يتفق الخبراء الاستراتيجيون المعاصرون على أن إعداد القوات المسلحة للحرب ما هو إلا جانب واحد من عمل ضخم يحتوي بالإضافة إليه على جوانب أخرى مثل: إعداد اقتصاد الدولة للحرب، وإعداد الشعب معنوياً ومادياً للحرب، وإعداد أراضي الدولة للحرب، وإعداد أجهزة الدولة للحرب أيضاً. وهذا العمل الضخم الذي يشمل هذه الجوانب يطلق عليه اصطلاح (إعداد الدولة للحرب) وهو عمل من أعمال الاستراتيجيات العليا أو الشاملة، واسع المدى بحيث يشمل كل ما يمنح الدولة القدرة على ردع العدوان في أية لحظة وتحقيق النصر في أقل وقت ممكن، والصمود للحرب طويلة الأمد، والتقليل من الخسائر التي تسببها ضربات العدو، والمحافظة على مستوى عال من الحالة المعنوية، وعلى إرادة القتال والصمود لدى الشعب أي أنه عمل يتطلب حشد كل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والعسكرية، في تخطيط منسق لتحقيق غاية قومية أو هدف استراتيجي واحد.
ومن المعروف أن القوات المسلحة هي الدرع الواقي للدولة ضد العدوان، وهي التي تحافظ على سلامة ترابطها الوطني وتدافع عن مكتسباتها، كما أنها أداتها في ردع المعتدي وتدميره. إذا ما فكر في العدوان. ولا يمكن أن تكون القوات المسلحة قادرة على تحقيق هذه المهام في الحرب إلا إذا تم إعدادها، وبناؤها منذ أيام السلم. ويعتبر إعداد القوات المسلحة من أولى واجبات الدولة. حيث يجب أن ينال هذا الواجب القسط الأكبر من اهتمام قيادتها السياسية. وهو يعتبر أهم قطاع في عملية إعداد الدولة للحرب. كما أن بناء القوات المسلحة يعتبر المجال الحيوي للاستراتيجية العسكرية سواء من الناحية النظرية أو التطبيقية.
ويؤثر على إعداد القوات المسلحة وبنائها عدة عوامل مؤثرة هي: الهدف الأساسي الاستراتيجي للدولة، والوضع الاقتصادي للدولة وحجم مواردها البشرية والمادية. طبيعة العدو المحتمل، وقدراته وأطماعه وأسلوبه في الصراع، وطبيعة الصراع المنتظر وأنواع الأسلحة المستخدمة فيه، وطبيعة مسرح العمليات، والمنهج العسكري للدولة وأسلوب القيادة والسيطرة. ويشتمل إعداد القوات المسلحة بصورة عامة على التدابير التالية:
1 التخطيط الاستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة.
2 تقدير حجم القوات المسلحة في زمن السلم والحرب. وبناء هذه القوات وإعداد (نظام التعبئة) عند توقع الحرب.
3 وضع أسلوب (الانتشار الاستراتيجي للقوات المسلحة) وبناء التجميعات الاستراتيجية والعملياتية في مسرح العمليات، وعلى الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة.
4 وضع خطط (التدريب القتالي) وتنفيذها.
5 وضع (التأمين الشامل) للقوات وتنفيذه.
6 إعداد مسرح العمليات وتجهيزه.
7 تنظيم الاستطلاع الاستراتيجي.
تلك هي سبعة تدابير أساسية يضمها ويحتويها إعداد القوات المسلحة من أجل خوض الحرب. وسندرس كل تدبير على حدة:-
1 التخطيط الاستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة:
يعتبر التخطيط الاستراتيجي العمود الفقري لإعداد القوات المسلحة، وهو يعني أساساً استخدام القوات المسلحة في الحرب وتأمينها بكل ما تحتاجه مادياً وفنياً وبشرياً. ويتم التخطيط الاستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة من قبل أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة (وزارة الدفاع) ويصادق على التخطيط من قبل القيادة السياسية للدولة.
