مخابرات ولي النعم - الجزء الثاني - تطور الجهاز السريالثلاثة الاكثر تأثيرا في تطور المخابرات المصرية في عهد محمد علينجح محمد علي و بفضل جهود الجهاز السري في الحصول علي فرمان بجعل مصر و لاية ممتازة و هو ما يمكنه من التصرف في شؤونها بشكل كامل سواء داخليا او خارجيا لكن ذلك كان مرهون بحل مسألة الحجاز فحشد لذلك كل ما امكنه من المرتزقة العثمانيين الموجودين في مصر من كل الاعراق حتي انه سمح لمن يريد من المصريين بالانضمام و كان معظم من انضم من الاوباش و كان يرمي بذلك حل مسألة الحجاز التي كان للجهاز السري دور مهم فيها و من جهة اخري التخلص من اخلاط العثمانيين الغير منضبطين و من بقي منهم بعد الحجاز ارسلهم للسودان و في اثناء حروب الحجاز بداء محمد علي التجهيز لبناء الدولة الحديثة داخليا و خارجيا و عسكريا مستفيدا من مميزات وضع الولاية الممتازة
فداخليا غير نظام الادارة الذي تشكل علي حسب السياسنامة التي اصدرها السلطان سليمان القانوي بشكل كلي فداخليا غير التقسيم الاداري لمصر و حل المؤسسات العثمانية و جعل بدل منها دواوين و اقلام بشكل مشابه للذي نعرفه و انشئ الديوان الخديوي و يرأسه كتخدا الباشا و الذي تغير اسمه فيما بعد ليصبح وزير الداخلية و عهد له الاشراف علي كل ماسبق بالاضافة لمهمة الحفاظ علي الامن العام و خارجيا انشئ ديوان التجارة و الشؤن الافرنجية الذي تغير اسمه فيما بعد ليصبح وزارة الخارجية و للاشراف علي الشؤون العسكرية انشئ ديوان الجهادية الذي تغير اسمه فيما بعد وزارة الدفاع
و في كل ديوان من الثلاثة كان هناك قسم خاص معني بعني بتقديم الخدمات المخصوصة التي يكلف بها
ففي ديوان التجارة و الشؤون الافرنجية تحت نظارة مؤسسه بوغوص بك كان يوجد قسم تحفظ ملفاته تحت اسم بر بحر و هي تحو المخابرات اي المراسلات بين محمد علي و كبار رجال الحكومة المصرية و بين الاشخاص المهمين في خارج البلاد و منهم مسؤولي حكومات الاجنبية و منها الحكومات العثمانية و البريطانية و الفرنسية و تضم ايضا و هو الاهم مخابرات الحكومة مع عملائها في الخارج و هم نوعين اولا الرسمين فبعد حصول مصر علي وضع الولاية الممتازة اكتسب محمد علي حق تعيين ممثلين خارجيين تحت وكلاء و في الاستانة تحت اسم قبوكتخدا و هؤلاء كانوا مسؤلين عن التواصل مع الحكومات الاجنبية و التواصل مع اصدقاء مصر في الخارج العاملين علي تحسين صورتها و تقديم الهدايا لهم لكي يحسنوا الدعاية لمصر بين مواطنيهم كما كان وكلاء الحكومة معنيين بالمخبرين الذيين يطلعون الحكومة علي التطورات اول بأول و العملاء المعنيين بمهام سرية و خاصة و كانت الحكومة تكلف البحرية بتخصيص لبعضهم سفن و بواخر سريعة لضمان سرعة التواصل معهم كما كانت تعين من قباطنة السفن الاجنبية من يمدها باخبار الموانئ الاجنبية اول بأول و من شبه المؤكد ان ديوان التجارة كان يضم قسم خاص للاشراف علي كل ذلك و هو القسم الذي تحفظ ملفاته تحت اسم بر بحر
