كشفت وثائق بريطانية عن أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات فكر جديا في القيام بزيارة ثانية للقدس عام 1981 آملا في تشجيع إسرائيل على الاستجابة لمطالب إنجاح مفاوضات الحكم الذاتي الفلسطيني في ذلك الوقت.
وطُرحت فكرة الزيارة الثانية بعد قرابة أربع سنوات تقريبا من زيارة السادات التاريخية الأولى المفاجئة للقدس في يوم 19 نوفمبر 1977، والتي أسفرت في النهاية عن معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية.
وتشير الوثائق، التي حصلت عليها "بي بي سي" العربية حصريا بمقتضى قانون حرية المعلومات في بريطانيا، إلى أن فكرة الزيارة كانت اقتراحا عرضه على السادات السياسي اليهودي البريطاني البارز في حينه لورد صمويل سيغال.
وتكشف برقية سرية من مايكل وير، سفير بريطانيا في القاهرة آنذاك، عن أن الفكرة طرحت خلال لقاء بين السادات ولورد سيغال في القاهرة يوم 15 أبريل/نيسان عام 1981.
وقد عانت مصر لسنوات من مقاطعة عربية شبه شاملة بسبب زيارة السادات الأولى للقدس، والتي اعتبرت أول اعتراف فعلي من جانب دولة عربية بدولة إسرائيل وتطبيع للعلاقات معها.
وتقول برقية وير إن السادات "كان مهتما بأن يعرف من لورد سيجال انطباعه عن الرأي العام في إسرائيل التي كانت تعيش حملة انتخابات برلمانية حامية الوطيس يتصدر التنافس فيها حزب الليكود بقيادة مناحيم بيغين، وتحالف العمل- مابام بقيادة شيمون بيريز".
وفي ذلك الوقت، كانت هناك مخاوف لدى السادات وبريطانيا من تأثير سلبي لفوز بيغين على المفاوضات بشأن القضية الفلسطينية.
وقال السفير البريطاني إن لورد سيغال عبر خلال اللقاء عن اعتقاده بأن بيريز سوف يفوز بالانتخابات. وأضافت البرقية أن اللورد كان "يأمل في أن يكون الفوز بأغلبية مطلقة، غير أنه قال إن عددا ملحوظا من الناخبين يبدو كأنه لم يحسم قراره بعد (بشأن الاختيار بين حزبي بيغين وبيريز)".
وتقول برقية وير، التي أرسلت نسخة منها إلى وزارة شؤون مجلس الوزراء والجهات المعنية بالنزاع العربي الإسرائيلي، إن لورد سيغال "طرح بشكل متردد للغاية، الاقتراح الشخصي بأنه إذا فاز بيريز بأغلبية واضحة، ربما يفكر السادات في القيام بزيارة ثانية للقدس."
وكان مبرر الاقتراح هو أن مثل هذه الزيارة "سيكون لها تأثير هائل على الإسرائيليين"، الذين وصفهم السياسي البريطاني البارز بأنهم " شعب عاطفي بدرجة عالية ويحتاج إلى تطمين".
ويشير الكثير من الوثائق البريطانية إلى أن مصر، سواء بقيادة السادات أو حسني مبارك لاحقا، كانت متشائمة من توابع فوز بيغين على المفاوضات بشأن الملف الفلسطيني، وعلى جهودها الدؤوبة لإنجاح مفاوضات الحكم الذاتي الفلسطيني.
وحسب وير، فإن السادات كان يدرك أن مثل هذه الزيارة إجراء غير عادي وسيكون له ردود فعل واسعة النطاق.
وتشير برقية السفير إلى أن السادات "قال إنه ليس لديه اعتراض (على فكرة الزيارة) من حيث المبدأ، وأنه كان بالفعل يفكر في القيام بتحرك درامي من هذا النوع."
وقال السفير البريطاني إن السادات "لم يعط أي تفاصيل".
غير أن وير أكد أن الرئيس "كرر اعتقاده بأنه يمكن التوصل إلى تفاهم مع بيريز، ليس فقط بشأن الحكم الذاتي بل بشأن القدس أيضا".
وفي ما يتعلق بالقدس، فإن السادات "اتفق مع لورد سيغال أنه لا يجب أن تُقسم القدس مرة أخرى، بل إنه يعتقد بأن فكرة البلدية المشتركة حل وسط معقول، بحيث يتناوب على قيادتها اليهود والعرب".
كما أكد السادات، حسب البرقية، أنه "ليس متعجلا ويأمل في أن يُسمح بمنح المصالحة بين الدول العربية وقتا كي تتطور".
وكان سيغال، الذي توفي عام 1985، سياسيا عماليا ونائب رئيس مجلس اللوردات. كما رأس الجمعية الإنجليزية الإسرائيلية، والجمعية الأثرية الانجليزية الإسرائيلية.
وتقول برقية وير إن "لورد سيغال، الذي كانت زوجته مصرية من إحدى العائلات المعروفة في الاسكندرية، كان أول يهودي بريطاني بارز يزور السادات".
وزار اللورد القاهرة في عام 1981 تلبية لدعوة من السادات، حسب الوثيقة نفسها.
وحسب البرقية، فإن آخر زيارة قام بها السياسي اليهودي لمصر، قبل لقاء السادات، كانت في أوائل عام 1977.
وقد أسفرت الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في شهر يونيو/حزيران 1981 عن فوز مفاجئ لليكود بـ 48 مقعدا، مقابل 47 للتحالف بقيادة العمل.
وتؤكد الوثائق البريطانية أن السادات ومن بعده مبارك ظلا يمارسان ضغوطا على واشنطن كي تقنع بيغن بالتجاوب مع مفاوضات الحكم الذاتي.
وفي آخر زيارة للسادات إلى بريطانيا بين 2 و 4 أغسطس/آب عام 1981، كانت مسألة مفاوضات الحكم الذاتي الفلسطيني أول قضية على جدول مباحثاته مع مرغريت ثاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا. وطلب السادات من ثاتشر استغلال تأثير بريطانيا على الولايات المتحدة لإقناعها بالضغط على بيغين للاستجابة لمساعي دفع عملية السلام.
لكن في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1981، اغتال متشدوون إسلاميون الرئيس المصري أثناء مشاركته في عرض عسكري سنوي بمناسبة حرب أكتوبر/تشرين أول عام 1973.
مصدر