ويشمل التخطيط الاستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة العديد من الخطط العامة والخاصة، من أهمها: الفكرة والقرار الاستراتيجي لاستخدام القوات المسلحة في الحرب، الخطط الاستراتيجية لاستخدام أنواع القوات المسلحة (برية، جوية، بحرية، دفاع جوي، صاروخية) خطة تعبئة القوات المسلحة، وخطة الانتشار الاستراتيجي، وبناء التجمعات الاستراتيجية والعملياتية في مسارح العمليات، أو على الاتجاهات العملياتية، خطة الاستطلاع الاستراتيجي قبل بدء العمليات وبعدها، خطة التأمين الشامل للقوات المسلحة، خطة السيطرة، خطة الخداع والتمويه الاستراتيجيتين.
يجب أن يراعي دائماً عند التخطيط المذكور الهدف الاستراتيجي الواجب بلوغه بالكفاءة والقدرة اللازمة، كما يجب مراعاة الواقعية والإمكانات والقدرات الفعلية للقوات حاضراً ومستقبلاً. وكذلك إمكانات الدولة وقدراتها لخدمة القوات المسلحة وتوفير مطالبها. ويجب مراجعة هذه الخطط الموضوعية دورياً، أو كلما طرأت تطورات جذرية على الأحداث المحيطة بالدولة، أو التي قد تؤثر فيها. وذلك حتى تتجاوب الخطط مع هذه التطورات، وتؤمن مواجهتها بكفاءة وفعالية.
2 تحديد حجم القوات المسلحة في السلم والحرب، وبناء هذه القوات:
لا تستطيع أية دولة مهما كانت قدراتها الاقتصادية مرتفعة أن تحتفظ بقواتها المسلحة كاملة الحجم طوال الوقت، إذ أن في ذلك عبئاً ضخماً على اقتصاد الدولة، وبالتالي له تأثير كبير على سير الحياة فيها. لذلك تعمد أغلب الدول إلى الاحتفاظ زمن السلم بحجم من القوات قادرة على مواجهة الأحداث المفاجئة، مع وضع نظام دقيق وسليم لتعبئة (الحجم اللازم لاستكمال القوات المسلحة في زمن الحرب. ولا شك في أن لكل دولة ظروفها الخاصة التي تحدد حجم هذا الجزء أو ذاك. ذلك أن الأمر يحتاج إلى موازنة عدة أمور قبل إقرار حجم القوات المسلحة في السلم وحجمها أثناء الحرب.
يجب أن يراعى عند تقرير حجم القوات المسلحة وأسلوب بنائها أن يلبي هذا الحجم مطالب الحرب الحديثة وأن يساير اتجاهات التطوير سواء في المعدات أو في أسلوب القتال، كما يجب أن يراعى ما تحدثه الحرب الحديثة من خسائر كبيرة في القوى البشرية والمعدات، بحيث يؤمن الحجم المطلوب وإمكانية الاستمرار في القتال. في كل ذلك فإن حجم القوات المسلحة للدولة ينقسم عادة إلى نوعين هما:
أ في زمن السلم: يكون حجمها في المستوى الذي يمكنها من صد أي هجمات معادية مفاجئة، والبدء في أعمال نشطة حاسمة، مع إمكانية دعم قوة الصدمة الأولى بقوات جديدة معبأة. إن حجم القوات المسلحة زمن السلم يجب أن يتضمن القوى القادرة على بدء العمليات الحربية مباشرة. دون الحاجة إلى وقت طويل للانتشار ورفع الجاهزية وخاصة في القوى الجوية والدفاع الجوي، وتشكيلات القوات البرية الموجودة قرب حدود الدولة، وفي مسرح العمليات الرئيس، والقادرة على بدء العمل مباشرة، وصد العدوان، وإتاحة الفرصة أو الوقت اللازم للتعبئة. وانتشار باقي تشكيلات القوات المسلحة، ودفعها إلى مسرح العمليات.
