تقنيات التوجيه والملاحة
تبذل حالياً جهود مكثفة في مجال التوجيه عبر استخدام نظام القصور الذاتي، ومجموعات الملاحة بإرشاد الأقمار الاصطناعية، أو نظم تحديد المواقع عالمياً. وتصل دقة التوجيه في هذه الحالة إلى حدود عشرة أمتار في جميع
الظروف الجوية. وقد حققت الشركات الأمريكية خطوات حاسمة في هذا المجال من خلال الرأس الحربية W-13 ذات القدرة العالية على الاختراق، فقد تمكنت من تطوير مجموعة توجيه تعمل بمعطيات الأقمار الاصطناعية ونظم القصور الذاتي معاً.
ومن اتجاهات التطوير الحديثة للقنابل التقليدية ما يتعلق بعامل الدقة من خلال إدخال أساليب توجيه جديدة، وإذا كانت القنابل الموجهة تعود بداياتها إلى النصف الثاني من عقد الستينيات خلال الحرب الفيتنامية، فإن الطرازات الحالية تعتبر نقلة نوعية بارزة، نظراً لاستخدامها أشعة الليزر التي تحقق دقة إصابة بحدود خمسة أمتار كحد أقصى، عندما يضاء الهدف بشعاع ليزري، سواء من الطائرة الموجهة أو من طائرة أخرى، أو حتى من مصدر أرضي.
وقد لبت القنابل الموجهة بالليزر حاجة عملياتية مباشرة وملحة للجيش الأمريكي في فيتنام، ثم استفادت هذه القنابل من تقنيات التوجيه والتحكم، إلى جانب تحسين عامل الدقة من آليات تطوير استخدام الليزر في أوقات الطقس الرديء. وهناك الآن سلسلة واسعة من القنابل الليزرية، تعدلت باستمرار، واحتلت مركز الريادة في هذا المجال. وظهرت في البداية سلسلة قنابل Paveway الأمريكية، وتم تطويرها فيما بعد وعرفت باسم Paveway II، التي أصبحت ذات أجنحة كبيرة تنطوي، وتؤمن مدى أبعد ودقة محسنة عند الإطلاق من مستوى منخفض، وتتميز بأجنحة واسعة لتسهيل عملية الإطلاق من مستويات منخفضة، وبنظام تحكم أدق. كما صممت السلسلة كلها لتغطية أوسع نطاق ممكن من سيناريوهات التدخل حسب الأوزان وطبيعة الاختراق والمدى. وأثقل قذيفة اختراق في السلسلة هي النموذج GBU-28A/V، وتزن حوالي 2130كجم، واستعمل منها اثنتان خلال حرب تحرير الكويت عام 1991م، وقد تم تعزيزها منذ ذلك الوقت بإضافة نظام الملاحة بالأقمار الاصطناعية. ومازال التطوير مستمراً لهذه القنابل، فالنموذج Paveway 1V سيزود بملاحة بنظام القصور الذاتي، المدعوم بنظام الملاحة بالأقمار الاصطناعية، مع إضافة أو تعديل في الأجنحة، لتوسيع المنطقة التي يمكن مهاجمتها من نقطة اطلاقها، ومن المحتمل أن يصل مداها الأقصى إلى 110كم.
وتعتبر القنابل الموجهة بالليزر أقل أنواع الذخائر "الذكية" تكلفة في الإنتاج، كما أن دقة إصابتها تعادل دقة إصابة المقذوفات الموجهة بالموجات الرادارية المليمترية. وإذا قورنت - على سبيل المثال - أسعار مجموعة توجيه القنابل بالليزر، والتي تقارب المجموعة منها حوالي 60 ألف دولار، بالدقة العالية التي تحققها القنبلة، فإنه يتضح أن استخدام
المقذوفات الموجهة بالليزر هو أنسب الوسائل لتحقيق كفاءة عالية بتكاليف بسيطة.
وتتكون مجموعة التوجيه بالليزر من الأجزاء الآتية:
- زعانف الاتزان في مؤخرة القنبلة للحفاظ على اتزانها أثناء سقوطها.
- باحث ليزري يركب في مقدمة القنبلة لاستقبال نبضات الليزر أثناء سقوط القنبلة.
-مجموعة التحكم والتوجيه وتركب بين القنبلة وباحث الليزر، وبها حاسب لإنتاج أوامر التوجيه، وجيروسكوب للتحكم في الحركة المحورية، وموتور لإدارة الزعانف.
