( هكذا وقع النقيب لانغ في قبضة التوارق )
ارتبطت الرحلات الإستكشافية بالصحراء الإفريقية، و لصعوبة للنقل عبر الصحراء كان جل الرحالة يقعون فريسة الأمراض و الأوبئة فيتوفون و آخرون يقتلون حتى لا تنتقل العدوى ، فقد تميزت حياة الترحال بالمغامرات، من أجل اكتشاف العالم و أسرار الحكومات ، حيث صبغت حياة بعض الرحالة بالتجسّس و نقل الأخبار، خاصة و أن بعضهم كانوا جنودا أو قادة عسكريون، فلكل مغامر قصته، إلا أن قصة النقيب غوردن لانغ مثيرة، كانت مهمته عقد معاهدة سلام مع قادة القبائل الإفريقية، ليجد نفسه في قبضة التوارق قبل أن يقتل بسبب الوباء، كان هذا مختصر من حياة الرحّالة و مغامراتهم في اكتشاف الصحراء الإفريقية في تقرير أعدته مجموعة من المؤرخين نشره المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ الجزائر بعنوان "طريق القوافل" بالتعاون مع اللجنة الوطنية لليونسكو
شهدت الصحراء الإفريقية خلال العصور الوسطى مدًّا إسلاميا واسعا عن طريق تجار و سكان المغرب العربي و صعيد مصر و بلاد الحبشة، و لعب المرابطون و الموحدون دورا هاما و بارزا في نشر الدين الإسلامي حتى أعماق الصحراء، و استهوت التجارة الواسعة بالصحراء الدول الأوروبية فعزمت على غزو الصحراء و استعمارها ، فاهتم الأوروبيون بمعرفة الطرق الصحراوية و تتبع منابع الأنهار الإفريقية كالنيل و النيجر و غامبيا و غيرها و أسست لهذا الغرض عدة جمعيات جغرافية و علمية تكفلت بإرسال البعثات الإستكشافية، و من هذه الجمعيات نقرأ عن "الجمعية الإفريقية" (The African Association)، تأسست هذه الجمعية عام 1788 و قامت في البداية بإرسال ثلاثة من الرحالين و هم: الألماني هورن مان، لوكاس و ليد بارد في رحلات متتابعة، إلا أنهم توفوا جميعا بسبب المرض أو قتلوا، و لما أسس البريطانيون مراكز تجاربة بغامبيا، اتجهت الأنظار بعد ذلك إلى نهر غامبيا للشروع في إرسال بعثات استكشافية أخرى، كما أرسل الميجر هيبتون الذي كان قنصل مراكش و بدأ هذا الأخير رحلته سنة 1790 في تتبع صب نهر غامبيا و توغل نحو الداخل ، فكان مصيره كمصير من سبقوه، حيث انقطعت أخباره و لم يعد العالم يسمع عنه شيئا.
رغم هذه الأحداث المأساوية استمرت الجمعية الإفريقية في أبحاثها و استكشافاتها حيث تم اختيارها على رحالة اسكتلاندي و هو الطبيب مونغوبارك Mungo Park كانت مهمته التعرف على نهر النيجر و تتبعه إلى مصبه، إلا أنه وقع في قبضة تجار الرقيق، و تم حجزه، لكنه استطاع أن يسرق حصانا و يهرب ليدخل سلطنة "بامبارا " و منها إلى مدينة سيغو ، كان ذلك في جوان 1796 ، حسب الكتابات طبعا كان سكان هذه المدينة جدّ متحضرين، و من مدينة سيغو انتقل بارك مدينة تسيلا، إلا أنه في هذه المرة وقع اسير المرض و بالرغم من ذلك واصل رحلته نحو الجنوب باتجاه باماكو ليقع مرة أخرى بيد اللصوص و قطاع الطرق ،حيث جردوه من كل شيئ يمتلكه من مال و عتاد، ليدخل بلاد "الماندانغ" و استقر في مدينة كاماليا حتى أفريل 1797 ، و كان في كل ترحاله يدون عادات و تقاليد الشعوب و ثقافتهم و كيف تتم الصفقات العمومية في كل بلد يزوره خاصة طريقة بيع العبيد و تداول الذهب و العاج و الجواهر الثمينة.
