لم
تكن الحرب الدائرة الآن فى اليمن ضد تمرد الحويثيين هى الأولى، كما أن طلب
الحوثيين للحكومة اليمنية بوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات ليس
المطلب الأول، فما يحدث حالياً من تمرد فى الشمال هو مقدمات للحرب السادسة
التى بدأت جولتها الأولى فى صيف 2004 عندما انفجر تمرد مسلح فى محافظة
«صعدة».
بقيادة العضو السابق فى مجلس النواب اليمنى «حسين الحوثى»
المنتمى للأسرة الهاشمية.. وابن بدر الدين الحوثى أحد كبار علماء المذهب
«الهادوى» الذى يستقى عدداً من أصوله من مذهب الإمام زين بن على بن أبى
طالب رضى الله عنه..
ولقى «حسين الحوثى» مصرعه بعد الحرب الأولى فى
سبتمبر 2004 ولم يتوقف التمرد المسلح بمقتله إذ كان والده وعدد من أخوته
يُهيئون انفسهم لجولة أخرى من الصراع بعد فراراهم من العاصمة صنعاء فى
مارس 2005 ومنذ ذلك الحين دخل التمرد المسلح فى خمس جولات صراع أخرى
بقيادة عبدالملك الحوثى الشقيق الأصغر للمؤسس تخللتها عدة وساطات داخلية
وواحدة خارجية بغرض الوصول إلى حل سلمى لهذا الصراع إلا أن التمرد كان
يعتبر كل فترة سلام هى هدنة بين حرب وأخرى وفرصة لتعزيز مواقعه على الأرض
والتوسع فى مواقع جديدة مستفيداً من الوقت الذى توفره عمليات التفاوض،
بالإضافة إلى إعادة وحدة الصف وترتيب الأوراق العسكرية بدعم واضح من
الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستنسخاً تجربة تيارات سياسية مسلحة فى عدد
من دول المنطقة بما فى ذلك شعاراتها المستوحاة من الثورة الإيرانية،
وبالرجوع إلى جذور هذا التمرد لابد من الإشارة إلى أنه عندما قامت الوحدة
اليمنية فى مايو 1990 تأسس «حزب الحق» لمواجهة سياسية تنظيمية لهذا التيار
وقام بتدعيمه اثنان من كبار علماء «صعدة» الشمالية لكى يتصدرا المشهد
السياسى وهما العالم مجد الدين المؤيدى الذى ترأس الحزب وبدر الدين الحوثى
نائبه فيما تأسست بعدها جماعة اطلقت على نفسها اسم «الشباب المؤمن» كتيار
تعليمى تربوى يعنى بتدريس المذهب «الهادوى» فى المسجد والمراكز التعليمية
وكانت «صعدة» فى الحالتين هى الموطن الرئيسى لنشاط الحزب وتيار الشباب ولم
يحظ حزب الحق بتمثيل فى مجلس النواب عام 1993 إلا عن طريقها بينما فشل فى
بقية المحافظات وفاز حسين الحوثى مؤسس حركة التمرد فىمجلس النواب فى عام
1997 ومعه أخوه يحيى الحوثى المتحدث الإعلامى الحالى باسم «التمرد» ثم
انشق «حسين الحوثى» ومعه عدد من الشباب وقرروا تأسيس تيار سياسى منفرد دون
أن يطلقوا عليه أى تسمية معينة متأثرين ببزوغ نجم الثورة الإيرانية وحزب
الله اللبنانى، حيث كانت فى اعتقادهم تجارب سياسية ناجحة فى جذب الشارع
العربى المسلم وتحديداً الشباب، وكانت بدايات هذا التيار مظاهرة شهيرة
نظمها اتباعه فى العاصمة اليمنية صنعاء الأيام الأولى للغزو الأمريكى
للعراق مارس 2003 واستهدفت المظاهرات السفارة الأمريكية بصنعاء وحدث
خلالهامواجهات مع رجال الأمن أدت إلى مقتل وإصابة العديد من المتظاهرين
هتاف الثورة الإيرانية
ثم
