( الوشم ممنوع في الجيش و بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية تأشيرة العبور نحو عالم الشغل)
الخدمة الوطنية إجراء فرضته معظم الدول لتدرب أبناءها من الشباب على الإنضباط و تحمل المسؤولية، و التضحية من أجل الوطن، لكن معظم الشباب إن لم نقل غالبيتهم يرفضون الذهاب لأداء هذا الواجب، فما أن يبلغ الشاب سنة الـ: 18 إلا و يتملكه القلق و حتى عائلته، و تجدهم متخوفون لدرجة أن البعض منهم يبتكر الأسباب و الأعذار، فهذا يحتج بالدراسة، و آخر يقول أنه وحيد والديه و أنه مسؤول على رعايتهم، و الثالث يتيم و مسؤول كذلك على تربية إخوته و لا يقدر على تركهم وحدهم بدون راعٍ، و آخرون يجدون في المرض سببا كافيًا للتهرب و عدم الذهاب، أو كما يقال يتغطى بورقة توت، ما جعل الوزارة الوصية ( الدفاع الوطني) تضع شروطا لا يستطيع الشاب أو العائلة التهرب منها و هي اشتراط بطاقة الإعفاء من الخدمة الوطنية في ملف التوظيف، حيث تحولت هذه البطاقة إلى تأشيرة عبور نحو عالم الشغل، و هنا يجد الشاب نفسه مجبرا على أداء الخدمة الوطنية،علما أن الدولة وضعت في السنوات الأخيرة و من باب التجشيع بعض التسهيلات مثل تقليص مدة أداء الخدمة الوطنية، و تخصيص منحة شهرية لكل واحد.
لا أحد يشك أبدا أن السياسة العسكرية التي وضعتها الدولة الجزائرية في تجنيد الشباب تدخل في إطار تحقيق وظيفة الدفاع عن سيادتها وحدودها، و مواجهة التحديات الكبيرة المتوقعة في المستقبل و في إطار تحديث المؤسسة العسكرية و بناء جيش قوي يعتمد عليه، كون المجندون سيكونون خلفا لمن سبقوهم لمّا يحالون على التقاعد أو يتوفى واحد منهم لا قدر الله، إلا أن الظروف التي يعيشها الشباب داخل الثكنات العسكرية قاسية جدًّا حسبما يرويه بعض الشباب المنتهية مدته أي العائد من الخدمة، المسألة لا تتعلق بصعوبة التدريب، و إنما طريقة المعاملة القاسية التي يتلقونها، أين يجد المسؤولون على تدريبهم مجبرون على ذلك حتى يُعَوِّدُوا الشباب على الإنضباط و قد رفعت بعض الدول شعار: "كل شيء يبدأ بالانضباط"، لأنه كما يقال جيش بلا انضباط هو سيرك، و لذا هم يدربونهم على الصّرامة و الإقدام في مواجهة الصعوبات في وقت الأزمات ( الصراعات و الحروب ) و بالخصوص مواجهة الجماعات الإرهابية ، مثلما حدث في الجزائر خلال العشرية السوداء، و وفاة الكثير منهم، ناهيك عن طريقة التحويل، و هنا يجد الشباب صعوبة في التأقلم مع الوضع، خاصة الذين يُحَوَّلون إلى الصّحراء، و يتعذر عليه رؤية أهاليهم لبعد المسافة و ما إلى ذلك، فنجد الأسرة لا تتقبل فكرة أن ابنها يذهب إلى الخدمة الوطنية، بحيث تلجأ إلى البحث عن طريقة تنجيه منها للحصول على بطاقة الإعفاء.