ب في زمن الحرب: يحدد حجم القوات المسلحة زمن الحرب، في ضوء الأهداف السياسية والعسكرية للدولة، والمهام الاستراتيجية المطلوب تحقيقها بالحرب وكذلك في ضوء حجم العدو المنتظر وقدراته ونسبة التفوق عليه والمطلوبة لمواجهته، ومدة استمرار العمليات الحربية وحجم الخسائر المتوقعة. وتتفاوت نسبة حجم القوات المسلحة زمن الحرب بالنسبة لحجمها زمن السلم بحسب الموقف السياسي والعسكري والجغرافي للدولة. وقد تتفاوت هذه النسبة بين دولة وأخرى وقد تراوحت زمن الحرب العالمية الثانية من 1-5 كفرنسا مثلاً، و 1-29 في الولايات المتحدة الأمريكية. إن الحاجة إلى زيادة حجم القوات المسلحة زمن السلم موجودة دائماً. وكثير من الدول (ومنها الدول العربية) تحتفظ بحجم كبير من قواتها المسلحة بصفة دائمة. وخاصة الدول التي تنهج أسلوب التطوع في التجنيد.
ولما كانت القوات المسلحة هي أكبر مستنزف للموارد الاقتصادية والبشرية لأية دولة، فإنه يجب عدم الاندفاع وراء الاحتفاظ بحجم كبير وضخم. بل يجب أن يعوض ذلك بوضع نظام دقيق للتعبئة قادر على الانتقال بالقوات من وضع السلم إلى وضع الحرب في أقل وقت. وبأحسن أسلوب، مع المحافظة على السرية قدر الإمكان.
3 الانتشار الاستراتيجي للقوات المسلحة:
عند بلوغ القوات المسلحة نتيجة التعبئة العامة أو الجزئية الحجم اللازم لها من أجل خوض الحرب. تبدأ مرحلة هامة من مراحل إعداد القوات المسلحة للحرب، وهي مرحلة (الانتشار الاستراتيجي للقوات ، وبناء التجميعات الاستراتيجية والعملياتية على مسارح أو اتجاهات العمليات المنتظرة. وتتم عملية الانتشار على ثلاث مراحل، تبدأ بمرحلة الحشد الاستراتيجية، حيث يتم نقل القوات المسلحة وإعادة توزيعها على مسارح العمليات، ثم مرحلة التجميع لتشكيل القوات في تجميعات مشتركة من أنواع القوات المسلحة، طبقاً لأساليب ومطالب العمليات على الاتجاهات المختلفة، ثم مرحلة توزيع هذه التجميعات المشتركة على الاتجاهات المحددة سلفاً.
تتم المراحل السالفة الذكر هذه في أوقات محددة، وبأسلوب إتمام الانتشار الاستراتيجي للقوات في الوقت المناسب وعلى الاتجاه المناسب. مع العلم بأن عملية الانتشار الاستراتيجي لا تتم عادة بعد إنهاء عملية تعبئة القوات المسلحة وحسب، بل تتم أيضاً خلالها، حيث يتم دفع التشكيلات بمجرد الانتهاء من تعبئتها حسب الأسبقيات المحددة للعمليات، وتوزيعها لاحتلال أوضاعها على الاتجاهات المحددة لها. ولا تعتبر عملية الانتشار الاستراتيجية كاملة إلا بتنفيذ الإجراءات التالية:
<= وصول التشكيلات المشتركة (من مختلف القوى) إلى مواقعها في مسرح العمليات. ودخولها تحت قيادة التجميعات العملياتية المخصصة للاتجاهات المختلفة.
<= تمركز القطعات الجوية في المطارات الأمامية.
<= تمركز القوات البحرية في قواعدها أو مناطق عملها في أعالي البحار.
<= احتلال قوات الدفاع الجوي لمواقعها (مرابضها) المحددة في الخطة.
<= تمركز الوحدات الإدارية في مواضعها وممارستها لنشاطها ومهامها اللوجستية.
<= فتح مقرات القيادة والسيطرة وجاهزيتها لإدارة (وقيادة) العمليات.
<= تلقي التشكيلات والقطعات والوحدات مهامها القتالية وتنفيذها إجراءات المعركة والإبلاغ عن جاهزيتها لبدء القتال.
