سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 28 أكتوبر 1956..
عبدالناصر يتسلم رسالة ثروت عكاشة حول موعد العدوان الثلاثى..
وإسرائيل تبدأ العملية فى سيناء
الإثنين، 29 أكتوبر 2018 10:00 ص
جمال عبد الناصر وثروت عكاشة
بدأ عبدالرحمن صادق، الملحق الصحفى بالسفارة المصرية بفرنسا، فى تنفيذ المهمة السرية التى كلفه بها ثروت عكاشة الملحق العسكرى بالسفارة، وهى السفر إلى القاهرة عن طريق «بروكسل» لمقابلة الرئيس جمال عبدالناصر فورا، لإبلاغه بالسر الخطير الذى عرفه عكاشة من مسؤول فرنسى حول خطة العدوان الثلاثى على مصر «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل».. «راجع- ذات يوم 27 و28 أكتوبر 2018».
يترك عكاشة فى الجزء الأول من مذكراته مساحة لعبدالرحمن صادق يصف فيها بنفسه رحلته قائلا: «غادرت الفندق الذى كنت أسكنه فى اليوم التالى «الأحد 28 أكتوبر 1956»، تاركا به كل متاعى وذلك تمويها دون أن أحمل حقيبة صغيرة، وقصدت مطار «لوبورجيه» وأنا أحمل فى يدى الحقيبة التى تحوى لمبات الرادار، وركبت الطائرة المتجهة إلى بروكسل فى الساعة الثامنة صباحا، وبوصولى إلى بروكسل وابتعاد الأخطار نسبيا، بدأت رحلتى إلى القاهرة».
يضيف «صادق»: «لن أتحدث عن تفاصيل هذه الرحلة، والمشاعر التى مرت بى خلالها وما قمت به من استعادة الرسالة الشفوية فى ذهنى مرارا وتكرارا، وتعجلى الزمن للوصول، خاصة بعد أن أرغمتنى الحقيبة التى تحوى لمبات الرادار «23 كيلوجراما» والتى ظللت أحملها مربوطة فى ذراعى، على البقاء جالسا الساعات الطويلة فى المطارات والطائرات دون أن أحرك ساقى.. يكفى أن أقول إن الرحلة استغرقت عشرين ساعة ونصف، إذ وصلت القاهرة فى الرابعة والنصف من فجر الاثنين 29 أكتوبر «مثل هذا اليوم» 1956.. ذهبت إلى فندق الكونتننتال، وأغلقت باب غرفتى جيدا، ونمت حتى الساعة التاسعة، ثم قصدت إلى إدارة المخابرات الحربية بكوبرى القبة، حيث سلمت حقيبة لمبات الرادار إلى جمال الشناوى مدير قسم الملحقين العسكريين، فأعرب عن فرحة غامرة عندما علم بمحتوياتها، وقال إنهم ينتظرون هذه اللمبات بفارغ الصبر، إذ بدونها لم تكن المدفعية المضادة للطائرات لتعمل».
يؤكد صادق: «اتصلت بسكرتارية الرئيس جمال عبدالناصر، فعلمت أنه فى القناطر الخيرية «محافظة القليوبية»، وسيكون ظهرا فى مكتبه فى مجلس الوزراء، وهناك أبلغه رسالتى، وفى الواحدة والنصف أو بعدها بقليل يوم 29 أكتوبر استقبلنى على صبرى «مدير مكتب عبدالناصر»، فى الدور الثانى بمبنى مجلس الوزراء، وسلمته الرسالة المكتوبة، وذكرت أمامه الرسالة الشفوية، بدت عليه الدهشة، ولكنه لم يفصح عن سبب دهشته، هل لأنه لم يصدق؟ لا أعلم، تركنى فى مكتبه، وطلب منى الانتظار، بعد وقت قصير استُدعيت لمقابلة الرئيس عبدالناصر».
يكشف «صادق»: «كان عبدالناصر يقف فى منتصف حجرة مكتبه، وفى يده الرسالة المكتوبة التى كنت سلمتها لعلى صبرى، ولاحظت أنه متجهم، كما لم أره متجهما أبدا، صافحته، وقلت: إزيك ياسيادة الرئيس؟ قال: «الحمد لله.. ازيك انت؟»، وأضاف فورا: «على، قال لى.. إيه الموضوع؟»، ذكرت ما عندى، واستمع بغير أن يتكلم، حتى انتهيت، فقال: «منين جبتوه الكلام ده؟»، قلت: القائمقام ثروت عكاشة حصل على هذه المعلومات من مصدر داخل العملية نفسها، ويؤكد جدا صحة معلوماته». قال: «قول كده المعلومات دى تانى».. يؤكد صادق: «كررت ما عندى، وكان ينصت وهو يتطلع إلى الأرض أمام قدميه، فلما توقفت، علق سيادته بقوله: «مش معقول الكلام ده»، سألته: «لماذا ياسيادة الرئيس؟»، قال: «مش معقول ينزلوا بريطانيا وفرنسا للدرجة دى» (يقصد مشاركة إسرائيل لهما فى العدوان، حسبما يؤكد محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس»).
رد صادق: «إذا سيادتك سمحت، السياسة ليس فيها ثوابت، وكل شىء جائز، ورأيى أنه من الأفضل أن نعرف ثم نتبين كذب هذه المعلومات، من أن نتجاهلها ثم يثبت أنها صحيحة بعد فوات الأوان».. يضيف صادق: «غير الرئيس عبدالناصر الموضوع، سألنى: «حترجع باريس إمتى؟»، قلت: أنا كنت ناوى أرجع الليلة دى، لكن تعبان جدا، وسأعود غدا أو بعد غد». قال: «أشوفك قبل ما تسافر».. ثم صافحنى وغادر المبنى». يؤكد صادق: «عند غروب ذلك اليوم، عبرت القوات الإسرائيلية الحدود المصرية متوغلة فى سيناء، وبدأ تنفيذ خطة العدوان الثلاثى، إذ ذاك حمدت الله على أننى تمكنت من الوصول إلى القاهرة فجر ذلك اليوم، وأننى لم أستسلم للإرهاق فأقطع الرحلة فى إحدى البلاد للراحة بضع ساعات».
بدأ الهجوم الإسرائيلى على سيناء فى الساعة الخامسة بعد الظهر يوم «29 أكتوبر» بتقدم اللواء السابع المدرع فى اتجاه موقع «الكونتيلا»، ووفقا لمحمد حسنين هيكل فى «ملفات السويس»: «بعد خمس دقائق من بدئه تلقى جمال عبدالناصر أول نبأ عنه، وحملته وكالة الأنباء الأمريكية «يونايتد برس».. كان فى بيته يشارك فى احتفال عيد ميلاد ابنه «عبدالحميد»، وقرأ التقرير، ثم ناوله إلى عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة، ثم غادر الاثنان الغرفة التى يجرى فيها حفل عيد الميلاد، وتوجها إلى غرفة مكتب الرئيس فى بيته، ومنها اتصل «عامر» تليفونيا برئاسة أركان حرب الجيش المصرى فى كوبرى القبة يستفسر عن أية معلومات لديها».
........"
د. يحي ألشاعر