أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.

جذور غزو العراق للكويت

حفظ البيانات؟
الرئيسية
التسجيل
الدخول
فقدت كلمة المرور
القوانين
البحث فى المنتدى


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول



 

 جذور غزو العراق للكويت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43825
معدل النشاط : 58573
التقييم : 2418
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  B3337910
الطـــائرة : جذور غزو العراق للكويت  Dab55510
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  B97d5910

جذور غزو العراق للكويت  1210

جذور غزو العراق للكويت  Best11


جذور غزو العراق للكويت  Empty
متصل

مُساهمةموضوع: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10الأربعاء 6 مارس 2024 - 7:34

الحلقة الأولى
+
على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، كان صناع القرار والعلماء يعتبرون أن سبب غزو صدام حسين للكويت هو لمجرد الاستيلاء على نفطها.
تشير هذه الرواية وبشكل مضلل إلى أن الغزو العراقي تزامن مع فجر حقبة ما بعد الحرب الباردة، لكنه لم يكن مرتبطا بها، ولكن الحقيقة أن عملية اتخاذ القرار في عهد صدام كانت لا تنفصم عن تفسيره لنهاية الحرب الباردة.
لقد افترض صدام أن التراجع السوفييتي في أواخر عام 1989 وأوائل عام 1990، كان نذيراً بفترة تمتد لخمس سنوات من القطبية الأمريكية الأحادية، وبعد ذلك سوف تستعيد اليابان وألمانيا توازن القوى العالمي، وإلى أن ينشأ هذا التوازن الجديد، كان صدّام يخشى حقاً أن تستخدم الولايات المتحدة وإسرائيل قوتهما المطلقة لزعزعة استقرار نظامه سعياً إلى فرض هيمنتهما على الشرق الأوسط.
وأقنع فائض إنتاج النفط في الكويت في صيف عام 1990، القيادة العراقية بأن العائلة المالكة الكويتية كانت متواطئة في المؤامرة التي قادتها الولايات المتحدة والتي اعتقدوا أنها كانت تجري على قدم وساق بالفعل.
في 24 فبراير/شباط 1990، غامر صدام حسين علناً بالإجابة على السؤال الذي كان يناقشه هو ودائرته الداخلية خلف الأبواب المغلقة منذ أواخر عام 1989: هل كانت نهاية الحرب الباردة نذيراً لشيء ما بالنسبة للشرق الأوسط؟

قال الرئيس العراقي لجمهوره من كبار الشخصيات في مجلس التعاون العربي، الذي كان يجتمع في عمان في قمته السنوية الثانية: "أعتقد أننا يمكن أن نتفق جميعا على أن اجتماعنا يواجه مهمة خاصة ذات أولوية قصوى، وهي مناقشة وتحليل المتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية وتأثيراتها على بلداننا والأمة العربية بشكل خاص، وعلى العالم بشكل عام".
لم يذرف صدام الدموع على انهيار الشيوعية في حد ذاته، فقد ظل نظامه يضطهد الشيوعيين العراقيين لفترة طويلة، وكان حزب البعث الاشتراكي اسمياً قد أدخل إصلاحات السوق قبل سنوات في محاولة لإنقاذ اقتصاد البلاد الذي مزقته الحرب بل كان منشغلاً بالتراجع السوفييتي لأسباب تتجاوز الإيديولوجية.
فبالنسبة له، لم تكن الحرب الباردة مجرد صراع أيديولوجي، بل كانت بمثابة توازن دقيق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
ماذا قد يحدث للعالم إذا تخلى الاتحاد السوفيتي فجأة عن مكانته كقوة عظمى؟ وكان الجواب، كما حذر صدام مستمعيه، هو ظهور قوة الولايات المتحدة بلا ضابط أو رابط على الساحة العالمية ـ وهي الظاهرة التي سرعان ما أطلق عليها المعلق المحافظ الجديد تشارلز كراوثامر وصف "الأحادية القطبية".
ومع تراجع القوة السوفييتية، "فقد أصبح من الواضح للجميع أن أمريكا قد تولت مؤقتًا موقعًا مهيمنًا في السياسة الدولية"، وفي غضون خمس سنوات سوف تتمكن اليابان المزدهرة اقتصادياً وأوروبا الموحدة من استعادة التوازن الدولي، ولكن إلى أن يظهر توازن القوى الجديد هذا، كان من المرجح أن تستغل الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل تفوقهما العابر لتأكيد هيمنتهما على الشرق الأوسط وثرواته من الموارد الطبيعية، ولهذا السبب، "يجب على العرب أن يضعوا في اعتبارهم الاحتمال الجدي المتمثل في أن إسرائيل سوف تشرع في افعال غبية جديدة" - أي أنها ستشن حرباً جديدة - وأنها ستفعل ذلك من خلال "التشجيع المباشر" أو "الدعم الضمني" من واشنطن.

لم يكن من قبيل الصدفة أن يختار صدام هذا المكان، مجلس التعاون العربي، للكشف عن رؤيته للمخاطر التي تنتظر الشرق الأوسط العربي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. كان هذا المجلس، الذي تأسس قبل عام واحد من قبل العراق ومصر والأردن واليمن، هو الأحدث في سلسلة طويلة من المحاولات لتحقيق درجة معينة من التماسك عبر المشهد السياسي العربي المنقسم بشكل مزمن.
وبينما كان صدام يتطلع إلى عالم يعيش مخاض التغيير الثوري، كان غياب التعاون بين الدول العربية على وجه التحديد هو الذي أزعجه.
كانت الإمبراطورية السوفييتية تنهار، وكانت القوى والتجمعات الإقليمية الجديدة في أوروبا وآسيا تسعى إلى ملء الفراغ، وكانت إسرائيل تجني ثمار البيريسترويكا – برنامج ميخائيل جورباتشوف للإصلاحات الليبرالية – حيث استقبلت آلاف المهاجرين اليهود السوفييت الجدد إلى شواطئها كل أسبوع.
وسط كل هذه الاضطرابات، لم تتخذ الدول العربية أي خطوات لتوحيد صفوفها، وإذا كانت هذه الدول تريد تحقيق أي توازن لها في عالم ما بعد الحرب الباردة الذي يتشكل الآن، فلن يكون من الواقعي ان تكون هذه الدول منقسمة بعد الآن، وخلص صدام إلى أن "ضعفنا الظاهري لا يكمن في خصائصنا الوراثية أو الفكرية، بل في انعدام الثقة بيننا" مضيفا "ليكن شعارنا: كلنا أقوياء في وحدتنا، وكلنا ضعفاء في انقسامنا".

بعد أقل من ستة أشهر من نطق صدام بهذه الكلمات، غزا العراق الكويت.

هذا المقال يعيد استكشاف السبب وراء الغزو، وبالاعتماد على المواد الأرشيفية والمذكرات والدوريات العراقية والأمريكية والبريطانية، يجادل المقال بأن الإجابة لا تتعلق باهتمام صدام بالاستيلاء على الثروة النفطية الكويتية، بقدر ما تتعلق بتفسيره لتوازن القوى العالمي المتغير في نهاية الحرب الباردة.
عندما تولى دبليو بوش منصبه في يناير 1989، اعتقد صدام وبعض أقرب مستشاريه أن الرئيس الأمريكي الجديد اعترف بالعراق كقوة إقليمية، بل إنهم كانوا يأملون في أن يفتتح بوش ـ الذي اعتبروه شخصية أقل إيديولوجية وأكثر واقعية من رونالد ريجان ـ حقبة جديدة من العلاقات الأميركية الأكثر تعاوناً وإنصافاً مع العالم العربي.
ولكن مع مرور العام، أصبح قادة العراق حذرين من نوايا إدارة بوش تجاه نظامهم، خوفاً من أن تكون واشنطن مهتمة بتأكيد هيمنتها على الخليج الفارسي أكثر من اهتمامها بالحفاظ على علاقات بناءة مع العراق.
وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 1989، وبينما كانت الثورة تعصف بدول الكتلة الشرقية، وبدا الاتحاد السوفييتي تحت زعامة جورباتشوف وكأنه ظل لما كان عليه في السابق على نحو متزايد، أدركت القيادة العراقية أن العالم يقف على شفا لحظة أحادية القطب ولكن احادية القصب هذه لن تستمر اكثر من لحظة.

