أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43636
معدل النشاط : 58294
التقييم : 2407
الدبـــابة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B3337910
الطـــائرة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Dab55510
المروحية :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B97d5910

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 1210

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Best11


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Empty

مُساهمةموضوع: الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر    الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Icon_m10الثلاثاء 29 مايو 2018 - 21:13

نشرت المستشارة الإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، الدكتورة بثينة شعبان، كتابها الجديد بعنوان  "حافة الهاوية – وثيقة وطن: الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر"، وتضمن وثائق رسمية وسرية وبرقيات دبلوماسية، ومحادثات ومخطوطات ورسائل شفهية، ومحاضر اجتماعات لمحادثات ومراسلات جرت بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد(1971 – 2000)، وبين وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر بين عامي 1973 و1976.


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر %D8%A8%D8%AB


الوثائق تُنشر للمرة الأولى، حصلت عليها شعبان من دائرة الأرشيف في القصر الجمهوري السوري بإذن مباشر من الرئيس بشار الأسد، في محاولة منها لتفنيد تداعيات ما حصل ويحصل اليوم من أزمات في منطقتنا منذ تسعينيات القرن العشرين وما بعدها، بناء على تجربة سابقة ومهمة عمرها أعوام امتدت في السبعينيات. هذا ما يحاول كتاب "حافة الهاوية" تقديمه للقارئ، استناداً إلى الحراك السياسي في الشرق الأوسط بين عامي 1973 و1976، ومحادثات السلام والعلاقة بين الرئيس الراحل حافظ الأسد، وأحد أكثر وزراء خارجية أميركا تأثيراً في القرن العشرين كما وصفته شعبان، هنري كيسنجر.
بدأ الكتاب بالحديث عن الصعوبات التي واجهتها سوريا أثناء عملية السلام في تسعينيات القرن الماضي، وبخاصة ما يتعلق باتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل عام 1994، وتداعيات هاتين الاتفاقيتين الخطيرة على القضية العربية بمجملها، والتي بدأت بفصل مسارات السلام، منذ اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل في أعقاب حرب تشرين الأول – أكتوبر عام 1973، وتثبتت ركائزه في اتفاق "سيناء 2"عام 1975، قبل أن تقوم مصر بتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979.
الكتاب المؤلف من 349 صفحة يُقدم الرواية التاريخية الموثّقة للصراع العربي - الإسرائيلي، وعملية السلام بين 1973 و1976، ويبحث في سياسة حافظ الأسد وفكره وتراثه أيضاً. كما تناول الكتاب للمرة الأولى أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل في التاريخ السوري والعربي الحديث، ألا وهو التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1976، و الدور السياسي الأميركي في تلك الأزمة.
تضمن الكتاب عشرة فصول، يتناول الفصل الأول منها حرب تشرين عام 1973 وعواقبها المباشرة، ويقدم الفصل الثاني النشاط الدبلوماسي المحموم الذي حصل بعد الحرب مباشرة، ويستعرض الفصل الثالث العلاقات السورية – المصرية بعد عام 1970، ويبحث كيف فصل أنور السادات بين الجبهتين السورية والمصرية، وكيف اختار طريق المباحثات الثنائية مع إسرائيل. كما يتضمن هذا الفصل البحث في الحظر النفطي الذي فرضه العرب على الدول الغربية خلال حرب تشرين وما بعدها وكيف انتهى هذا الحظر. أما الفصل الرابع فقد تضمن مقاربة لجولة كيسنجر المكوكية الأولى له بين دمشق وتل أبيب ونتائجها مطلع عام 1974. وتتناول الفصول الثلاثة التالية، المفاوضات الطويلة المضنية التي أدت إلى توقيع اتفاق فصل القوات بين سوريا وإسرائيل في أيار مايو 1974، وتقدم هذه الفصول تفاصيل غير مسبوقة عن اللقاءات الأربعة عشر التي حصلت بين حافظ الأسد وهنري كيسنجر، والتي تعد من أطول جولات المفاوضات المكوكية في التاريخ الحديث.
ويستعرض الكتاب في الفصل الثامن، وفي بحوث تنشر للمرة الأولى، بحسب الكاتبة، ما جرى في اللقاء بين الرئيس حافظ الأسد والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، الذي كان أول رئيس أميركي يزور دمشق.
في الفصل التاسع يعرض الكتاب تدهور العلاقة بين الأسد وكيسنجر، مع مواصلة الأخير جهوده لعقد اتفاق بين مصر وإسرائيل، والتي توجت باتفاق "سيناء 2".
وفي الفصل العاشر يبحث كتاب "حافة الهاوية" أول سنتين من الحرب الأهلية اللبنانية، إذ يقدم رواية سورية لتلك الحقبة المصيرية كما سمّتها الكاتبة، وخصوصاً حول ما يسمى اتفاق الخطوط الحُمر، الذي يَعدّ المؤرخون الغربيون والإسرائيليون حصوله أمراً لا لبْس فيه. كما يقدم الكتاب أدلةً جديدةً موثقةً من الأرشيف الرئاسي السوري تنشر لأول مرة في هذا الكتاب منذ تأسيس الأرشيف قبل خمسة عقود، وتنفي كثيراً من الادعاءات المتداولة كما تصفها شعبان، حول الدور الذي أدته سوريا في لبنان.


الفصل الأول: حرب تشرين الأول 1973

قسّمت شعبان من سمّتهم شخصيات حرب تشرين الأول - أكتوبر إلى ثلاث شخصيات، هي الرئيس حافظ الأسد ووزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر والرئيس المصري الراحل أنور السادات، وبدأت بسرد ملخص تاريخي عن كل شخصية بداية من الأسد. فقد قررت مصر وسوريا في السادس من تشرين الأول عام 1973، الهجوم المفاجئ على إسرائيل، عقب ست سنوات تلت حرب الأيام الستة عام 1967، التي احتلت فيها إسرائيل مرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء المصرية، إضافة إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
وتُذكّر شعبان بالخطاب التاريخي آنذاك للرئيس الأسد، الذي بدأه بالتوجه إلى المواطنين وجنود الجيش السوري، كما حيّا جيش مصر وشعبه الذي هبّ مدافعاً عن كرامة مصر وكرامة الأمة العربية، ووجه تحيةً إلى العسكريين البواسل الذين جاؤوا من المغرب الشقيق ليشاركوا في معركة "العزة والكرامة"، فجسّدوا بذلك وحدة الأمة ووحدة المصير وقُدسية الهدف.
كان لا بُد لشعبان أن تُذكّر بهذا الخطاب التاريخي للرئيس حافظ الأسد، لتنطلق منه إلى الولوج في الأسباب التي أدت إلى احتلال هضبة الجولان السورية، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء، والضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية بأكملها عام 1967. فتحدثت عن تاريخ حافظ الأسد منذ نعومة أظافره، مذكرة بالفتى الريفي العصامي الذي انضم إلى حزب البعث العربي في خمسينيات القرن العشرين، كما عرجت على مبادئ حزب البعث الذي ينادي بوحدة الأراضي العربية، والتحرر من حكم الإستعمار، ومجتمع بلا طبقات يتم توزيع الثروة والدخل فيه على نحو مناسب.
قبل أسبوعين من حرب تشرين، عُين هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون، ووزيراً للخارجية الأميركية، وهو الشخص الوحيد في التاريخ الأميركي الذي شغل كلتا الوظيفتين معاً في وقت واحد. لقد أتاحت حرب تشرين لكيسنجر تولي قيادة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بطريقة خدمت إلى حدٍ كبيرٍ وضع إسرائيل الاستراتيجي. فكيسنجر كان قد فقد 13 فرداً من عائلته في معسكرات الاعتقال النازية، ولم يكن يتحمل تشجيع محرقة أخرى عن طريق اتباع سياسات حُسن النية تخرج عن السيطرة. وحين تولى السلطة كانت إسرائيل تتلقى مساعدة عسكرية أميركية بمقدار 30 مليون دولار في السنة، وفي عام 1971 ارتفع المبلغ إلى 545 مليون دولار، وأثناء حرب تشرين الأول طلب كيسنجر ثلاثة مليارات دولار لمساعدة إسرائيل، ثم خُفض المبلغ إلى 2.2 مليار دولار.
كانت الشخصية الثالثة في دراما حرب تشرين الأول، رفيق الأسد في السلاح القائد المصري أنور السادات، الذي حاول أن يستعيد شبه جزيرة سيناء عن طريق المفاوضات مع إسرائيل وتقديم الضمانات، في محاولات باءت جميعها بالفشل. اتفق الأسد مع السادات على حرب تحرير شاملة منذ العام 1971، حرب تنتقم لهزيمة 1967 وتستعيد الأراضي العربية المحتلة جميعها. وتذكر شعبان أن الأسد لم يشارك قط فيما أسمته "بالمكائد الدبلوماسية" التي كانت تدبّر قبل عام 1973، ولم تكن لديه معرفة بالعروض السرية التي قدمها السادات لرئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير بواسطة كيسنجر.
وفي صيف 1971، وضع الجيش المصري خطتي حرب، تنطوي إحداهما على توغل القوات إلى ممري متلا والجدي في عمق سيناء، أما الخطة الثانية فلن تصل إلى أبعد من الضفة الشرقية لقناة السويس. وتسرد شعبان تفاصيل دقيقة لما حصل في الحرب من هجوم سوري قوامه 40000 جندي و600 دبابة في معركة "بدر" حيث اجتازت ثلاث فرق عسكرية خط وقف إطلاق النار لعام 1967، وتوغلت في عمق مرتفعات الجولان وبلغت أطراف القنيطرة. وبهجوم ألف دبابة سورية باتجاه الغرب أصبحت إسرائيل على حافة كارثة، قبل أن تتمكن من شن هجوم مضاد قلب المكاسب السورية جميعها، بتكلفة كبيرة جداً بالأرواح والمعدات من الجانب الإسرائيلي. تحصن المصريون على الضفة الشرقية من قناة السويس ورفضوا التقدم إلى الأمام لمدة أسبوع كامل، كانت مدة كفيلة بتركيز إسرائيل كل طاقتها على الجبهة الشمالية، مطلقة القوة الكاملة لسلاحها الجوي ضد سوريا، وانتظر الأسد وكبار ضباطه أن يتحرك المصريون، لكنهم لم يتحركوا، وقال الأسد للصحافي البريطاني باتريك سيل وهو يستذكر ما حدث: "كانت تلك أسوأ خيبة أمل في الحرب".
توقع كيسنجر الذي تفاجأ بخبر الهجوم العربي على إسرائيل، انتصاراً إسرائيلياً سريعاً، كما كان مُدركاً للأهداف المصرية الحقيقية، "لم يشن السادات حرباً لكسب مزيد من الأراضي، بل ليستعيد احترام مصر لذاتها، ومن ثم زيادة مرونتها الدبلوماسية. وخاضت سورية الحرب لتحقيق أهداف أكثر واقعية وبساطة، لقد أرادت مجرد استعادة الأراض المحتلة بأقل تكلفة ممكنة وإنزال الخسائر بإسرائيل". وانتهت المرحلة الأولى من حرب تشرين بإصدار مجلس الأمن القرار 340 الذي دعا إلى وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط، وفي 25 تشرين الأول - أكتوبر 1973، سكتت المدافع وبدأ الصراع لإعادة صياغة الشرق الأوسط الجديد.


الفصل الثاني 


في الفصل الثاني ، تبدأ الكاتبة من زيارة هنري كيسنجر لدمشق في أواخر عام 1973، حيث كانت الأولى لوزير خارجية أميركي إلى العاصمة السورية منذ عام 1953، في ذلك الوقت كانت سفارة الإتحاد السوفييتي في دمشق بالمشهد خلال السنوات الست من الغياب الأميركي عقب حرب الأيام الستة عام 1967، والتي نتج عنها أن قطعت سوريا العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. وتحدثت شعبان عن التغيّر الهائل الذي لحق بسوريا منذ خمسينيات القرن الماضي من النواحي الثقافية والخدماتية والعلمية والسياسية، حيث استقر المشهد السياسي إلى حد بعيد بعد تسلّم حافظ الأسد زمام السلطة عام 1970.
خلال حرب تشرين الأول وفي أعقابها مباشرة، عقد كيسنجر العديد من الاجتماعات المتتالية مع مسؤولين سوفييت وإسرائيليين ومصريين وعرب، لكن سوريا لم تكن على جدول أعماله حتى الثاني من تشرين الثاني 1973، حينما قابل نائب وزير الخارجية السوري محمد زكريا إسماعيل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وبعد بضعة أسابيع التقى كيسنجر سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، هيثم الكيلاني.
تقول شعبان إن كيسنجر كان بأمسّ الحاجة لرؤية الرئيس الأسد، إذ كان منشغلاً بمحاولة عقد مؤتمر سلام برعاية أممية في جنيف تحضره سوريا ومصر والأردن وإسرائيل. في الأسبوع الذي سبق لقاء الأسد، تمكن كيسنجر من ضمان مشاركة الأردن ومصر في مؤتمر جنيف، كما حصل على مباركة السعودية لعملية السلام المزمعة. واتفق مع السادات على الخطوط العريضة لفصل القوات بين مصر وإسرائيل، وعلى مفهوم المجموعات الثنائية الفرعية. وحصل كيسنجر على وعد من الرئيس المصري بأن يوصي الأخير زملاءه من القادة العرب برفع الحظر النفطي فور إتمام فصل القوات في سيناء. ومع ذلك بقيت سوريا تشكّل علامة الاستفهام الرئيسية. هل سيوافق الأسد "الراديكالي" بحسب النظرة السائدة عنه على الانضمام إلى دبلوماسية السلام الدولية المحمومة؟
وقبل موعد اللقاء الأول بين الأسد وكيسنجر، توقف الأخير في محطة أخيرة كانت عند الرئيس الجزائري، هواري بومدين، أحد الحلفاء المقربين من سوريا والصديق الشخصي للأسد، أراد كيسنجر أن يتعلم أكبر قدر ممكن عن تفكير الزعيم السوري الغامض قبل لقائهما الأول المنتظر.