ومجموعة التوجيه بالليزر تحفظ منفصلة عن القنبلة، وتركب عليها فقط عند تعليق القنبلة بالطائرة، كما يمكن استخدام مجموعة التوجيه نفسها على أكثر من نوع من القنابل، والمجموعة لا تحتاج إلى دوائر إلكترونية متطورة لتشغيلها. واذا كان المقذوف موجهاً مباشرة إلى الهدف الذي يعكس أشعة الليزر، تكون الإصابة مؤكدة، أما إذا كان شعاع الليزر يحوم حول مركز الهدف، فإن المقذوف يغير اتجاه الزعانف. ويعمل قسم التوجيه على تصحيح زاوية الخطأ طوال المسار، وهي الزاوية بين المحور الهندسي للقنبلة وخط التنشين الذي يصل بين القنبلة والهدف.
وينقسم مسار القنبلة الموجهة بالليزر - من لحظة إطلاقها من الطائرة وحتى اصطدامها بالهدف - إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وتسمى المرحلة البالستية غير الموجَّهة، وهي تستغرق فترة قصيرة، تكون فيها زعانف التوجيه جاهزة تماماً للعمل، ويأخذ مسار القنبلة الشكل العام لوضع الطائرة لحظة إسقاط القنبلة، وأيضاً تعتمد سرعة القنبلة على
سرعة الطائرة لحظة الإسقاط.
المرحلة الثانية: وتبدأ بمجرد استقبال الأشعة المنعكسة من الهدف بواسطة المستشعر، ويتحقق ذلك عندما يكون الهدف
في مجال رؤية المستشعر، وتكون الطاقة لتشغيل دائرة التوجيه.
المرحلة الثالثة: وتسمى مرحلة التوجيه النهائي، وفيها تتذبذب القنبلة حول خط التنشين، ويتم التصحيح المستمر لحركتها باستخدام ريش التحكم.
وقد طورت شركات فرنسية سلسلة قنابل BGL الموجهة ليزرياً، وهي مصممة للإطلاق من ارتفاع يقل عن مائة متر بمدى يصل إلى سبعة كيلومترات، كما طُوِّر منها طراز يزن 1000كم، وهو مصمم خصيصاً لتلبية حاجات سلاح الجو الفرنسي في عمليات تفجير قواعد الجسور. ونظام التوجيه المستخدم مع القنابل BGL يمكن مواءمته على القنابل 400، و 1000كجم، ويمكن استخدامه عند الطيران الأفقي بسرعة 9ر0 ماخ، مما جعله يتمتع بمدى قذف يتراوح بين 4كم وحتى 10كم، وتتم إضاءة الهدف بجهاز ليزر مثبت على الطائرة، أو على الأرض، وغالباً ما يستخدم بود التصويب الليزرى طراز ATLISII.
ونظام التوجيه بالليزر المركب على القنبلة BGL هو المستخدم في الأصل مع الصاروخ AS-30.. وتتكون مجموعة التوجيه من أربع زعانف كبيرة بمؤخرة القنبلة للحفاظ على اتزانها، ويركب في مقدمتها باحث أشعة الليزر.
كما طورت روسيا القنابل الموجهة بأشعة الليزر، ومنها القنبلة LGB-250 التي تزن 250كم، والقنبلة KAB-500 التي تزن 560كجم، والقنبلة KAB-1500L التي تزن 1500كجم، ولابد أيضاً من ذكر القنبلة الروسية الوحيدة الموجهة بواسطة الأقمار الاصطناعيةKAB-500-S ، لتحقيق نسبة عالية من الدقة في التوجيه لا تتجاوز الخمسة أمتار.
وتجدر الاشارة هنا إلى أن الشركات الأوروبية أدخلت على القنابل الانزلاقية GBU تعديلات مهمة على أجنحتها، مما حسن كثيراً من طريقة انزلاقها، ومداها، ودقَّتها. وقد اختبرت هذه النماذج المعدلة بنجاح خلال الحرب في أفغانستان وفي العراق. وبعد نجاح التجارب نشطت الشركات بتحديث 1200قنبلة لحساب سلاح الجو الأمريكي، بعد إدخال تعديل جوهري على كافة القنابل الليزرية من طراز AGM-130 التي تستخدم كذلك الأشعة تحت الحمراء، أو التصوير التلفزيوني.
وعمدت شركة "بوينج" BOEING الأمريكية إلى تطوير نظام JDAM، الذي يدمج في آلية واحدة التوجيه بواسطة GPS والملاحة بالقصور الذاتي وأربعة سطوح مائلة ومستطيلة لرفع مستوى الانزلاق والمناورة؛ وهناك أربعة نماذج من هذا النظام برأس حربية تقليدية أو خارقة. وتجدر الاشارة هنا إلى أن هذه القنابل استخدمت بكثافة خلال حرب كوسوفو من قبل القاذفات الاستراتيجية الأمريكية B2A ، كما اقترحت شركة "بوينج" تطوير قنابل خفيفة الوزن من الفئة نفسها لتجهيز المقاتلة المستقبلية متعددة المهام F-22 والطائرة الضاربة المشتركة JSF ، بالتزامن، مع الشروع في تطوير نسخة أخرى للملاءمة مع القذائف الصغيرة والذكية طراز SDB.
