اتخذت الميليشيات المدعومة من إيران خطوة غير مسبوقة بقصف مدينة رئيسية وقاعدة أمريكية بالصواريخ في «إقليم كردستان العراق». بإمكان الولايات المتحدة استخدام قدراتها الاستخباراتية الداخلية لربط "جبهات" الحملة الدعائية، على غرار «سرايا أولياء الدم» و «أصحاب الكهف»، بتحركات إرهابية وميليشياوية كبرى، مثل «عصائب أهل الحق». يجب على إدارة بايدن أن تجد بسرعة صيغتها الخاصة لاستعادة الردع.
الجزء الأول
في 15 شباط/فبراير، تعرّضت مدينة أربيل (عاصمة «إقليم كردستان العراق») لهجوم صاروخي عنيف أسفر عن مقتل مقاول يعمل لصالح التحالف بقيادة الولايات المتحدة في مطار أربيل، وجرح 5 آخرين من أفراد التحالف (بمن فيهم جندي أمريكي)، وجرح ما لا يقل عن ثلاثة مدنيين من السكان المحليين. وربما تمت محاولة إطلاق ما يصل إلى 28 صاروخاً، سقط أكثر من 12 منها في المدينة المكتظة بالسكان، في عملية قصف متهورة بشكل غير مسبوق لمركز سكاني مدني.
وعلى الرغم من الجهود لتعكير الأجواء من خلال استخدام جماعات "واجهة" لكي تعلن مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أنه من المحتمل أن تكون الميليشيات المدعومة من إيران هي المسؤولة، نظراً إلى أنماطها في الإعلان عن الهجمات السابقة. وتُواجه إدارة بايدن الآن مهمة صعبة تتمثل بإعداد رد مدروس بل حازم، ويجب أن تتخذ بعض القرارات المهمة حول كيفية تصنيف وردع مثل هذه الهجمات التي تستهدف مواطنين أمريكيين وشركاء الولايات المتحدة في المستقبل.
الهجوم الصاروخي على أربيل
في تمام الساعة 21:15 (بتوقيت أربيل)، تمّ إطلاق وابل من الصواريخ من عيار 107 ملم من سيارة متسترة خارج سوق زراعي على بعد خمسة أميال جنوبي غربي أربيل. ويبدو أن السيارة دخلت إلى «إقليم كردستان العراق» من أرض زراعية في العراق الاتحادي، إما من سهل نينوى إلى الغرب أو من منطقة سرجران إلى الجنوب. وكانت حيلة التمويه المستخدمة بارعة، حيث أن العديد من الشاحنات الزراعية تدْخُل إلى «إقليم كردستان» من العراق الاتحادي محملةً بالمواد الغذائية إلى أربيل، وكانت هذه الشاحنة تحتوي على مجموعة مخفية من أنابيب الإطلاق "المنبثقة" تحت منطقة التحميل. ويُعتبر الهجوم الضربة الثانية التي تتلقاها أربيل في الآونة الأخيرة، علماً بأن الضربة الأولى كانت هجوماً بصاروخ بعيد المدى بالقرب من مطار أربيل في 30 أيلول/سبتمبر 2020، كان قد تمّ إطلاقه من خارج «إقليم كردستان» من قرية برطلة الخاضعة لسيطرة الميليشيات، شرقي الموصل.
وتَعَقّب رادار التحالف إطلاق 14 صاروخاً باتجاه شمال غرب مدينة أربيل والمطار، الذي يضم قاعدة التحالف، رغم أن العدد الفعلي للصواريخ ربما كان 24 صاروخاً. ولم يتمّ تفعيل أي دفاعات جوية، ويعزى السبب على الأرجح إلى تجنب خطر ضرب أي مباني شاهقة (ناطحات سحاب) عن طريق الخطأ. وسقط صاروخان على مطار أربيل، مما أسفر عن مقتل مقاول أجنبي غير أمريكي وإصابة خمسة آخرين، بالإضافةً إلى جندي أمريكي. كما جُرح ما لا يقل عن ثلاثة مدنيين من السكان المحليين نتيجة سقوط أحد عشر صاروخاً كما يُعرف على المدينة، وهو عدد منخفض بأعجوبة نظراً إلى الشوارع المزدحمة. وتعرضت القنصلية الصينية للقصف، بينما سقطت صواريخ أخرى بالقرب من قنصلية "السلطة الفلسطينية". وإذا ما اشتعلت النيران في إحدى ناطحات السحاب في أربيل، لربما كان عدد القتلى في العشرات أو المئات.