يتبع ............

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43636
معدل النشاط : 58294
التقييم : 2407
الدبـــابة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B3337910
الطـــائرة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Dab55510
المروحية :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B97d5910

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 1210

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Best11


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Empty

مُساهمةموضوع: رد: الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر    الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Icon_m10الثلاثاء 29 مايو 2018 - 21:35

اللقاء الأول

في 15 كانون الأول ديسمبر 1973 ، عند الرابعة بعد الظهر بتوقيت دمشق، عُقد اللقاء الأول بين الأسد وكيسنجر في دمشق. تقدم الكاتبة في هذا الجزء توصيفاً دقيقاً جداً لحيثيات اللقاء، في الزمان والمكان، وتطرح تعبيرات مجازية تعكس حالة اللقاء.
 حدد الأسد ثلاثة أسس لهذا الاجتماع ولأي محادثات مستقبلية وهي الوضوح، والصدق، والحقائق الثابتة، ولكسر إرث العلاقات الجليدية طوال عقدين من الزمن. سأل كيسنجر الرئيس السوري إن كان لديه أي موضوع محدد في ذهنه يود أن يبدأ به النقاش، أجاب الأسد بحزم "العدوان الإسرائيلي المستمر، والموقف الأميركي منه"، حينها اعترف كيسنجر بأن الولايات المتحدة الأميركية تدعم إسرائيل فقط نتيجة ضغط من أولئك الذين يسيطرون على "رأس المال، ووسائل الإتصالات" في إشارة إلى اللوبي الإسرائيلي القوي في واشنطن العاصمة، والدور الذي تؤديه الأموال والأصوات الإنتخابية اليهودية في السياسة الانتخابية الأميركية، ووسائل الإعلام الرئيسية التي يتحكم فيها مؤيدو إسرائيل. ونبّه كيسنجر مضيفه السوري الذي كان ينصت إليه بانتباه إلى أن الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على ترويض عدوانية إسرائيل. وقد أشار كيسنجر بعد سنوات، حين كتب مذكراته، إلى النفوذ الإسرائيلي في السياسة الداخلية الأميركية، وإن لم يكن دائماً على درجة من البراعة والتحفظ.
عرض كيسنجر للأسد رؤيته لمؤتمر جنيف المقبل للسلام، وأكد أن الهدف الحقيقي لمؤتمر السلام هو تقديمه المشهد والإطار القانوني الذي يمكن من خلاله مواصلة عملية السلام. وبدأ كيسنجر في تلك الجلسة بسرد تقنيات المؤتمر وإجراءاته بالتفصيل، مع إسهاب طويل أطلقت عليه شعبان بالمشهد المسرحي، مقابل إصغاء كامل مع جلسة متكئة للأسد من دون أن ينطق بكلمة واحدة، حتى ناشد كيسنجر الأسد بتأجيل افتتاح المؤتمر من 18 كانون الأول ديسمبر إلى 21 منه، لمنحه متسعاً من الوقت لحل معضلة الدعوة مع الحكومة الإسرائيلية. هنا تكلم الأسد، خارقاً هاجس كيسنجر وحديثه عن المؤتمر بقوله: "إن موقفنا الكامل من مؤتمر السلام يعتمد على محادثاتنا اليوم".
سوريا لم تقرر بعد حضور المؤتمر من عدمه، ونبّه الأسد كيسنجر أنه لا بدّ أن يكون هو أي الأسد، مقتنعاً شخصياً بما سيحرزه هذا المؤتمر لصالح العرب. قبل ثلاثة أيام من الموعد المفترض لافتتاح مؤتمر جنيف، وبينما كان كيسنجر غارقاً في الإجراءات الشكلية للمؤتمر، أصيب وزير الخارجية الأميركي بصدمة كبيرة، حيث أراد الأسد التفاوض حول مشاركة سوريا في مؤتمر، لم يكن الهدف منه التوصل إلى تسوية شاملة للصراع العربي – الإسرائيلي بمجمله. وكان ذلك هو الكابوس الملازم لكيسنجر الذي تمكن السوفييت من إقناعه قبل مجيئه إلى دمشق، أن سوريا كانت مستعدة لحضور مؤتمر جنيف من دون شروط مسبقة. وبصراحة كبيرة تظهرها الوثائق المنشورة في هذا الكتاب، قال كيسنجر للأسد "عليّ أن أكون صادقاً معك، أعتقد أن بوسعنا أن نكون أسرع من الإتحاد السوفييتي في عقد صفقة معك". وتابع مكرراً جدول أعمال المؤتمر، وتذكر شعبان تردد كيسنجر إلى حد ما في نقاش الشؤون الفلسطينية مع الزعيم السوري، إذ نصحه الجميع ألا يفعل، ولكنه أراد أن يختبر حظه، معولاً على حسن الضيافة العربية. وقال كيسنجر مُقراً: "لا يمكن إيجاد حل من دون أخذ حقوق الفلسطينيين بالاعتبار". ابتسم الأسد وقد بدت الدهشة على وجهه لدى سماعه مثل هذا الموقف الأميركي، أو ربما اعتبره زلّة لسان. وبسرعة أضاف كيسنجر أن هذه ليست خدعة و"أنه مستعد لكتابة رأيه في مذكرة يؤكد فيها وجهة نظره عن الفلسطينيين"، لكنه طلب أن يبقى هذا الأمر سراً.
تذكر شعبان أن الأسد وباختصار شديد رد على ضيفه الأميركي بالقول "من المستحيل تحقيق السلام بالمعجزات، وإنما يمكن تحقيقه من خلال الاعتراف بالحقائق على الأرض فحسب"، مؤكداً أن سوريا "لم تكن أبداً عدواً للشعب الأميركي، ولكن عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، وتحديداً بالقضية الفلسطينية، فإننا لا نتفق إطلاقاً مع حكومة الولايات المتحدة". وتحدث الأسد كما أظهرت الوثيقة المنشورة عن محضر اجتماعه مع كيسنجر في 15 كانون الأول ديسمبر 1973، عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية، بما فيها مرتفعات الجولان السورية، وجعل المستوطنات علامة بارزة فيها، ولا يأتي ذلك إلا من التشجيع والدعم المتواصلين من الولايات المتحدة. ورفض الأسد تصديق أن الولايات المتحدة بكل نفوذها، لم تستطع ايقاف اللوبي الصهيوني، ونبّه كيسنجر إلى أن الدعم الذي تمنحه بلاده لإسرائيل كان يسبب إيذاء المصالح الأميركية عالمياً، وأنه سينعكس عليها سلباً يوماً ما.
وذكّر الأسد كيسنجر في هذه الجلسة أن سوريا لم تذهب إلى الحرب سواء عام 1948 أو 1967 لأن حكومتها أو شعبها كرهوا اليهود، وعلى نقيض ذلك، كان اليهود السوريون جزءاً من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد، وأنهم يعيشون جنباً إلى جنب مع المسلمين والمسيحيين على مدى قرون،  إلى أن جاءت إسرائيل عام 1948 وأخلّت بحالة السلم والهدوء التي كانت تسود الشرق الأوسط. وأسهب الأسد بحديثه حتى جاء على ذكر قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي تحدث عن "سلام عادل ودائم" ضمن حدود آمنة ومعترف بها، بيد أن القرار لم يحدد مكان تلك الحدود الآمنة، وفسّر العرب بدورهم ذلك القرار على أنه انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي المحتلة عام 1967.
لم يُطل الرئيس الأسد كثيراً في الخلافات التاريخية، بل انتقل إلى أمور أكثر أهمية في اجتماع ذلك اليوم، طارحاً على ضيفه ثلاثة أسئلة جوهرية حول مؤتمر جنيف المقترح هي: "هل توفق الولايات المتحدة الأميركية على أننا لا نستطيع التخلي عن أي جزء من أراضينا المحتلة، وأنه لا بد من استعادتها كاملة، أم أن لديكم رأياً مختلفاً؟ هل يعتقد الدكتور كيسنجر أن من الممكن تحقيق السلام من دون حلّ القضايا الأساسية للفلسطينيين؟ هل سنذهب إلى مؤتمر السلام لنضع برنامجاً لتحقيق هاتين النقطتين اللتين ذكرتهما أولاً أم لنغرق فقط في جزئيات قد تستغرق وقتاً طويلاً من غير التوصل إلى حلٍ شامل؟".
 أجاب كيسنجر أنه بالتأكيد لا يود إضاعة الوقت في نقاش تفاصيل تافهة. وفيما يتعلق بالسؤال الثاني، أكد استحالة التوصل إلى حلٍ نهائي من دون أخذ قضية الفلسطينيين وطموحاتهم بعين الاعتبار. وفي مسألة الأرض، كان مستعداً لمناقشة أمرها مع الأسد إما في ذلك الوقت أو لاحقاً، مع انتهاء المرحلة الأولى وتحقيق انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من مرتفعات الجولان السورية. ولكنه رفض أن يلزم نفسه بموقف حيال مسألة الانسحاب الكامل، لأنه لا يضمن بقاء ذلك سراً في العالم العربي، وإذا ما كُشف أي تعهد سري من طرفه بهذا الخصوص فمن شأنه أن يؤدي إلى آثار كارثية في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية.
تذكر شعبان أن الأسد كان تواقاً إلى عقد مؤتمر السلام، ورأى أن كل التفاصيل الأخرى، من ضمانات أمنية ومحطات إنذار مبكر، تأتي في الدرجة الثانية في حال التوصل إلى فصل كامل للقوات.
 تذكر الوثائق المنشورة أن الأسد أخرج خريطة كبيرة وفتحها أمام ضيفه الأميركي، في الوقت الذي أوجز كيسنجر المبادئ التي اتفق عليها مع السادات، والتي تضمنت انسحاب كتيبتين من الجيش المصري شرق القناة، والإبقاء على كتيبة واحدة مع الحد من استخدامها للمدفعية الثقيلة والدبابات. في المقابل ينسحب الإسرائيليون من جانبهم من الضفة الغربية للقناة باتجاه ممري متلا والجدي، وبذلك تصبح المنطقة الواقعة بين الجيشين منطقة عازلة، تديرها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. حلٌ لم يقنع الأسد واستمر الجدال بين الزعيم السوري وكيسنجر حتى وصل إلى طريق مسدود، حيث أصر الأسد على ضرورة ترسيم خطوط فصل القوات مع كيسنجر قبل بدء المؤتمر. وافق الأسد على حضور المؤتمر والجلوس إلى الطاولة نفسها التي يجلس إليها الإسرائيليون، شريطة أن يكون الاجتماع ثلاثياً يضم إلى جانب سوريا، مصر وإسرائيل وترأسه الأمم المتحدة، في حين كان مخطط كيسنجر أن يعقد اجتماعات ثنائية تضم سوريا وإسرائيل في قاعة منفصلة، ومصر وإسرائيل في قاعة أخرى وهو ما رفضه الرئيس السوري.
بتذمر قال كيسنجر حينها: "إذا انهار المؤتمر أو لم يُعقد إطلاقاً، فسيجعل ذلك منه أضحوكة للمجتمع الدولي". قاطعه الأسد قائلاً: "هذه ليست مسألة شخصية يا دكتور كيسنجر، إن الحرب والسلم والاحتلال هي أمور يجب التعامل معها بوضوح مطلق، وإلا، فمن شأن أي سوء فهم أن يؤدي إلى كارثة".

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 4ec33445-476f-4f53-a720-582cc38fd00d

تبيّن الوثائق المنشورة في الكتاب، امتناع دمشق عن حضور مؤتمر جنيف، لكنها لم تعارض الحصول على مقعد ولو فارغ على الطاولة المستديرة. ورأى كيسنجر أن هذه الخطوة تجعل سوريا عضواً أصيلاً في مؤتمر السلام، ولها الحق في المشاركة في جلسات مستقبلية. وقد خَلُص كيسنجر في تقويمه لزيارته الأولى إلى دمشق، إلى أنه أحرز أكثر مما كان يتوقع، وقد رتبت زيارة للرئيس الأميركي إلى سوريا، كانت الأولى من نوعها في تاريخ البلاد. أصبح الطريق إلى دمشق الآن ممهداً أمام كيسنجر، وفُتح الباب الآن على مصرعيه أمام الأسد لأداء دور إقليمي أكبر.


يتبع ........  

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43636
معدل النشاط : 58294
التقييم : 2407
الدبـــابة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B3337910
الطـــائرة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Dab55510
المروحية :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B97d5910

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 1210

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Best11


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Empty

مُساهمةموضوع: رد: الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر    الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Icon_m10الثلاثاء 29 مايو 2018 - 22:00

الفصل الثالث 

تبدأ بثينة شعبان الفصل الثالث من كتابها "حافة الهاوية - وثيقة وطن" بعرض ملخص عن علاقة الرئيس السوري حافظ الأسد بالرئيس المصري أنور السادات، وتصف الرئيسين بالصديقين الحميمين.