هذه الشروط حسب شهادات البعض تفقد العلاقات بين الجيش والمجتمع، وتكشف عن تغييرات في الجوهر، وليس فقط في الأسلوب، بحيث تجعل البعض ينظر إلى أفراد الجيش بنظرة تشاؤم و خوف، في حين هناك من تكون له رغبة شديدة في الإلتحاق بالسلك العسكري لأسباب عديدة منها اقتصادية كالبطالة و البحث عن المستوى الإجتماعي الراقي، و آخرى اجتماعية (المشاكل العائلية)، و الخدمة الوطنية تختلف عن الإلتحاق بالسلك العسكري، الأولى مدتها قصيرة فما أن ينهي الشاب مدته حتى يعود إلى الحياة المدنية و يعيش حياته بشكل عادٍ ماعدا في الحالات الإستثنائية عندما تكون البلاد في حالة لا إستقرار مثلا فيعاد استدعاءهم من جديد، و هم الذين يسمونهم les appelesو لهذا يرفض الشباب أداء هذا الواجب حفاظا على حياته من جهة و من جهة أخرى لأنه يرى نفسه لاعب احتياط ، خاصة و أن الذين يتم استدعاؤهم من جديد هم من أبناء الطبقة الإجتماعية الفقيرة.
أما الثانية فهي بمثابة قرار يتخذه الإنسان في حياته، للإلتحاق بالسلك العسكري للأسباب السالفة الذكر، إلا أن الجهة المكلفة باختيار الشباب الذي تراه مناسبا لهذه المهمة، تضع شروطا يمكن وصفها بالتعجيزية، و دون الحديث عن الصحة البدنية التي يجب ان يتمتع بها المقبل على "المقاجية" كما يسمونها، أي أن يكون سليم البدن و لا يعاني من أمراض مزمنة، و أن يكون حاد البصر، و أن لا تكون له كذلك سوابق عدلية أو متورط في قضايا إرهابية، نجد بعض الشباب الراغب في الإلتحاق يصطدم أمام بعض الشروط التي يرون أنها تعجيزية، و من هذه الشروط رفض"الوشم"، فعندما يخضع الشاب إلى الفحص الطبي ( العضوى و النفسي) و يلاحوزن وجود وشم في يده مثلا يتم رفضهم، و كثير من الشباب رغبوا في الإلتحاق بالسلك العسكري تم رفضهم لهذا السبب (وجود الوشم) ، و أصابهم الإحباط رغم حسن سلوكهم و تعطشهم للإلتحاق بالمؤسسة العسكرية، و اصبحوا يشعرون باهتزاز الثقة في انفسهم ، ما دفع بالكثير من الشباب الجزائري إلى الهجرة الغير شرعية ( الحرقة)، أو الإرتماء في أحضان الإدمان هروبا من واقعهم.
هي كما أسلفنا شروطا تعجيزية، فالشاب في سن المراهقة قد يقوم بسلوكات هي في نظر القانون ليست جريمة، فهل الوشم جريمة؟ فقد كانت النساء في الجزائر في وقت مضى يقمن بعملية الوشم لدوافع معينة خاصة في مناطق الشاوية، حسب العادات و التقاليد التي دأب عليها المجتمع الجزائري، و مهما تعددت الأسباب يبقى السؤال مطروحا لماذا يرفض الشباب الخدمة الوطنية، في وقت نجد نساءً التحقوا بالجيش، و ارتقوا إلى مراتب عليا، فنجد اليوم المرأة جنرال، و بغض النظر عن موقعها في المجتمع المحافظ، إلأى أن تكون امرأة برتبة جنرال فهذا يعدُّ مفخرة للجزائر، يبقى السؤال كيف نغرس في الشباب حب الخدمة العسكرية، و نحفزه على الإلتحاق بهذا السلك في الوقت الذي تشهد المؤسسة العسكرية في الجزائر تطورا و تقدما ملحوظا خاصة بعد إنشاء أشبال الأمّة الذي يعتبر خزان ضباط الجيش الجزائري، كانت هذه مجرد وجهة نظر، و تحية للمرابيط في الحدود دفاعا عن أمن البلاد.
علجية عيش