و في الديوان الخديوي كان للكتخدا مساعدين مخصوصين تحت اسم معاونيين منهم من لا يخصص له مهام بل ينفذ الخدمات التي يكلفو بها بغض النظر عن طبيعتها و منهم من تحدد وظائفه و منها العادي و لكن منها ايضا المرتبط بنشاط الاجهزة الخاصة كمراقبة اشخاص محددين و اعتراض الرسائل و تتبع الفتن و كشفها و ضبط المسؤلين عنها بالاضافة لتتبع الموظفين الفاسدين و ضبطهم و لم يكن نشاط هاؤلاء الوكلاء كبيرا في مصر الهادئة كبيرا لكن نشاطهم كان واضح في البلاد المحتلة و بعد دخول الشام تم تعيين محمد شريف باشا الكتخدا حينها لينظم الادارة في الشام علي مثال نظيرتها المصرية و تم تعينه حكمدار عاما للشام و في عهد نشط وكلاء الحكمدارية المعنيين بالخدمات المخصوصة بشكل كبير فقبضوا علي الجواسيس سواء محليين او اجانب و تتبعوا المخربيين و مسببي الفتن و الثورات و تتبع الاوروبيين المشكوك فيهم و كشف الفاسدين في حكومة الشام كما كانوا ينسقوا عمل الحكمدارية مع الجيش لقمع الثورات و بشكل عام كانوا معنيين بكل ما يهدد الوجود المصري بالشام و قد ظل معاوني الكتخدا معنيين بالخدمات المخصوصة حتي انشاء الاقلام المخصوصة مثل البوليس السياسي الذي استفاد من الجيل الاخير لمعاوني وزير الداخلية و مباحث امن الدولة التي استفادت من اخر اجيال ضباط البوليس السياسي
اما في الجيش فكان في كل قيادة ميدانية و وحدة عسكرية قسمان و ربما القسم الاول هو قسم الاستطلاع و الثاني للمخابرات الحربية و ربما كان يجمعهم قسم واحد و كان اختيار المنتسبين للقسمين يتم بشكل خاص من القوات الخاصة و المدفعية و المهندسين و يتم اخيار المنتسسبين من هذه الاسلحة لانهم هم الاكثر تاهيلا علميا و جسديا للقيام منفردين بالمهام الخطرة في البيئات المعادية و كان اعضاء وحدات الاستطلاع يتولوا استطلاع و مراقبة الجيوش و المناطق المعادية و ارسال معلوماته التي يجمعوها للمخابرات الحربية التي تنسقها مع ما ترسله شبكة الجواسيس و ترسله للقيادة العامة و من عملها اكتسبت اسمها المخابرات الحربية اي المراسلات المعنية بالامور العسكرية و في حرب الشام وصل نشاط المخابرات الحربية و الاستطلاع قمة كفائته فلم يكتفي رجال المخابرات بسطتلاع تحركات الجيش العثماني فقط بل تجاوزوا ذلك لاعتراض و معرفة اوامر تحركات العثمانيين قبل وصلها للوحدات المكلفة بها فكان لذلك عامل حاسم في رسم استراتجية ابراهيم باشا و نتج عنها من انتصار باهر في كل المعارك
و بعد احتلال الشام و اتفاقية كوتاهية وضع ابراهيم باشا المدن الحدودية مع العثمانيين تحت الاحكام العسكرية كما قسم الحدود لقسمين الاول حكمدارية حلب و تولاها اللواء اسماعيل عاصم و هو قريبه من جهت امه و كان من ضباط الجيش الاوائل و المخلصين له و الثانية هي حكمدارية اضنة و تولاها الفريق سليم باشا و هو في الاصل ضابط مدفعية و مهندس استحكامات سبق له العمل في المهام المخصوصة في الجزيرة العربية و مصر و قسم كل حكمدارية لمناطق يتولي كل منها ضابط هو في نفس الوقت الحاكم العسكري للمدن الواقعة في نطاقه و كلفهم بانشاء شبكات جواسيس لمراقبة الجانب العثماني كما كانوا مشرفين علي اعمال المخابرات الخاصة الواقعة في نطاق عمل شبكات جواسيسهم التي كانت واسعة بشكل كبير و تضم العديدين من كافة المهن و الطوائف فقد كانت تضم موظفين عثمانيين و تجار و خبازين و مكاريين قساوسة و دراويش طرق و حتي متخصصين من الاجانب و خدم ال و قد اشتهر يرفعون عملهم من خلال المخابرات الحربية التي تجمع كل ذلك و تنسقه في تقارير ترسلها بشكل منتظم لابراهيم باشا في القيادة العامة و قد انتظم العديد من هؤلاء الضباط في الاعمال الحكومية مثل حمزة بك و معجون بك و سليم بك بالاضافة لاسماعيل عاصم الذي صار باشا و تعين ناظر للداخلية