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 406f14b3-28b9-42d0-8062-b428470dcf58


كان اللقاء الأول بين الرجلين أثناء الوحدة السورية المصرية التي لم تعش طويلاً في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. كما تُذكّر شعبان بتاريخ القائد العسكري المصري وبمدى إعجاب الأسد فيه، قبل أن يتلقى خيبة الأمل الأولى منه في أيلول سبتمبر 1961، كما أوضحت الوثائق المنشورة في الكتاب. وفي تعريج سريع تعود بنا الكاتبة إلى أواخر عام 1970، عندما تولى الأسد والسادات السلطة في سوريا ومصر وبفارق زمني أقل من شهر واحد، بعدما خلف السادات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، في الوقت الذي كان الأسد يقود حركته التصحيحية في تشرين الثاني نوفمبر، إذ بعد 10 أيام فقط من تولي الأسد السلطة اتجه إلى القاهرة، العاصمة السابقة للجمهورية العربية المتحدة. وهناك عقد اجتماعاً مطولاً مع السادات وقرر الرجلان أن يعملا جنباً إلى جنب ويداً بيد.
في هذا الجزء تعرض الكاتبة لفترة أمنية حرجة في تاريخ مصر بعد حرب تشرين الأول – أكتوبر 1973 التي اخفقت في استعادة الأراضي المحتلة، وتركت السادات على شفا انهيار عصبي كما وصفته، حيث كانت مدينة السويس محاصرة حصاراً كاملاً من قبل الإسرائيليين، والجيش المصري الثالث كان مطوقاً، حيث أمضى السادات فترة الحرب بأكملها في اتصالات متبادلة مع هنري كيسنجر، الذي احتاج إلى كسر الاتفاق العربي الأوروبي، وإلى إحداث فجوة بين السوفييت ومعظم الأنظمة العربية، والعمل على صدع الجبهة العربية التي كانت موحدة حتى ذلك الحين.
 وكانت الأداتان الرئيسيتان اللتان استخدمهما كيسنجر لتحقيق برنامجه هما قلق السادات حول مصير جنوده، وتعطشه للانفتاح على الأميركيين والابتعاد عن الاتحاد السوفييتي كما أظهرت الوثيقة المنشورة في الكتاب.
وتحدثت الكاتبة عن نكوث السادات بوعوده مرة أخرى للأسد فيما يخص فصل القوات المصرية عن الإسرائيلية، وتذكر بالتفصيل حيثيات اللقاء الذي جرى بين الأسد والسادات في القاهرة حينما زارها الرئيس السوري في طريقه لحضور مؤتمر عربي في الجزائر في أواخر تشرين الثاني - نوفمبر 1973. في تلك الأثناء كانت المفاوضات بين المصريين والإسرائيليين تسير قُدماً عند الكيلومتر 101، من دون حضور أميركي. واقترب الجانبان أكثر نحو إتمام اتفاقية فصل القوات في سيناء، لكن كيسنجر أفسد الاتفاق في النهاية.
 تقول شعبان إن الأسد كان يستشيط غضباً تجاه كل ذلك الحديث عن فصل للقوات المصرية، وسأل صديقه القديم غاضباً: "ما الذي تفعله؟ ما هذا الفصل للقوات؟ كيف يمكن لك فصل قواتك عن قوات إسرائيل وهي لا تزال تواجه سوريا على أرض المعركة؟". تقول الوثائق إن السادات كان يجلس على أريكة ذات ذراعين ويرتدي زيه العسكري الكامل، ويطلق الدخان من غليونه، مقلداً الأسلوب الأرستقراطي الأوروبي الذي أخفى خلفيته تماماً. سأله الأسد غاضباً: "هل خضنا الحرب لنحقق هذا؟". أجاب السادات بهدوء: "ألا تثق بي؟". كان الأسد على وشك الانفجار فقال: "هناك أفعال تناقض الثقة". رد عليه السادات: "حسناً إذن سألغي كل شيء". ووعد بإنهاء المحادثات إلى أن يتحقق شيء ملموس على الجبهة السورية، لكنه لم يفعل ذلك، ولم تتوقف المحادثات إلا بسبب تدخل كيسنجر.
 وفي كانون الأول - ديسمبر 1973، التقى الرجلان مرة أخرى في القاهرة وتعهد السادات ألا يحضر مؤتمر جنيف ما لم تحدد خطوط فصل القوات على كلتا الجبهتين، المصرية والسورية، ولكنه نكث بوعده مرة أخرى.
في 18 كانون الثاني يناير 1974، نجح كيسنجر في التوصل إلى اتفاقية لفصل القوت بين مصر وإسرائيل بعد فترة من الدبلوماسية المكوكية المحمومة. فقد انسحبت إسرائيل من الضفة الغربية لقناة السويس وتراجعت عشرة كيلومترات أخرى إلى الشرق لإيجاد منطقة عازلة بين القوات المصرية والإسرائيلية تحت إدارة الأمم المتحدة. وأذعنت مصر لوجود منطقة محدودة السلاح وما تلاها من إجراءات اتفق عليها.
 تقول شعبان إن أيام العبور العظيم قد ولّت، وكان الأميركيون سيتولون مراقبة التزام كلا الجانبين من خلال الطلعات الجوية. في ذلك الوقت كان الرئيس الأسد على حافة الانفجار وهو يشاهد الأخبار على التلفزيون، حيث وجد نفسه وحيداً يواجه إسرائيل إن فشلت عملية السلام، لكن الولايات المتحدة أدركت الحاجة إلى الاستمرار في التعاطي مع سوريا للإبقاء على دور السادات كــ"قوة معتدلة" في السياسة العربية، ولتبرهن للعرب أن السلام واستعادة أراضيهم لا يمكن أن يتحققا إلا عن طريق الدبلوماسية الأميركية.
وبعد يومين فقط من اتفاق "سيناء 1" وصل كيسنجر المزهو بانتصاره كما وصفته الكاتبة إلى دمشق لمقابلة الأسد قبل عودته إلى واشنطن، وقبل أربع وعشرين ساعة تماماً من هبوط طائرته التي أطلق عليها الصحافيون إسم "وزارة الخارجية الطائرة". عقد الأسد اجتماعاً وُصف بالعاصف مع السادات، استمر تسع ساعات في قاعة الشرف في مطار دمشق، وفي هذه المرة تقول شعبان كانت ورقة التوت قد سقطت، واتهمه الأسد بالازدواجية والطعن بالظهر، قائلاً إن اهتمام سوريا ينصب على مصر وليس على أنور السادات، وبعد نقاش طويل وعد السادات بإبقاء فرقة لمجابهة إسرائيل في سيناء، ولكنه مرة جديدة ذهب وعده أدراج الرياح.


الجولة الثانية في دمشق

انتقل كيسنجر إلى قصر الروضة ولم يبقَ في المطار، لم يخفِ الأسد غضبه تجاه الإتفاقية المصرية، وكان همه الأول التأثير الذي ستحدثه الصفقة المصرية المنفردة في الشعب السوري.
 توالت النقاشات مع الأسد وكيسنجر ونجح الأخير في تهدئة غضب الأسد، حيث شرح المنهجية التي استخدمها لتحقيق فصل القوات بين مصر وإسرائيل. اعتقد كيسنجر أن على إسرائيل الانسحاب من الجيب الذي احتلته داخل الأراضي السورية أثناء الحرب، إضافة إلى دخول موقعين إضافيين في جبل الشيخ تم احتلالهما بعد 22 تشرين الأول أكتوبر 1973، أي بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. إلا أن استعادة القنيطرة، كبرى مدن هضبة الجولان، إلى السيادة السورية كانت تستوجب الكثير من الحكنة. وهنا تتساءل شعبان عن المصدر الذي أتى منه اقتراح القنيطرة، فلا وجود في مذكرات كيسنجر ولا في السجلات الرسمية الأميركية لأي ذكر للقنيطرة خلال هذه المرحلة من المفاوضات. وتخمّن أنه ربما ناقشها كيسنجر مع وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان، أو مع السادات، من دون أن يتم تسجيل ذلك في المحاضر الرسمية.
 ولكن الإشارة الأولى حول القنيطرة وردت في محضر هذا الاجتماع الرسمي بين الأسد وكيسنجر، والذي دوّنه الدكتور إسكندر لوقا. إن هذا الدليل التوثيقي الوحيد على أن مسألة القنيطرة كانت قد نُوقشت في هذه المرحلة المبكرة من العملية التفاوضية. وعن هذا الموضوع، شرح الأسد لضيفه، جغرافياً وديموغرافياً هضبة الجولان، حيث كان يعلم من خبرته العسكرية الطويلة، أن إسرائيل تقلق من وجود القوات السورية المسلحة بالمدفعية والدبابات على التلال المطلة على سهل الحولة، تلك الرقعة من الأراضي الخصبة على الجانب الغربي المحتل من هضبة الجولان. بالصورة الأشمل، كان الأسد يعلم أن إسرائيل لا يهمها بضعة كيلومترات، فقادتها يريدون تحقيق "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل".
في محضر اجتماع الأسد - كيسنجر في 20 كانون الثاني يناير 1974، عندما صرخ الرئيس الأسد في وجه كيسنجر قائلاً: "مصر تركت المعركة"، كانت القيادة العسكرية السورية قد أخبرت نظيرتها المصرية أن التحضيرات لشن هجوم معاكس تجري على قدم وساق، وأن الحرب يجب أن تستمر على الجبهتين، لكن السادات رجا الأسد أن يقبل بوقف إطلاق النار قبل أن تخسر مصر وسوريا كلّ شيء. ولكن الأسد رفض، فتصرفت مصر منفردة، وأعلنت قبولها وقف إطلاق النار في 22 تشرين الأول كانون 1973.
 أدركت القيادة السورية أن مواجهة إسرائيل من دون مصر خاصة في ظل الجسر الجوي الأميركي الذي ينقل كميات هائلة من السلاح والعتاد أمر مستحيل، فقبلت وقف إطلاق النار مساء 3 تشرين الثاني - نوفمبر عام 1973. وتذكّر الأسد بمرارة كما وصفتها الكاتبة، ما دار حينذاك: "أخبرني السادات على الهاتف أن هناك ضمانات من القوتين العظيمتين أن إسرائيل ستنسحب من الأراضي المحتلة، وبالطبع أن استعادة الأراضي دون استمرار الحرب هو الخيار الأفضل" ، وبعد ذلك بدأت معضلة أسرى الحرب.

قناة اتصال مباشر

حط الفريق التفاوضي الأميركي في تل أبيب قبل مغادرته إلى واشنطن قادماً من دمشق، وهناك تقول الرواية أن كيسنجر نقل إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي موافقة الأسد المبدئية على انطلاق العملية التفاوضية على الجبهة السورية. ولكن غولدا مائير رفضت القيام بأية خطوة قبل إطلاق سراح أسرى الحرب الإسرائيليين. حاول كيسنجر فتح قناة خاصة للتواصل المباشر بين دمشق وواشنطن، قبِل الأسد ونشأت آلية تم من خلالها تبادل الرسائل من خلال مكتب رعاية المصالح في عاصمتي البلدين، وتم أول تواصل في 30 كانون الثاني يناير 1974، حيث نقل سكوتس تقريراً عن نتائج مباحثات كيسنجر مع الإسرائيليين. أُبلغت سوريا مجدداً أن المفاوضات غير ممكنة قبل أن تقدم لائحة بأسماء الأسرى الإسرائيليين لديها وتسمح للصليب الأحمر الدولي بزيارتهم. وبعد أقل من أسبوع أرسل كيسنجر مقترحاً لكسر الجمود حول قضية أسرى الحرب. 
قَبِلَ الأسد بمقترح النقاط الخمس، وبذلك بدأت المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل. وبعد لقاء القمة العربي في الجزائر، جمع الأسد والسادات وبو مدين وفيصل في 12 فبراير شباط 1974، أخذ الأسد يستعد من جهته لمعركة دبلوماسية طويلة وشاقة، بعد أن سُلبت منه أهم ورقتي ضغط في جعبته، ألا وهما الجبهة المصرية والحظر النفطي.

الفصل الرابع: الجولة المكوكية الأولى

في الفصل الرابع، تستعرض الكاتبة الجولة المكوكية التي قام بها كيسنجر في 26 فبراير شباط عام 1974، حيث قام برحلة أسمتها "بالاستكشافية" التي طال انتظارها في الشرق الأوسط. حيث تُعد هذه الرحلة بمثابة الخطة الرسمية الأولى نحو فصل القوات السوري – الإسرائيلي. تنقّل كيسنجر في أقل من أسبوع بين دمشق وتل أبيب والقاهرة، عاقداً سلسلة اجتماعات متتالية مع الأسد والسادات وغولدا مائير. وكان أحد الأهداف الأساسية وراء تلك الرحلة هو حل قضية أسرى الحرب الإسرائيليين بعد الضغوطات التي تعرضت لها مائير بسبب الهجوم العربي المفاجئ.
بدأت المحادثات بدعوة مفاجئة – غير رسمية – من كيسنجر إلى الأسد لزيارة البيت الأبيض، الذي قال ممازحاً إن ذلك من شأنه أن يُحسّن لغة الأسد الإنكليزية.
 وتذكُر شعبان في هذا السياق أن الرئيس الأسد كان يتقن الإنجليزية إلى حدٍ كبير ولكنه كان يرفض الحديث إلا باللغة العربية، لتعزيز هويته العربية. لقد قدم رؤساء أميركا، ابتداءً بكارتر وانتهاءً بكلينتون، مروراً بجورج بوش الأب، دعوات مشابهه للأسد لزيارة الولايات المتحدة، وكان يرفض تلبيتها في جميع المناسبات بكل أدب، تماماً مثلما فعل مع نيكسون وكيسنجر عام 1974.
 وتذكر محاضر الجلسات المنشورة في هذا الكتاب بتاريخ 26 فبراير شباط 1974، أن كيسنجر عرض تصوره للأيام القليلة المقبلة، آملاً أن ينهي الجلسة بسرعة، وقال إنه يريد إعلان تسلّمه قائمة أسماء أسرى الحرب الإسرائيليين في دمشق أولاً. أما حقيقة الأمر أنه تسلّمها عن طريق مكتب المصالح السورية في واشنطن في 20 فبراير شباط. لم يكن كيسنجر ليسافر إلى المنطقة لو لم يحمل تلك القائمة في جيبه، لكن الوقت أصبح مؤاتياً للاستفادة من هذا الامتياز لمصلحة سوريا، حيث وافق الأسد بحماسة. وتابع كيسنجر أنه سيأخذ القائمة ويسافر بها إلى تل أبيب، حيث سيطلب من الإسرائيليين تقديم اقتراح حول فصل القوات مع سوريا، وقال متذمراً "أعلم أنني سأمضي ليلة طويلة في إسرائيل غداً".
في هذه المرحلة دخل عامل جديد إلى الواجهه، وهو وزير الخارجية السوفييتي آندريه غروميكو، الذي أعلن عن طريق اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية نيّة غروميكو القيام بجولة في المنطقة مع وزير خارجية الولايات المتحدة في وقت واحد، ما اعتبره كيسنجر إقحاماً في الدبلوماسية الأميركية الشرق أوسطية، وذهب شاكياً للرئيس الأسد الذي تجنّب بدوره الوقوع في فخّ القوتين العظميين. إذ كان الاتحاد السوفييتي مزوّد الأسلحة الرئيسي لسوريا، كما كان الارتباط الدبلوماسي بالولايات المتحدة الفرصة الأفضل للأسد لاستعادة الأراضي المحتلة.
قبل مغادرة كيسنجر دمشق وتوجهه إلى تل أبيب، أوضح له الأسد أنه إذا كان العرض الإسرائيلي هو التراجع إلى خط السادس من تشرين الأول أكتوبر فقط – خط ما قبل الحرب، فإنه سيرفضه على نحو قاطع، وأن على كيسنجر العودة إلى واشنطن من دون أن يضيع المزيد من وقته في الشرق الأوسط. وأضاف الأسد أن القيادة السورية إذا قبلت التفاوض مع إسرائيل على أساس خط السادس من تشرين الأول أكتوبر، فلن يتفاجأ إذا أشعل شعب سوريا وجيشها ثورة في البلاد، وأطلق الرئيس السوري سلسلة من المواقف المشابهة في وجه كيسنجر ما دعا الأخير إلى تهدئة الأسد، طالباً منه الانتظار ليرى ما يمكن أن ينتزعه الأميركيون من إسرائيل. وأضاف أن على الأسد الانتظار لأنه إذا اخفقت المحادثات فسينجم عن ذلك تجدد القتال، أجاب الأسد بعنف بحسب الرواية "فليكن ذلك إذاً ... إن الشعب السوري يفضّل خوض الحرب على تحقيق السلام على أساس خط السادس من تشرين الأول". وبعدها تقرر أن يسافر كيسنجر إلى إسرائيل ويقدم التفاصيل التي اتفق عليها مع الأسد.

