عادت التكهنات بدخول مصري محتمل في ليبيا مرة أخرى خلال الساعات الأخيرة، بعد أن قال رئيس البرلمان الليبي المنتخب عقيلة صالح إن "ليبيا قد تضطر إلى دعوة القوات المسلحة المصرية للتدخل إذا حصل تدخل أجنبي في بلادنا".
ومنذ أعلنت أنقرة توقيعها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، بدأت وسائل إعلام مصرية فضلا عن مسؤولين بالتلويح بإمكانية الدخول عسكريا في ليبيا بشكل مباشر إذا احتاج الأمر، إلا أن دعوة رئيس البرلمان الليبي مؤخرا كانت لافتة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد صرح في ديسمبر الماضي خلال مؤتمر بمنتدى شباب العالم في شرم الشيخ، بأن مصر "لم تتدخل بشكل مباشر في ليبيا"، رغم أن القاهرة قادرة على القيام بذلك، على حد تعبيره.
وتدعم مصر المشير خليفة حفتر الذي يقود حملة عسكرية ضد حكومة الوفاق في طرابلس، التي تحظى بدعم من تركيا.
وفي حال قررت القاهرة التدخل في ليبيا عسكريا، فإنها لن تكون المرة الأولى، فتاريخ التدخل والعمليات العسكرية المصرية في ليبيا يعود إلى عصر الرعامسة والمملكة المصرية الحديثة (استمرت من 1550 ق.م إلى 1069 ق.م).
ومن المفارقات أن الصدام العسكري الذي حدث بين المصريين في عهد رمسيس الثالث والليبيين، كان بسبب تدخل مصري في تنصيب قائد على القبائل الليبية آنذاك.
فيما يلي، أبرز الصدامات العسكرية بين مصر وليبيا، منذ عصر الفراعنة وحتى اليوم.
حروب الرعامسة والليبيين
يعتبر الملك المصري رمسيس الثالث أحد أبرز ملوك عصر العرامسة، إلا أن فترة رمسيس الثالث شهدت اصطدامات عسكرية من شعوب البحر في الشمال، والليبيين من الغرب، بحسب الموسوعة البريطانية.
وتحكي آثار رمسيس الثالث (حكم بين 1186 ق.م –1155 ق.م) في معبد الكرنك جنوب مصر، بأن تحالفا من القبائل الليبية غزا مصر من الغرب في السنة الخامسة من حكمه، بحجة أن الملك المصري تدخل في تنصيب رئيسهم. وقد استطاع رمسيس الثالث هزيمتهم في معركة وقعت غرب الدلتا.
تجدد الصدام بين المصريين والليبيين في عهد رمسيس الحادي عشر (1107 ق.م –1077 ق.م)، بعد نشوء تحالف من القبائل الليبية ودخولها منطقة غرب الدلتا، ما استدعاه لقتالها، وبالفعل استطاع الانتصار عليه وأسر زعيمها، بحسب الموسوعة البريطانية.
حرب الأربعة أيام
حرب قصيرة استمرت لأربعة أيام فقط، اندلعت في 21 يوليو عام 1977، وانتهت في 24 من الشهر ذاته، وذلك بعد تدهور العلاقات بين مصر برئاسة أنور السادات، وليبيا برئاسة معمر القذافي.
وكان السبب الرئيسي في هذا التوتر هو جنوح كل من مصر وإسرائيل إلى الوصول لعملية سلام في ظل معارضة القذافي، الذي دعا إلى تظاهرة على الحدود المصرية، انتهت بقصف مدفعي ليبي على مدينة السلوم يوم 21 يوليو، أعقبه هجوم بالدبابات الليبية على المدينة.
قامت القوات المصرية بنصب كمين لهذه الدبابات، ثم شنت هجوما مضادا استخدمت فيها غارات جوية على قاعدة عسكرية ليبية، وأرسلت قوة ميكانيكية داخل الحدود الليبية بمقدار 24 كيلومتر، قبل الانسحاب.
وفي اليومين التاليين، تبادل البلدان القصف المدفعي، فيما أغارت قوات خاصة ومقاتلات مصرية على مواقع ليبية.
وفي 24 يوليو، أطلق المصريون غارة كبيرة على قاعدة جمال عبد الناصر التي كانت تحوي مخازن الإمدادات الليبية، وفي نفس اليوم توقفت العمليات بوساطة الرئيس الجزائري هواري بومدين، وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
الحرب الأهلية الليبية
رغم حضور مصر في الملف الليبي بشكل غير مباشر منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2014، كان الدخول المصري المعلن في 16 فبراير 2015، عندما شنت القوات الجوية المصرية غارة على مدينة درنة وسرت.
وكان السبب الرئيسي في التدخل المصري، هو ذبح تنظيم داعش 21 مواطنا قبطيا مصريا كانوا يعملون في ليبيا، وبحسب المصادر المصرية فقد أودت الغارات بحياة 64 شخصا في مدينتي درنة وسرت.
وعادت القوات المصرية الجوية لتنفذ غارات في مايو 2017 بالتنسيق مع قوات حفتر، على مواقع لتنظيم داعش، وذلك بعد وصول معلومات للجانب المصري عن مشاركة تنظيم داعش في حادث حافلة المنيا.
وكان فرع تنظيم داعش في مصر المسمى بـ "ولاية سيناء" قد أعلن تبنيه في 26 مايو 2017، هجوما إرهابيا استهدف حافلة تقل عددا من الأقباط في محافظة المنيا بصعيد مصر، ما أدى إلى مقتل 29 شخصا وإصابة 24 آخرين.
معركة تحرير طرابلس 2019
رغم عدم تدخل مصر مباشرة منذ إطلاق المشير خليفة حفتر عملية تحرير طرابلس في 12 ديسمبر 2019، فإن علامات الدعم العسكري المصري لم تخطئها عيون المراقبين.
ومنذ اندلاع الاشتباكات بين قوات حفتر والوفاق، تم رصد مدرعات مصرية من طراز Terrier IT-79، التي ظهرت لأول مرة في معرض "أيديكس 2018" في الإمارات.
ولا يقتصر الدعم المصري على تقديم الأسلحة والمدرعات، وإنما يشمل تنفيذ غارات جوية، إذ إن مقاتلات المشير خليفة حفتر الروسية القديمة لا تستطيع تنفيذ غارات جوية في مدن بعيدة، بينما تستطيع المقاتلات المصرية القيام بذلك، وفقا للباحث السياسي أحمد صلاح في حديث سابق مع موقع الحرة.
كما تقدم مصر الدعم السياسي والإعلامي لمعسكر حفتر. وقد أعلن رئيس مجلس النواب المصري سابقا الاعتراف بمجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح، والمتمركز في مدينة طبرق، "جسما شرعيا وحيدا" يمثل دولة ليبيا.
مصدر