عندما يَلتقي طرفان مُقرّبان جدًّا من الحُكومة السوريّة على ضَرورة إجراء حركة “حماس″ مُراجعة سياسيّة نقديّة عَميقة لمَواقِفها “الخاطئة” تُجاه سورية، وأن تَخرج نتائج هذهِ المُراجعات إلى العَلن، فإن هذا يعني أمرين: الأول أن هناك جهودًا تُبذل حاليًّا وبقوّةٍ من أجل ترتيب مُصالحة بين القيادتين السوريّة والحمساويّة، وعَودة الأخيرة إلى مكانها في مِحور المُقاومة، والثاني: أن القيادة السوريّة تُريد اعترافًا صريحًا علنيًّا من قيادة حماس بـ”الأخطاء” التي ارتكبتها في حَق سورية، بخُروجها من دمشق في لَحظةٍ حَرجة، ومُساندتها للمُعارضة السوريّة المُسلّحة، كشرطٍ لهذهِ المُصالحة.
كان لافتًا أن السيدين أحمد جبريل، الأمين العام للجبهة الشعبيّة (القيادة العامّة)، المُقرّب جدًّا من القيادة السوريّة، ونجدة أنزور، نائب رئيس مجلس الشعب السوري، قد طالبا بهذهِ المُراجعة قبل ثلاثة أيام، وفي تزامنٍ مع أنباء وصول قائدٍ كبيرٍ في حركة “حماس″ إلى دمشق، كثَمرة الوساطة من قبل قيادة “حزب الله” في لبنان التي تَدفع بقوّةٍ في هذا الاتجاه.
السيد جبريل قال في بيانٍ رسميٍّ أنه طالب السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس″ الجديد “أن المَصلحة الوطنيّة الفِلسطينيّة العُليا، وتعزيز مِحور المُقاومة، يَتطلّبان من حركة “حماس″ مُراجعة نقديّة، تَعترف خلالها بخطأ سياساتها تُجاه سورية”، وجاء في البيان أيضًا أن السيد هنية هو الذي بادر بالاتصال بالسيد جبريل وأطلعه على تطوّرات المُصالحة بين حَركتي “حماس″ و”فتح”.
إجابة السيد هنية على طلب السيد جبريل لم تكن واضحةً، وربّما يعود ذلك إلى رغبة زعيم حركة “حماس″ الجديد بالعَودة الى الأُطر القياديّة للتشاور معها، ولذلك اكتفى بالقَول، وحسب ما جاء في بيان القيادة العامّة “أن حماس تَعمل وفق رؤيةٍ جديدةٍ من شأنها إعادة ترتيب وتصويب تحالفاتها”.
هناك تكهّنات تقول أن الدكتور موسى أبو مرزوق الذي يتردّد على لبنان كثيرًا في الفترة الحاليّة، والتقى السيد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله”، أكثر من مرّة ربّما يكون هو الشخصيّة التي زارت دمشق قبل عدّة أيام، التقى خلالها بقادة من حزب البعث والأجهزة الأمنيّة السوريّة، ولكنّه لم يلتقِ أي من أعضاء القيادة السياسيّة، مِثلما ذكرت لنا بعض المصادر اللبنانيّة، وأشارت هذه المصادر إلى أن كل من التقاهم مبعوث حركة “حماس″ أصرّوا على ضرورة إجراء المُراجعات والاعتراف بالخطأ علنيًّا.
لا نَفهم في هذهِ الصحيفة “رأي اليوم” لماذا تتلكأ حركة “حماس″ في إجراء هذهِ المُراجعات عندما يتعلّق الأمر بسورية، وهي التي قدّمت تنازلاتٍ ضخمةٍ لمصر سياسيّة وأمنيّة، وذهبت بعيدًا في “براغماتيتها” عندما فتحت حوارًا مع ألد خُصومها، النائب محمد دحلان وتيّاره، وتوصّلت إلى “تفاهماتٍ” معه، وها هي تحل لجنتها الإداريّة (حُكومة ظِل) وتستعد لاستقبال رئيس وزارة السلطة السيد رامي الحمد الله، في خُطوةٍ هي الأضخم نحو المُصالحة مع حركة “فتح”.
فإذا كانت حركة “حماس″ تُريد العَودة إلى مِحور المُقاومة، واستعادة علاقاتها مع كل من إيران وسورية، وتَعزيزها مع “حزب الله” فإن عليها أن تُجري المُراجعات المَطلوبة وتعترف بخطئها وتَعتذر عنه، خاصّةً أن انتخابها قيادةً جديدةً قد يُعفيها من أيّ حرجٍ في هذا المِضمار.
نَشعر، في ظِل هذا الحِوار المُتسارع بين حركة “حماس″ والقيادة السوريّة، أن المُصالحة ربّما تكون أكثر قُربًا ممّا يتصوّره الكثيرون رغم ضخامة حجم العَتب السوري، ودليلنا على ذلك ما قاله السيد أنزور حرفيًّا “عقلنا ليس ثأريًّا أبدًا، ولكن أن نتجاوز الدّرس، أي الكارثة، التي حَلّت بالمنطقة، دون مُراجعة، سيكون خطأً كبيرًا”، ممّا يَعني أن الكُرة باتت الآن في مَلعب “حماس″.
قيادة “حماس″ الجديدة باتت أقرب إلى سورية من أيّ وقتٍ مَضى، واستضافة مصر 36 من قيادييها لعَقد اجتماعٍ في القاهرة، جاءوا من لبنان والضفّة الغربيّة والأردن، وقطاع غزّة، وبعض دول الخليج، هو مُؤشّرٌ آخر على بِدء العَمل برؤيتها الجديدة التي من شأنها إعادة ترتيب وتَصويب تحالفاتها على حدّ تعبير السيد هنية، ولا نَنسى أن مِصر تَدفع بقوّةٍ أيضًا، مثل إيران وحزب الله، باتجاه توجيه بوصلة حركة “حماس″ مُجدّدًا نحو دمشق، والله أعلم.
“رأي اليوم”
http://www.raialyoum.com/?p=751223