برغم التراجع نوعاً ما في حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتي كانت واحداً من أبرز وأطول الأحداث في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا أن ثمة قضايا أخرى تتصاعد حدتها بين القوتين الكبريين.
لقد اختبرت الصين خلال الصيف الماضي طائرة حربية تفوق سرعة الصوت في سرعتها، ومن المُحتمل أن تكون لديها القدرة على الانتشار في كافة أنحاء العالم. كما سيّرت الصين عشرات الطلعات الجوية بواسطة طائرات حربية لامست منطقة الدفاع الجوي الخاصة بتايوان، فضلاً عن كونها تستأثر بغالبية إنتاج العالم من أشباه الموصلات.
واستقال نيكولاس تشايلان، خبير الذكاء الاصطناعي لدى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» أخيراً، محذراً أن الولايات المتحدة متراجعة حالياً في سباق الذكاء الاصطناعي مع الصين، وإذا جرى الأمر على نفس هذا المنوال الحالي، فقد تخسر السباق إلى الأبد.
وعلاوة على ذلك، يُحذر مسؤولون بهيئة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» وأيضاً عسكريون سابقون من إمكانية توسع الصين في ترسانة أسلحتها النووية، بإضافة عدة مئات من الرؤوس النووية.
كل ما سبق يشير إلى صعود القوة العسكرية للصين على نحو لا تُخطئه العين، ولا يستطيع عاقل نفيه أو إنكاره، ولكن على الرغم من كل ما سبق، فيتعين على الأمريكيين، والغرب عموماً، عدم المغالاة في ردود أفعالهم حيال التوجهات الصينية.
من المؤكد يقيناً أن الصين جادة في تعظيم إمكانياتها العسكرية، ولكنها بعيدة تماماً عن تشكيل خطورة حقيقية، ذلك أن ما تفعله حالياً هو استعراض عضلات أكثر منه استعداداً للحرب. الصين ليست كأوروبا خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديداً في السنوات التي سبقت وأفضت إلى الحرب العالمية الثانية، فهي الآن تعتمد على استقرار النظام الدولي في استمرارية نجاحها.
ومن نافلة القول إن الأمريكيين والغرب يحتاجون في هذه الظروف إلى الانتباه واليقظة، وإلى استنفار قواهم الاقتصادية والعسكرية، إلا أنهم ليسوا بحاجة إلى الشعور بالرعب والفزع، لأن ذلك يمكنه وبسهولة أن يحول الأزمات القابلة للسيطرة إلى كوارث مخيفة فعلاً.
وبادئ ذي بدء في هذا السياق، يتعين التذكير بنقاط القوة العديدة لدى الولايات المتحدة. أولاً تبلغ الميزانية العسكرية الأمريكية ثلاثة أضعاف نظيرتها الصينية. ثانياً: حلفاء أمريكا في أوروبا وشرق آسيا مجتمعون يتفوقون على الصين في الإنفاق العسكري.
التحالف الرخو بين الدول الأوروبية وأمريكا يمثل سوقاً استهلاكية قوامها يتجاوز 1 مليار نسمة من الأثرياء نسبياً تحتاجهم الصين لدعم اقتصادها الذي لا تزال الصادرات تقوده. ويعني ما سبق أن الغرب يمتلك في يده العديد من الأدوات الاقتصادية، وأيضاً العسكرية وقت الحاجة، التي تُتيح له هامشاً مُريحاً من المناورة في تعامله مع الصين.
قوة الصين وصعودها أمر واقع ويُعد من الثوابت الراسخة في النظام العالمي الراهن، واحتواء هذه القوة وهذا الصعود يشكل تحدياً صعباً لأمريكا وحلفائها، ليس الآن فحسب، بل وإنما على مدى عدة أجيال مقبلة.
ولكن لكي تتمكن أمريكا من التصدي لهذا التحدي بنجاح، يتعين عليها أن تحتفظ بهدوئها، وأن تُعزز مرونتها اقتصادياً وعسكرياً، وأن تكتسب الأدوات اللازمة للحفاظ على السلام العالمي، ولكن قبل كل ذلك، يتعين ألا تتجاهل حقيقة أنها لا زالت قوة مهيمنة.
مايكل إي أوهانلون
كاتب صحفي بريطاني..
albayan