نظراً لأهمية هذه المرحلة في إعداد القوات المسلحة مرحلة الانتشار الاستراتيجي ولطبيعتها المتميزة بالتحركات الضخمة والحشد الكبير، فإنه يجب التخطيط الجيد لها، حتى يتم تنفيذها بشكل جيد وفي التوقيت المحدد، كما يجب أن تتوفر لها تدابير الوقاية من العدو الذي سيحاول إحباط عملية الانتشار، وبالتالي منع استعداد القوات في مواقعها في الوقت المناسب. ويجب التركيز على الوقاية ضد طيران العدو وضد تدخله الالكتروني على شبكات السيطرة للقوات القائمة بالحركة. وكذلك ضد الصواريخ الباليستية (أرض أرض) وصواريخ (بحر بحر) أيضاً.
4 التدريب والإعداد القتالي للقوات المسلحة:
يعتبر التدريب القتالي للقوات من أهم واجباتها في أثناء السلم. وهو الأساس لإعدادها من أجل خوض الحرب. فالتدريب الشاق والجيد المبني على أسس سليمة هو حجر الزاوية في خلق (إيجاد) قوات كفؤة وقادرة على الدخول في القتال. ومواجهة أي مواقف قتالية، وبالتالي تحقيق حماية الدولة ضد أي عدوان، لذلك فإن من أهم الخطط السنوية للقوات المسلحة هي خطة التدريب القتالي التي تهدف إلى تطوير الكفاءة القتالية، والاستعداد القتالي لمختلف وحدات الفروع الرئيسة في القوات المسلحة وتشكيلاتها. وكذا أجهزة القيادة العامة.
تبنى خطة (التدريب القتالي) على أساس مهام العمليات المنتظرة وطبيعة الصراع المنتظر أيضاً، وكذلك مواجهة أساليب قتال العدو المحتمل وتكتيكاته. وذلك في أرض مشابهة لطبيعة مسرح العمليات المنتظر، كما يجب أن يوجه التدريب القتالي إلى نواحي الواقعية، وغرس حب المبادرة لدى القادة وعلى مختلف المستويات، بالإضافة إلى تدريبهم على الأسلوب الصحيح لقيادة قواتهم، والسيطرة عليها في أقسى الظروف، وفي أشد المواقف حرجاً.
وللتدريب القتالي كما هو معروف أشكال مختلفة لا مجال لذكرها في هذا الموضع. لكن المهم هو التركيز على الفرد المقاتل، لرفع كفاءته في القتال، وعلى استخدام سلاحه ومعداته، وعلى لياقته البدنية. وكذلك على رفع مستواه الثقافي وغرس روح المبادرة والتصرف. وكذلك التركيز على التدريب المشترك للوحدات. حتى تصل إلى مستوى التدريب العملياتي الذي تشترك فيه التشكيلات الكبرى في القوات المسلحة بمشاركة جميع أنواع القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي..إلخ. والذي يتم التدريب فيه على مهام العمليات الحربية. وذلك لحل جميع المشاكل التي قد تواجه القوات المسلحة في الحرب. وذلك بأن يأخذ التدريب صورة الحرب الحقيقية الحديثة. كذلك يجب التركيز في الظروف الراهنة على تدريب القوات على العمل في أي ظروف استخدام العدو لأسلحة التدمير الشامل.
5 التأمين الشامل للقوات المسلحة:
يعتبر التأمين الشامل للقوات المسلحة من المهام الرئيسية للاستراتيجية العسكرية، ويقع أساساً على عاتق القيادة العامة للقوات المسلحة (وزارة الدفاع)، لكن بعض العبء يقع على بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها التي تتعاون مع وزارة الدفاع في سبيل تلبية المطالب الإدارية والفنية (اللوجستية) للقوات المسلحة، حتى يكتمل إعدادها من أجل خوض عملية الصراع المسلح. وإن العامل الرئيسي في تأمين مطالب القوات المسلحة من الاحتياجات هو تحديد مطالبها بدقة. ويؤثر على هذه المطالب بعض العوامل مثل: حجم التجميعات الاستراتيجية والعملياتية المخصصة للصراع، وطبيعة المهام المسندة إليها، وطبيعة الصراع المنتظر وشدته والمدة المتوقعة لاستمراره وقوة العدو وطبيعة مسرح العمليات.
