لست بحاجة لعرض جوانب الأزمة الاقتصادية الأردنية؛ من ديون، وبطالة، وتباطؤ في معدلات النمو، وتزايد معدلات الفقر والتضخم، وانعكاسات الأزمات السياسية في الجوار على الأردن لا سيما في العراق وسوريا من خلال الاضطراب التجاري والتدفق البشري، ناهيك عن تلكؤ المساعدات العربية والأجنبية، وتعثر مستويات التحويلات النقدية للعاملين في الخارج والفساد.
لكني سأتوقف عند موضوع الإنفاق العسكري بغرض الفهم لهذه الظاهرة؛ لأن كفايتي العلمية لا ترقى لمستوى فهم ما سأشير له على النحو التالي:
أولًا، في السنة التالية لاتفاقية السلام الأردني الإسرائيلي؛ أي عام 1995، كان إجمالي الإنفاق العسكري الأردني يساوي 591.86 مليون دولار، ارتفع هذا المبلغ إلى 1877.18 مليون دولار عام 2017 وهو ما يساوي 4.577% من إجمالي الناتج المحلي وبه تحتل الأردن المرتبة 12 عالميًا؛ أي بزيادة تصل إلى 1285.32 مليون دولار عن عام السلام مع إسرائيل.
ثانيًا، بلغ معدل الإنفاق العسكري الأردني بين 1967، في حمى الصراع مع إسرائيل، وبين 2017 ما قيمته 1066.64 مليون دولار سنويًا.
وقد يتم تبرير الزيادة في الإنفاق العسكري بمسألتين هما أسعار السلاح والاضطراب الإقليمي بخاصة فترة ما بعد الربيع العربي، وهو ما يستحق المناقشة.
كيف نفهم زيادة الأسعار؟
أولًا، أسعار السلاح. يطلق الباحثون على هذه الظاهرة اسم “التضخم الدفاعي” «Defence inflation»؛ أي قيمة الزيادة في جميع أسعار بنود موازنات الدفاع، وتشير دراسة لـ «Katharina Wolf» حول هذا الموضوع أن معدل الزيادة هو بين 1-4% في الدبابات والأسلحة الصغيرة والفرقاطات، بينما تصل إلى بين 6-11% في الأسلحة الأخرى لا سيما الطائرات والغواصات، ذلك يعني أن معدل الزيادة السنوية هو بين 2.5 و 8.5% طبقًا لنوع السلاح، بمعنى أن معدل الزيادة لكل السلع العسكرية هو بين 5- 5.5%، وهو ما يعني أن الزيادة في الأسعار لا تكفي لتفسير الزيادة في الإنفاق.
وهنا نطرح التساؤل التالي: إذا كان التغير في الأسعار هو سبب الزيادة، فكيف نفسر أن الإنفاق العسكري الأردني انخفض من 1901.95 مليون دولار عام 2009، أي ما يساوي 6.7% من إجمالي الناتج المحلي، إلى 1462.13 مليون دولار عام 2013، وهو أمر لا يستقيم مع نظرية التضخم الدفاعي التي أشرت لها؟
ثانيًا، موضوع التوتر الإقليمي حيث نرى أن أي تفسير للزيادة في الإنفاق العسكري بأنه نتيجة لتوتر المنطقة حول الأردن، وهو أمر يستحق المناقشة، ولكن الملاحظ أن أعلى سنة في تاريخ الإنفاق العسكري الأردني كان عام 2009 أي قبل عامين من الربيع العربي، ولم تكن المنطقة تعيش ذلك الاضطراب الكبير، بل كانت الأمور في العراق أكثر استقرارًا من فترة ما بعد الربيع العربي، وهو ما يعني أن الاضطراب الإقليمي لا يفسر الزيادة قبل الاضطراب.
ثالثًا، لنقارن وضع الأردن مع مصر، ففي عام 2017 بلغ الإنفاق العسكري المصري ما قيمته 4003.80 مليون دولار، أما معدل الإنفاق بين 1962، آثار التدخل في اليمن، و2017، أي خلال حوالي 55 سنة، كان المعدل هو 4394.14 مليون دولار، وكانت أعلى سنة للإنفاق العسكري هي سنة 1977، زيارة السادات للقدس وبداية كامب ديفيد، حيث بلغت قيمة الإنفاق 7047.5 مليون دولار، لكن المقارنة تشير إلى أن قيمة الإنفاق العسكري المصري هي 1.67% من إجمالي الناتج المحلي المصري؛ أي أن معدل الإنفاق الأردني قياسًا لإجمالي الناتج المحلي يزيد بنسبة تصل إلى حوالي 63.53% قياسًا لإجمالي الناتج المحلي المصري.
علمًا أن المبرر الأمني في مصر لا يقل حدة عنه في الأردن، فمصر لها مشكلات حادة ومواجهات شبه يومية في سيناء، ناهيك عن مشكلاتها على الحدود الليبية ناهيك عن الأحداث الأمنية في داخل الدولة
بناءً عليه، أتمنى أن يشرح لي العالمون ببواطن الأمر ما ورد أعلاه، ونبقى جميعًا في دائرة «ربما».
.