مفهوم اعداد الدولة للحرب
يتناول كثير من المفكرين السياسيين والاستراتيجيين موضوع إعداد الدولة للحرب لتكون قادرة للدفاع عن نفسها، وقد دخل اصطلاح "إعداد الدولة للحرب" في مجال العقيدة والاستراتيجية العسكرية للدولة حديثاً، بعد أن أصبحت طبيعة الحرب الحديثة تعني أن الشعب وقواته المسلحة يخوضون الحرب، ويتحملون أعباءها ويواجهون مخاطرها معاً، بعد أن انتهى ذلك العهد الذي كانت فيه الحروب مقتصرة على تصارع الجيوش في ميادين القتال، وقد اتفق الاستراتيجيون على أن أعداد القوات المسلحة للحرب، ما هو إلا جانب واحد من عمل ضخم يحتوي على جوانب أخرى، مثل إعداد اقتصاد الدولة للحرب، وإعداد الشعب معنوياً ومادياً للحرب، وإعداد أراضي الدولة للحرب... وهذا العمل الضخم الذي يشمل هذه الجوانب يطلق عليه: (إعداد الدولة للحرب)، وهو عمل من أعمال الاستراتيجية العليا أو الشاملة، واسع المدى بحيث يشمل كل ما يمنح الدولة القدرة على ردع العدوان في أية لحظة، أو تحقيق النصر في أقل وقت ممكن، والصمود للحرب طويلة الأمد، والتقليل من الخسائر التي تسببها ضربات العدو، والمحافظة على مستوى عال من الروح المعنوية من إرادة القتال والصمود لدى الشعب. أي إنه عمل يتطلب حشد كل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والعسكرية، في تخطيط منسق لتحقيق غاية قومية أو هدف استراتيجي واحد.
ومن البديهي أن قدرة وإمكانيات دولة ما تختلف عن الآخرين؛ فهناك دول تتميز بكثافة شعبها ولكن تنقصها الثروات؛ وهناك دول تتميز بثرواتها ولكن قدرتها البشرية ضعيفة؛ ودول تمتلك (التكنولوجيا) الحديثة، وأخرى تعتمد على استيراد كل شيء وتكون تحت سيطرة الدول التي تعتمد عليها، ولذلك يجب على كل دولة عندما تعد نفسها للحرب، أن تعرف ما تملكه من نقاط القوة والضعف، وتحاول علاج نقاط الضعف على المدى الطويل حتى تصل إلى مرحلة من القوة التي تعتمد فيها على نفسها وتمتلك القوة التي تجعلها في وضع قوي أمام الدول الأخرى، نظراً لاختلال التوازن على مستوى العالم في الوقت الحالي، حيث أصبحت هناك كتلة واحدة تتحكم في كل شيء ولا تضع اعتباراً لهيئة الأمم المتحدة، التي تمثل الهيئة الوحيدة التي من الواجب عليها أن تطبق العدالة وتردع المعتدي. ولكن نظراً لضعف كيان هذه الهيئة، أصبح الأمر يعتمد على قوة الدولة ذاتها للدفاع عن نفسها وحماية حدودها، وهذا لن يتأتّى إلا إذا أعدت الدولة نفسها. لذلك أرى أن الدولة التي لم تعد نفسها لامتلاك القوة التي تجعلها قادرة على صد العدوان وتأمين كيانها ومصالحها القومية، وتصبح لديها القدرة على تعبئة الموارد والإمكانيات للدفاع عن سيادتها واستقلالها وحماية حدودها، فإنها سوف تصبح في عالم اليوم ألعوبة في يد أعدائها، ولن تجد من يناصرها، وسترضخ حتماً إلى أي شروط تفرض عليها ويكون نهايتها الضعف؛ والامثلة في العالم حولنا خير دليل على هذا، ومن أجل ذلك على الدولة تطوير قدراتها الشاملة، والعمل على تحمل الضربات التي توجه إليها، مع صمودها لإدارة حرب طويلة إذا لزم الأمر.
ولا شك أن مقومات النجاح لإعداد الدولة للحرب تكمن أساساً في مدى قناعة الشعب بكل ما يتعلق بمسائل الدفاع عن الوطن، ويكون لديه الاستجابة لواجب الدفاع عن الوطن من منطلق تفهم واضح لجوهر استعداد الدولة لحماية كيانها وتحقيق أهدافها. ومن مقومات النجاح في موضوع إعداد الدولة للحرب، إدارة سياستها الخارجية بما يحقق للدولة قوتها ووزنها السياسي في علاقاتها الدولية وانتماءاتها الإقليمية مع الدول المجاورة، وبما يحقق آمال الشعب في تطوير وتنمية اقتصادية من خلال علاقاته الدولية، وبما ينعكس على مستوى المعيشة للفرد ورخاء المجتمع .
ومن المعلوم أن قادة المسلمين أيام حضارة الإسلام حيث كان الإسلام عزيزاً عظيماً، وحيث كان المصدر الرئيسي للتشريع هو (القرآن والسنة) تمكنوا من رفع راية (لا إله إلا الله) على العالم أجمع، وأصبحوا سادة الأمم، لأنهم باعوا الدنيا بالأخرة، وبالتالي نصرهم الله لأنهم حققوا مفهوم إعداد الدولة للحرب من جهة النظرالإسلامية. أما اليوم بعد أن تمكن الشيطان منهم، وجعل الدنيا فتنة لهم فقد أهملوا فرضاً من فروض الكفاية ألا وهو الجهاد، فأصبحت الأمة آثمة بترك هذا الفرض، ولذا نعاني من غصته اليوم ما نعاني. (وعلى من يدعي أنه يحارب للدين، أن يحيي الدعوة الإسلامية ويعد لها عدتها، من العلم والحجة، بحسب حال العصر وعلومه، ويقرن ذلك بالاستعداد التام لحمايتها من العدوان)
العميد الركن
محمد الخضيري الجميلي