كان للصعود الاقتصادي التركي الذي صاحبه خلال العشر سنوات الأولى للألفية الجديدة صعود سياسي و دبلوماسي في المنطقة العربية أثرعلى صورة تركيا في هذه المنطقة عموما و في الجزائر خصوصا. يمكن التحدث عن "تحسن" لصورة تركيا عند الجمهور الجزائري مقارنة بفترة ما قبل 2000 و هذا معناه أن هناك إعادة بناء ايجابية لصورة تركيا في هذا البلد العربي
موضوعنا اليوم سيلتزم بتسليط الضوء على جزئية العلاقات العسكرية والامنيه بين تركيا والجزائر مع استبعاد المحاور السياسية (قدر الامكان) والاقتصادية والثقافية
كانت اول اشارة رسمية مباشره الى رغبة تركيا في تعزيز العلاقات العسكرية مع الجزائر في نوفمبر 2014 عندما زار الرئيس التركي اردوغان الجزائر وأشار إلى زيارته للجزائر سنة 2013 بصفته رئيسا للوزراء، وقال: «تشهد الجزائر تطورات مهمة وتنمية كبيرة في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة»، وأوضح بأن المباحثات التي أجراها مع بوتفليقة وبن صالح، ورئيس الوزراء عبد المالك سلال «سمحت لنا ببحث مستوى العلاقات الثنائية، وبالحديث عن دور الجزائر بالمنطقة»، في إشارة إلى مساعي الجزائر لحل أزمتي مالي وليبيا عن طريق جمع أطراف الأزمتين بالجزائر بغرض الحوار. كما أشاد بـ«تجربة وحنكة» الرئيس بوتفليقة.
ونوه إردوغان أيضا بـ«الروابط التاريخية التي تجمع الجزائر وتركيا»، مشيرا إلى أن عام 2016 سيشهد احتفال البلدين بمرور 5 قرون على إقامة علاقاتهما.
حماس تركيا لا يقتصر على المجال الاقتصادي فقط، بل امتد إلى المجالين الدفاعي والعسكري، مستغلة اهتمام الجزائر بصفقات التسليح، حيث أنفقت الجزائر عام 2019، ما يناهز 10.3 مليار دولار على شراء الأسلحة وهو أعلى رقم في شمال إفريقيا ويمثل 44% من إجمالي النفقات العسكرية بالمنطقة.
وكشفت تقارير إعلامية أن الجزائر أظهرت اهتمامها بالمعدات العسكرية تركية الصنع على غرار العربات المدرعة من طراز Kirpi وهي مركبات مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن إضافة إلى الطائرات دون طيار وأنظمة المراقبة والرادات وغيرها.
في مطلع العام الحاليّ 2020 زائر الرئيس التركي اردوغان الجزائر وذكرأن بلاده حققت نتائج رائعة في الصناعات العسكرية، وقال إنها أصبحت من بين 4 دول في العالم في صناعة الطائرات بأسلحة وبغير أسلحة وكذا البواخر والبحرية والمروحيات، وأكد بالمقابل حرص بلاده على التعاون في مجال الصناعات العسكرية مع الجزائر.(كان من اللافت ان اردوغان كان اول رئيس اجنبي يزور الجزائر بعد انتخاب الرئيس الجزائري الجديد)
في مطلع 2020 ارسلت البحرية التركية سفينتين حربيتين (TCG GÖKSU و TCG GÖKOVA) إلى الجزائر للمشاركة في إحياء حفل ذكرى البحارة الأتراك والقائد التركي البحري، عروج بربروس، والمشاركة في مناورات مع القوات البحرية الجزائرية.
في ابريل 2020 طلبت تركيا من الجزائر المشاركة في تمرينات عسرية باسم درع المتوسط
التدخل التركي في ليبيا (البلد المجاور للجزائر) وموقف الجزائر حياله
مَثّل توقيعُ تركيا مع حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج مذكرتي تفاهم لتحديد الحقوق البحرية والتعاون الأمني والعسكري بينهما في نوفمبر 2019، نقطةً فاصلة في التدخل التركي في الساحة الليبية؛ فتحول إلى تدخُّل مباشر ومُعلن ونوعي؛ فإثر ذلك زادت تركيا دعمها العسكري لقوات الوفاق وعدا عن تزويدها بمنظومات التسلح النوعية أمدّتها أيضاً بمستشارين عسكريين أتراك ومرتزقة سوريين تابعين لها؛ الأمر الذي ساهم في تحويل مجريات المعركة ونجاح قوات الوفاق من إخراج قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر من مدن الساحل الغربي، وطرابلس وضواحيها، وقاعدة الوطية الجوية ومدينة ترهونة، وتراجُعها نحو مدينة سرت وقاعدة الجفرة العسكرية في وسط البلاد.