افترض صدام في مناسبات متعددة في أواخر عام 1989 وأوائل عام 1990، بما في ذلك خطابه الذي ألقاه في قمة مجلس التعاون العربي في شهر فبراير/شباط، فإن العالم الأحادي القطب كان من المحتم أن يصبح متعدد الأقطاب: ففي غضون خمس سنوات سوف تتمكن اليابان وألمانيا ودول أخرى من استعادة توازن القوى، وفي هذه الأثناء، كان صدام يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تستسلم لإغراء السيطرة على نفط الخليج العربي الذي سيعتمد عليه منافسو أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

أما العراق، بعد أن خرج من حربه مع إيران باعتباره القوة الإقليمية الأقوى والزعيم الذي نصب نفسه للعالم العربي، فقد وقف كأكبر عقبة أمام هذه المخططات، بحسب رؤية صدام.

منذ ديسمبر/كانون الأول 1989 فصاعداً، اختلطت مخاوف صدام من الأحادية القطبية، والشكوك بشأن نوايا بوش مع تقارير استخباراتية مشؤومة تفيد بأن إسرائيل كانت تستعد لشن هجوم مفاجئ على العراق، تماماً كما فعلت في عام 1981، عندما قصفت القوات الجوية الإسرائيلية مفاعل أوزيراك النووي خارج بغداد، والهجرة اليهودية السوفييتية الجماعية إلى إسرائيل، وإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي في يناير/كانون الثاني 1990 أن ذلك يوفر ذريعة للاحتفاظ بالأراضي المحتلة، والحديث عن نكبة جديدة ("الكارثة" الفلسطينية عام 1948) في جميع أنحاء العالم الناطق بالعربية، وهو ما ادى إلى تعزيز مخاوف صدام من أن إسرائيل تستعد لحرب توسعية في المنطقة.

وهنا استخدم صدام خطاباً عدوانياً على نحو متزايد تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل، وبلغ ذروته بتهديده في أبريل/نيسان 1990 بنشر الأسلحة الكيميائية و"جعل النار تأكل نصف إسرائيل"، إذا تجرأت الحكومة الإسرائيلية على ضرب العراق أولاً.

كانت الحرب العراقية مع إسرائيل، وليس جيرانها في الخليج، هي التي بدت للمراقبين الخارجيين هي الاحتمال الأكثر ترجيحاً، حتى صيف عام 1990، عندما اتخذ صدام فجأة موقفاً أكثر عدوانية تجاه العائلة المالكة الكويتية، فكيف نفهم إذن تحول صدام نحو الكويت؟

لقد افترض البعض أن لهجته العدوانية تجاه إسرائيل في أوائل عام 1990 كانت مجرد "ستار من الدخان" لإرباك الغرب وحشد الدعم العربي الشعبي بينما كان يستعد بهدوء للاستيلاء على الكويت، التي كانت في مرمى نيرانه طوال الوقت.

وتكهن آخرون بأن صدام استغل البعبع الصهيوني لإلهاء العراقيين عن مشاكلهم الاقتصادية بعد أن أصبح عبث الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع إيران واضحا للعيان.

لكن هذا المقال يؤكد، على النقيض من كل ما تقدم، ان مخاوف صدام بشأن العداء الإسرائيلي كانت حقيقية، وأن الاتهامات التي وجهها ضد الكويت لا يمكن فصلها عن تلك المخاوف.

لقد أنتجت الكويت منذ عام 1989 النفط بما يتجاوز الحصة التي خصصتها لها منظمة الدول المصدرة للنفط للدول المصدرة للنفط على حساب الاقتصاد العراقي المحتضر، وكان صدام مقتنعاً بالفعل بأن الولايات المتحدة عازمة على استغلال القطبية الأحادية لتقويض نظامه، وخلص بحلول الصيف إلى أن العائلة المالكة الكويتية كانت متواطئة في "المؤامرة" التي تقودها الولايات المتحدة لإضعاف العراق اقتصادياً قبل ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة.

وفي ضوء ذلك، لم يكن الاستيلاء على النفط الكويتي غاية في حد ذاته، بل وسيلة لتفكيك المؤامرة الأكبر التي كانت العائلة المالكة الكويتية طرفا فيها.

قال صدام سراً لأحد زائريه في خريف عام 1990، "المعركة أوسع من الكويت"، ملمحاً إلى أن الغزو لم يكن له علاقة بالكويت بقدر ما كان مرتبطاً بالمؤامرة التي قادتها الولايات المتحدة والتي كان جزءا منها ظاهرياً.

وعلى الرغم من الأدلة الدامغة على أن خوف الصدام من هذه المؤامرة كان حقيقياً، إلا أن هذا الخوف غائب إلى حد كبير عن الروايات العلمية والشعبية عن حرب الخليج؟

تقول الحكمة التقليدية إن صدّام استولى على الكويت لمجرد الهروب من ضائقته الاقتصادية الشديدة بعد حرب الثماني سنوات مع إيران، والتي تراكمت على العراق خلالها ما يقدر بنحو 80 مليار دولار من الديون لدول عربية أخرى، وحكومات غربية، ودائنين دوليين، وعلى خلفية هذه الاعتبارات الاقتصادية الأكثر إلحاحا، كان هناك النزاع الحدودي العراقي الطويل الأمد مع الكويت، ففي مناسبات متعددة منذ الثلاثينيات، طالب القادة في بغداد بالسيادة على بعض أو كل الكويت واستشهدوا برواية شعبية ولكنها خادعة مفادها أن الكويت كانت "كيانًا مصطنعًا" تم اقتطاعه من محافظة البصرة من خلال تواطؤ الإمبرياليين البريطانيين، ووفقًا لهذه الرواية، غزا صدام الكويت لإلغاء ديونه، والاستيلاء على حصة كبيرة من إمدادات النفط المؤكدة في العالم، والحصول على منفذ إلى الخليج الفارسي، كل ذلك بضربة واحدة.

أما الرواية الثانية الراسخة فتتبنى توجهاً يتمحور حول الولايات المتحدة، فيلقي اللوم في غزو الكويت على الحيلة الخاطئة التي نفذتها إدارة ريغان لتخفيف "راديكالية" صدام باسم احتواء إيران الثورية.
وفي عام 1989 تشبثت إدارة بوش الجديدة بسياسة الإدارة السابقة، على أمل أن يكون صدّام قد خرج من الحرب مع إيران حصناً "للاعتدال" في منطقة مضطربة، على الرغم من الأدلة المتزايدة التي تشير إلى العكس.

قبل أسبوع واحد فقط من الغزو، أبلغت السفيرة الأمريكية في بغداد، إبريل جلاسبي، صدام أن الولايات المتحدة لن تتخذ "أي موقف" بشأن نزاعه مع الكويتيين وسواء فسر صدام ملاحظة غلاسبي على أنها "ضوء أخضر" للاستيلاء على الكويت أم لا، كما اتهمه بعض النقاد لاحقاً، كان ينبغي أن يكون واضحاً قبل فترة طويلة من ظهور الغزو أن جهود واشنطن لتعديل السلوك العراقي قد فشلت فشلاً ذريعاً.
تشير هذه الروايات بشكل مضلل إلى أن الغزو العراقي للكويت حدث في فراغ في الشرق الأوسط، كما لو أنه تزامن مع التقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفجر حقبة ما بعد الحرب الباردة.