وتنتج إسرائيل مجموعة التوجيه للقنابل بالليزر طراز MK82GRIFFIN التي تحقق إمكانية إطلاق القنابل من مسافة تصل حتى 8كم، وتصل دقة الإصابة حتى 8 مترات، ويمكن إسقاط القنبلة من أي وضع للطائرة (تسلق - انقضاض - طيران أفقي)، وتستخدم القنبلة مستودع تصويب يمكنه العمل ليلاً ونهاراً من على الطائرات، أو من على الأرض. وتطور إسرائيل أيضاً مجموعة توجيه القنابل بالليزر طراز "جيلوتين"، التي تحقق مدى إسقاط يصل إلى 30كم، بدقة تصل إلى ثلاثة أمتار، ويمكن تركيبها على أنواع عديدة من القنابل منها MK-82/83 ، وتتكون المجموعة من جزئين: أحدهما للتوجيه والتحكم، ويركب في مقدمة القنبلة، والآخر للاتزان، ويركب في مؤخرة القنبلة.
واذا كانت القنابل الموجهة ليزرياً تشكل توجهاً رئيساً في مجال تصنيع المقذوفات الحديثة، وزيادة الدقة والفعالية والمدى، فإن التوجه الأخر يتمثل في القنابل الموجهة تلفزيونياً، والتي قد يمكنها - حسب رأي عديد من الخبراء - تنفيذ عمليات ليلية في حالة اللجوء إلى تقنية التصوير الحراري، كما تسمح بتسجيلات فيديو لتقويم العمليات وتقدير الخسائر.
ومن القنابل الموجهة تليفزيونياً الطراز الأمريكي GBU-15، وهو عبارة عن قنبلة مجنحة انزلاقية، تنطلق بالتوجيه التلفزيوني، أو بالتصوير الحراري، وتزن رأسها الحربية طراز MK84 نحو 140 كجم، أما مداها فيتراوح بين 15 و 30كم، حسب الارتفاع الذي تطلق منه، كما أنها قنبلة قابلة للتجهيز بمحرك صاروخي يرفع المدى حتى 85كم.
التوجيه بواسطة الأقمار الاصطناعيةبرهنت التجارب والاختبارات الماضية والحالية عن أهمية توجيه المقذوفات بواسطة الأقمار الاصطناعية، من خلال استقبال إشارات نظام تحديد الموقع عالمياً GPS ، الذي يعتبر من الوسائل الفعالة والأساسية لمقاومة الأحوال الجوية المعرقلة لليزر، خصوصاً إذا تم دمجه مع نظام للتحكم بالنيران وآخر من الحجم الصغير للملاحة بالقصور الذاتي، مما يوفر آلية إطلاق دقيقة للأسلحة المقذوفة من الجو. ولقد جرى من جهة، تطوير النظام التفاضلي DGPS القادر على تصحيح أخطاء إشارات القمر الاصطناعي عبر جهاز إرسال قريب من موقع البث. وهذه التقنية خولت للطائرات إمكانية التعرض لعدة أهداف تبرمج سلفاً في طلعة جوية واحدة، مع إشارات بث ضعيفة جداً، لايمكن التشويش عليها بسهولة. وتبذل في هذا الوقت جهود صناعية مركزة، لتخفيف تعرض الإشارات الملاحية للارتباك عبر استخدام هوائيات مركبة وعالية التوجيه. وإضافة إلى الأجهزة المحمولة جواً، التي تعيد بث الإشارات بقوة مضاعفة جداً صوب وسائط استقبال مناسبة، فإن الجيل الجديد من تقنية GPS المتوقع إدخاله في الخدمة الفعلية بحدود عام 2009م مصمم في الأساس للبث بقدرة أكبر.
ولقد ألقت طائرة من طراز MC-130 تابعة للقوات الجوية الأمريكية - في الثاني والعشرين من نوفمبر 2003م - أقوى قنبلة تقليدية في ترسانة الأسلحة الأمريكية في منطقة تجارب بولاية فلوريدا في آخر خطوة تطويرية لأم القنابل، التي تبلغ زنتها 11 طناً تقريباً، وهى القنبلة "مواب" الموجهة بالأقمار الاصطناعية، فوق منطقة تجارب بالقاعدة. وارتفع عمود من الدخان لمسافة تزيد على 3048 متراً في الهواء، وكان يمكن رؤيته على بعد 64 كيلومتراً.