وقد فتح ذلك "النصر العسكري" لقوات الوفاق شهيةَ أنقرة لقطف ثمار تدخلها من خلال تعزيز نفوذها العسكري بإقامة قواعد لها في الأرض الليبية، وتحقيق مصالحها الاقتصادية عبر توقيع اتفاق مع حكومة طرابلس للتنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل الليبية.
أعادت تطورات الأوضاع في ليبيا طرح التساؤلات حول موقف الجزائر بعد أن التزمت الصمت منذ بداية العمليات العسكرية على طرابلس ومحيطها. وعلى الرغم من استمرار البيانات المتفرقة التي تدعو إلى تغليب الحل السياسي من أجل مصلحة الليبيين، غير أن موقف الجزائر "الواضح" الذي كانت تقدمه مع كل حدث ليبي، غاب عن المشهد الحالي.
وفتح الغموض الذي مارسته الدبلوماسية الجزائرية في التعاطي مع الأحداث المسلحة المستمرة في ليبيا، أبواب "التشويش" على علاقة الجزائر ببقية الفرقاء، خصوصاً عندما اتخذت جهات تركية وليبية أذرعها الإعلامية للترويج لأخبار "غريبة" تستدعي رداً من الجزائر، حين ذكرت وسائل إعلامية سعي أنقرة لحث الجزائر على "توقيع اتفاق دفاع مشتركة مع حكومة الوفاق بهدف توفير دعم لها من الغرب في معركتها ضد قوات المشير خليفة حفتر"، قائد الجيش الوطني الليبي.
وأوضحت التقارير أن سيطرة "حكومة الوفاق" على قاعدة "الوطية" يوفر لتركيا قاعدة استراتيجية لبناء وجود عسكري في ليبيا وساحلها المتوسطي، مشيرة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرى في الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون، والاتجاه لتعديل المادة 95 من الدستور الجديد، فرصة للجيش الجزائري للتدخل في ليبيا للمرة الأولى خارج حدوده. وزعمت أن "نجاح أردوغان في دفع الجزائر لدعم حكومة الوفاق يسهم في تغيير ميزان القوى، ويحقق مكاسب عسكرية كبيرة في ليبيا، تؤثر على أمن جيرانه، خصوصاً في مصر وحوض البحر المتوسط والملاحة فيه وكذلك جنوب القارة الأوروبية".
في يوليو 2020 حذر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من تحول الجارة الشرقية إلى "صومال جديد" بعد أن شبه وضعها بالسيناريو السوري.
وجاءت تصريحات تبون في وقت كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، يتفقد جنوده في مدينة مصراتة الليبية، حيث كشف عن استعداد تركيا لإقامة قاعدة عسكرية حديثة في البلاد.
وتتوجس الجزائر من "التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا الذي يزيد من تأزم الوضع"، ما يجعل تركيا في "عين الغضب الجزائري" بسبب تجاهلها كل دعوات التهدئة وتجاوزها قرارات الأمم المتحدة ومؤتمر برلين. وكان الرئيس تبون قد أشار ضمنياً إلى تعدي أنقرة على مجهودات وقف الاقتتال في ليبيا حين انتقد عدم التزام أطراف إقليمية متورطة في الأزمة الليبية بمخرجات مؤتمر برلين بشأن منع تدفق الأسلحة، وقال إن هناك دولة أرسلت بعد شهر واحد 3400 طن من الأسلحة إلى ليبيا.