العودة إلى دمشق

في الأول من مارس آذار 1974، عاد كيسنجر إلى دمشق ولم يكن في جعبته أي جديد لإخبار سوريا به، إذ أن غولدا مائير لم تعطِه شيئاً على الإطلاق، وتبين أنه لم يكن قادراً على إعطاء الأسد شيئاً ملموساً. وهنا توضح شعبان أنه من وجهة النظر السورية، لم تكن القضية محصورة في دفع الإسرائيليين أي مسافة وراء خط ما قبل الحرب، لقد رفض الأسد تراجعاً رمزياً، حتى وإن عنى ذلك عودة القنيطرة إلى الإدارة السورية. فضلاً عن ذلك، إن اتفاق فصل القوات لن يكون في مصلحة سوريا، إن لم يوفر ضماناً بعودة أكبر عدد ممكن من المواطنين السوريين النازحين.
وفي الخاتمة، أخفت جولة كيسنجر المكوكية الأولى إلى سورية إخفاقاً تاماً في إحراز أي تقدم بخصوص اتفاق فصل القوات. وتم تقديم بيانات اسمية بالأسرى الإسرائيليين، لكن أمر الإفراج عنهم لم يكن مضموناً. وخسر السادات كل تأثير له في حافظ الأسد الذي لم يستمع إلى الرئيس المصري أو إلى أي من مبعوثيه. لقد نجح كيسنجر في جعل قضية فصل القوات على الجبهة السورية موضوع النقاش، لكن رحلة طويلة كانت تنتظره هو والرئيس السوري قبل التوقيع على الاتفاق نهائياَ.

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 46d8de98-ccc6-4370-92db-cab955894c4f




يتبع ..........

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43636
معدل النشاط : 58294
التقييم : 2407
الدبـــابة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B3337910
الطـــائرة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Dab55510
المروحية :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B97d5910

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 1210

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Best11


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Empty

مُساهمةموضوع: رد: الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر    الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Icon_m10الثلاثاء 29 مايو 2018 - 22:50

الفصل الخامس

امتدت الرحلة المكوكية لوزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر فترة طويلة تخللتها العديد من الأحداث، بينها إرسال حكمت الشهابي رئيس الاستخبارات العسكرية السورية إلى واشنطن والقلق الذي انتاب الإسرائيليون والسوفييت من رؤية ضابط سوري رفيع في زيارة للعاصمة الأميركية، استياء سوفييتي من المقاربة الأميركية أحادية الجانب لعملية السلام في الشرق الأوسط، استقالة غولدا مائير ودخول إسرئيل في معركة تشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي استغله كيسنجر كورقة تفاوضية في دمشق لتبرير التعنت الإسرائيلي لقبول مبادرته للسلام.
 وعد الأسد كيسنجر بأن يأتي الشهابي بمزاج راغب في التعاون، وهذا ما حصل فعلاً، حيث بدا الشهابي هادئاً ومرناً ومبتسماً. وأعاد كيسنجر شرح العرض الذي قدمه وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان، مذكراً الشهابي بالخلافات الحالية في إسرائيل، والضغوط التي يمارسها اللوبي اليهودي في واشنطن. ثم قام الشهابي بشرح الموقف الرسمي السوري، مضيفاً أن بلاده مستعدة لقبول منطقة عازلة تديرها الأمم المتحدة على طرفي الخط الفاصل، ومناطق محدودة السلاح متساوية في المساحة على كلا طرفي خط الفصل، مع بقاء حدود التخفيف مفتوحة للتفاوض. وبناءً على هذا الموقف السوري رد كيسنجر برسالة أرسلها مع الشهابي إلى الرئيس الأسد قال فيها: "إن مبادئ اتفاق محتمل قد بدأت بالتبلور". وأخيراً اتفقت سوريا وإسرائيل على فصل قواتهما، ولم يبقَ على كيسنجر إلا أن يحرك خط الفصل إلى ما وراء خط السادس من تشرين الأول – أكتوبر 1973، الأمر الذي يزعج الإسرائيليين كثيراً.

طريق المفاوضات الطويل

كان على السوريين انتظار تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، وفعلاً أتى اسحاق رابين بسياسيين شبان لا يشاطرون من سبقهم المخاوف الأمنية ذاتها. وُلد فريق جديد في الشرق الأوسط وأعضاؤه أكثر استرخاءً بالتعامل مع محيطهم العربي من غولدا مائير وجيلها من اليهود الأوروبيين، تقول الكاتبة. كان كيسنجر قد التقى ثلث أعضاء وزارة مائير، وهم أولئك الذين وصفهم بالجزء "الذكي" من الوزارة. حينها ابتسم الأسد وأجاب "هذا يعني أن ثلثي أعضاء الوزارة أغبياء، إذن لا عجب أن يكون الطريق إلى بلوغ السلام معهم صعباً جداً".
في هذا الجزء من الحوار بين الأسد وكيسنجر، تذكر الكاتبة تفاصيل تشعرك بالحالة النفسية للمحاورين وتأخذك إلى قصر الروضة الرئاسي الذي وصفته بشكل دقيق في أجزاء الكتاب، مع انقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي وما تلاه من تعليقات أثناء الحوار، حتى أنها ترسم صورة لوجه الرئيس الأسد وتوصف جلسته وغضبه أو تبسمه في حالات معينة هو وضيفه الأميركي. هذه التفاصيل تُشعر القارئ كما لو أنه موجود معهم في ذات الجلسة، خاصة في الجزء الذي عرض فيه كيسنجر خريطة جاء بها من إسرائيل، وقال للأسد: "أخشى إن رأيتم ما عرضه الإسرائيليون، أن تقوموا الليلة بإطلاق ثمانية آلاف طلقة على مواقع إسرائيلية بدلاً من أربعة آلاف". حينها تقول الكاتبة، ضحك الأسد والتفت إلى كيسنجر قائلاً: "من الآن فصاعداً، أنا لن أقبل بمترٍ واحدٍ أقل من الخط الذي قمت بتحديده، ولا أوجه هذه الكلمات لك، بل هي رأيي بكل صراحة، لن أقبل بمتر واحد دون الخط الذي حددته، ولن نسمح للإسرائيليين بالاستمرار بالاستهانة بنا على هذا النحو، ويبدو أننا اخطأنا فهمهم مرة أخرى، الحقيقة هي أنهم قوة عدوانية توسعية في المنطقة وهذه طبيعتهم، ويرفضون تعلّم دروسٍ يستفيدون منها، وفي رأيي ليس هذا غريباً عليك دكتور كيسنجر، وأنا أخبرتك بذلك في أول لقاء بيننا حين قلت لك: إننا لن نتنازل عن حقنا في بوصة واحدة من أرضنا ولو وجب علينا أن نخوض 200 حرب".

عرض القنيطرة

إن حالة التوتر التي عاشها كيسنجر وهو يتنقل بين القاهرة ودمشق وتل أبيب، محاولاً صنع جديد في محادثاته، وتمكن من انتزاع عرض إسرائيلي جديدٍ للأسد، يقضي بانتقال الخط الدفاعي الإسرائيلي غرب القنيطرة، بينما يُعاد نصف المدينة إلى السيطرة السورية، ويبقى النصف الثاني تحت إشراف بين إسرائيل والأمم المتحدة. وراح يشرح كيسنجر للرئيس الأسد بحضور العميد حكمت الشهابي مدى التعنت الإسرائيلي والحرس الإسرائيلي القديم، وحجم الصعوبات التي واجهته في المفاوضات وعدداً من النقاط كمقدمة قبل تقديمه عرض القنيطرة.
 وحاول كيسنجر جلب الشهابي إلى صفه من خلال أخذ شهادة منه كونه يعرف أميركا جيداً، لكن الشهابي لم يُجب بكلمة، إذ لم يشأ أن يساعد الأميركيين على إقناع قائده، تقول شعبان. هنا قاطع الأسد الحديث قائلاً بهزء وصلابة: "معنى ذلك أن ليس هنالك ما يُسرّ". عندها أخرج كيسنجر من حقيبته خريطة جديدة وبدأ يشرح عليها، واعداً بمزيد من التراجع الإسرائيلي إلى ما وراء الخط الذي كانوا عليه في السادس من تشرين الأول -أكتوبر، وأبلغهم بموافقة إسرائيل على إعادة القنيطرة بأكملها. عند ذلك تذكُرُ الرواية أن الأسد رد على كيسنجر قائلاً: "هم لم يتراجعوا خلف خط السادس من تشرين الأول، لا توجد خطوط فصل متوازية، وسيؤدي المخطط الحالي إلى مزيد من تدخل القوات، لا فصلها، يحافظون على نقاط قاموا باحتلالها بعد وقف إطلاق النار في 22 تشرين الأول، ولم يكن لهم قبل ذلك التاريخ أي وجود على جبل الشيخ، تكمن أهمية القنيطرة في عودة سكانها إليها، وإن لم يحصل ذلك فالأفضل من ناحية عسكرية ألا تستعيد سورية هذه المدينة".

الخلاف حول التلال

هنا تذكر محاضر الجلسات أن كيسنجر وضع على طاولة المفاوضات مع الأسد خريطة مصوّرة للقنيطرة، أُخذت من طائرة تجسس أميركية، حينها نظر الأسد إلى الخريطة قائلاً: "هُم الإسرائيليون باقون في المرصد على جبل الشيخ وهنا على التلال". بدا من الواضح أن الإسرائيليين لن يتخلوا عن التلال غرب القنيطرة مما دفع الأسد إلى تأكيد وجوب عودة التلال المحيطة بالقنيطرة إلى سوريا، وإلا "فالقنيطرة لا تساوي شيئاً".
 الحديث وصل إلى رئيسة الوزراء المستقيلة غولدا مائير التي التقاها كيسنجر في 13 أيار مايو 1974، والتي ثارت ثورتها قائلة: "لا يستحق الأسد أن يحصل على ما يريد". ولم تقبل مائير أكثر من إجراء تعديلات بسيطة على العرض الإسرائيلي لفصل القوات. 
عاد كيسنجر إلى دمشق في 14 أيار مايو 1974 ليقدم الخريطة الجديدة، مضيفاً إليها عرضاً أميركياً جديداً بإعادة إعمار القنيطرة، لم يرد الأسد بعد أن شعر أن محاوريه بدأو يليّنون الموقف، حينها سأل عن مصير قريتي مَسعدَة ومجدل شمس المأهولتين في الجولان المحتل، أجاب كيسنجر أن الإسرائيليين يرفضون التفاوض بشأن هاتين القريتين. ودار الحديث بعدها عن مرصد جبل الشيخ الذي سيطرت عليه القوات السورية في الساعات الأولى للحرب، حينها أبلغ الوزير الأميركي الأسد حرفياً "أن الإسرائيليين ليسوا مستعدين لإعادة المرصد احتراماً للقرار 338" برغم أنهم سيطروا عليه بعد ساعات من سريان قرار وقف إطلاق النار في 22 تشرين الأول.
في ظل التعقيدات الحاصلة، أبدى الرئيس السوري استعداده للتخلي عن المسار السياسي، مقترحاً انتقال المباحثات إلى اللجنة العسكرية المصرية – الإسرائيلية في جنيف. بدت العملية التفاوضية وكأنها على وشك الانهيار برمتها، وانتهى اللقاء بين كيسنجر والأسد كما يلي: قال كيسنجر: إن لم أستطع أن أصل إلى نتيجة ناجحة، كيف يمكن أن استمر برحلتي هذه، هل نعلّق الجهود والمباحثات بضعة أسابيع بغية إعطاء فرصة للطرفين للنظر بعمق في هذه النقاط". أجابه الأسد: "نعم".
 
