mi-17
المدير وزيــر الدفــاع
الـبلد : المزاج : الحمد لله التسجيل : 23/02/2013 عدد المساهمات : 43833 معدل النشاط : 58585 التقييم : 2418 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: عسكرة البحر المتوسط .. السياق، المظاهر والاتجاهات الثلاثاء 9 أبريل 2024 - 16:25 | | | عند الحديث عن البحر الأبيض المتوسط لا بد من استحضار حقيقتين متكاملتين، ولكنهما مختلفتين. فالبحر المتوسط بحر صغير مغلق تقريباً، يمثل أقل من 1 % من الامتداد البحري للكرة الأرضية، ويمتد من جبل طارق إلى ساحل الشرق الأدنى. ولكنه يشمل أيضاً جميع الأراضي التي يحدها، وهي فسيفساء حقيقية من البلدان، والشعوب، واللغات، والأديان. ومن ثم يظهر الفضاء البحري للمتوسط باعتباره يربط هذه المكونات ويجعلها وحدة جغرافية. ولكنها وحدة جغرافية معقدة، فهي عبارة عن تجمع لمصالح متقاطعة ومتناقضة.فهو نقطة التقاء ثلاث قارات «آسيا و إفريقيا و أوروبا»، والديانات التوحيدية الثلاث، والدول الغنية والفقيرة. ولم يتم توحيد هذه الفسيفساء الإنسانية والسياسية والثقافية والدينية والاقتصادية سياسياً أبداً «باستثناء فترة قصيرة تحت حكم الإمبراطورية الرومانية». بل على العكس من ذلك، فإن تاريخ المنطقة يظهر سلسلة متواصلة من الصراعات بجميع أنواعها، والتي وضعت الجزء الشرقي من المتوسط ضد الغربي، والشمال ضد الجنوب، ناهيك عن الصراعات المحلية التي لا تعد ولا تحصى.كما يشكل البحر المتوسط أحد الفضاءات الجيوبوليتيكية الأكثر أهمية في العلاقات الدولية، ليس فقط لتوسطه ثلاث قارات، ولكن أيضاً لكونه معبراً يصل المحيط الهندي بالأطلسي وخطاً بحرياً للطاقة وشرياناً حيوياً للتجارة الدولية. إن 25 % من حركة الملاحة البحرية العالمية و30 % من حركة النفط تمر عبر البحر الأبيض المتوسط. كما اكتشف فيه مؤخراً احتياطيات ضخمة من الغاز، خصوصاً في منطقته الشرقية.الهدف من هذه الدراسات البحرية هو توفير مفاتيح لفهم الوجود المتزايد للقوات البحرية في هذا الفضاء المعقد في السنوات الأخيرة، واستشراف الملامح الرئيسية لمستقبله ومن أجل تحقيق ذلك تنقسم الدراسة لجزأين:الأول: سيلقي الضوء باقتضاب على سياق تزايد وجود القوات البحرية في منطقة المتوسط. الثاني: سيحلل مظاهر واتجاهات تزايد وجود القوات البحرية في منطقة المتوسط 2028-2024..سياق تزايد عسكرة البحر المتوسطفي هذا السياق، ترى القوى الكبرى البحر الأبيض المتوسط منطقة حيوية لا يمكن تركها دون مراقبة أو وجود مستمر لقواتها البحرية، ومن أهم ما يشهد على ذلك:1. التواجد المستمر للأسطول السادس البحري الأمريكي في عرض البحر الأبيض المتوسط، وكذا قواعدها العسكرية الموجودة في دول كثيرة في المنطقة.2. قيام روسيا في شهر يناير 2008 بأكبر استعراض عسكري لها في عرض البحر الأبيض المتوسط وقرارها بديمومة وجودها البحري في المتوسط بالأساس من خلال قاعدتها في جزيرة طرطوس السوريّة وتوسيعها خلال الأعوام الأخيرة.3. تنامي الوجود البحري الصيني في المتوسط منذ قيام قواتها البحرية بإجلاء 60 ألفاً من مواطنيها العمال الصينيين من ليبيا عقب التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي أثناء ما يسمى بالربيع العربي، والذي تزايد بعد انضمام دول المنطقة إلى مبادرة الحزام والطريق ونمو العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية – المغاربية بشكل