سعيد الشحات يكتب:ذات يوم 14ديسمبر 1956..
سيد عسران يقتل «وليامز» رئيس مخابرات القوات البريطانية فى بورسعيد..
ويرفض مكافأته بخمسة جنيهات
الجمعة، 14 ديسمبر 2018 10:00 ص
إ
جرى الناس،وكل واحد يقول للآخر: «ولد صغير قتل ضابط المخابرات»، ولما وصل «الولد الصغير»إلى مقهى أبيه بالقرب من منزلهم، وجد والده واقفًا أمامها،أخذه من يديه وأغلق المقهى قائلا:«يابنى أنت قاعد تتنطط لى.. أنت عملت إيه.. محمد قشطة بيقول أنت قتلت ضابط كبير..أنت قتلته؟. يعنى أخوك مش لاقيه،وأنت عمال تقول راح المطرية».. رد «الولد» علىَّ: «أقول لك الحقيقة، أخويا استشهد، وأنا أخذت تاره من الضابط وليامز».
«الولد الصغير» هو البطل سيد عسران «مواليد 15 أبريل 1938» لأب صعيدى من«سوهاج» هاجر إلى بورسعيد، وأم من «كفر الشيخ»، وأخ للشهيد «عسران» الذى داهمته مع غيره جنازير الدبابات الإنجليزية يوم 6 نوفمبر 1956.. أما الضابط الكبير فكان «الماجور وليامز».
يروى «عسران» لمحمد الشافعى فى كتابه «شموس فى سماء الوطن» قصة قتله لوليامز، وكان رئيسًا لمخابرات القوات البريطانية التى غزت بورسعيد ضمن قوات العدوان الثلاثى على مصر منذ يوم 29 أكتوبر 1956.. وعملية قتله كانت «من أنجح عمليات المقاومة السرية تتبعها فى أهميتها عمليتا «اختطاف الضابط «مورهاوس» يوم 11 ديسمبر 1956، ومهاجمة ملجأ الدبابات البريطانية يوم 15 ديسمبر «وفقا لتقدير يحيى الشاعر «قائد المجموعات الشعبية المقاتلة» فى بورسعيد «ضمن تشكيلات» المقاومة السرية فى منطقة القناة».
يؤكد «الشاعر» فى كتابه «الوجه الآخر للميدالية–حرب السويس-الأسرار الكاملة لحرب المقاومة السرية فى بورسعيد 1956»: «كان وليامز ضابطا للمخابرات فى القاعدة البريطانية خلال تواجد القوات البريطانية فى قناة السويس حتى جلائهم يوم 18 يونيو 1956، ولعب دورًا كبيرًا فى اعتقال كثير من الفدائيين عام 1951،كما كان يحمى الخونة المصريين داخل المعسكرات البريطانية أمثال«كنج صبرى» و«مكسيموس».. وحضر مع قوات الغزو البريطانية للمدينة، وعمل ضابط اتصال مع محافظ بورسعيد بعد احتلالها، لأنه يتكلم اللغة العربية ولمعرفته الجيدة للمدينة وحواريها، وترأس مخابرات قوات الغـزو البريطانية فى المدينة.
يضيف الشاعر: «كان يجرؤ بكل وقاحة على الدخول بسيارته فى الحى العربى دون خشى نظرًا لمعرفته الجيدة لشوارع وحوارى المدينة، وكان لتصرفاته أثرها السيئ على المواطنين، وكانت معرفته الجيدة للمدينة وحواريها يسبب لنا الصداع فى العديد من الأحيان، وكان معروفًا لنا أنه الضابط الذى اعتقل ضباط الصاعقة المصرية فى نوفمبر 1956.. وازداد جنونه مع جنون القوات البريطانية بعد خطف الضابط «مورهاوس»، وفشلهم فى التوصل إلى أى معلومات عنه.. كانت أمنيتنا اغتياله، فحققها سيد عسران».