وفي هذا السياق، يواجه المرء عادة الحجة - التي يقدمها صناع السياسة والصحفيون والباحثون على حد سواء - بأن صدام أخطأ في افتراض أن الولايات المتحدة ستتسامح مع عدوانه على الكويت، أو أن موسكو، في أسوأ السيناريوهات، ستتدخل لحمايته من التدخل الأمريكي.

كتب أحد المؤرخين مؤخرًا، "كان صدام ينظر إلى ديناميكيات الحرب الباردة على أنها دائمة، ولم يكن قادرًا على القبول، بأن الاتحاد السوفييتي لن ينقذ نظامه، حتى انضمت قواته إلى المعركة مع القوات الأمريكية".

في هذا التصور، كان العراق وقيادته متخلفين عن الزمن، وغير قادرين على إدراك أن العالم من حولهم كان في خضم تغيير جذري إلا بعد فوات الأوان.

لكن هذه المقالة تقول خلاف ذلك وتؤكد أن القول بأن نهاية الحرب الباردة كانت هامشية في عملية صنع القرار لدى القيادة العراقية سيكون بمثابة تجاهل لثروة من الأدلة التي تشير إلى أن صدام ومستشاريه كانوا يراقبون بعناية ويناقشون بشدة التداعيات العالمية للتخندق السوفييتي، وانهيار الشيوعية، والحرب الباردة وتحول ميزان القوى من أواخر عام 1989 فصاعدا.

وبحلول الوقت الذي غزا فيه العراق الكويت، كان قادته قد استنتجوا بالفعل أن جورباتشوف كان يميل إلى التضحية بشركاء موسكو التقليديين في العالم الثالث على مذبح العلاقات الأوثق مع واشنطن.

والحقيقة أن اختلال توازن القوى الناتج عن الانحدار السوفييتي هو ما شغل صدّام ومن كان حوله على وجه التحديد.

وتلجأ الدراسات التي تناولت هذه الحلقة التاريخية في كثير من الأحيان إلى استعارات مبتذلة، فترجع غزو الكويت إلى اللاعقلانية المفترضة التي يتمتع بها صدّام، وهوسه الكبير، وجشعه، لكن المقارنة بين المصادر ووجهات النظر العراقية والأميركية تكشف حقيقة أكثر واقعية ألا وهي أن صدام لم يفهم الولايات المتحدة بشكل جيد، وأنه شعر بأن محاوريه الأمريكيين أساءوا فهمه.

ومن خلال تتبع تطور تفكيره مع انتهاء الحرب الباردة، ومن خلال النظر إلى أفعاله ضمن القوس الأوسع لمواجهات العراق مع الولايات المتحدة، فإننا نكتسب رؤى جديدة بشأن المنطق الذي دفع صدام إلى غزو الكويت.

إن تفسير مصدر هذا المنطق لا يعني التغاضي عن عدوانه، بل هو كذلك لتقدير الطرق التي ينظر بها الممثل الذي يبدو بعيدًا عن الاضطرابات المصاحبة لنهاية الحرب الباردة إلى نفسه على أنه محوري فيها ويتصرف وفقًا لذلك.

ويطرح هذا المقال الحجة لصالح توسيع قراءة نهاية الحرب الباردة إلى ما هو أبعد من الإطار عبر الأطلسي والأوروبي.

وعلى الرغم من كل الاهتمام الأخير بالمنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في العالم الثالث، فإن الأدبيات المتعلقة بالفصل الأخير من الحرب الباردة تظل محصورة بالكامل تقريبًا في اضطرابات الكتلة الشرقية والقمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وهذا ليس مفاجئا، نظرا لأن الأحداث الأكثر شيوعا المرتبطة بنهاية تلك الحقبة وقعت في تلك السياقات، ولكن من خلال تركيز تفسيرات العراق لنهاية الحرب الباردة، سرعان ما يصبح من الواضح أن صدام ورفاقه فهموا أنهم مشاركون في صراع عالمي لتحديد معالم نظام ما بعد الحرب الباردة بما لا يقل عن الأدوار التي مارستها الأنظمة الأمريكية والأوروبية والقادة السوفييت ذلك.

وعلى النقيض من أولئك الذين يزعمون أن الشرق الأوسط "خرج من هياكل الحرب الباردة العالمية" بحلول منتصف الثمانينيات، يقترح هذا المقال أن رؤية نهاية الحرب الباردة من خلال عيون عراقية تفتح آفاقًا جديدة للبحث التاريخي في صنع عالم ما بعد الحرب الباردة.

يتبع

+ حصل دانييل تشارديل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفارد في مايو 2023 وهذا المقال مقتبس من أطروحته بعنوان "حرب الخليج: تاريخ دولي، 1989-1991".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43825
معدل النشاط : 58573
التقييم : 2418
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  B3337910
الطـــائرة : جذور غزو العراق للكويت  Dab55510
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  B97d5910

جذور غزو العراق للكويت  1210

جذور غزو العراق للكويت  Best11


جذور غزو العراق للكويت  Empty
متصل

مُساهمةموضوع: رد: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10الأربعاء 6 مارس 2024 - 7:36

الحلقة الثانية  
+

العالم وفق صدام حسين

إن فهم تفسير صدّام لنهاية الحرب الباردة، وما يتصل من هذا التفسير بقراره بغزو الكويت، يتطلب أخذ رؤيته للعالم على محمل الجد.

كانت تلك النظرة للعالم ترتكز على فرضية بسيطة ولكنها قوية: لقد كان العرب ذات يوم أمة فخورة بنفسها ومزدهرة وموحدة في طليعة الإنجاز الحضاري، لكن الامبرياليين الأجانب - الفرس والعثمانيون والأوروبيون - أخضعوا العرب وزرعوا بذور الشقاق بينهم، وحرموهم من الأدوات اللازمة لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي، ولن يتمكن العرب من استعادة مجدهم الماضي، وتجاوز إذلال الإمبريالية، واستعادة مكانتهم تحت الشمس إلا من خلال الوحدة والاعتماد على الذات والتنمية الاقتصادية، وهكذا كانت عقيدة البعث وهي الحركة السياسية الثورية التي أسسها المثقفون السوريون عام 1947 على أسس تدعم افكار الوحدة العربية ومعاداة الإمبريالية والاشتراكية.

انجذب صدام الشاب إلى البعثية عن طريق خاله خير الله طلفاح، الذي عاش معه طوال فترة مراهقته في موطنه تكريت ثم في بغداد، وقد تركت القومية العربية القوية التي كان يتمتع بها طلفاح، والعداء تجاه الإمبريالية البريطانية، وحكايات المجد العراقي القديم، علامة لا تمحى على المظهر السياسي لابن أخيه وكشف عنوان موقف طلفاح، الذي نشرته الصحافة الحكومية العراقية عام 1981، عن سياساته وأحكامه المسبقة بعبارات لا لبس فيها: ثلاثة لا ينبغي أن يخلقهم الله: الفرس، واليهود، والذباب!

اتبع صدام خطى طلفاح وانضم إلى الفرع العراقي لحزب البعث عام 1955، والذي كان عدد أعضائه آنذاك 289 عضوًا فقط، وعلى مدى العقد ونصف العقد التاليين، شارك البعثيون في سلسلة من الانقلابات والصراعات الحزبية على السلطة، وعملوا على هامش السياسة العراقية حتى استولوا على السلطة في ثورة عام 1968.

تولى صدام السلطة عام 1979 بعد أن شغل منصب رئيس الأمن الداخلي ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة الحاكم في عهد ابن عمه وزميله التكريتي، الرئيس أحمد حسن البكر.