الفصل السادس : رسم الخطوط
 
بدأت الكاتبة في الفصل السادس من الكتاب حديثها عن عملية معالوت في الخامس عشر من أيار مايو 1974، حينما هاجمت مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين مدرسة فيي مستوطنة معالوت شمال فلسطين المحتلة، نتج عنها احتجاز تسعين طفلاً وأربعة مدرسين رهائن وقتل 25 إسرائيلياً، مما دعا الإسرائيليين للرد بقصف أهداف في جنوب لبنان ذهب ضحيتها عشرات المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين. 
هذه العملية أثارت قلق كيسنجر الذي خشي على مبادرته للسلام، فأبرق للرئيس الأسد طالباً إليه إبعاد نفسه عن الحادثة بأكملها، فرد عليه الأسد أنه لم يكن على علم مسبق بهذه العملية. ولم يُرِد كلا الرجلين أن تؤثر هذه الحادثة في مسار مفاوضات فصل القوات.
 تُطلعنا الوثائق المنشورة في الكتاب قيام كيسنجر بإطلاع الأسد على مجموعة من التعليمات السرية كان قد تلقاها من الرئيس نيكسون، التي من شأن فضحها أن يُحدث خرقاً كبيراً بالأمن القومي، بحسب كيسنجر. حينها ابتسم الأسد وأصغى إلى ضيفه باهتمام حيث كان من ضمن ما قاله نيكسون لوزير خارجيته هو أن عليه طمأنة سوريا بأن فصل القوات سيؤلف خطوة أولى باتجاه "سلام عادل ودائم". وبدت هذه العبارة بالغة الأهمية للرئيس السوري، فطلب من مترجمه أسعد إلياس تكرارها، "سلام عادل ودائم". لقد كان نيكسون يُعيد الجملة التي أطلقها الأسد في اجتماعه الأول مع كيسنجر في كانون الأول ديسمبر 1973. وبدأ كيسنجر بعرض مجموعة العوامل التي ربما تعوق التوصل إلى تسوية في المنطقة، ومضى بشرح تفاصيل العرض الأميركي. لم يصدق الأسد أن الإسرائيليين ما زالوا مستمرين بالتشبث بأمتار قليلة قائلاً: "إذا كانوا يتصرفون هكذا في المرحلة الأولى، فكيف سيتصرفون عندما سنحاول التوصل إلى السلام أو إلى حل القضية الفلسطينية، من المستحيل التعامل معهم، مضيفاً أن الشعب السوري وحكومته لا يقبلان هذا العرض، فلا يكفي اتخاذ خطوة أولى بغض النظر عن شكلها، بل يجب وجود ضمانة لما سيتبعها".
تذكر الكاتبة أنه تم استدعاء كل من وزير الدفاع مصطفى طلاس ورئيس الأركان يوسف شكور إلى غرفة الاجتماعات. كما تم استعراض الخرائط ونصوص قرارات مجلس الأمن ذات الصلة (242، 338، 339، 340). استمر الاجتماع مدة ثماني ساعات وصفتها شعبان بالمرهقة، حتى خرقتها أصوات طلقات نارية أصابت كيسنجر بالرعب. سارع الأسد لشرح ما حصل: "لدينا لجان شعبية تقوم بدوريات ليلية، وتطلق أحياناً رصاصات تحذيرية في الهواء، ولكن لا أحد يجرؤ على إطلاق النار باتجاه هذا المكان".

تغيير قواعد اللعبة

ومثلما توقع كيسنجر، رفض الإسرائيليون التخلي عن التلال، التي هي موضع الخلاف، إلى طرف ثالث. وبدلاً من ذلك تعهدوا بألا يضعوا أي أسلحة على القمم يمكنها إطلاق النار مباشرة على القنيطرة. عدّ الأسد العرض الإسرائيلي الجديد سخيفاً ووقحاً، غير أنه اتخذ قراراً وصفته الكاتبة بالشجاع والحاسم قائلاً: "إذا كان موضوع التلال خطوة تساعد في قضية السلام، فيمكننا أن نتجاوزه، مع أننا لسنا متفائلين جداً بتصرفات إسرائيل على المدى البعيد". 
اندهش كيسنجر من موقف الأسد قائلاً: "أؤكد لكم فخامة الرئيس أننا إذا نجحنا الآن في هذه المرحلة فلا بد أن تلتزم الولايات المتحدة بأن يكون هذا الإنجاز مجرد خطوة أولى". كان على كيسنجر إنهاء المفاوضات قبل موعد تشكيل الحكومة الجديدة في إسرئيل في 24 أيار مايو، وعليه توجه مباشرة إلى تل أبيب للقاء أعضاء الحكومة المغادرة ووضع خط الفصل النهائي قبل مناقشة تخفيف السلاح.  وبعد مضي 21 يوماً على جولاته المكوكية، اقترب كيسنجر كثيراً من الاتفاق المرجو، مما دفعه إلى طلب أمر خاص من الرئيس السوري: "كل ما أطلبه إذا نجحنا هو أن أزور مدينة تدمر".
أبرق كيسنجر إلى نيكسون مطمئناً بأن الأرضية أصبحت جاهزة للتوصل إلى اتفاق فصل القوات السورية عن القوات الإسرائيلية، وأن القضية الأساس الآن هي وضع تعريف للمنطقة منزوعة السلاح (المنطقة العازلة) ولمناطق تخفيف السلاح على جانبي الخط. وعند ذلك أصبح الخط الذي سينسحب إليه الإسرائيليون معروفاً بـ"الخط الأزرق"، على حين عُرف الخط الذي وقف عنده السوريون بـ"الخط الأحمر". وغدت المنطقة بينهما منطقة عازلة منزوعة السلاح.
 وفي اجتماعات لاحقة بينما كان الطرفان يراجعان نص اتفاق فصل القوات، أثار مصطلح "القوات شبه العسكرية" قضية الفدائيين الفلسطينيين، حينها تُظهر الوثائق أن الرئيس الأسد احتج بشدة قائلاً: "نحن مسؤولون فقط عن الجيش السوري، ولا يمكن تضمين الفلسطينيين في الاتفاق". وأصرّ أنه لا وجود لحالكم عربي يمكنه منع الفدائيين من القيام بعمليات ضد إسرائيل، وأضاف أنه يرفض الوقوف حارساً لإسرائيل أو أن يقف في وجه الفلسطينيين، وأنه في لبنان كلما ضربت الدولة الفدائيين، ازداد الدعم الشعبي لهم". وذكّر الأسد كيسنجر أن سوريا على مرمى حجر من فلسطين، ويسكن فيها أكثر من مليون لاجئ فلسطيني. لا يستطيع الأسد أن يلتزم بما التزم به السادات، فصحراء سيناء تمثّل حاجزاً عمقه 300 كيلومتر بين فلسطين ومصر، ثم إنه لا يوجد عدد كبير من الفلسطينيين في مصر.
إضافة إلى ما سبق تذكر الكاتبة إصرار الرئيس الأسد على أن يتضمن أي اتفاق بنداً خاصاً حول الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، إذ أنه أراد تحرير كل من قاتل على الجبهة السورية في تشرين الأول، إضافة إلى من تطوع مع الفدائيين بعد عام 1967، في عملية تبادل الأسرى التي ستأتي بعد الاتفاق. كما طالب بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من عرب 1948 القابعين في السجون الإسرائيلية. وقد وعد كيسنجر أن ينقل هذه المطالب إلى الإسرائيليين، وطلب مقابل ذلك مساعدة الأسد على إطلاق سراح طيارين إسرائيليين محتجزين في لبنان، ووعده الرئيس السوري بالمحاولة. تتابع الكاتبة في هذا الجزء من الكتاب عرض وثائق ومحاضر اجتماعات الأسد كيسنجر حيث لم تثمر المفاوضات أي نتائج جديدة، في ظل التعنت الإسرائيلي والإصرار السوري، وكان الخلاف يدور حول خطوط الفصل والمناطق العازلة.
في الثالث والعشرين من أيار مايو عام 1974، وصل كيسنجر إلى دمشق وبحوزته تنازلات إسرائيلية مهمة. تقول بثينة شعبان إن بصمات ريتشارد نيكسون جليّة عليها، إذ ضغط على غولدا مائير كثيراً طالباً منها إظهار المرونة كي لا تنهار المحادثات حول الجبهة السورية. في المقابل قابل الأسد حُسن النية الأميركية بالإيجاب، ووافق على أن تتضمن منطقة تخفيض السلاح الأولى (أي العشرة كيلومترات الأولى بعد خط الفصل) 6000 جندي، و75 دبابة، و36 قطعة مدفعية صغيرة المدى، وطلب إعادة رسم بعض نقاط خط الفصل الخلافية. وعلى الرغم من ذلك، ظهرت خلافات جديدة حول نوعية المدافع التي ستضعها سوريا في هذه المنطقة وعددها.
بعد مفاوضات طويلة وافقت إسرائيل على كل المطالب السورية المرتبطة بمناطق التخفيف، بما في ذلك تلك المنطقة المتعلقة بدمشق ومدافع الـ 122 ميليمتراً، كما وافقت على وضع 1250 مراقباً أممياً في المنطقة العازلة، بعد أن كانت قد طالبت بـ7000 جندي حفظ سلام في بادئ الأمر. رحب الأسد بهذه التنازلات بحذر من دون أن تبدو ملامح الارتياح على وجهه، برغم كل ما قدم من تنازلات يشهد على مهاراته التفاوضية، تقول شعبان.

عيد ميلاد حزين لكيسنجر

صادف وجود كيسنجر يوم 27 أيار مايو 1974 في دمشق ، حيث اضطر إلى قضاء الساعات الأولى من عامه الحادي والخمسين وهو يخوض مفاوضات سياسية صعبة مع الرئيس السوري، بحضور مساعده بيتر رودمان ومترجمه عيسى الصباغ. في تلك الفترة لم يكن في بال الأسد سوى "رسالة نيكسون" التي سيبثها البيت الأبيض عند إتمام اتفاق فصل القوات، ويؤكد من خلالها التزام الولايات المتحدة بالمرحلة التالية من عملية السلام، وخاصة تطبيق قرار مجلس الأمن 338. وفي صبيحة اليوم التالي، تقول الكاتبة إن كيسنجر استفاق ليرى فريقه قد أعد له حفلة عيد ميلاد مفاجئة في قصر الروضة، كانت تلك اللحظات أسعد أوقات كيسنجر.
في ذلك اليوم، توجه إلى عقد الاجتماع الذي "ظنه" الاجتماع الاخير مع الرئيس الأسد. جرى اللقاء بين الرجلين كما كان متوقعاً واحتج الأسد على مطالب إسرائيل المستحيلة حول ترسيم الخط الأحمر. حينها لم تبقَ لدى كيسنجر أي قدرة على المقاومة قائلاً: "راجعت نفسي وأنا أفكر البارحة ليلاً وانتهيت إلى استنتاج أن لا وجود لحل. إن الظروف غير مؤاتية للتوصّل إلى اتفاق على بعض النقاط". وافق الأسد على ذلك، وبدأ التفكير كيف يمكن نقل الخبر السيء إلى الصحافيين المحتشدين خارج قصر الروضة. إن خبراً كهذا أسمته شعبان "بالقنبلة السياسية" يعني أن الرئيس نيكسون لن يستطيع زيارة الشرق الأوسط، وخاصة بعد الإخفاق الذريع للسياسة المكوكية لوزير خارجيته. ولكن الأسد أشار إلى أن دمشق ترحب بزيارته إن تم التوصل إلى اتفاق أو لم يتم، وأكد أن أي زيارة لأي مبعوث سوري للولايات المتحدة في المستقبل، ستكون في سبيل بحث تطوير العلاقات السورية – الأميركية الثنائية، ولا شيء غير ذلك.
مع ذلك، عاد الفريق الأميركي إلى قصر الضيافة للتشاور في اليوم التالي، حيث أضاف كيسنجر شرطاً مهماً إلى الاتفاق ينص على أنه مع تحريك الخط الأحمر وخروج تلال سوريا من المنطقة العازلة، فإن الولايات المتحدة سترسل إلى إسرائيل رسالة تضمن فيها أن سوريا لن تضع أسلحة على قمم تلك التلال التي تقع الآن خلف الخط المعدّل، ويمكن منها إطلاق النار مباشرة باتجاه المواقع الإسرائيلية، وهذا يماثل أيضاً الضمانة التي تلقتها سوريا بخصوص التلال المسيطر عليها إسرائيلياً غرب القنيطرة.
 هنا لم يكن للأسد أي اعتراضات. كان كيسنجر قد خطط للقاء مجلس الوزراء الإسرائيلي للمصادقة على النصوص النهائية، ولكن عرقلة جديدة قديمة ظهرت من جديد، وصلت الفرق التفاوضية إلى البند الأخير في الاتفاق، حيث طالبت إسرائيل كيسنجر أن لا تنشر سوريا أكثر من 75 شرطياً في المنطقة العازلة، بما فيها مدينة القنيطرة. رفض الأسد وضباطه هذا الطلب نهائياً، فالمنطقة العازلة ضمن السيادة السورية، وللحكومة السورية الحق في نشر العدد الذي تراه مناسباً من رجال الشرطة فيها. وعرض الأسد بقبول حدٍ معينٍ في عدد الشرطة في القنيطرة شرط أن تقبل إسرائيل بالحدِّ نفسه من عدد رجال الشرطة في مدينة طبريا الواقعة على المقلب الآخر من مرتفعات الجولان. ولكن لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق.
في ذلك الوقت كانت طائرة الوزير السوفييتي آندريه غروميكو على وشك الهبوط في مطار دمشق، غادر موكب كيسنجر قصر الروضة على وجه السرعة، ماراً بموكب غروميكو على الطريق الواصل إلى مطار دمشق الدولي. تقول شعبان: "كانت لحظة معبّرة جداً، ففي ظل قيادة حافظ الأسد، غدت سورية في قلب سياسات القوتين العظميين، وأصبحت قوة إقليمية يُحسب حسابها".
عاد كيسنجر في اليوم التالي إلى دمشق في 28 أيار مايو 1974، بعد أن طلبت منه غولدا مائير أن يحاول مرة أخيرة انتزاع ضمانة من الرئيس السوري بمنع نشاط الفدائيين الفلسطينيين العسكري في مرتفعات الجولان. ولكن الأسد رفض قطعياً ذلك، كما توقع كيسنجر، لكنه سمح لكيسنجر أن يرسل للإسرائيليين رسالة يضمن فيها أن الولايات المتحدة الأميركية ستعدُّ أي هجوم فلسطيني خرقاً لوقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان.
 هنا تقول شعبان إنه لم يبقَ للأميركيين أي أوراق ليلعبوها، ولم يكن لدى مجلس الوزراء الإسرائيلي خيار سوى الموافقة على الاتفاق كما هو. وعليه، وفي الساعة الثامنة مساء بتوقيت دمشق من يوم الأربعاء الواقع في 29 أيار مايو 1974، أعلن الرئيس نيكسون للعالم أجمع، أنه تم التوصل إلى اتفاق لفصل القوات بين سوريا وإسرائيل. وبعد يومين وقّع العميد حكمت الشهابي على نص الاتفاقية نيابة عن سوريا خلال اجتماع للجنة العمل العسكرية المصرية – الإسرائيلية في جنيف. وفي الأيام التي تلت التوقيع انسحبت قوات الاحتلال من مدينة القنيطرة بعد أن دمرتها بالكامل.
 في الرابع والعشرين من حزيران يونيو 1974، قام الرئيس حافظ الأسد، محاطاً بالآلاف من المواطنين السوريين، مرتدياً اللباس العسكري الميداني، لا يميّزه عن أي جندي على خط الجبهة سوى رتبة الفريق على كتفيه، برفع العلم السوري في سماء مدينة القنيطرة المحررة، مذكراً أبناء بلده والعالم بأن: "إرادة الشعب لا يمكن أن تُقهر، وأن الوطن فوق كل شيء، وأن علينا أن نستمر في الإعداد لطرد العدو من كل شبر من أرضنا العربية المحتلة، وأنه متفائل بالنصر ومتفائل بالمستقبل، وواثق أنه ما من قوة على وجه الأرض تستطيع أن تمنعنا من استرجاع حقوقنا كاملة".
 