دفع «حسين الحوثى» بأنصاره للهتاف بين الحين والآخر عقب الصلوات فى
المساجد بعبارة «الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على
اليهود.. النصر للإسلام».. هو الهتاف المعروف به بعد الثورة الإيرانية،
وأخذت هذه الظاهرة تتنامى مما تسببت فى تواجد هذا التيار على الساحة
اليمنية وهو ما اضطر السلطة اليمنية إلى اللجوء إلى الضربات الأمنية لكنها
وجدت نفسها تغرق شيئاً فشيئاً فى حرب استنزاف غير متوقعة أو مخطط لها من
قبل وقد تكتل التمرد بشكل رئيسى فى منطقة «مران» وهذا ما مكن الجيش من حسم
المعركة خلال ثلاثة شهور بدأت من 18 يونيو 2004 وانتهت بمقتل مؤسس التنظيم
«حسين الحوثى» واستسلام كثير من عناصره وظنت الحكومة اليمنية أن فتنة
التمرد فى صعدة قد انتهت بمقتل قائدها فى 10 سبتمبر من نفس العام خاصة أن
والده وعدداً من إخوته وقادة التمرد قد سلموا انفسهم للحكومة بل وانتقل
بعضهم إلى العاصمة صنعاء وأصدر الرئيس اليمنى على عبدالله صالح عفواً
عاماً عن المتمردين وقامت الحكومة أيضاً برعاية زوجات «حسين الحوثى»
وأولاده الذين مازالوا يقيمون فى العاصمة اليمنية حتى الآن، بعدما شكلت
الحكومة اليمنية لجنة خاصة من علماء الدين اليمنيين لإجراء حوارات فكرية
مع العشرات من قادة التمرد الحوثى ثم اطلاق سراحهم جميعاً بعد التزامهم
بعدم إعادة إشعال العنف وكان الغرض طى صفحة التمرد بدليل تعويض الحكومة
المتضررين والتفاوض مع من رفضوا تسليم انفسهم إلا أن هؤلاء كانوا هم
البذرة التى اشعلت فتيل حرب ثانية انفجرت بعد سبعة شهور فقط من الحرب
الأولى، ومن جديد فتحت الحكومة اليمنية عقب الحرب فى بداية 2006 ملف العفو
عن المتمردين حيث أجرت تغييرات فى القيادات المحلية والأمنية لمحافظة
«صعدة» بقصد طمأنة المتمردين وبغرض توفير أجواء هادئة تتناسب مع ما تتطلبه
عملية التحضير للانتخابات الرئاسية فى سبتمبر 2006، وتمكن الحوثيون من
استغلال فترة الهدنة الطويلة التى سبقت الانتخابات الرئاسية وازدادت فى
الانتشار وكسب التعاطف وهز ثقة المواطنين بالحكومة، وبعد عملية الانتشار
بدأ التمرد فى جر القوات اليمنية إلى ثلاث حروب متتالية انتهت بحرب خامسة
استمرت خمسة شهور فى 2008 وحقق الجيش اليمنى خلالها انتصارات كبيرة، وأعلن
الرئيس اليمنى وقف الحرب فى 17 يوليو من نفس العام، وأبدى حسن نيته بإقرار
عشرة مليارات ريال «خمسين مليون دولار» لإعادة إعمار صعدة وتعويض
المتضررين، وقامت السلطة بتشكيل لجنة رئاسية تضم ممثلين عن الحكومة
والمتمردين بغرض إرساء أسس السلام، والآن وبعد حرب استمرت ثلاثة أشهر يعلن
«يحيى الحوثى» المتحدث الإعلامى والمسئول السياسى لجماعة الحوثيين أنهم
أعلنوا موافقتهم على المبادرة التى اطلقها الرئيس اليمنى بالسلام والحوار
بوقف اطلاق النار لكن «الحوثى» لم يتطرق إلى المطلب الرئيسى للنظام اليمنى
وهو النزول من فوق المرتفعات كما أنه شكك بعد إعلان الموافقة على الشروط
فى رغبة النظام اليمنى فى وقف الحرب على الحدود الشمالية ضد الحوثيين.