كما يجب في كل الأحوال، التقدير الواعي والعميق لتطورات الموقف العسكري المتوقع، حتى يأتي تقدير مطالب القوات المسلحة سليماً. ويعتبر الاحتفاظ باحتياطي استراتيجي مناسب من الاحتياطيات المختلفة من الأسس الهامة عند التخطيط لتأمين القوات. ونظراً لأهمية هذا الاحتياط الذي يؤثر بشدة على مدى قدرة الدولة والقوات على الاستمرار في الصراع، فإنه من المهم تقسيمه إلى مستويات متدرجة، وهي كالتالي:
<= احتياط الطوارئ ويحتفظ على مستوى التشكيلات والقيادة العامة لمواجهة الاستهلاك خلال العمليات الحربية.
<= الاحتياط الاستراتيجي ويعتبر جزءاً من مخزونات الدولة، ويوضع تحت تصرف القيادة العامة لمواجهة أي زيادة في الاستهلاك أو أية ظروف غير متوقعة.
<= احتياطي الدولة ويخصص لمواجهة مطالب الشعب والقوات المسلحة في حالة الاستهلاك الكبير غير المنتظر للمواد نتيجة للتدمير الشديد لبعض مصادر الإنتاج أو حدوث توقف فيها. ويتم الاستهلاك حتى تتم عملية إعادة البناء والتشغيل.
وبالإضافة إلى (احتياطي الدولة) في المواد الرئيسية، فإن على كل مؤسسة أو مصنع أن يحتفظ بجزء من المواد الخام والمنتجات الجاهزة أو نصف المصنعة كاحتياطي خاص بها لمواجهة المواقف الطارئة، كما يجب الاحتفاظ باحتياطي من الطاقة اللازمة لتشغيل مصادر الانتاج بمختلف أنواعها. ولا شك أن الدول غير المنتجة لمتطلبات القوات المسلحة وشعبها والتي تعتمد إلى حد كبير على استيراد هذه المتطلبات من الخارج سوف تواجه أقسى المواقف وأصعبها في حالة تحكم هذه المصادر الخارجية فيها، وامتناعها أو حبس بعض متطلباتها عنها.
مما يدعو بإلحاح إلى أن تعمل الدولة على إقامة المصانع المختلفة، وتأمين مصادر الانتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل والجزئي، وخاصة بالنسبة للمواد الاستراتيجية، كما عليها أن تتعاون مع مثيلات من الدول لتتكامل في إنتاج متطلبات الصراع. ونوصي بهذه الناحية الدول العربية وخاصة الدول الخليجية الشقيقة والمبادرة إلى إقامة (صناعة عسكرية) متطورة. وإذا لم تصل الدولة إلى تحقيق ذلك فليس أمامها إلا تخزين الاحتياطيات المطلوبة من الاحتياجات المختلفة. مع ما يشكل ذلك من عبء على الاقتصاد الوطني.
6 إعداد مسرح العمليات وتجهيزه:
يعتبر مسرح العمليات من أكثر العوامل تأثيراً على إعداد القوات المسلحة وأسلوب تنفيذها لمهامها القتالية. والهدف من تجهيز مسرح العمليات هو إتاحة الظروف المناسبة لسرعة انتشار القوات وسريتها على الاتجاهات المختلفة، مع توفير أكبر قدر من الوقاية لها، وخاصة ضد تأثير أسلحة التدمير الشامل، كما يهدف إلى إتاحة أنسب الظروف للاستخدام المؤثر لجميع أسلحة القتال ومعداته، مع تحقيق إخفاء القوات وتمويهها، وإعاقة أعمال العدو.
ونظراً إلى التطور الكبير في وسائط الصراع المسلحة وبعد مداها فقد أصبحت الحاجة إلى اعتبار كل أراضي الدولة مسرحاً للعمليات. يجب تجهيزه وإعداده بما يخدم بصورة مباشرة أو غير مباشرة عمليات القوات المسلحة. خلال القتال، في أية بقعة من أراضي الدولة، وبما يوفر الوقاية والأمن للشعب وللموارد الاقتصادية وغيرها. ويتضمن إعداد أراضي الدولة كمسرح للعمليات كل الأعمال التي تؤمن حشد القوات المسلحة وتحركها وانتشارها، وتعزيز صمودها وتقليل آثار الضربات المعادية ضدها، والمساعدة على خدمة المجهود الحربي وتأمين مطالب الشعب في أثناء الصراع المسلح. ومن أبرز النواحي التي يجب إعدادها في هذا المجال: إعداد شبكات المطارات، إعداد القواعد البحرية والموانئ، إعداد شبكات طرق النقل المختلفة، إقامة الجسور والأنفاق بما يخدم المجهود الحربي، إقامة شبكات أنابيب المياه والوقود، إعداد المستودعات والمخازن الرئيسية، إعداد نظام السيطرة ومقراته.