يتذكر «عسران» وقائع عمليته البطولية، مشيرًا إلى أنه كان يحتفظ بقنابل، ووضع واحدة منها فى صفيحة القمامة أمام شقتهم ليلة 13 ديسمبر 1956، وفى الثامنة من صباح 14 ديسمبر، أخذها ووضعها فى جيبه ونزل إلى الشارع، وأخذ رغيف عيش من فرن «حسنين رشوان»، ووضع فيه القنبلة لخداع الدوريات الإنجليزية التى تمر.. يقول،إنه سار فى الطريق إلى إدارة المرور، فوجد جمهرة سائقين وسيارة سوداء.. كان «وليامز» يحقق مع السائقين للتوصل إلى السيارة التى كانت بحوزة مختطفى «مورهاوس».. انتهى «وليامز»من مهمته، وفجأة مر بسيارته فقرر «عسران» ملاحقته حتى مقر قيادته فى كازينو«بالاس»،لكنه وجده ينزل أمام شعبة البحث الجنائى، فوقف على الرصيف.
كان «عسران» وفقًا لقوله، يبدو كمن يأكل الرغيف كلما كانت دورية تمر من أمامه، وبعد ربع ساعة خرج وليامز ومعه ضابط آخر وركبا السيارة، يقول: «نزلت من على الرصيف وقبل أن تصلنى السيارة جاءتنى فكرة،أخرجت ورقة من جيبى، ظن وليامز أنها شكوى أو معلومات، فأوقف السيارة وفتح زجاجها ليأخذ الورقة، تعمدت أن أرميها فى «الدواسة» فانحنى ليأخذها،فقذفت القنبلة داخل السيارة بعد أن نزعت الفتيل منها، جريت مسرعًا، سمعت انفجارًا شديدًا، راحت الناس تجرى».
تمزقت إحدى ساقى «وليامز»، ويذكر الشاعر: «رقد ينزف فى بركة دمائه،كان يعلم بأن نهايته قاربت لمرضه بالسكر، وتوفى بعد ثلاثة أيام»،يكشف الشاعر أن عسران نفذ العملية بمفرده ودون علم قيادة المقاومة وأى مساعدة منها.. يتذكر: «أسرع السيد عسران بعد العملية، إلى مبنى قسم ثان،صعد درجات السلم ليدخل غرفتنا دون أى إشارة عن وجوده.. كنت أجلس مع كمال الصياد وسمير غانم نناقش تقرير عمليات الأمس، وما ننوى عمله مساء اليوم، نظرنا إلى عسران مندهشين لاقتحامه الغرفة، ليفاجئنا بدوره وأبلغنا وعيونه مليئة بالدموع بما أتم عمله.. بكى عسران بشدة أدهشتنا».. سأله غانم عن سبب بكائه قائلا:«الأبطال لايبكون ياسيد».
يضيف «الشاعر»: «كشف لنا ولأول مرة حقيقة تصميمه وتخطيطه وتنفيذه عمليته دون علمنا..توقفت دموع عسران ليرد على تعليق سمير غانم: «اللى حصل لوليامز مش كفاية للثأر لشقيقى».. ضمه «الصياد» إلى صدره فى حنان أخوى كبير، وطلب منه التوجه لمنزله والاختفاء عدة أيام لأن الإنجليز شاهدوا وجهه».. يؤكد الشاعر:
«نهض سمير غانم..أخرج من جيبه خمسة جنيهات أراد أن يعطيها إلى سيد شاكرا.. نظر سيد إليه نظرة لوم، اعتدلت قامته لتصل إلى السماء وبكل شرف وإباء رفض أخذ المكافأة، ثم استدار دون تعليق، غادر الغرفة، ترك السكون يهبط علينا، أحسسنا أن رأسه فى أعالى السماء فرحة واعتزازا بما قدمه للوطن فى هذا الصباح». .............."
د. يحي ألشاعر