حرب أم مفاوضات؟
توجهنا
إلى عدد من الخبراء لسؤالهم عن إمكانية نجاح المفاوضات وهل الأفضل لليمن
أن تزيد من قبضتها الأمنية لكى تستطيع كبح جماح المتمردين أم تدعو حالياً
للتفاوض؟.
اللواء سامح سيف اليزل الخبير العسكرى يؤكد أنه لن تنجح
الهدنة إلا إذا جأت القوات اليمنية أولاً إلى فرض السيطرة الأمنية ثم
التحدث فيما بعد عند الجلوس على طاولة المفاوضات مشيراً إلى أنها ليست
المرة الأولى التى ينكث فيها الحوثيون وعدهم مع الحكومة اليمنية التى أبدت
أكثر من مرة استعدادها للتفاوض وحل أزمات الحوثيين.
وأضاف أنه لابد من
نزول الحوثيين من أعلى جبال المنطقة الشمالية والتخلى عن المدارس التى
احتلوها مؤخراً ورفع أيديهم عن منطقة صعدة التى فرضوا على أهلها الإتاوات
لتمويل عملياتهم العسكرية ضد النظام اليمنى، وأوضح اليزل أن ما يحدث فى
اليمن حالياً يكشف المحاولات الدائمة لإيران للهيمنة الإقليمية على
المنطقة فهى الداعم الأبرز لحركة التمرد الصومالى واطماعها فى البحرين
مفضوحة حيث أعلنت أنها من المحافظات الإيرانية فضلاً عن استمرارها فى
الدعم العسكرى والمادى لحماس فى غزة لإثارة القلاقل والبلبلة على الحدود
المصرية، بالإضافة إلى محاولات العبث فى دارفور وكل هذه الدلائل تؤكد أن
إيران لها مخطط عدائى ضد المنطقة العربية..ويضيف اليزل أن سعى إيران
لإثارة الفتنة باليمن هى محاولة للسيطرة فيما بعد على مدخل البحر الأحمر
لذلك تدعم الحوثيين بالشمال والانفصاليين فى الجنوب علاوة على ذلك فإن
هناك تعاونا جيدا بين إيران واريتريا لتنفيذ خطة السيطرة على البحر
الأحمر،ويؤكد الخبير العسكرى أن نجاح أى مفاوضات سيكون مشروطاً بنزول
الحوثيين من المرتفعات الجبلية المسيطرين عليها والتى تسببت فى تكبد
القوات اليمنية خسائر كبيرة نظراً لعدم تمرسها على المواجهات العسكرية فى
هذه الأماكن الوعرة التى يحفظ تضاريسها المتمردون ويرى اليزل أن الحوثيين
يتحدثون هذه الأيام عن الهدنة بعدما ضاق عليهم الخناق العسكرى لأن النظام
اليمنى خطط هذه المرة لفرض حصار اقتصادى ومعنوى على المتمردين.
الدور السعودى
أما
اللواء جمال أبو ذكرى الخبير الأمنى فيرى أن حديث الحوثيين عن وقف إطلاق
النار يعنى نجاح حصار القوات اليمنية لمناطق التمرد بالإضافة إلى نجاح
السعودية فى التعامل الأمنى الجيد مع حدودها والقضاء على تسلل هذا التيار
المتطرف داخل أراضيها حيث أرادوا أن يجعلوا من السعودية فلسطين أخرى.
ويشير
إلى أن إذا كان لدى اليمن الإمكانيات العسكرية فى الوقت الحالى لردع هذا
التيار وقطع دابر أصوله فليفعل ذلك دون هدنة لأن التمرد «يخمُل» ويطالب
بالهدنة ليعيد تنظيم صفوفه ومن ثم يُباغت النظام اليمنى بضربات عسكرية
جديدة وبالتالى من الضرورى السيطرة على الأرض أولاً ثم الجلوس والتفاوض.