كانت علاقة صدام مع الولايات المتحدة مشحونة بالشكوك، وكانت متأرجحة بين الصداقة المؤقتة والعداء المفتوح حتى وقوع غزو الكويت في الثاني من أغسطس عام 1990.

لم يمنع الالتزام بالإيديولوجية البعثية من إقامة تحالف مصلحة بين العراق والولايات المتحدة عندما اقتضت الظروف ذلك، كما حدث أثناء الحرب مع إيران، لكن صدام ينظر إلى واشنطن باعتبارها وريثة الإمبراطوريات الأوروبية القديمة.

وبحسب ما قاله، كان العرب ينظرون ذات يوم إلى الولايات المتحدة كمنارة في كفاحهم ضد "الإمبريالية القديمة" البريطانية والفرنسية، ليكتشفوا بعد الحرب العالمية الثانية أن أمريكا بعيدة كل البعد عن القضاء على الإمبرياليين الأوروبيين في الشرق الأوسط بعد ان "حلت محلهم".

كانت تحالفات الولايات المتحدة مع تركيا والشاه الإيراني، والدعم السري للمتمردين الأكراد العراقيين في أوائل السبعينيات، ومبيعات الأسلحة السرية لطهران في منتصف الثمانينيات، كلها متوافقة مع الاستراتيجية الغربية طويلة الأمد لإخضاع وتقسيم الأغلبية العربية في المنطقة من خلال التحالفات مع الدول غير العربية والأقليات العرقية.

وفوق كل ما تقدم، كانت علاقات صدام مع الولايات المتحدة لا تنفصم عن تصوره للصهيونية و"كيانها"، دولة إسرائيل.

كان صدام، على غرار البعثيين الآخرين من جيله، يتبنى النظرية المعادية للسامية القائلة بأن اليهود مارسوا نفوذاً هائلاً على الدول الغربية عبر الإعلام والتمويل، مما مكنهم من إملاء سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط.

وظل صدام حتى النهاية متمسكًا بقناعته بأن الصهيونية هي أصل تعفن العالم العربي، وقال لمحققه الاميركي في 2004 إن كل "الأشياء السيئة" التي حلت بالعرب تعود إلى الدولة اليهودية مؤكدًا"كل ما حدث لنا كان بسبب إسرائيل".

يمكن للمرء أن يفسر هذه الكلمات على أنها كلمات المستبد المهزوم وضحية التضليل والذي كان يائسًا لإلقاء اللوم على أخطائه عند أقدام كبش الفداء المفضل لديه، لكن تصريحات صدام تعكس على ما يبدو مجموعة حقيقية ومتماسكة بشكل ملحوظ من القناعات التي يعود تاريخها إلى شبابه.

لقد اعتبر أن الدوائر الصهيونية عملت جنبا إلى جنب مع الإمبرياليين الغربيين لإبقاء العرب في حالة دائمة من الصراع الضروس، والتخلف الاقتصادي، والتخلف العلمي، وعندها فقط تستطيع إسرائيل الصغيرة أن تحافظ على تفوقها على العرب المتفوقين عددياً.

وكما أعلن الصدام في عام 1978، فإن الدول العربية منيت بأول هزيمة لها على يد إسرائيل في عام 1948 بسبب "ضعف الأنظمة [العربية]... المرتبطة بالاستعمار"، أو، على حد تعبيره في أوائل عام 1990، "السبب الجذري لخسارة فلسطين لم يكن إيمان الصهاينة بقضيتهم، بل تخلي العرب عن قضيتهم.. السبب الجذري لم يكن القوة الصهيونية، بل الضعف العربي".

كان انشغال صدّام بالضعف العربي في مواجهة إسرائيل يعكس الشعور بانعدام الأمان ـ بكل معنى الكلمة ـ الذي ساد سياساته.

لم تكن الإمبريالية والصهيونية قد هزمتا الدول العربية فحسب، بل أذلتها أيضًا، وقد تغلغلت التلميحات في خطاب صدام العام والخاص إلى الحط من قدر العرب، مرددة صدى انشغاله بالتغلب على الإهانات التي أخضع لها الإمبرياليون والصهاينة الأمة العربية.

فقد ابلغ صدام مجلس قيادة الثورة في عام 1979، على سبيل المثال، أن هدف اتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية هو "جعل العالم العربي برمته يركع" أمام الصهيونية والولايات المتحدة، وقال في مناسبة أخرى، إنه حتى لو "انحنى" العراق للصهاينة، فإنهم لن يسمحوا للعرب أبداً بتحقيق التكافؤ العلمي والتكنولوجي مع إسرائيل.

واعتبر صدام، تمشيا مع مهمة البعث، أن واجبه ومصيره الشخصي هو إحياء الأمة العربية واستعادة تاريخها القديم المجيد واسترداد كرامتها في العصر الحديث، وقال لمستشاريه في أوائل الثمانينيات: "إن العراق يستطيع أن يجعل هذه الأمة [العربية] تنهض ويمكن أن يكون مركزها المركزي في موطنها الكبير" مضيفًا "إذا سقط العراق، ستسقط الأمة العربية بأكملها".

إن الحدث الذي شكل نظرة صدام لإسرائيل ربما أكثر من أي حدث آخر خلال فترة رئاسته - وكما يوضح هذا المقال، الحدث الذي سيطارده طوال العام الذي سبق غزو الكويت - كان يتمثل في الغارة الجوية الإسرائيلية على مفاعل أوزيراك النووي الذي بنته فرنسا خارج بغداد عام 1981.

ووصف صدام الهجوم، في اجتماعاته مع مستشاريه، على أنه جزء من استراتيجية إسرائيل التي تلتزم بها "لمنع تقدم ونهوض الأمة العربية، ومنعها من استخدام العلم والتكنولوجيا"، واكد صدام أن الحركة الصهيونية كانت "نقطة محورية للعدوان والعداء والتوسع" المفروضة على الشرق الأوسط "لغرض إخضاع الأمة العربية" بالرغم من ان اسرائيل صورت نفسها على أنها "ليست سوى مجموعة من اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد النازي ويبحثون عن أرض مسالمة".

أكدت الضربة على مفاعل أوزيراك أن إسرائيل لن تحتمل أي تحدي لتفوقها العلمي، وجاءت قضية إيران-كونترا وكأنها تؤكد صحة شكوك صدام حول ازدواجية الولايات المتحدة.

وقد أكدت خطة البيت الأبيض غير المدروسة للاستفادة من إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين بطرق سرية مقابل مبيعات الأسلحة إلى طهران في ذروة الحرب الإيرانية العراقية ما كان يخشاه صدام طوال الوقت: فعلى الرغم من كل الحقد العلني بين واشنطن والثوريين الإسلاميين في طهران، واصلت الحكومة الأمريكية التواطؤ مع إيران على حساب العراق كما فعلوا منذ أوائل السبعينيات.

وقال لطيف نصيف جاسم، وزير الإعلام والثقافة العراقي، إن الفضيحة كانت "مثل كابوس أصبح حقيقة"، واتفق معه صدام، مذكّراً دائرته الداخلية بأن تضع في اعتبارها أن "أميركا لها وجهان".

كان صدام على استعداد لمنح ريغان فرصة بالرغم من الشك، وبالرغم من كل حرصة على ربط كل نكسة بالمؤامرة الصهيونية، وقال لمجلس قيادة الثورة: "إن اليهود يعملون من أجل مصالح إيران" مضيفًا "حتى ريغان، إذا أصر على الصراع مع إيران، فمن المحتمل أن اليهود لن يتفقوا معه"، والصهيونية "جعلت ريغان يوافق" على بيع الأسلحة لإيران، مؤكدا "إن الصهيونية هي التي رفعت الأمور إلى هذا المستوى حتى يوافق ريغان ويجلس الثلاثة (إسرائيل وإيران والولايات المتحدة) ويتآمرون على العراق".