كانت الأخبار تصل بريطانيا أولا بأول عن الثروات الإفريقية ، مما دفعها إلى احتلال هذه المناطق و أن تتدخل بقوة في أفريقيا لكي تستحوذ على خيراتها، لم تكن افريقيا بلاد الوحوش كما تصورها الغرب، ما سمعته بريطانيا عن الشعوب الإفريقية شجعها لتكليف بارك مرة ثانية للقيام برحلة جديدة للتعمق في أعماق أفريقيا، فشد بارك الرحال نحو غامبيا ، لكن هذه المرة كان برفقة 35 جنديا حتى وصل باماكو، إلا أن الأمراض و الأوبئة تمكنت منهم فمات العديد من رفاقه، ليقع هو في كمين قتل فيه مع ما تبقى من رفاقه الجنود، و بعد عام 1815 أرسلت بريطانية فرقا أخرى من عساكر، أطباء و مكتشفين و منهم الدكتور اودني و الملازم كلابرتون و النقيب ديكسون، فبدأوا رحلتهم من طرابلس و منها عبروا الصحراء إلى الجنوب من أجل الوصول إلى نهر النيجر، تُعَرِّفُنَا مذكرات الرحّالة بقصة الأخوين لاندر و جون اللذان سافرا إلى النيجر لينزلا في باداغري في 31 مارس 1830 يرافقهما مترجم لأنهما لم يكونا يفهما اللغة الأفريكانية و زاروا عدة مناطق منها يوسا و براسيا، إلا أن لاندر وقع في الأسر و بِيعَ في سوق العبيد و بمساعدة بعض البريطانيية تم تحريره و تمكينه من الهرب، القصة الأكثر إثارة هي قصة النقيب غوردن لانغ .
بدأت رحلة لانغ بطلب من الجمعية الإفريقية عندما رأت فيه حب الإقدام و المخاطرة و المغامرة، خاصة و أن النقيب غوردن لانغ سبق و أن كلف بمهمة في سيراليون ضمن صفوف الجيش البريطاني لعقد معاهدة سلام مع القبائل الإفريقية عام 1820 ، فطلبت منه الجمعية الإلتحاق بمدينة تمبكتو من أجل الإنظمام إلى رحلة كلابرتون بسوكوتو، غادر لانغ لندن للوصول إلى طرابلس، لكنه في منتصف الطريق هاجمه "التوارق" و اعتدوا عليه و سلبوا أمواله و قاموا بتعذيبه، ظنا منهم أنه جاسوس و تركوه و انصرفوا فقام مرافقه يدعى الشيخ باباني بإسعافه، و كانت لهذا الأخير سمعة طيبة في طرابلس حيث حمله إلى قبيلة من أصل عربي، كانت الأمراض و الأوبئة متفشية بين أفراد هذه القبيلة فغادرها و واصل رحلته، إلى أن وصل إلى تمبكتو، لم يكن لانغ يعلم أنه أصيب بالوباء، و لإصابته بالوباء بدت عليه أعراض المرض، فقام قائد القافلة بقتله حتى لا يتفشى الوباء في القافلة فيقضي على العديد منها لذلك عمل إلى التخلص منه، و هكذا ظلت تمبكتو مجهولة لدى الأوروبيين إلى أن جاء مغامرون أخرون و منهم المغامر الفرنسي رونيه كاييه و التي منها زار العديد من المناطق الصحراوية من طنجة و فاس مكناس و الرباط بالمغرب الأقصى إلى الجنوب الغربي الجزائري.
قراءة علجية عيش