ويؤكد
أن إيران متورطة بشكل كبير فى أزمة اليمن حيث تدعم الجنوب للانفصال،
وتطالب الشمال بإقامة دولة مستقلة مشدداً على أن هذه البيئة أرض خصبة جداً
لتنظيم القاعدة المتمركزة فى جبال المنطقة الوسطى فى اليمن ومن ثم يتحرك
بشكل كبير لزعزعة الاستقرار لضمان البقاء مدة أطول ولفت الانتباه إلى
خطورة المخطط الإيرانى للسيطرة الإقليمية على المنطقة العربية فكما يسيطر
حزب الله على الجنوب اللبنانى وتمركزت حركة حماس فى غزة وأثارت القلاقل
على الحدود المصرية فإن الدور الآن على اليمن بدعم الحوثيين للتوغل داخل
السعودية مؤكداً أن كل هذه القلاقل تسهل لإيران بسط تيارها الشيعى المتطرف
على المنطقة.
فيما يؤكد الدكتور أحمد رفعت أستاذ القانون الدولى العام
أن التفاوض مع الحوثيين المتمردين فى شمال اليمن هو أفضل الطرق لتسوية هذه
الأزمة لأن القضاء على التمرد عسكرياً لن يقضى عليه تماماً حيث ستتمركز
فلول من الهاربين فى مواقع جبلية أخرى ويعودون مجدداً إلى شن ضرباتهم
للنظام لافتاً إلى أن تنظيم القاعدة أقحم نفسه فى القضية وأصبح داعماً
قوياً للتمرد مثلما تدعمه إيران ومن ثم فإن القضية تعقدت وتدخلت فيها
أطراف خارجية.
وأضاف أن القاعدة تريد كسب شرعية قانونية داخل الحدود
اليمنية فضلاً عن إحداث بلبلة فى منطقة مهمة دولياً وهى باب المندب وهى
المنطقة «المحتقنة» التى تتوسط أزمات قرصنة الصومال وتمرد وانفصال اليمن
ويدعو د.رفعت جامعة الدول العربية بالتدخل السريع قبل تطور الخلاف وتدخل
دول أجنبية بحجة حماية مصالحها فى البحر مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا حيث
سيجدون ذلك ذريعة للتدخل والسيطرة على باب المندب والبحر الأحمر مما يعود
بالسلب على عوائد قناة السويس الداعم الأكبر للاقتصاد المصرى بينما يشير
رفعت إلى أن النزاعات داخل الدول لا تتدخل فيها الأمم المتحدة حيث ينص
ميثاق الأمم المتحدة على عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول على الإطلاق
ومن ضمن الشئون الداخلية الحروب الأهلية والنزاعات القبلية ويضيف أن
الحوثيين لو طالبوا أى قوى خارجية بالتدخل فى مجلس الأمن بداعى الظلم
الواقع عليهم فإن مجلس الأمن لن يستجيب لهم إلا فى حالة تهديد ما يحدث
داخل اليمن السلام والأمن الدوليين أو انتقلت آثار هذه الحرب وخطرها إلى
دول الجوار وأصبح يمثل خطراً على السلام الدولى.
ويؤكد على أن محكمة
العدل الدولية لا تنظر إلا فى الدعاوى القضائية المرفوعة بين دولة وأخرى
وليست الدعاوى بين دول وجماعة كما أنه لابد أن تتفق الدولتان على اللجوء
للمحكمة لأن اختصاص العدل الدولية هو اختيارى وليس إجباريا وبما أن اليمن
والسعودية اتفقتا على أن ما يحدث الآن على حدود البلدين هو تمرد خارج عن
النظام فإن اتفاقهما الآن يكفى لأن يتعاونا على القضاء عليه دون اللجوء
إلى مجلس الأمن والعدل الدولية.