وفي رواية صدام ايضاً، ريغان لم يقم بخيانة العراق بمحض إرادته، لكنه اضطر إلى ذلك وكان هذا هو مدى النفوذ الذي تمتعت به الصهيونية على الرئاسة الأمريكية بحسب القيادة العراقية.

كل هذه الجوانب من رؤية صدام للعالم - اقتناعه بأن إسرائيل تمارس نفوذاً شائناً على حكومة الولايات المتحدة، وحذره الدائم من المؤامرات الصهيونية والإمبريالية لتخريب نظامه، وحلمه بتخليص العرب من قرون من الإذلال - سوف تتجمع في أواخر عام 1989، لتلون شخصيته وتفسيره للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في نهاية الحرب الباردة والمخاطر التي تنتظر العراق في عالم متغير.

يتبع

+ حصل دانييل تشارديل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفارد في مايو 2023 وهذا المقال مقتبس من أطروحته بعنوان "حرب الخليج: تاريخ دولي، 1989-1991".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43825
معدل النشاط : 58573
التقييم : 2418
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  B3337910
الطـــائرة : جذور غزو العراق للكويت  Dab55510
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  B97d5910

جذور غزو العراق للكويت  1210

جذور غزو العراق للكويت  Best11


جذور غزو العراق للكويت  Empty
متصل

مُساهمةموضوع: رد: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10الأربعاء 6 مارس 2024 - 7:39

الحلقة الثالثة  
+

الاحتضان غير المؤكد
 
عندما تولى بوش منصبه في يناير/كانون الثاني 1989، كانت العلاقات مع العراق في أسفل قائمة أولوياته.

كان قياس مدى صدق إصلاحات جورباتشوف، والحفاظ على التحالف عبر الأطلسي، وحل مجموعة من "القضايا الإقليمية" في العالم الثالث، يحتل مكانة مرموقة على أجندة الرئيس الجديد.

وتصدرت جهود الإدارة لإطلاق حوار إسرائيلي-فلسطيني اجندة الرئيس في الشرق الأوسط، وليس العلاقات مع العراق.

ويقول ريتشارد هاس، مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي "لم يكن العراق على رادار (بالمعنى الحرفي أو المجازي) لأي مسؤول متوسط ​​المستوى ناهيك عن مسؤول كبير" خلال السنة الأولى لبوش في منصبه.

إن حقيقة أن بوش ومستشاريه لم يولوا في البداية أهمية كبيرة للعراق كانت تعكس ثقتهم في أن السياسة التي ورثوها عن إدارة ريجان كانت سليمة، فقد مالت السياسة الاميركية نحو بغداد منذ أوائل الثمانينات في محاولة لاحتواء الثوار الأصوليين في طهران، وكسر علاقة بغداد الهشة بالفعل مع الاتحاد السوفيتي، وإغراء صدام للانضمام إلى حظيرة الدول العربية "المعتدلة" ذات التوجه الغربي، على الرغم من حياد واشنطن الرسمي في الحرب العراقية الإيرانية.

ولتحقيق هذه الغايات، كان ريغان يتودد إلى بغداد بصادرات التكنولوجيا المتقدمة والتعاون الاستخباراتي والمساعدات الاقتصادية، بما في ذلك 3.2 مليار دولار في شكل ضمانات ائتمانية لشراء السلع الزراعية الأمريكية تحت رعاية مؤسسة ائتمان السلع التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية.

نفذ ريغان في عام 1987، أيضًا عملية الإرادة الجادة "لإعادة رفع العلم" على الناقلات الكويتية تحت تهديد الهجوم الإيراني - وهي خطوة لم تهدف فقط إلى ضمان التدفق الحر للنفط في الخليج، ولكن أيضًا للإشارة إلى استمرار الدعم الأمريكي للعراق بعد كارثة إيران-كونترا.

ولم تغير هجمات صدام بالأسلحة الكيماوية ضد الأكراد العراقيين في عام 1988 حسابات إدارة ريغان المنتهية ولايتها.

وجاء في إحدى مذكرات وزارة الخارجية التي تم توزيعها على نطاق واسع أن انتهاكات حقوق الإنسان "تشكل عائقًا داخليًا أمام قدرتنا على تعزيز علاقة ثنائية أوثق" ومع ذلك، فإن "مصالحنا السياسية والاقتصادية تتوازى في كثير من النواحي مع مصالح العراق".

وكانت بغداد على استعداد لمواصلة شراء ما قيمته مليار دولار من المنتجات الزراعية الأمريكية سنويا، ووعدت السوق العراقية بعد الحرب بأن تكون نعمة للشركات الأمريكية.

كان انضمام العراق إلى "تجمع الدول العربية المحافظة" من الناحية الجيوسياسية، من شأنه أن يساعد في إنشاء "مركز ثقل" جديد في العالم العربي، في مواجهة مركزي ليبيا وسوريا الثوريتين وكان العراق مهمًا جدًا بكل المقاييس بحيث لا يمكن إغضابه.

وقد أيد مستشارو بوش هذا المنطق، ونصحوه بالحفاظ على سياسة ريجان القائمة على الارتباط البناء مع بغداد بكل ما فيها من عيوب.

وتوقع فريق بوش الانتقالي بتفاؤل أن الحرب مع إيران "ربما تكون قد غيرت العراق من دولة متطرفة تتحدى النظام إلى دولة أكثر مسؤولية وتحافظ على الوضع الراهن وتعمل داخل النظام".

وقدمت رغبة صدام اليائسة في التجارة والاستثمار مع الولايات المتحدة فرصة ذهبية "لإبعاد العراق عن تحالفه السياسي الهش بالفعل مع السوفييت" و"ربط العراق بتحالف محافظ ومسؤول في السياسة الخارجية".

واضح التوجيه رقم 44 بخصوص السياسة الاميركية تجاه العراق انه لا ينبغي وضع المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان جانباً، ولكن لا ينبغي لها أن تحدد مسار العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق.

وقامت الإدارة الجديدة في أكتوبر 1989، بتكريس هذه المبادئ في توجيه الأمن القومي رقم 26، وهو نتاج مراجعتها الرسمية لسياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج العربي وتمت صياغة التوجيه في وقت الاضطرابات المتصاعدة عبر الكتلة الشرقية، ولم تحظ الوثيقة غير الملحوظة باهتمام كبير في البيت الأبيض.

كانت الولايات المتحدة تلوح في الأفق بشكل كبير في تفكير صدام بالرغم من كون العراق هامشياً بالنسبة لإدارة بوش الجديدة،

لم تكن القيادة العراقية متأكدة مما يجب فعله بالرئيس الأمريكي الجديد. لقد بذل ريغان قصارى جهده لإقناع الحكومة العراقية بأن "ايران - غيت" كانت انحرافاً عن السياسة الاميركية، وليست جزءاً من مخطط كبير لتنمية إيران على حساب العراق، لكن وصول إدارة جديدة قد يبشر بسياسات جديدة.

وخوفاً من أن واشنطن قد تضحي ببغداد على مذبح التقارب مع طهران، قدم صدام أفضل ما لديه لإقناع إدارة بوش بأن العراق سيظل شريكاً سياسياً واقتصادياً يمكن الاعتماد عليه.

أعلنت بغداد في فبراير 1989، أن الحكومة العراقية تقوم بإعداد دستور جديد لإضفاء الشرعية على نظام التعددية الحزبية، وضمان انتخابات حرة، وضمان حرية الصحافة.

وفي الشهر نفسه، أبلغ وزير الخارجية طارق عزيز السفارة الأمريكية أن صدام يريد "بداية نظيفة وواضحة" مع الإدارة الجديدة، وكدليل على حسن نيته، وافق العراق على دفع مبلغ سخي كتعويض للبحارة الأمريكيين السبعة والثلاثين الذين قتلوا على يد طيار مقاتل عراقي ظن خطأ أن السفينة يو إس إس ستارك هي ناقلة إيرانية في عام 1987.

