئ، وبالتالي الاستفادة من موقع سوريّة كنقطة عبور لنفط وغاز المنطقة المتجهين نحو أوروبا، وبذلك، لن تنجح روسيا في توسيع نطاق هيمنتها فحسب شرق البحر المتوسط، وهو حلم يراودها منذ حروب القوقاز في القرن التاسع عشر، بل ستتمكن أيضًا من تشديد قبضتها على إمدادات الغاز الأوروبيّة. ولفتت إلى أنّه في وقتٍ أصبح فيه الجيش السوريّ في موقع الهجوم، بدأ نظام الأسد يسمح للشركات الروسية بالنفاذ إلى قطاع الطاقة السوريّ في سابقة من نوعها.
قبل اندلاع الحرب، واجهت شركات النفط والغاز الروسية منافسة شرسة من إيران التي خططت لبناء خطوط أنابيب تمر في إيران-العراق-سوريّة من قطر، التي سعت إلى ربط حقولها الغازية بتركيا من خلال أنابيب تمر في سوريّة، وعبر مصر، التي أملت توسيع “خط الغاز العربي” من الأردن إلى تركيا. واحتاج قطاع الطاقة الروسي إلى إستراتيجيّة سوريّة من شأنها، أنْ تحرص على عدم إقدام أطراف أخرى على زيادة إمداداتها بطريقة تنافس الروس.
وأوضحت الدراسة أنّه كانت شركات النفط الروسية، مدركةً قيمة سوريّة كمركز لنقل النفط والغاز أكثر منه دولة مزودة، سعت إلى إيجاد وسيلة للمشاركة في مشاريع الطاقة السورية وليس التنافس معها. وفي ظلّ الدعوة التي وجهتها سوريّة عام 2016، لاحت هذه الفرصة أمام الروس. وفي حال قبلت شركات الطاقة الروسية طلب سوريّة، ستكتسب سيطرة كبيرة على قطاع الطاقة السوري، إذْ أنّها ستُطالب بالقسم الأكبر من الحصص في الاستثمارات المغامرة التي تمدّها بالقوى البشرية والإمدادات المطلوبة. وبهذه الطريقة، سيضمن قطاع النفط والغاز الروسي أنّ أّي بلد يدرس احتمال شحن منتجاته النفطية عبر مرافئ وخطوط أنابيب سوريّة سيُرغم على التماس رضا روسيا، إنْ لم يضطر إلى التفاوض معها مباشرة. ونتيجةً لذلك، ستقلل شركات النفط الروسية المنافسة من إيران أو العراق أو قطر أو السعودية.
فضلًا عن ذلك، يمكن أنْ يساعد الاستثمار في بنية الطاقة التحتية في سوريّة على ضمان مصالح روسيا النفطية والغازية في دولة العراق المجاورة، وفي حال استؤنف بناء خط أنابيب كركوك-بانياس بإمكان روسيا أنْ تحظى بشبه احتكار لمصالحها في المنطقة، إذْ يُمكن للشركات الروسية إرسال نفطها وغازها عبر خطوط أنابيب بنتها روسيا ليتّم شحنها من ميناء تحميه البحريّة الروسيّة، كما أكّدت الدراسة.
وأشارت الدراسة إلى أنّه من شأن استثمار روسيّ كبير في مشاريع طاقة سورية أنْ يبرر استمرار الوجود العسكريّ في المنطقة، نظرًا إلى أن البحرية والقوات الجوية الروسية لا تعتزم مغادرة سوريّة قريبًا.
وشدّدّت الدراسة على أنّ اقتصاد روسيا المتعثر يمثل التحدي الأكبر أمام تحقيقها هذا الهدف. فانخفاض أسعار النفط والاحتياطي النقدي الذي يُستنزف بسرعة يحولان دون سعي روسيا إلى إعادة إعمار مكلفة. كما أن مثل هذا التعهد يتطلب قدرًا من الاستقرار السياسي الذي لم يتمّ بلوغه بعد. غير أن تحسين الاقتصاد المحلي والاستقرار السوريّ ليسا وهمًا، حيث يقدّر تحليل أجراه “البنك الدولي” أنّه بحلول عام 2019، سيكون الاقتصاد الروسيّ قد تعافى بالكامل من الركود الذي دام سنوات طويلة. وعليه ستستفيد شركات النفط والغاز الروسيّة من التزام بلادها بنظام الأسد، ما يضمن بقاء روسيا لاعبًا مهيمنًا في المنطقة لسنواتٍ عديدةٍ.
ومن شأن القيام بذلك أنْ يقرّب روسيا من تحقيق بعض أهدافها الجيوسياسية الطويلة الأمد. فإلى جانب خطي أنابيب “السيل الشمالي 2″ و”التيار التركي” عبر بحري البلطيق والأسود، ستكمّل السيطرة على “الحنفية” السوريّة طرق تصدير النفط الثلاثية التي تتلقى عبرها أوروبا الغاز.
وبهذه الطريقة لن تتجنب روسيا المرور في دول أوروبا الشرقية وبالتالي رسوم العبور فحسب، بل سيصبح الاتحاد الأوروبيّ حينها عاجزًا عن شراء الغاز من أيّ دولة مصدّرة، بما فيها دول الشرق الأوسط، من دون إبرام صفقات بشكلٍ مباشرٍ أوْ غيرُ مباشرٍ مع روسيا. ثانيًا، من شأن تواجد طويل الأمد في سوريّة أنْ يعزّز هيمنة روسيا في شرق البحر المتوسط.
وستمثل قاعدة بحرية ومطارات قادرة على استيعاب أكبر وجود عسكريّ روسيّ خارج حدودها تحديًا كبيرًا لكلّ من شركات الطاقة الغربية العاملة في المنطقة، ونتيجةً لذلك، ستقترب روسيا أكثر من ميزان قوى عالميّ متعدد الأقطاب سعت إليه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، كما أكّدت الدراسة.
http://www.raialyoum.com/?p=737521