7 تنظيم الاستطلاع الاستراتيجي وإدارته:
من دراسة التدابير الرئيسية السالفة الذكر والمتعلقة في عملية بناء القوات المسلحة وإعدادها للحرب. نجد أن العامل المشترك الدائم في الإعداد السليم هو وجود المعلومات الصحيحة وتوفرها عن العدو، والتي لا يمكن توفرها إلا بوجود نظام متين وكفء للاستطلاع.
إن المهمة الأولى للاستطلاع هي الحصول على المعلومات باستمرار عن العدو ومتابعة نشاطاته المختلفة زمن السلم، بما يضمن عدم مفاجأته لنا وإتاحة الفرصة لقواتنا للاستعداد، واتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لصد العدوان قبل بدايته (وهو في مهده) ولا تقتصر مهمة الاستطلاع الاستراتيجي على النواحي العسكرية. بل تشمل أيضاً كل النواحي المتعلقة بالمجهود الحربي لدى العدو.
كذلك يهدف الاستطلاع الاستراتيجي إلى معرفة نوايا العدو، والحصول على المعلومات الخاصة بخطط السياسة والعسكرية وإجراءات التعبئة، ومعرفة قدراته العسكرية والاقتصادية والعلمية والفنية (التكنولوجية)، ومعدات القتال لديه، ومدى تطورها، والحالة المعنوية لمواطني العدو، سواء في القوات المسلحة المعادية أو خارجها. ومدى تجهيز مسرح العمليات المنتظر، أي كل ما يتعلق بالعدو، وكل ما يؤثر على الصراع المحتمل.
والحصول على كل هذه المعلومات الاستراتيجية لا يقع على عاتق أجهزة الاستطلاع العسكري الاستراتيجي (الاستخبارات العسكرية) فحسب، بل على عاتق أجهزة الدولة الأخرى التي تقوم بدور كبير في الحصول على المعلومات. فالدبلوماسيون في الخارج والمستشارون الاقتصاديون والملحقون الإعلاميون والثقافيون في السفارات لهم دور كبير في هذا المضمار، مما يوجب تأهيلهم تأهيلاً عالياً على هذه الأعمال. وذلك بإلحاقهم في الكليات العسكرية العليا مثل (كلية الدفاع الوطني). بحيث يستطيعون متابعة النشاطات المختلفة التي يقوم بها أعداء الدولة، والخروج باستنتاجات سليمة عن هذه النشاطات وإبلاغها عن طريق الأجهزة المختصة في الوقت المناسب.
أما الأجهزة العسكرية المسؤولة عن الاستطلاع الاستراتيجي العسكري فيجب أن لا يقتصر عملها على النواحي العسكرية البحتة. بل يجب أيضاً أن تتابع النواحي السياسية والاقتصادية والحربية للدولة أو الدول المعادية. وهي تعتمد لتحقيق مهمتها على الملحقين العسكريين في الخارج، كما تعتمد أيضاً، وعلى نطاق واسع، على وسائل الاستطلاع الالكتروني والجوي والبحري والفضائي. كما أصبحت تعتمد على المعلومات المتلقاة من الأقمار الصناعية المخصصة للاستطلاع.
إن الاستطلاع الاستراتيجي عمل كبير متشعب ومتداخل، لكنه لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة منه إلا إذا كان هناك تنظيم وتنسيق بين وسائله المختلفة حتى لا تتعارض الجهود أو تتكرر. ومن هنا تظهر أهمية وجود جهاز واحد على مستوى الدولة يكون مسؤولاً عن هذه المهمة الخطيرة =>