كبير، خصوصاً مع الجزائر التي أصبحت شريك الصين الاقتصادي الأول في المنطقة والمستورد الأول للأسلحة الصينية في القارة الإفريقية.4. المناورات العسكرية المشتركة بين روسيا والصين والتي بدأت عام 2015 في البحر الأبيض المتوسط. أصبح التنافس الصيني الأمريكي محسوساً بالفعل في البحر المتوسط، على الرغم من أنه ما زال محصوراً حتى الآن بالأساس في مجال الاقتصاد والنفوذ، وذلك نظراً للوجود والتأثير الصيني الكلي أو الجزئي على بعض موانئ البحر الأبيض المتوسط، من أهمها: بيريوس، فالنسيا، كومبورت، مالطا، طنجة، جنوة. من جانب آخر، الصراعات الكامنة بين بعض الدول المتشاطئة للبحر المتوسط، والمواقف الاستفزازية أحياناً لبعض الجهات الفاعلة الإقليمية، والعواقب البحرية للحرب في أوكرانيا، وتزايد التحديات التي تواجه أمن البحر المتوسط، وأبرزها الجماعات الإرهابية والمرتزقة والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن التحديات الأخرى التي تواجه تعزيز الأمن البحري وحماية ثروات البحر المتوسط، قد زادت من التوترات المتعددة التي يمر بها البحر المتوسط. فعلى سبيل المثال، عندما لاحظت إسرائيل أن هناك محاولات إيرانية لنشر غواصات في الموانئ السورية عززت وجودها العسكري في البحر الأبيض المتوسط ونشرت أنظمة متطورة ترسل إنذارات مبكرة ومنصات القبة الحديدية المضادة للصواريخ وزوارق دورية.كما أنشأت مصر قاعدة «3 يوليو» البحرية في منطقة جرجوب بمحافظة مطروح، لتمثل نقاط ارتكاز ومركز انطلاق للدعم اللوجستي للقوات المصرية في البحر المتوسط، لمجابهة أي تحديات ومخاطر بالمنطقة ولحماية أول محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بالقرب من موقع القاعدة. مظاهر واتجاهات تزايد عسكرة البحر المتوسط 2028-2024بالنسبة للمراقبين، تتجلى زيادة وتيرة التسلح البحري والوجود المتزايد للقوات البحرية في منطقة البحر المتوسط من خلال بعض الأمثلة من أبرزها:1. حصول مصر مؤخراً على حاملات طائرات هليكوبتر وغواصات وفرقاطات متعددة المهام.2. تحديث الأسطول الجزائري من الفرقاطات والغواصات القادرة على إطلاق صواريخ كروز.3. زيادة قوة الأسطول التركي بفضل البناء المحلي لحاملة طائرات وعدة فرقاطات واقتناء أحدث جيل من الغواصات اللاهوائية في ألمانيا.من جانب آخر، في هذا العام 2024، انقسمت أساطيل البحر الأبيض المتوسط إلى مجموعتين:تلك التي يقل متوسط أعمارها على 15 عاماً «فرنسا والجزائر ومصر وإسرائيل» وتلك التي يتراوح متوسط أعمارها بين 22 و32 عاماً «إيطاليا وإسبانيا وتركيا واليونان». وفي عام 2028، أربع سنوات من الآن سوف يتسارع الاتجاه نحو التجديد، خاصة بالنسبة للأسطول الإيطالي «سيخفض متوسط عمره بمقدار 11 سنة»، والتركي «سيخفض متوسط عمره بمقدار 10 سنوات»، والإسباني «سيخفض متوسط عمره بمقدار 9 سنوات»، بالطبع بشرط متابعة برامج الاستحواذ الحالية والتجديد المعلن عنها. وبشكل عام في غضون أربع سنوات، سينخفض متوسط عمر الأساطيل القتالية في البحر الأبيض المتوسط من 20 إلى 15 عاماً.