وقام العراق في نفس الوقت بقياس نوايا الرئيس الأمريكي الجديد فأرسل صدام حسين نزار حمدون، وكيل وزارة الخارجية العراقية، في مارس/آذار، لينقل تمنياته بعلاقات أكثر دفئاً مباشرة إلى مستشاري بوش في واشنطن.

فبعد أن عمل سفيراً لدى الولايات المتحدة في ذروة الحرب مع إيران، لم يكن هناك أي مسؤول عراقي مجهز بشكل أفضل لإيصال رسالة صداقة صدام من حمدون الذي يحظى بتقدير كبير، وتلقى حمدون تأكيدات وزير الخارجية جيمس بيكر بأنه على الرغم من العداء المستمر في الكونجرس بشأن استخدام النظام في وقت سابق للأسلحة الكيميائية ضد الأكراد العراقيين، فإن إدارة بوش كانت حريصة على مواصلة تنمية علاقات أوثق مع العراق.

استنتج حمدون من لقائه مع بيكر، ان الحكومة الأمريكية اعترفت بالعراق كقوة إقليمية يمكن الاعتماد عليها لحل المشاكل ذات الاهتمام المشترك في الشرق الأوسط الكبير، كما أقنعت كلمات بيكر الدافئة القيادة العراقية بأن بوش ودائرته الداخلية أقل إيديولوجية وأكثر واقعية من أسلافهم في إدارة ريغان وكانت هذه إدارة يمكنهم التعامل معها.

في الواقع، كانت الأعمال التجارية في مقدمة اهتمامات القيادة في بغداد بعد ان دمرت الحرب مع إيران الاقتصاد العراقي بعيداً عن الخسائر البشرية الهائلة للحرب.

وفي أوائل الثمانينيات، عندما ثبت أن عائدات النفط والاحتياطيات الدولية المتدهورة غير كافية لتمويل المجهود الحربي، لجأ صدام إلى الدائنين الغربيين والدول العربية الصديقة طلباً للإغاثة.

وبحلول نهاية الحرب، بلغ إجمالي الدين الخارجي للعراق ما يقدر بنحو 26 مليار دولار، وهذا لا يشمل 40 إلى 50 مليار دولار إضافية من "الديون العينية" المستحقة على الكويت والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.

وفي هذا السياق، فهم صدام أن العلاقات الاقتصادية المثمرة مع الولايات المتحدة حيوية لإنعاش الاقتصاد العراقي.

وفي يونيو/حزيران 1989، قام منتدى الأعمال الأمريكي العراقي – وهو اتحاد تجاري نما نفوذه بالتزامن مع العلاقات التجارية الثنائية المزدهرة – برعاية وفد من 25 من كبار المسؤولين التنفيذيين الأمريكيين لزيارة العراق ودراسة فرص التجارة والاستثمار في اقتصاد ما بعد الحرب، واستقبل صدام الزوار شخصيا في اجتماع ودي استمر لمدة ساعتين.

وذكرت السفيرة الاميركية في بغداد إبريل غلاسبي لواشنطن أن مقابلة الرئيس العراقي للوفد شخصياً غير مسبوق "ويشكل إشارة متعمدة على الاستعداد للتعامل مع الأميركيين".

وكان الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو تصريح صدام خلال اللقاء بأنه قد وضع شكوكه بشأن النوايا الأمريكية وراء ظهره وقال لزواره: "قرارنا بالتعاون معكم قوي" مضيفًا "نحن نتذكر إيران جيت، ولكننا مهتمون أكثر بالتطلع إلى المستقبل".

من المؤكد أن العلاقة المزدهرة بين الولايات المتحدة والعراق لم تكن خالية من التوترات، فمع انتهاء صيف عام 1989، لاحت في الأفق ثلاث قضايا. الأولى كانت قضية (بنكا ناسيونالي ديل لافورو)، ففي أغسطس 1989، اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي أن فرع البنك في أتلانتا قد زود العراق بقروض غير مصرح بها بقيمة أربعة مليارات دولار، استخدمتها بغداد بعد ذلك لشراء معدات عسكرية حساسة، ولأن البنك كان مسؤولاً عن إصدار نسبة كبيرة من القروض المدعومة من الحكومة الأمريكية للعراق لشراء السلع الزراعية الأمريكية، قررت وزارة الزراعة والوكالات الفيدرالية الأخرى صرف المليار دولار التالي للعراق من اعتمادات مؤسسة ائتمان السلع على دفعتين بقيمة نصف مليار دولار: الأولى في أكتوبر 1989، والثانية في وقت ما من أوائل عام 1990، في انتظار نتائج التحقيق في ممارسات الإقراض الشاذة التي قام بها بنك بانكا ناسيون ديل لافورو.

أما المسألة الثانية فكانت خوف صدام المبدئي من النوايا الإسرائيلية العدائية تجاه نظامه، فقد أعربت السلطات في بغداد علناً وبشكل خاص في مناسبات متعددة منذ نهاية الحرب مع إيران، عن مخاوفها من أن إسرائيل كانت تخطط سراً لتكرار الغارة الجوية عام 1981 على مفاعل أوزيراك النووي، وهذه المرة ضد منشآت أسلحة نووية أو غير تقليدية أخرى.

الأمر الثالث هو أن صدام بدأ يتلقى تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة كانت تنشر شائعات بأن العراق لديه نوايا عدائية تجاه جيرانه العرب في الخليج، ووفقا لأحد الروايات العراقية، أبلغ العاهل السعودي الملك فهد بغداد أن مسؤولا أمريكيا شجع الرياض على الحذر من المخاطر التي تشكلها القوات المسلحة العراقية، وتعتقد الحكومة العراقية أن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال نورمان شوارزكوف، روج لشائعات مماثلة خلال زياراته في أكتوبر/تشرين الأول إلى الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

فهل سعت واشنطن حقاً إلى إقامة علاقات بناءة مع بغداد، أم أن إدارة بوش ستتجاوز العراق سعياً وراء الهيمنة الأميركية على الخليج؟

طرح عزيز هذه الأسئلة مباشرة على بيكر في لقاء ودي في واشنطن في أكتوبر/تشرين الأول، وقال عزيز لبيكر إن العراق تلقى تقارير "مزعجة" تفيد بأن مسؤولين أميركيين يروجون شائعات بأن العراق لديه نوايا عدوانية تجاه جيرانه في الخليج، وعلمت بغداد أيضاً أن "بعض الوكالات الأمريكية" كانت "تحاول زعزعة استقرار العراق".

فاجأت الاتهامات بيكر، الذي طمأن عزيز بأن "الولايات المتحدة ليست متورطة في أي جهد لإضعاف العراق أو زعزعة استقراره"، وتجاهل استفسارات وزير الخارجية واعتبروها مجرد تمرين في نظرية المؤامرة.

يتذكر بيكر ذلك بعد سنوات بالقول: "كان هذا أول تعرض مباشر لي لجنون العظمة الذي علمت لاحقًا أنه تغلغل في المستويات العليا في الحكومة العراقية".

وبعيداً عن نوبة جنون العظمة، فإن استجواب عزيز كان في الواقع جزءاً لا يتجزأ من الجدل الدائر داخل الحكومة العراقية حول النوايا الأميركية.

ففي أيلول/سبتمبر، على سبيل المثال، تبادل صدام وأخويه غير الأشقاء، برزان وسبعاوي إبراهيم التكريتي، سلسلة من الرسائل تتأمل في نفس الأسئلة التي كان عزيز سيطرحها على بيكر في الشهر التالي.