نيكسون في دمشق

في سابقة هي الأولى من نوعها، هبطت الطائرة الأميركية "سبيريت اوف 76" في مطار دمشق الدولي بعد ظهر يوم 15 حزيران يونيو 1974، حاملة على متنها الرئيس الأميركي السابع والثلاثين ريتشارد نيكسون وعقيلته بات راين نيكسون. استقبله الرئيس حافظ الأسد وعقيلته السيدة أنيسة مخلوف الأسد على مدرج المطار، حيث فُرش السجاد الأحمر ونشرت الأعلام الأميركية في شوارع دمشق، ليصبح بذلك أول رئيس أميركي يزور العاصمة السورية دمشق.


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B7c1fd7d-88d6-48e6-bd6a-0c9068a61faf


 كانت زيارة نيكسون إلى المنطقة تتمحور حول موضوع فصل القوات على الجبهتين السورية والمصرية، بيد أنه وكيسنجر ترقّبا تحديات جسيمة في المرحلة المقبلة من عملية السلام، تلّخصت بمطالبة العرب بانسحاب إسرائيلي شامل وبحلِّ القضية الفلسطينية. 
وفي 18 حزيران يونيو، وبعد أسبوعين من نهاية المفاوضات على الجبهة السورية، وصل نيكسون إلى مصر حيث استقُبل بحفاوة كبيرة، أراد من خلالها السادات أن يثبت للأميركيين والسوفييت على حد سواء، أن توجه مصر الجديد يحوز الدعم الشعبي. وتمثّلت ذروة الزيارة إلى مصر في توقيع اتفاقيات للتعاون الثنائي شملت المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والثقافية.
في تلك الفترة كان نيكسون يتعرض لحملة تهدف إلى خلعه من منصبه رئيساً للولايات المتحدة في الكونغرس، عقب فضيحة ووترغيت، فقد رغب أن تكون زيارته الشرق أوسطية أكثر من مجرد احتفال، كما أراد لها أن تكون ذات بُعد تاريخي تُخفف عنه عبء الحملة التي يتعرض لها في بلاده سواء من الكونغرس أو الصحافة، ولكن هذه التمنيات كانت بلا جدوى تقول شعبان، فقد استقال نيكسون من منصبه بعد أسابيع قليلة من زيارة الشرق الأوسط.
ف
ي مكتب الأسد

تقول الوثائق إن الرئيس الأميركي دخل مباشرة خلال اجتماعه مع الرئيس الأسد، في عرضٍ للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مشابهاً لما سمعه الأسد مراراً من كيسنجر. بدأ نيكسون بالتفاخر بالإنجاز الذي تحقق بوساطة أميركية في إشارة لفصل القوات السورية – الإسرائيلية، مكرراً كلام وزيره لناحية الرغبة بإقامة علاقات طيبة مع سوريا وسعي الولايات المتحدة إلى تغيير صورة العرب لدى الرأي العام الأميركي. 
اعتقد كيسنجر ونيكسون أنهما تجاوزا المرحلة الأصعب، وعرضا على الأسد قراءة البيان المتعلق بالشرق الأوسط الذي يعتزم الرئيس الأميركي والقائد السوفييتي بريجينيف الإدلاء به عقب قمتهما المزمع عقدها في موسكو بعد أسبوعين. هنا وجد الأسد نفسه مرة أخرى مضطراً إلى مناقشة سياسات القوى العظمى، وقرر إيضاح موقفه. كان الأسد يمدح علاقات بلاده بالإتحاد السوفييتي، فالروس قدموا لسوريا السلاح والدعم الإقتصادي، ومع ذلك فسياسات سوريا مبنية على مصالحها القومية العربية العليا، ويضيف: "كما قلت للدكتور كيسنجر من قبل، لا أحد يُملي علينا سياستنا، لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفييتي".
في هذه المرحلة التي أطلقت عليها الكاتبة إسم "إعادة بناء الجسور" تعود بنا شعبان إلى الخطاب التاريخي للأسد أمام قصر الروضة، مرحباً بعودة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والولايات المتحدة بعد قطيعة دامت سبع سنوات، قابل نيكسون هذه الإيجابية بالمثل، خاتماً خطابه بدعوة الرئيس الأسد لزيارة واشنطن، لكن الأسد لم يرد على الدعوة أمام الصحافيين ولا عندما عاد إلى مكتبه. فقد أبقى الرئيس السوري محضر الاجتماع مع نيكسون على مكتبه ثلاثة عقود، كذكرى متميّزة للحظة مهمة في تاريخ سوريا، ولتذكره بخداع أميركا والطريق الصعب الذي وجب عليه خوضه نحو سلام بدا دوماً بعيد المنال.
تختم الكاتبة هذا الجزء بالقول: "بعد مضي سبعة عشر عاماً على قمة دمشق التي جمعت حافظ الأسد ونيكسون، عاد الأسد مجدداً ليكون لاعباً محورياً في دبلوماسية السلام الإقليمية والدولية. فبعد أيام من انتهاء حرب الخليج، سارع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر لزيارة دمشق بغرض التحضير لعقد مؤتمر سلام آخر بين العرب وإسرائيل، وهذه المرة في مدريد. لم يتغير النص كثيراً ولا اللاعبون كما يظهر محضر اجتماع الأسد بيكر في 23 نيسان(أبريل) 1991، إذ قال الأسد لبيكر: "كان نيكسون جالساً هنا في مكانك، والدكتور كيسنجر كان جالساً هنا مكان جمال هلال – المترجم، لقد خضنا نقاشات رائعة، وبعد جدال طويل، أقنعنا نيكسون وخرج من الاجتماع مؤيداً للموقف السوري. إنه شخص صادق مع نفسه ويحترم قناعاته. وقد أصدرنا بعد لقائنا تصريحاً يقول إن آراءه متوافقة مع ما قالته الأمم المتحدة حول النزاع العربي – الإسرائيلي. ثم عاد إلى الولايات المتحدة وتفجرت فضيحة ووترغيت، وفجأة اختفى نيكسون. كانت هناك حملة سريعة ضده، ونحن نعتقد أن هذا الأمر كان متعلقاً إلى حد بعيد بموقفه تجاه السلام في المنطقة".

سلام ولد ميتاً

تستعرض الكاتبة في هذا الجزء ظروف استقالة نيكسون من رئاسة الولايات المتحدة في آب أغسطس 1974، وتولي جيرالد فورد المنصب. كان الأسد يعتقد أن الإطاحة بنيكسون كان نتيجة موافقته على تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي بناء على قراري مجلس الأمن 242 و338، اللذين ينصان على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة كافة. طمأن كيسنجر أن قبضته على الدبلوماسية الأميركية ستتعزز سواء في الشرق الأوسط أو في غيره. ورأى أن الخطوة التالية يجب أن تكون في الضفة الغربية بين الأردن وإسرائيل، تماشياً مع استراتيجية عقد سلام منفصل مع كل بلد على حدة. 
فبعد أن أنجز كيسنجر فصل القوات على الجبهتين المصرية والسورية، وجد أن الخطوة المنطقية التالية للدبلوماسية الأميركية هي إنجاز اتفاق فصل قوات بين إسرائيل والملك الأردني حسين في الضفة الغربية، قبل انجاز اتفاق ثانٍ في سيناء. غير أن مفهوم فصل القوات الذي طُبق على الجبهتين المصرية والسورية لم يكن يُطبق على الحالة الأردنية، التي لم يحصل قتال على طول جبهتها خلال حرب تشرين الأول أكتوبر. تعرّج شعبان في هذه الأوقات على زيارات كيسنجر إلى دمشق ورسائل الرئيس الأميركي الجديد إلى الأسد حول استعداد الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات جديدة على المسار السوري، والتي اعتبرها الأسد رسائل غامضة، وصولاً إلى القمة العربية في الرباط.

قمة الرباط

تصف الكاتبة قمة الرباط، التي عُقدت في 24 تشرين الأول أكتوبر 1974، بالمفصلية والهامة في التاريخ العربي المعاصر، حيث اعترف القادة العرب فيها بالإجماع بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. ولم يشذّ عن هذا الإجماع إلا الملك حسين، ولكنه فشل في إبداء أي مقاومة جادة، تقول شعبان. وبعد أسبوعين، اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني، وتم إعطاؤها صفة المراقب.
 احتفل ياسر عرفات بهذا الإنجاز غير المسبوق بخطاب مطول أمام المشاركين في الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة، مما أثار سخط كيسنجر ورابين والملك حسين. وكذلك رفض القادة العرب المجتمعون في الرباط رفضاً باتاً أي محاولات لعقد اتفاقات ثنائية بين أي دولة عربية وإسرائيل، وأكدوا التزامهم بالتسوية الشاملة في المنطقة وتطبيق قراري مجلس الأمن 242 و338. بقي السادات صامتاً ولم يعترض على هذا الإجماع، على حين احتفل الأسد بهذا النصر السياسي، إذ تبنّى العرب مجتمعين الموقف السوري تجاه عملية السلام، وأصبح هذا هو الموقف العربي الرسمي.


يتبع ........

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43636
معدل النشاط : 58294
التقييم : 2407
الدبـــابة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B3337910
الطـــائرة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Dab55510
المروحية :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B97d5910

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 1210

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Best11


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Empty

مُساهمةموضوع: رد: الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر    الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Icon_m10الثلاثاء 29 مايو 2018 - 23:17

مع حلول نهاية عام 1975، أدرك حافظ الأسد أنه بحاجة إلى مبادرة جريئة تكسر الجمود الحاصل في لبنان، فقام بدعوة رئيس حزب الكتائب بيار الجميل إلى دمشق لأنه رأى أنه لا يمكن نجاح حل سياسي من دون "الجبهة اللبنانية" وحزب الكتائب اللبنانية.