ولا تتوقف روسيا عن ترسيخ هذا الوضع، ففي عام 2022 قامت موسكو بتدريبات ضخمة شهدت حضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي تفقد من ميناء طرطوس السوري التدريبات البحرية في الجزء الشرقي من البحر المتوسط. مما أوجد في البحر المتوسط بحسب الخبير العسكري الروسي، فلاديمير غونداروف، وضعاً فريداً، حيث يوجد، ثلاث مجموعات من حاملات الطائرات. واحدة إيطالية تعمل باستمرار في البحر المتوسط، واثنتان أخريان، فرنسية وأمريكية، تقودهما حاملات طائرات نووية. في الوقت نفسه، وصلت سفن روسيا الصاروخية، كما أجرت مناورات عسكرية مع الجزائر في غرب البحر الأبيض المتوسط نهاية عام 2023، ولقد تم إنشاء مركز عمليات مشتركة خصيصاً، يضم ضباطاً من البحرية الروسية والجزائرية، كما تم تشكيل مقر بحري لإدارة التعاون البحري بين الجانبين. الخلاصةبالرغم من النقص في الأسلحة أو زيادة أعمارها في أساطيل دول غرب المتوسط وحلفائها والزيادة والتجديد في أساطيل شرق وجنوب المتوسط وحلفائه، فإن هذا لا يعني على المستويين القصير والمتوسط تفوق تلك الأساطيل على نظيرتها الغربية. فعلى سبيل المثال لا توجد فرقاطات ثقيلة تزيد حمولتها على 6000 طن، ومخصصة للحرب المضادة للطائرات والغواصات إلا في أساطيل دول غرب البحر الأبيض المتوسط، وذلك ضمن الأساطيل الفرنسية والإيطالية والإسبانية «25 من أصل 28 اليوم، و32 من أصل 36 بعد خمس سنوات». وأيضاً وتوجد فرقاطات ثقيلة تزيد حمولتها على 6000 طن أمريكية «4 أو 6 مقرها الرئيسي في إسبانيا» وفرقاطة بريطانية واحدة في جبل طارق، ولا تمتلك أي من الفرقاطات الأخف وزناً التابعة للقوات البحرية المتوسطية الأخرى أجهزة استشعار وأسلحة مماثلة لتلك الفرقاطات الثقيلة. كما تشكل، حتى الآن، القوات البحرية الفرنسية والإيطالية والإسبانية وحدها 40 % من السفن الرائدة في أساطيل البحر الأبيض المتوسط، و60 % من قدرات الحمولة، و90 % من الفرقاطات الثقيلة، و75 % من حاملات الطائرات. ما يمكنها بسهولة نسبية لتأمين البحر الأبيض المتوسط من خلال القيام بدوريات مشتركة في هذا البحر شبه المغلق وممارسة وجود رادع، شريطة أن تكون باريس وروما ومدريد في مرحلة من التعاون الوثيق.ولكن على الجانب الآخر، فإن قدرات منع الوصول A2AD والدفاعات الساحلية المحسنة موجودة في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وكذلك ثلثي الغواصات الهجومية الموجودة في البحر المتوسط توجد في أساطيل دول جنوب وشرق المتوسط. ما يعنى أنه بالرغم من أن القوات البحرية لدول شرق وجنوب المتوسط لا تستطيع تحدي أساطيل دول غرب المتوسط وحلفائها في أعالي البحار، فإنه بإمكانها بسهولة حرمان أساطيل دول غرب المتوسط وحلفائها من الوصول إلى شرق البحر الأبيض المتوسط من خلال تحويل هذه المنطقة إلى «بحيرة» ضمن نطاق نيران دفاعاتها الساحلية، وغواصاتها وقاذفاتها المقاتلة الأرضية المسلحة بصواريخ مضادة للسفن.وبالتالي يري بعض المراقبين الغربيين أن السواحل الجزائرية وشرق البحر الأبيض المتوسط ربما تعود مرة أخرى «كما حدث أثناء الحرب الباردة» مناطق بحرية خطيرة ومحفوفة بالمخاطر للأساطيل البحرية لدول غرب المتوسط وحلفائها، خصوصاً عند الوضع في الاعتبار سفن إسكادرا الروسية التي تبحر في البحر الأبيض المتوسط وتتميز بصواريخها التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والتي تزيد آثار ضرباتها البحرية عشرة أضعاف الصواريخ التقليدية. مما قد يغري بعض دول شرق وجنوب المتوسط القريبة من روسيا بالاستحواذ عليها، خاصة في سياق الزيادة الكبيرة في الميزانيات العسكرية لتلك الدول في الآونة الأخيرة. » الأستاذ الدكتور وائل صالح
(خبير بمركز تريندز للبحوث والاستشارات(
|
|