وقد استعصى عليهم الإجماع، الأمر الذي أشار إلى أن القيادة العراقية، اعتباراً من خريف عام 1989، لم تكن متفقة فيما يتصل بمستقبل علاقتها مع الولايات المتحدة ـ ومن المؤكد أنها لم تكن لديها أي خطط لشن حرب جديدة.

ومن ناحية أخرى، بدا برزان، رئيس البعثة العراقية لدى الأمم المتحدة في جنيف، متشائما، وأضاف "ان الخطر الحقيقي هو الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. الأميركيون يريدون السيطرة على المنطقة ونحن العائق الوحيد أمامهم" وان واشنطن كانت تسعى إلى "إبعادنا عن بقية العالم العربي" من خلال إثارة المخاوف من عداء العراق المفترض تجاه جيرانه، والأسوأ من ذلك أن "إسرائيل تفكر جدياً في جرنا إلى الحرب وهي تعلم أننا حذرون... عبر توجيه ضربة إلى إحدى مؤسساتنا".

في المقابل، بدا سبعاوي، مدير المخابرات العامة العراقية، أكثر تفاؤلا، وكتب سبعاوي رداً على برزان أن الولايات المتحدة كانت بالتأكيد خصماً محتملاً، لكن "أمريكا ليس لديها مصلحة في أن يكون العراق عدواً [طالما] أن العراق لا يتدخل في مصالحها الحيوية [الأمريكية]"، واضاف ان اسرائيل "أعتقد أنها تتخذ موقفاً دفاعياً حذراً وليس موقف المعتدي. فإذا كانت لدى إسرائيل النية لضرب أي هدف أو مشروع في العراق، فسيكون ذلك لهدف محدود يتمثل في إبطاء تقدم المشروع وتجنب التهديد لفترة أطول من الوقت، بدلا من هدف تغيير النظام".

يتبع

+ حصل دانييل تشارديل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفارد في مايو 2023 وهذا المقال مقتبس من أطروحته بعنوان "حرب الخليج: تاريخ دولي، 1989-1991".


جذور غزو العراق للكويت  GH46hZLaoAA2cO3?format=jpg&name=large

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43825
معدل النشاط : 58573
التقييم : 2418
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  B3337910
الطـــائرة : جذور غزو العراق للكويت  Dab55510
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  B97d5910

جذور غزو العراق للكويت  1210

جذور غزو العراق للكويت  Best11


جذور غزو العراق للكويت  Empty
متصل

مُساهمةموضوع: رد: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10الخميس 7 مارس 2024 - 18:06


الحلقة الرابعة  
 
+

نهاية التاريخ على نهر الفرات نوفمبر 1989 – فبراير 1990

كان زعماء العراق يخشون النوايا الإسرائيلية كما تشير مداولاتهم الداخلية، ومن المؤكد أنهم رأوا احتمالات الخيانة الأميركية، ولكنهم تصوروا أن علاقتهم مع إدارة بوش كانت سليمة إلى حد كبير في أوائل خريف عام 1989، ولكن على مدى الأشهر التالية، بدأت التداعيات العالمية للحرب في الظهور.

فقد أدت ثورات الكتلة الشرقية والتخندق السوفييتي، عن غير قصد، إلى تفاقم شكوك العراق في نوايا أميركا وإسرائيل على نحو لم تتوقعه إدارة بوش ولم تقدره.

أدرك صدام ومستشاروه أن الحقائق الجيوسياسية التي سادت السنوات الأربعين الماضية كانت تتلاشى بسرعة أمام أعينهم في استنتاج كان على النقيض من استنتاجات نظرائهم في الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد السوفييتي.

ظلت ملامح نظام ما بعد الحرب الباردة غامضة في ضباب الاضطرابات بالرغم من ان الحرب الباردة الثنائية القطبية قد أصبحت من بقايا التاريخ، وقد أسر صدام حسين لعاهل الأردن الملك حسين قائلاً: "يتعين علينا أن نكون يقظين وحذرين خلال هذه الفترة... بينما يأخذ العالم شكله الجديد".

وفي خطاب ألقاه في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1989 ـ وبالمصادفة، قبل يومين فقط من انهيار سور برلين ـ قدم صدّام علناً تفسيراً أولياً للكيفية التي قد يؤثر بها انهيار الشيوعية على الشرق الأوسط، ووفقاً لصدام، كان هناك اتجاهان سوف يحددان مسار الشؤون العالمية في المستقبل القريب: الأول يتلخص في تزايد الاعتماد العالمي ـ وخاصة الأميركي ـ على نفط الخليج؛ والثاني، التراجع في جميع أنحاء العالم الشيوعي، وحذر من أن "هاتين الظاهرتين ستكون لهما عواقب وخيمة على منطقتنا"، لأنهما تزيدان من احتمال "نهب" النفط الخليجي في السنوات الخمس المقبلة.

ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي خلط فيها صدام خوفه من المخططات الأمريكية في الخليج مع التراجع السوفييتي، مما أدى إلى تفاقم الشكوك بشأن نوايا الولايات المتحدة التي كانت قد بدأت بالفعل في الظهور في المستويات العليا للحكومة العراقية.

لم يلق خطاب صدام - وكما عبرت عنه السفارة البريطانية في بغداد، "تلميحه إلى أن الولايات المتحدة ربما تكون مستعدة للتصرف بشكل أكثر عدوانية في الشرق الأوسط لحماية هذه المصالح [النفطية]" - اهتماماً يذكر في الولايات المتحدة.

كان الخطاب مستوحى من تصرفين أميركيين يبدوان غير ضارين، الأول عبر مقال افتتاحي في الواشنطن بوست كتبه وزير الدفاع السابق جيمس شليزنجر في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، يحذر فيه من أن العالم "أصبح يعتمد بشكل متزايد وربما مفرط على منطقة الخليج للحصول على موارد الطاقة" ونتيجة لذلك، فإن "الدول الرئيسية في المنطقة" لن تصبح فقط "أكثر تأثيراً بكثير"، بل أيضاً "أكثر إغراءً كهدف".

لفتت المقالة الافتتاحية انتباه كبار المسؤولين في وزارة الخارجية العراقية الذين قاموا بنقل المقال إلى صدام حسين.

والثاني، سألت السفيرة الاميركية في بغداد أبريل جلاسبي في نفس الوقت محاوريها العراقيين بوضوح عن سبب احتفاظهم بجيش نظامي كبير جدًا حتى بعد انتهاء الحرب مع إيران وتم نقل تعليق جلاسبي غير اللباق إلى صدام، وقد أثار هذا أيضاً شكوكه، إذ جاء في أعقاب تقارير أفادت بأن الولايات المتحدة كانت تنشر شائعات عن نوايا العراق العدائية تجاه جيرانها.

وتزايدت مخاوف العراق بشأن النوايا الأميركية بالتزامن مع الوتيرة المتسارعة لثورات الكتلة الشرقية.

في ديسمبر/كانون الأول، رداً على الانتفاضة الشعبية الرومانية ضد نيكو لاي تشاوشيسكو في ذلك الشهر، أمر صدام سفراء العراق في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية والصين وفيتنام وكوبا بالعودة إلى بغداد لمناقشة الاضطرابات التي تجتاح الشيوعية، وتمحورت مداولاتهم بشأن سؤال شامل: كيف سيكون أداء العراق في غياب نظام عالمي ثنائي القطب؟ وتوصل الحاضرون إلى بعض الاستنتاجات المشؤومة.

كان تخلي جورباتشوف عن هيمنة بلاده على مجال نفوذ الاتحاد السوفييتي التقليدي في أوروبا الشرقية، فمن المؤكد أنه لن يتردد في التضحية بأصدقائه في الشرق الأوسط أيضاً، كما هدد تحول موسكو إلى الداخل بمنح واشنطن السيطرة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث أبقى الاتحاد السوفييتي الإمبريالية الأمريكية تحت السيطرة طوال السنوات الخمس والأربعين الماضية، وقد تستخدم الولايات المتحدة الآن قوتها غير المقيدة لتأكيد هيمنتها على نفط الخليج العربي الذي يعتمد عليه اليابان وأوروبا منافسوها الاقتصاديون في المستقبل.