من هي الجماعة التي نفذت الهجوم؟
تبنّت جماعة تُعرف بـ «سرايا أولياء الدم» مسؤوليتها عن الهجوم في تمام الساعة 00.11 (بتوقيت أربيل). كما تبنت هذه الجماعة مسؤوليتها عن هجمات بين الحين والآخر: وفي الآونة الأخيرة، تبنت تفجيراً بقنبلة مزروعة على جانب الطريق في 25 كانون الثاني/يناير 2021 استهدفت سيارة مقاول يعمل لدى التحالف في جنوب العراق. تجدر الملاحظة أن هذه الجماعة ليست سوى علامة على وسائل التواصل - شعار وقناة تلغرام وبعض التغريدات. والأهم من ذلك هو (1) تسلسل التغطية الإعلامية للهجوم و(2) العلاقات المثبتة للجماعة بميليشيا واحدة على الأقل مدعومة من إيران، هي «عصائب أهل الحق»، التي صنفتها الولايات المتحدة "منظمة إرهابية أجنبية" في 3 كانون الثاني/يناير 2020.
ووقع الهجوم في أربيل في نهاية اليوم، عندما ادّعت جبهة إعلامية أخرى تابعة لـ «عصائب أهل الحق» هي «أصحاب الكهف»، بإطلاق صاروخ بعيد المدى مركّب على شاحنة على قاعدة تركية في شمال العراق، في حادثة عكست الانتقاد الذي وجهته الميليشيات العراقية مؤخراً للعمليات العسكرية التركية الرامية إلى تقييد تحركات «حزب العمال الكردستاني» في «إقليم كردستان العراق» وسنجار. وانتهزت الميليشيات المدعومة من إيران مثل «عصائب أهل الحق» الفرصة لتبدو وكأنها "تدافع عن العراق" ضد تركيا، وتنتقد القيادة العراقية-الكردية، وتؤدي إلى تفاقم التوترات داخل «إقليم كردستان» بشأن قضايا «حزب العمال الكردستاني» وتركيا وسياسة الحزب العراقي الكردي.
وفي استعراض للهجمات الصاروخية قبل 13 دقيقة من حصولها، انتقدت جماعة «أصحاب الكهف» عبر الإنترنت قيادة «إقليم كردستان العراق»، بإشارتها إلى أربيل في الساعة 21:02؛ ويبدو أن ذلك شكّل الأساس لوصف هجوم أربيل، من خلال الإشارة إلى جماهير الميليشيات الداخلية بأن «عصائب أهل الحق» على وشك شن هجوم ضد «الإقليم». وفي تمام الساعة 21:38، أي بعد مرور 23 دقيقة على الهجوم، تمّ نشر الصور الأولى من الحملة الدعائية للهجوم على قناة "صابرين" (وسيلة إعلامية ترتبط بـ «عصائب أهل الحق»)، حيث تولت «عصائب أهل الحق» التغطية بعد ذلك. وعندما تبنت «سرايا أولياء الدم» الهجوم، لم تعترض عليها الجماعات الأخرى ولم تتبنَ الهجوم بدورها، وهو واقع يشير إلى فض النزاعات بين الميليشيات الأخرى المدعومة من إيران (مثل «كتائب حزب الله») ويؤكد قيام «عصائب أهل الحق» بالهجوم.
ويتضمن تبرير الهجوم وأوصافه مؤشرات مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بالدافع. وتمّ تصوير الهجوم بشكل بعيد الاحتمال على أنه ضربة على "قاعدة حرير الجوية"، وهي منشأة تضمّ قوات أمريكية خاصة تقع على بعد ثلاثين ميلاً شمال شرق أربيل، والتي تتجاوز مدى الصواريخ بخمسة وعشرين ميلاً. وحيث أن هدفها على الأرجح هو إرضاء إيران، فإن بيان «سرايا أولياء الدم» بأنه "لا يوجد مكان آمن للقوات الأمريكية" في كردستان يعكس تبريرات الهجوم الصاروخي السابق الذي استهدف القوات الأمريكية في أيلول/سبتمبر 2020. كما يعزو البيان بصورة غير محتملة أي ضرر لحق بمدينة إربيل إلى أنظمة الاعتراض الأمريكية المضادة للصواريخ؛ وهذا أيضاً تبرير خاطئ بشكل واضح، حيث لم يتم تفعيل الدفاعات. إلا أن هذا الادعاء يؤكد رغبة الميليشيا في النأي بنفسها عن التعريض المتهوّر للمدنيين للخطر.