دبلوماسية الفشل
 
بعد مضي أربعة أشهر على قمة الرباط، عاد كيسنجر إلى الشرق الأوسط في آذار مارس 1975، بهدف التوصل إلى اتفاقٍ ثانٍ لفصل القوات بين مصر وإسرائيل. كما كان استرضاء الأسد الهدف الثاني من حيث الأهمية على لائحة أهداف كيسنجر، لأن التوصل إلى اتفاق ثانٍ لفصل القوات بين مصر وإسرائيل مع الضغط السعودي السوري على مصر لإنجاز خطوة موازية في الجولان، بدا بالأمر المستحيل.
 وعندما جلس الرجلان لبدء اجتماعهما في التاسع من آذار، بدأ الأسد بالتلويح بالحرب، حيث أثبتت الأحداث التي تلت حرب تشرين الأول 1973 أن العمل العسكري هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي.
تضيف الكاتبة أن كيسنجر فشل فشلاً ذريعاً في محاولة استرضاء الأسد، إذا قال للرئيس السوري بما أن عام 1976 هو عام انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة، فلن تستطيع إدارة فورد تحقيق أي شئ على الجبهة السورية، وهذا يعني أنه لن يحصل انسحاب إسرائيلي من مرتفعات الجولان خلال السنتين المقبلتين. عندها توقف الأسد عن التلميح بالحرب وغدا يهدد بها مباشرة: "لهذا قلت لإخواننا العرب إن علينا أن نسخّن الجبهات ونبدأ حرب استنزاف". وينشر هذا الكتاب محضر اجتماع الأسد كيسنجر بتاريخ 29 آذار مارس 1975، الذي قدم فيه كيسنجر عرضاً مفاجأً للأسد وأطلعه على حديث سري جداً دار بينه وبين إسحق رابين، الذي أظهر فيه الأخير تذمره من القرار الإسرائيلي ببناء مستوطنات في مرتفعات الجولان. وأضاف أن فصل القوات لم يحل أياً من المشكلات العالقة بين سوريا وإسرائيل، حيث اقترح رابين القيام بخطوة نحو السلام مع سوريا من خلال اعتراف إسرائيل بحدود عام 1967، ثم الانسحاب إلى خط دفاعي جديد لعموم الإسرائيليين الذين يخشون دوماً من بقاء سهل الحولة معرضاً للهجمات.
كان الرئيس الأسد في هذه المرحلة يبحث عن شريك جديد بديل لمصر المرتقب خروجها من معادلة الصراع مع إسرائيل. لم يستطع التحالف مع العراق، جاره البعثي الغني بالنفط، لأنه لم يستجب لدعوته، فقد عمّق الخلاف حول مضي سوريا في فصل القوات الانقسام القديم بين دمشق وبغداد، وبدلاً من أن يتحدا في مواجهة السادات، نشبت حرب إعلامية وسياسية بين الطرفين سواء في الإذاعات أو في غرف الاجتماعات. وعليه تطلع الأسد إلى تعديل موازين القوى عن طريق تشكيل تكتل جديد في بلاد الشام جمع مكونات سوريا الطبيعية، كما أسمتها شعبان، أي سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، في حلف سياسي وعسكري. واختار الأسد أن يبدأ بمنظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
في الخامس والعشرين من آذار عام 1975، وبعد ثلاثة أيام من تعليق كيسنجر المفاوضات ومغادرته المنطقة، أقدم أحد أفراد العائلة المالكة السعودية، تقول شعبان ادُّعي أنه يعاني خللاً عقلياً، على اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود. وبعد أسبوعين، أي في الثالث عشر من نيسان أبريل، دوّت في شوارع بيروت الرصاصات الأولى في صراع أهلي دموي غرق فيه طرفان أساسيان ألا وهما لبنان المنقسم على ذاته ومنظمة التحرير الفلسطينية.

سيناء 2

في هذا الجزء من الكتاب تتحدث الكاتبة عن إعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، التي شرعت إدارة فورد بها عقب فشل جولة كيسنجر الأخيرة. ولكن هذه العملية وصفها كيسنجر بالمسرحية، إذ لم يكن هناك شيء لإعادة تقييمه، حيث كانت الخيارات إما العودة إلى مؤتمر جنيف والذي تشارك أميركا رئاسته مع الإتحاد السوفييتي، وإما أن تفرض الولايات المتحدة تسوية شاملة على إسرائيل، أو انسحاب أميركي من العملية السلمية، أو المضي في استراتيجية الخطوة – خطوة. ويبدو أن الخيار الأخير كان في المقدمة. وبدأت اللقاءات المصرية الأميركية، وأنجز كيسنجر اتفاقاً ثنائياً جديداً بين مصر وإسرائيل سُمي بـ"اتفاق سيناء المرحلي" أو ما يعرف اختصراً بـ"سيناء 2".
نص الاتفاق على انسحاب إسرائيلي إلى ممرّي الجدي ومتلا في عمق شبه جزيرة سيناء، مع إنشاء منطقة عازلة تخضع لرقابة الامم المتحدة في مناطق الإنسحاب الإسرائيلي، وعودة المنطقة العازلة التي أنشأها اتفاق فصل القوات الأول إلى السيادة المصرية، وكذلك على بعض الإجراءات اللوجستية بين مصر وإسرائيل. أراد الاتفاق تسوية شاملة تتوافق مع قرار مجلس الأمن 338، لكنه لم يذكر مرتفعات الجولان المحتلة ولا القضية الفلسطينية على الإطلاق. وتذكر شعبان أهم  ما ورد ضمن صفقة سيناء 2 من الجانب المصري هو الضمانة المكتوبة التي تلقاها كيسنجر من السادات بأنه في حال هجوم سوري على إسرائيل، أو في حال اندلاع حرب استنزاف تبدأها سوريا، فإن مصر لن تشارك في القتال. وأعلمت الولايات المتحدة السادات، أنه في حال قيام سورية بأعمال عسكرية أو شبه عسكرية ضد إسرائيل، فإن الحكومة الأميركية ستدعم إسرائيل دبلوماسياً بغض النظر عن أي معارضة مصرية.
في الأسطر الأخيرة من صفقة سيناء 2، تعهد الرئيس الأميركي جيرالد فورد لرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين بأن الولايات المتحدة "سوف تعطي أهمية بالغة للموقف الإسرائيلي، وأن أي اتفاقية سلام مع سورية يجب أن تقوم على أساس بقاء إسرائيل في مرتفعات الجولان". وتُظهر السجلات أن حافظ الأسد كان على علم جزئي – إن لم يكن كاملاً – بهذه الاتفاقات الجانبية السرية"، تقول شعبان. وتضيف أنه مهما يكن الأمر فإن سيناء 2 كانت بحد ذاتها إشارة كافية تدل على خروج مصر على نحو لا رجعة فيه من معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي.
أدرك الرئيس السوري أنه ومنذ اللحظات الأولى من توقيع سيناء 2 ، صار أي حديث عن تقدم خطوة لاحقة في الجولان مجرّد إضاعة للوقت. ولم يستمر الاجتماع الأخير بين الأسد وكيسنجر، والذي عقد في الثالث من أيلول سبتمبر، أي بعد يومين من توقيع سيناء 2، أكثر من ساعة واحدة. شعر كيسنجر بتغيّر الأسد تجاهه وحاول مضايقته بالمزاح، ولكن الأسد تجاهل مزاحه، كما تجاهل جميع رسائله لاحقاً، حتى رد عليه أخيراً برسالة واحدة قائلاً: "إن سورية مستعدة دائماً لتحقيق السلام، إلا أن سيناء 2 جعلت من المستحيل أن تدخل سورية في أي مفاوضات حول الجولان، فسورية لن تمضي في طريق الاتفاقات الثنائية على غرار مصر، وإن أي محادثات مستقبلية يجب أن تشمل السوريين والفلسطينيين معاً".  
لم يمل كيسنجر في محاولة احتواء الأسد، في منتصف تشرين الأول من ذلك العام، رفض الأسد دعوة من كيسنجر لترتيب لقاء بينه وبين الرئيس الأميركي فورد في أوروبا. كما لم يقبل في أوائل تشرين الثاني نوفمبر، إرسال رئيس أركان جيشه العميد حكمت الشهابي إلى واشنطن للقيام بمباحثات مع كيسنجر. لقد فقد الرئيس السوري كل ثقة لديه بنزاهة الوسيط الأميركي، حتى أنه رفض عرضاً أميركياً بانسحاب إسرائيل من الجولان لم يُحدد عمقه أبداً. وعند سماعه عرض الانسحاب رد على السفير الأميركي في دمشق ريتشارد مورفي بلهجة لم تخلُ من التهكم: "إن كانت إسرائيل قد حصلت على مليارات الدولارات مقابل انسحابها خمسة كيلومترات في سيناء، فكم ستحصل عندما تنسحب 100 كيلومتر" في إشارة منه إلى صفقات السلاح الضخمة التي حصلت عليها إسرائيل والتي أخلّت بميزان القوى الإقليمي على نحو يهدد أمن سوريا مباشرة.
تظهر سجلات أرشيف رئاسة الجمهورية العربية السورية، التي تعود إلى مطلع عام 1976، أن عروض المفاوضات الفارغة من أي محتوى، والتي لم تكن غايتها إلا إضاعة الوقت، إضافة إلى النقاشات الجادة حول عملية السلام، قد بدأت تتلاشى من رسائل كيسنجر إلى الأسد ومن لقاءات الأسد والسفير مورفي، إذ غدت الحرب الأهلية المشتعلة في لبنان تدريجياً محور النقاش الوحيد بين سوريا والولايات المتحدة.
 
الفصل العاشر: لبنان

أسهبت بثينة شعبان طويلاً في حديث تاريخي شمل النظام السياسي في لبنان بعد الانتداب الفرنسي، وكيفية التقسيم السياسي بين الطوائف اللبنانية، مروراً باللجوء الفلسطيني والمخيمات الفلسطينية التي ملأت بيروت والجنوب اللبناني، وصولاً إلى تفجر الوضع الأمني عام 1969. في ذلك العام تصادم الجيش اللبناني والفدائيون الفلسطينيون في مخيمات بيروت وضواحيها، ولكن سرعان ما انتهت باتفاق رعاه الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات. ولكن التطور الأهم هو ما حصل بعد عام، حينما وقعت اشتباكات دموية بين الفصائل الفلسطينية والدولة الأردنية في أيلول سبتمبر 1970، وانتهت أحداث ما عُرف بأيلول الأسود بانتصار الملك حسين. وتبع ذلك انتقال معظم قادة التنظيمات الفلسطينية والآلاف من مقاتليها إلى لبنان، وغدت بيروت العاصمة غير الرسمية لـ"الثورة الفلسطينية". وتحول لبنان إلى قاعدة الانطلاق الأساسية لعمليات الفدائيين الفلسطينيين على الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما عرض لبنان لعمليات انتقامية إسرائيلية قاسية.
انفجر برميل البارود اللبناني في الثالث عشر من نيسان أبريل عام 1975 عندما ردّ مسلحون من حزب الكتائب على محاولة اغتيال سمّتها الكاتبة بـ"المزعومة" لزعيمهم بيار الجميل بإطلاق النار على حافلة مليئة بمدنيين فلسطينيين، حيث جرح وقتل منهم العشرات، وأدت الحادثة إلى اندلاع اشتباكات دامية بين مقاتلي الحركة الوطنية والمقاتلين الفلسطينيين من جهة والميليشيات المسيحية من جهة أخرى.
 حينها، استقال رئيس الوزراء رشيد الصلح من منصبه، ودعا كمال جنبلاط إلى عزل حزب الكتائب سياسياً، رافضاً المشاركة في أي حوار مع اليمين المسيحي. رد فرنجية بتعيين حكومة عسكرية برئاسة العميد نور الدين الرفاعي، الأمر الذي زاد في تعميق حالة الانقسام السياسي. 
على المقلب السوري، تقول شعبان إن سوريا لم تطل الانتظار قبل أن تبدأ وساطتها، حيث حملت النار المشتعلة في الجوار عواقب جمّه لسوريا، في الوقت الذي كان الأسد يحاول فيه بناء جبهة منيعة في بلاد الشام بعد خروج مصر من معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث أرسل الرئيس السوري وزير خارجيته عبد الحليم خدام إلى بيروت على وجه السرعة، وتقاطر الساسة اللبنانيون بدورهم إلى دمشق لعقد محادثات مع الأسد. تلك الجهود تكللت بنتائج سريعة، وتم تعيين رشيد كرامي رئيساً لحكومة وفاق وطني في الثلاثين من حزيران يونيو عام 1975. وفي اليوم التالي وقّع قائد الجيش اللبناني إسكندر غانم اتفاق لوقف إطلاق النار مع ياسر عرفات بحضور وزير الخارجية السوري.
في اجتماع للأسد مع كرامي بتاريخ 2 آب أغسطس 1975 نشر محضره في الكتاب، شرح الأسد وجهة النظر السورية لتدخله في لبنان، حيث رأى أنه أمراً طبيعياً، بل وصفه بالضروري. ولم يكن لديه خيار آخر، إذ أن هذا التدخل ينبع من ضرورات تاريخية وجغرافية، وكان الأسد يرى أن لتدهور الأوضاع في لبنان أثراً مباشراً في سوريا، ومن غير المنطقي أن يعتقد أحد عكس ذلك، سواء في سوريا أو لبنان. لقد كانت المعادلة واضحة وبسيطة بالنسبة للرئيس السوري، فلبنان كان جزءاً من الأمة العربية، ولا يمكنه أن يكون غير ذلك، كما أنه جزء لا يتجزأ من بلاد الشام، وقطعة تاريخية من سوريا. وعلى نقيض ما خشيه كثير من اللبنانيين، لم يكن الأسد يسعى إلى ضم لبنان كما حاول عبد الناصر عام 1958، تقول شعبان.
وتضيف الكاتبة أنه ما لبثت الاشتباكات أن عادت في نهاية الصيف، وهذه المرة في عاصمة الشمال طرابلس، وفي مدينة زحلة عاصمة وادي البقاع. وانتهت مجدداً بوساطة سورية أخرى أدت إلى استقالة قائد الجيش إسكندر غانم، الذي اتهمه المسلمون بالانحياز لحزب الكتائب اللبنانية وتسليح الميليشيات المسيحية. بيد أن الاشتباكات لم تكد تهدأ حتى اندلعت مجدداً بتحريض من جنبلاط، واستُعملت فيها المدافع والأسلحة الثقيلة، مما أحدث دماراً كبيراً في المركز التجاري في مدينة بيروت. هرعت سوريا من جديد للقيام بوساطات بين الأطراف اللبنانية، وكان من نتائجها نجاحها في تشكيل لجنة حوار وطني تضم عشرين عضواً، من بينهم كمال جنبلاط وبيار الجميل.