و قلم المخابرات الحربية هو الذي تطور بعد الثورة يوليو ليصبح ادارة المخابرات الحربية و الاستطلاع حاليا و قد تأسس جهاز المخابرات العامة كجزء منه للقيام بمهام شبيهة للمهام المخصوصة التي كانت تقوم بها نظارة التجارة و الشؤون الافرنجية قبل ان ينفصل عن المخابرات الحربية بعد التأسيس مباشرة و ترتبط مهامة بالامور الخارجية بشكل كبير و هذا هو سبب اسمها المختلف عن طبيعة مهامها فهي تقوم بالمهام الاستخباراتية الخارجية في حين ان اسمها في مصر و الدول المتأثرة بها كسوريا و السودان هو المخابرات الذي يعني المراسلات لانها نشأت من رحم المخابرات الحربية الذي تأسس لتبادل المراسلات بين القيادة العامة و بين الجواسيس و وحدات الاستطلاع
هذا و تقوم الاجهزة المخصوصة برفع تقارير اعمالها للديوان التابعة له ثم يرفع ناظر الديوان هذه التقارير للمعية السنية و هي التي تغير اسمها ليصبح حاليا ديوان رئاسة الجمهورية و التي يراسها الباش معاون الذي له معاونيين كما الكتخدا و يقوم الباش معاون برفع خلاصتها لمحمد علي الذي يكلف كل منها بمهامه المخصوصة سواء الخاصة او المشتركة و قد تعاظم دور المعية السنية في ذلك بشكل كبير في عهد سامي باشا الذي تولي منصب الباشا معاون اواخر تلاتينات القرن التاسع عشر و كان يتولي قبلها منصب الكتخدا بعد محمد شريف باشا و قد كان يشرف علي الخدمات المخصوصة منذ ان كان كتخدا و نظام الاجهزة المنفصلة الذي تنسق القيادة السياسية بينها يسمي نظام مجتمع الاستخبارات و هو في العادة مرتبط الدول التي انشأت اجهزتها المخصوصة بالتدريج بعيدا عن تأثير الحروب الكبري مثل مصر و امريكا
و بعد ان عادت علاقة محمد علي للتأزم مرة اخري مع السلطان محمود الثاني اقترح ابراهيم باشا انشاء قلم مخصوص للاستخبارات العسكرية للاشراف علي كافة الاعمال المخصوصة للحكومة تحت اشراف المسيو اليه الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الفرنسية بجزيرة كورسيكا و كانت حينها منطقة محتلة من قبل فرنسا و يكثر بها الاضراباط و نظام جهاز الاستخبارات العسكرية الجامع هو النوع الثاني من انواع الاستخبارات بعد نظام مجتمع الاستخبارات و نظام الجهاز الشامل اول من عمل به هو الفرنسيين في جهازهم المسمي المكتب الثاني في القرن التاسع عشر بسبب حروبها مع المانيا ثم تبعها بعد ذلك معظم الدول الكبري حينها كروسيا و جهازها الكي جي بي و بريطانيا و جهازها الام اي فيف بسبب الحروب العالمية و هذه الدول كانت تستعمل قبل ذلك اجهزة مخصوصة متفرقة شبيه بالحالة المصرية و الامريكية لكنها عادت للعمل بنظام مجتمع المخابرات حاليا لكن لا يبدوا ان محمد علي وافق علي فكرة الجهاز الشامل و ابقي الامر علي ما هو عليه و بقيت المعية تشرف علي الاجهزة الثلاثة و تنظم عملها المشترك