ويبدو أن الجزائر انتقلت إلى مرحلة جديدة إثر تغيير بعض تحركاتها، وقد عبّرت عن استعدادها للتعاون والتنسيق مع دول الجوار وبشكل خاص مصر
وفي توضيح لبعض ما يدور في ليبيا من أجل تجاوز معركة "حفتر - السراج"، أوضح تبون أن "الحظ الجيد في ليبيا هو أن القبائل حتى الآن، تحلت بالحكمة، بعكس ما يظنه كثيرون، فالمرتزقة وغيرهم هم من اقترفوا انتهاكات، ولكن إذا طفح الكيل، فإن القبائل الليبية ستبدأ بالدفاع عن نفسها وستتسلح، وآنذاك لن نجد النموذج السوري في ليبيا بل النموذج الصومالي، وحينها لن يكون بإمكان أي شخص أن يفعل أي شيء. وقد تتحول ليبيا إلى ملاذ للإرهابيين والجميع سيرسل إرهابييه إلى هناك لتنظيف بلدانهم".
تركيا والعسكريين الهاربين
في اغسطس 2020 تم توجيه تهمة الخيانة العظمى الى مدير الدرك الجزائري السابق غالي بلقصير واوردت احدى المصادر الفرنسية ( موقع "مغرب أنليجنس" ) تقريراً كشف خلاله عن أسباب توجيه القضاء العسكري الجزائري "تهمة الخيانة" العظمى لقائد الدرك الأسبق الهارب العميد غالي بلقصير، وأصدر مذكرة توقيف دولية بحقه.
وهو دخول الجنرال الجزائري الهارب في اتصالات مباشرة مع المخابرات التركية التي تسعى لاستدراجه للحصول على معلومات حساسة عن الجيش الجزائري، خصوصاً وأن وسائل إعلام محلية تعتبره واحدا من "الصناديق السوداء" في المؤسسة العسكرية خلال السنوات الأخيرة.
وكشف الموقع عن "عرض تقدمت به المخابرات التركية لقائد الدرك الجزائري الهارب، يقضي بحمايته من أي محاولات لترحيله، مقابل تزويدها بمعلومات سرية عن الجيش الجزائري والأجهزة الأمنية"، وهو العرض الذي وصف بـ"اللجوء الذهبي".
ووفق الموقع الفرنسي ذاته، فقد باشرت المخابرات التركية "مفاوضات مع العميد غالي بلقصير على تزويدها بمعلومات وملفات استراتيجية عن الجيش الجزائري، ووحداته العسكرية المتمركزة على الحدود مع ليبيا ومالي".
ولفت الموقع إلى أن العميد غالي وافق على التواصل مع المخابرات التركية لعدم ثقته في التعامل مع المخابرات الفرنسية أو الإسبانية التي قد تسلمه للسلطات الجزائرية.
وأشار موقع "مغرب أنليجنس" الفرنسي إلى أن رجل أعمال تركيا هو من نسج خيوط التواصل بين المخابرات التركية، والجنرال الجزائري الهارب في مايو/آيار الماضي، والذي تربطهما علاقة قديمة بدأت من سويسرا.
وكشف أن المخابرات التركية "أعطت له ضمانات بمقر إقامة آمن إذا ما قرر مغادرة فرنسا أو إسبانيا مقابل حصولهم على معلومات سرية عن الجيش الجزائري"، فيما لم تكشف عن مكان الإقامة الذي اقترحته.
وأكد الموقع الفرنسي "موافقة" قائد الدرك الجزائري الأسبق، المتهم بالخيانة العظمى، على العرض التركي، واستعمل في ذلك العسكري الهارب قرميط بونويرة "وسيطاً بينهما" والذي أعادته الجزائر من تركيا في اغسطس 2020 بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس التركي رجب طيب اردوغان ( بونويرة، الذي كان من كبار مساعدي رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، يواجه اتهامات بتسريب جدول يظهر تحركات ضباط في الجيش ويشمل أسماءهم وأرقاما خاصة بهم. وانتشر الجدول على مواقع التواصل الاجتماعي لكن لم يتضح من نشره).
وتسليم تركيا بونويرة للسلطات الجزائرية يسلط الضوء على الأهمية التي توليها أنقرة لعلاقتها بالجزائر الجارة القوية لليبيا التي تدخلت القوات التركية في الصراع فيها.
بعد هذا الطرح المختصر والسريع لاهم مامر بين البلدين امنيا وعسكريا
الى اين تتجه البوصلة برأيكم ؟
مصدر
مصدر
مصدر
مصدر
مصدر
مصدر
مصدر