الظل الثقيل لاتفاق سيناء 2

مع بروز الوسيط السياسي السوري في لبنان، طلب كيسنجر من السفير الأميركي في دمشق، ريتشارد مورفي، لقاء الرئيس الأسد والبحث معه في سبل التعاون الممكنة بين سوريا والولايات المتحدة بخصوص الملف اللبناني. التقى مورفي الأسد كما يُظهر محضر الاجتماع المنشور في هذا الكتاب بتاريخ 16 تشرين الأول نوفمبر 1975، وأعرب عن رغبة بلاده العمل مع سوريا لحل المشكلة في لبنان. وطلب تجاوز الخلافات التي أثارها اتفاق سيناء 2، وفصل ذلك عن مجالات الاهتمام المشترك الأخرى، مثل لبنان. أكد الأسد بدوره أن موقف سوريا من لبنان ينطلق من رؤيتها القومية العربية، فالقيادة السورية لا تنظر إلى اللبنانيين على أنهم مسلمون ومسيحيون، بل شعب عربي يمرّ بمحنة، وشرح الرئيس لمورفي ماهية المشكلة في لبنان مؤكداً أنها لم تكن دينية بل سياسية، وأن لا أحد في سوريا يعتقد أن الإدارة الأميركية كانت تدعم المتطرفين المسيحيين، ولكن الكثير من العرب، ومنهم الأسد، يعتقدون أن الولايات المتحدة أدّت دوراً في التحريض على القتال في لبنان من أجل التعمية على اتفاق سيناء. إلا أن مورفي سارع إلى نفي هذه الاتهامات.
أما فيما يتعلق بإسرائيل، فقد كرر الأسد القول إن المشكلة في لبنان قضية عربية داخلية، ولا يحق لإسرائيل التدخل في الشؤون العربية الداخلية، مؤكداّ أن الشعب اللبناني، إن طلب أي مساعدة عسكرية من سوريا، فإن سوريا "ستضع تحت تصرفه كل ما يحتاجه، من أقصى شمال لبنان إلى أقصى جنوبه، ولن يمنعها عن أداء هذا الواجب ما تنوي إسرائيل فعله"، وأن سوريا جاهزة لتتصدى لإسرائيل إن أرادت المواجهة، سواء هنا في مرتفعات الجولان أو في أي مكان آخر. وردّ الأسد على كيسنجر عن طريق مورفي قائلاً: "يبدو أن الدكتور كيسنجر لا يريد تجزئة مسارات السلام فحسب، بل الحرب أيضاً، قل له إن شروط المعارك الصغيرة أفضل لنا، حتى وإن لم يكن هذا تفكيره".

الحل السوري

مع حلول نهاية عام 1975، أدرك حافظ الأسد أنه بحاجة إلى مبادرة جريئة تكسر الجمود الحاصل في لبنان، فقام بدعوة رئيس حزب الكتائب بيار الجميل إلى زيارة دمشق في السادس من كانون الأول ديسمبر عام 1975. كانت سوريا تمد الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية بالسلاح لقتال "الجبهة اللبنانية"،  فالأسد لم يكن يثق بحزب الكتائب نتيجة تعاملهم العلني مع السادات واتصالاتهم السرية بإسرائيل. ولكن كان لا بد من التواصل معهم لأنه لا حل سياسي يمكن أن ينجح في لبنان من دونهم. ففي الوقت الذي كان يجلس فيه بيار الجميل مع الأسد في قصر الروضة في دمشق، قام ابنه بشير الجميل وميليشياه بارتكاب مجازر بحق اللبنانيين المسلمين والفلسطينيين في شرق بيروت موقعين عشرات الضحايا، فضلاً عن تهجير الآلاف. حينها استغلت إسرائيل الفرصة لضرب "جبهة بلاد الشام" وذلك برفعها مستوى الدعم المقُدم إلى الكتائب اللبنانية والميليشيات المسيحية الأخرى.
في هذا الجزء قدمت شعبان سلسلة من الوقائع والأحداث والتحليلات المتعلقة بتقرّب حزب الكتائب من إسرائيل والهدف من ذلك، لما فيه خوفهم على الوجود كأقلية مسيحية، وتصورات رئيس الوزراء الصهيويني ديفيد بن غوريون لجهة التواصل الماروني مع الصهاينة، باعتبارهم أيضاً "جسماً غريباً" في العالم العربي، وتوسعت هذه العلاقات بعد احتلال فلسطين عام 1948. حاول حافظ الأسد بحسب الكاتبة فصم عُرى هذا التحالف "الماروني – الإسرائيلي" بالوسائل العسكرية من خلال إلحاق الهزائم بالكتائب وحلفائهم، وسياسياً بالانفتاح عليهم وإقناعهم بأنهم ينتمون إلى سوريا والوطن العربي وبأنهم ليسوا أقلية معزولة بحاجة إلى حماية القوى الأجنبية. ولكن في مطلع عام 1976 لم تكن الكتائب، وخاصة بشير الجميل، بصدد الاستماع واستمرت ممارسة العنف. وسرعان ما رد تحالف القوى الوطنية والفلسطينية على المجازر باجتياح بلدة الدامور جنوبي بيروت، وهي التي كانت موالية لكميل شمعون، وارتكب أفراده الفظائع بحق السكان المدنيين هناك.
في ذلك اليوم بتاريخ 20 كانون الثاني يناير 1976، أدخلت سوريا وحدات من جيش التحرير الفلسطيني، التابع اسمياً لمنظمة التحرير الفلسطينية وعملياً لقيادة الجيش السوري، إلى لبنان لإعادة التوازن العسكري وكبح تدهور الأوضاع. تقول شعبان إن الأسد أقدم على هذه الخطوة، بهدف إيصال رسالة إلى الكتائب اللبنانية مفادها أنه لن يتسامح مع مجازرهم بعد اليوم، واستمر بالخيار العسكري إضافة إلى السير موازياً بالوساطة السياسية. وبعد الضغط السوري الشديد على سليمان فرنجية والفرقاء المسيحيين، تم الوصول إلى اتفاق شامل وافق عليه كل القادة السياسيين اللبنانيين في 22 كانون الثاني ديسمبر عام 1976، بحضور وزير الخارجية السوري.
نص الاتفاق على حزمة إصلاحات موسعة عُرفت بالوثيقة الدستورية، من ضمنها تقسيم مقاعد النواب اللبناني على نحو متساوٍ بين المسيحيين والمسلمين، ومنح رئيس الوزراء المسلم السني صلاحية الموافقة على أي تشريع يقرّه الرئيس المسيحي الماروني، ليصبح نافذ المفعول، والدعوة إلى إلغاء المحاصصة الطائفية من الدوائر الحكومية، كما ألزمت التسوية القوات الفلسطينية بالانسحاب إلى الخطوط المتفق عليها في اتفاقية القاهرة عام 1969 قبل البدء بأي عملية إصلاح سياسي.

التدخل السوري

في العام 1989، وقّع نواب البرلمان اللبناني المجتمعون في مدينة الطائف السعودية على وثيقة إصلاح سياسي أنهت خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية. استند اتفاق الطائف بمعظمه إلى الوثيقة الدستورية التي كان الأسد قد خرج بها عام 1976. هذه الوثيقة قُوبلت بالرفض من كمال جنبلاط، الذي غيّر موقفه من الوساطة السورية جذرياً، وشرع في حشد المعارضة للحل السياسي ضمن حلفائه اليساريين والفلسطينيين، وتدهورت من بعدها الأوضاع في لبنان. يعرض الكتاب محضر اجتماع الأسد - جنبلاط في 27 آذار مارس 1976، حينها سأل الرئيس السوري جنبلاط بكل صراحة عن شكل لبنان المستقبل الذي يريد قيادته إن كان ينوي إخضاع نصف الشعب بالقوة والمجازر. وبعد أقل من أسبوع على لقائهما، شنّت قوات الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية هجوماً واسعاً على قرى الشطر المسيحي من جبل لبنان وفي محاور بيروت، وباتت الكتائب وحلفاؤها على وشك الهزيمة. تتابع الكاتبة الحديث عن الوضع الأمني اللبناني المتأزم، وتسرد نصوص الرسائل التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى الرئيس الأسد، عارضة عليه المساعدة في حل الازمة اللبنانية، من دون أن تُجيب دمشق على أيّ رسالة أرسلها كيسنجر عبر سفيره في دمشق مورفي ولا عبر القائم بالأعمال روبرت بيلترو.

لا خطوط حمراء

في الخامس من نيسان أبريل عام 1976، دخلت وحدات من جيش التحرير الفلسطيني ومنظمة الصاعقة إلى بيروت، وفي أقل من أسبوع، تمكنت من السيطرة على مطار بيروت الدولي وموانئ المدينة. واستطاعت هذه القوات من إعادة التوازن العسكري على جبهات عدة، وإيقاف ما أسمته شعبان بـ"المد الجنبلاطي". في واشنطن، كانت هناك خشية أميركية في حال دخول وحدات نظامية سورية إلى لبنان، أن يحصل صدام بينها وبين إسرائيل من جهة، وأن يتعزز الدور السوري وتتعاظم أهميته من القوس الممتد من سوريا حتى الأردن من جهة أخرى. ووقفت الولايات المتحدة عاجزة عن اتخاذ قرار بشأن ذلك، حتى اقترح كيسنجر صيغة أسمتها شعبان بالـ"بارعة"، يمكن بها دخول القوات السورية لإعادة الاستقرار إلى لبنان من دون حصول رد فعل إسرائيلي. ففي الثالث والعشرين من آذار مارس، تلقى كيسنجر رداً من رابين على تساؤلاته، أكد فيها أنه في حال حصول تدخل عسكري سوري، فإن القوات الإسرائيلية ستحتل بصمت مواقع استراتيجية جنوب لبنان.
حددت مذكرة إسرائيلية أُرسلت إلى واشنطن أنواع الأسلحة والقوات السورية التي لا تقبل إسرئيل بوجودها في لبنان، وخاصة انتشار وحدات سورية أكثر من عديد لواء واحد – بما في ذلك القوات الموجودة سابقاً في لبنان. كا ورد في المذكرة أن إسرائيل لن تتساهل مع تقدم أي قوات سورية أكثر من عشرة كيلومترات جنوب طريق بيروت – دمشق، وكان هذا اتفاق "الخطوط الحمر" الشهير، إسرائيلياً – أميركياً. من بعدها تم تبادل البرقيات بين الرئيس الأسد وكيسنجر حيال التدخل العسكري السوري في لبنان، وتظهر الوثائق المنشورة في الكتاب مدى الصلابة السورية ورفضها لما يحاك بين الأميركيين والإسرائيليين واستغلالهم للظرف الراهن.
 
 
الخاتمة: السلام السوري

في الأيام التي تبعت دخول وحدات نظامية من الجيش السوري إلى لبنان، عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً طارئاً في القاهرة وقرروا إرسال قوة حفظ سلام عربية إلى لبنان بقيادة الرئيس اللبناني المنتخب إلياس سركيس. إلا أن هذه القوات التي وصلت إلى لبنان سرعان ما أثبتت عدم فاعليتها، بل إن بعض وحداتها من العراقيين والليبيين انضمت إلى القتال إلى جانب الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وشنّ السادات حرباً إعلامية ضد الأسد، في حين قطع العراق إمدادات النفط عن سوريا. 
ومع ذلك لم يتزحزح الأسد، إذ لم يكن يريد تدمير منظمة التحرير ولكنه أراد فصلها عن كمال جنبلاط وإعادتها إلى تحالفها الطبيعي مع دمشق. تضيف الكاتبة أن الأسد رفض رفضاً قاطعاً مناقشة الشؤون اللبنانية الداخلية أو النظام السياسي في لبنان مع عرفات، وحثّه على سحب مقاتليه من أزقة بيروت وإعادتهم إلى حيث ينتمون، أي إلى الجبهات المقابلة لإسرائيل. غير أن عرفات رفض واستمر في القتال إلى جانب جنبلاط.
أما كيسنجر فقد أكد للأسد مراراً بأن إدارة فورد مستمرة في دعم الحل السياسي في لبنان المبني على تسوية الوثيقة الدستورية التي رعتها سوريا. كانت الولايات المتحدة منهمكة في الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث نجح جيمي كارتر في الوصول إلى سدة الرئاسة في انتخابات عام 1976، وخرج فورد ومعه كيسنجر من البيت الأبيض الذي دخله كارتر في كانون الثاني يناير عام 1977.
في خاتمة الكتاب، تتحدث الكاتبة بشكل مختصر عن كل ما سبق، معرجة على عدد من النقاط الرئيسية في رحلة كيسنجر للسلام في الشرق الأوسط لناحية الإخفاقات والنجاحات، فضلاً عن الخيبات التي تلقاها الرئيس حافظ الأسد سواء من الولايات المتحدة أو من أنور السادات أو من ياسر عرفات. كما تحدثت عن اجتماع الرئيس الأسد بالرئيس الأميركي بيل كلينتون الذي قدم عرضاً بإعادة 95% من الجولان وتعويض سوريا عن الخمسة بالمئة الباقية، ومعظمها أراضٍ حول بحيرة طبريا، ولكن الأسد رفض.
تختم بثينة شعبان: هذه هي التركة التاريخية الحقيقية لحافظ الأسد التي حاول كتاب "حافة الهاوية" إلقاء الضوء عليها.


.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43636
معدل النشاط : 58294
التقييم : 2407
الدبـــابة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B3337910
الطـــائرة :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Dab55510
المروحية :  الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر B97d5910

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر 1210

 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Best11


 الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Empty

مُساهمةموضوع: رد: الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر    الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر Icon_m10الخميس 31 مايو 2018 - 23:51







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» محضر الاتصال الهاتفي بين الرئيس جورج بوش والرئيس السوري حافظ الأسد بعد قمة القاهرة الطارئة في 10 آب اغسطس 1990
» معلقون إسرائيليون: أوباما كرر الرواية الصهيونية
» وثيقة: كيسنجر أعرب عن خشيته من نصر إسرائيلي في حرب أكتوبر
» خفايا الرواية السورية عن حرب تشرين 1973 | مذكّرات العماد مصطفى طلاس
» وزير الخارجية الاسبق الابراهيمي يشكك في الرواية الرسمية لوفاة بومدين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام العسكريـــة :: التاريخ العسكري - Military History :: الشرق الأوسط :: حرب أكتوبر 1973-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019