من المتعارف عليه بديهياً أن سياسة الوفاق التي اعتمدتها الولايات المتحدة قيّدت الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، بما في ذلك في مصر. وتقوم وجهة النظر هذه أيضاً على أن قيام الرئيس المصري أنور السادات بطرد آلاف المستشارين العسكريين السوفيت في تموز/يوليو 1972 شكّل هزيمةً كبيرةً للاتحاد السوفيتي في "الحرب الباردة".
وفي كتابهما الذي حمل عنوان "الحرب السوفيتية-الإسرائيلية، 1967-1973: التدخُل العسكري للاتحاد السوفيتي في الصراع المصري-الإسرائيلي" The Soviet-Israeli War, 1967-1973: The USSR’s Military Intervention in the Egyptian-Israeli Conflict ("دار نشر جامعة أكسفورد"، 2017)، تحدّى المؤلفان إيزابيلا غينور وجيدعون ريميز هذه المفاهيم الأساسية. ولفت المؤلفان إلى أنه بعيداً عن كون الكرملين مصدر اعتدال، فإنه قد شجع مصر بشدة ومكّنها من تحدي إسرائيل.
ويرى المؤلفان أن طرد السادات للمستشارين السوفييت (الذين حاربوا في الواقع إلى جانب الجيش المصري) كان بمثابة عملية خداع ماهرة لأن السوفييت لم يغادروا حقاً. وكما استذكر اللواء المصري عادل سليمان يُسري بعد مرور 25 عاماً، " 'إن الجزء الأكثر [فعاليةً]' من خطوات السادات المخادعة كان ' تخليه عن المستشارين والخبراء السوفييت. وقد خدع بذلك كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين استنتجتا أنه في ظل الظروف التي نشأت بالتالي، بدا أن الحل العسكري لمشكلة الشرق الأوسط يكاد يكون مستحيلاً' ".
وقد فنّد المؤلفان غينور وريميز المصادر التقليدية مثل مذكرات هنري كيسنجر واعتبرا أنها مضللة وتخدم مصالح ذاتية. كما رأى المؤلفان أن الصحف المعاصرة غير مناسبة لأنه خلال "معظم الفترة المعنية، لم تكن هناك صحافة أمريكية والقليل من الصحافة الغربية في مصر؛ كما لم تكن أي منهما متواجدة في منطقة القتال". وأوضحا أيضاً أن الكرملين لم يوثق غالباً الاجتماعات الرئيسية. وبالتالي، فإن الوثائق الأرشيفية وحدها غير كافية، كما أنها لا تزال غير متوافرة عموماً، خاصة في ظل فرض رقابة مكثفة متجددة في روسيا تحت رئاسة فلاديمير بوتين.
وعوضاً عن ذلك، اعتمدا على مصادر متاحة حديثاً شملت مقابلات ومذكرات ومجلات وشهادات جنود سوفيت "على الأرض". وقد تأكد المؤلفان بدقة منها وقارنوها مع بعضها البعض ومع مصادر أمريكية وإسرائيلية وغيرها التي رُفعت عنها السرية حديثاً.
هذا ولا يزال المدى الكامل لانخراط السوفييت في عام 1973 مجهولاً، كما أن السجل الناشئ لا يزال ناقصاً. غير أن الدليل الجديد الذي قدمه المؤلفان غينور وريميز لا يقرّبنا من فهم التاريخ فحسب، بل يساعد أيضاً على رسم معالم تدخل بوتين الحالي في الشرق الأوسط. فتركيزهما على مصادر رئيسية من قدامى المحاربين السوفييت يثير أسئلةً بالغة الأهمية حول أفكار سابقة تتعلق بدور السوفييت في مصر. وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي أعلن عن رغبته في إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، إلا أن الكرملين اتبع أجندةً مختلفة. وقد قللت واشنطن من شأن التزام الكرملين في تقويضها وتقويض حلفائها. والآن كما كان الحال سابقاً، إن معرفتنا بأنشطة الكرملين الحالية في المنطقة غير مكتملة، لكن كما أشار المؤلفان: "يطغى الشعور بأن ما يحصل هو مجرد تكرار للماضي".
آنا بورشفسكايا هي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن
.