وبشكل عام، يبدو أن الهجوم كان محاولة أخرى من قبل «عصائب أهل الحق» من أجل إظهار مكانتها باعتبارها فصيل المقاومة الرائد، في منافسة مع جماعات مثل «كتائب حزب الله» (التي يتردد أنها تعاني من انشقاقات داخلية وتركز بشكل أكبر على الأفعال التي لا تتطلب تحركات) و«حركة حزب الله النجباء» (التي تحاول تعزيز مكانتها ورصيدها مع إيران). ولطالما أظهرت «عصائب أهل الحق» نيتها في شن هجمات على القوات الأمريكية، تنطوي على مخاطر ملموسة بقتل أمريكيين.
التداعيات على السياسة الأمريكية
تميل المعلومات الاستخباراتية السرية الأمريكية إلى الكشف بسرعة كبيرة عن مدى ضلوع إيران، الأمر الذي سينير إدارة بايدن بشأن دور طهران في الحادثة. وسواء كانت إيران تعتزم إجراء مثل هذا الاختبار أم لا، فإن النتيجة واحدة - يتعين على إدارة بايدن الآن إما صياغة رد يبدو حازماً وقابلاً للردع، أو مواجهة فقدان مبكر لمصداقيتها في نظر الشركاء الإقليميين. وتواجه الحكومة الأمريكية أزمة دقيقة في العراق، الذي لطالما كان موقعاً محتملاً لاختبار مبكر لإدارة بايدن. وترغب الإدارة الأمريكية في ردع الهجمات على الأمريكيين وشركاء الولايات المتحدة، في وقت تنتهج فيه نبرة مختلفة عن لجوء إدارة ترامب المتكرر إلى التهديدات العسكرية، والانتقام القاتل في بعض الأحيان وفرض عقوبات جديدة. ومثل هذه الأهداف ترفع مستوى المعايير أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، وستختبر من دون شك براعتها وقدرتها الإبداعية.
وعليه، يجب أن تتمثل أولى أولويات الإدارة الأمريكية في مراقبة أعمال الميليشيات المدعومة من إيران عن كثب، من أجل تقديم أدلة يمكن مشاركتها علناً عن مصدر الهجمات مثل الضربة الصاروخية على أربيل. ويمكن للولايات المتحدة استخدام قدراتها الاستخباراتية الداخلية والمجتمع التحليلي النافذ المفتوح المصدر لربط "جبهات" الحملة الدعائية، على غرار «سرايا أولياء الدم» و «أصحاب الكهف»، بتحركات إرهابية وميليشياوية كبرى، مثل «عصائب أهل الحق».
ويجدر بالإدارة الأمريكية أن تكشف علناً عن هذه الروابط بالشراكة مع دول التحالف الأخرى، والعراق، والأكراد، وربما حتى "مجلس الأمن الدولي". ولن يساهم هذا النوع من الكشف الواضح في إعلام الميليشيات بأن الولايات المتحدة تولي اهتماماً وتعرف أين تُوجّه ردودها الانتقامية فحسب، بل أيضاً في تحذير الميليشيات من التفكير في أفعالها. وعلى أقل تقدير، لا بدّ من مصادرة حسابات زعيم «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي - الذي صنفته الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب - على وسائل التواصل الاجتماعي الأمريكية وإغلاقها، بما فيها حسابه الذي لا يزال مفتوحاً على "تويتر".
يجب أن تكون الأولوية الثانية للإدارة الأمريكية هي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحمّل إيران مسؤولية غير مباشرة عن حوادث مثل الهجوم الصاروخي على أربيل. ومن الضروري أن تحمّل واشنطن طهران المسؤولية بشكل خاص، سواء كان «الحرس الثوري الإسلامي» هو من أمر بتنفيذ الهجمات على أربيل، أو وضع الخطة وترك الأمر لـ «عصائب أهل الحق» لكي تقرر التوقيت، أو أنه قادر على نحو غير مضبوط على كبح هجمات تنفذها جماعات مثل «عصائب أهل الحق». والمغزى أن إيران قادرة على كبح هذه الجماعات. على إدارة بايدن الإشارة سراً إلى أن تخفيف العقوبات والمفاوضات مرهوناً بوقف أي اعتداءات جديدة من قبل الميليشيات المدعومة من إيران - ولا سيما هجمات الطائرات بدون طيار على الرياض من قبل «كتائب حزب الله»، والقصف الصاروخي للمدن الكبرى من قبل «عصائب أهل الحق»، ومساعي الحوثيين لقتل كافة أفراد الحكومة اليمنية والاستحواذ على مركز الطاقة الرئيسي في اليمن. ويمكن لإيران وعليها كبح جماح هذه الميليشيات، التي سلحتها وطورتها، كشرط ضروري قبل استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة بحسن نية.
مايكل نايتس هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن، ويتابع أنشطة الميليشيات المدعومة من إيران في العراق واليمن