وكان من بين الحضور أيضًا سعد البزاز، رئيس تحرير صحيفة الجمهورية ومدير الإذاعة والتلفزيون العراقي، وصلاح المختار، الصحفي العراقي القديم والدبلوماسي والمقرب من صدام.

قدم البزاز تفسيرا للأحداث الدرامية التي تتكشف في جميع أنحاء العالم، والتي، كما يوضح القسم التالي، قد تبدو ذات بصيرة في أوائل عام 1990. فقد نزلت الجماهير إلى الشوارع لتحدي شرعية حكوماتها من أوروبا الشرقية إلى الصين.

وأعتقد البزاز أن إسرائيل ستحاول "نقل" هذه الأزمة إلى الشرق الأوسط على أمل إثارة الاضطرابات الشعبية ونزع الشرعية عن خصومها في العالم العربي، وعلى رأسهم العراق.

من جانبه، قال مختار إن العراق، بكل إمكاناته التكنولوجية والصناعية والبشرية، يشكل أكبر عائق أمام المخططات الصهيونية الرامية إلى جعل إسرائيل "مركز الثقل" في الشرق الأوسط، ولهذا السبب قامت إسرائيل بضرب مفاعل أوزيراك النووي في عام 1981 وقدمت دعمًا سريًا لطهران خلال الحرب الإيرانية العراقية، وكانت إسرائيل الان تتسابق للفوز بحلفاء جدد في أوروبا الشرقية الآخذة في التحول إلى الديمقراطية، وهذا من شأنه أن يمكن الصهاينة ومؤيديهم الجدد من "التعاون مع إيران" و"تطويق وعزل العراق".

والحقيقة أنه مع اقتراب عام 1989 من نهايته، اختلطت مخاوف صدّام بشأن التخندق الشيوعي مع تجدد المخاوف من أن إسرائيل كانت على وشك توجيه ضربة استباقية للعراق.

يتذكر رعد ماجد الحمداني، وهو جنرال في الحرس الجمهوري، شائعات في أواخر عام 1989 مفادها أن إسرائيل كانت تخطط لقصف السدود على طول نهري دجلة والفرات لإغراق بغداد.

وعلى نحو مماثل، كتب وفيق السامرائي، نائب مدير الاستخبارات العسكرية آنذاك، في وقت لاحق أنه في أوائل عام 1990 بدأ مجتمع الاستخبارات العراقي يتلقى "سيلاً من التحذيرات" من مكتب صدام بأن إسرائيل تعتزم ضرب المفاعلات النووية العراقية ومنشآت الأسلحة البيولوجية والكيميائية، وادعى السامرائي في وقت لاحق أنه كان متشككا في مصداقية هذه التحذيرات، التي يعتقد - ربما بشكل صحيح - أنها صدرت عن منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن لم يدحضها خوفًا من الانتقام.

ومن شبه المؤكد أن التحذيرات من هجوم إسرائيلي عادت إلى الظهور في كانون الأول (ديسمبر) 1989، وكانت مرتبطة باختبار العراق لإطلاق نظام صاروخي جديد في ذلك الشهر.

أصرت الحكومة العراقية على أن الصاروخ سيتم استخدامه لأغراض سلمية - حمل الأقمار الصناعية إلى الفضاء - لكن المحللين الأمريكيين حذروا من أن الاختبار يشير إلى تقدم العراق نحو الإنتاج المحلي لصاروخ باليستي متوسط ​​المدى ثلاثي المراحل.

ومع إطلاق الصاروخ، أعربت وزارة الخارجية الاميركية عن قلقها إزاء "الآثار المزعزعة للاستقرار" لانتشار الصواريخ في الشرق الأوسط.

وفي خطاب ألقاه أمام الكنيست، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق رابين من أن العراق "يخصص موارد ضخمة لتطوير الأسلحة التي تعد من بين أكثر الأسلحة تطوراً والتي يمكن أن تمنحه قدرة بعيدة المدى".

وبدوره، سخر صدام من "ازدواجية المعايير" لمنتقديه الأميركيين والإسرائيليين، الذين تحدثوا "وكأن العلم والمعرفة حكرا على دول معينة، وكأن الاستقلال وحق ممارسة السيادة لا يسريان إلا على الدول الأخرى في العالم وأعداء العرب، ولكن ليس للعرب".

ونبه صدام إلى أن "أي محاولة من قبل الكيان الصهيوني لضرب منشآتنا العلمية أو العسكرية سيتم الرد عليها بالرد الدقيق وبكل الوسائل المتاحة لنا، وفق الحق المشروع في الدفاع عن النفس".

وضاعفت صحيفة الثورة اليومية العراقية الرئيسية من قوة تحذير صدام، حيث كتبت في افتتاحيتها أن إسرائيل "يجب أن تدرك ان ما كان ممكناً في عام 1981 - أي ضربة أوزيراك - لم يعد ممكنًا في عام 1990".

ومع بداية عام 1990، كانت هناك نتيجة أخرى لنهاية الحرب الباردة، وهي الهجرة الجماعية لليهود السوفييت إلى إسرائيل، مما أدى دون قصد إلى تكثيف مخاوف صدام من هجوم إسرائيلي.

كانت محنة اليهود السوفييت محور الدفاع الأمريكي عن حقوق الإنسان منذ السبعينيات، وكمسألة تتعلق بسياسة الحرب الباردة، منحت الحكومة الأمريكية وضع اللاجئ التلقائي لعدد قليل نسبيًا من اليهود السوفييت الذين سمحت لهم موسكو بالهجرة، ولكن في أواخر الثمانينيات، عندما أدت إصلاحات جورباتشوف الليبرالية إلى نزوح اليهود السوفييت بكثافة، فإن ما بدا وكأنه انتصار هائل في مجال حقوق الإنسان في الحرب الباردة أدى فجأة إلى معضلة جديدة: فمع الضغوط الكبيرة على نظام الهجرة الأمريكي تحت وطأة أزمات اللاجئين المستمرة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، لم يكن بوسع حكومة الولايات المتحدة أن تستوعب مئات الآلاف من اليهود السوفييت المتوقع أن يهاجروا في السنوات المقبلة، ولتجنب هذا السيناريو، قامت إدارة بوش بهدوء في أواخر عام 1989 بإلغاء وضع اللاجئ المفترض لليهود السوفييت ووضع حد أقصى لعدد المسموح لهم بدخول البلاد عبر قنوات الهجرة النظامية، وكان لهذه التدابير، التي اتخذت لأسباب تتعلق بالميزانية أكثر منها لأسباب سياسية، تأثير في إعادة توجيه تدفق هذه الهجرة إلى إسرائيل بحلول أوائل عام 1990.

وكانت هذه الموجة الأخيرة من الهجرة اليهودية بمثابة نعمة لرئيس الوزراء اسحق شامير من حزب الليكود اليميني، ففي خطاب ألقاه في 14 كانون الثاني (يناير)، أعلن شامير المتحمس أن "الهجرة الكبيرة تتطلب أن تكون إسرائيل كبيرة أيضاً"، وكانت إسرائيل بحاجة إلى "المساحة [أي الأراضي المحتلة] لإيواء جميع الأشخاص" المتوقع أن يصلوا من الاتحاد السوفييتي في السنوات المقبلة.

وفي انتقاد مستتر لمنافسيه في حزب العمل، الذي طالما جادل بأن ارتفاع معدلات المواليد بين الفلسطينيين يجعل المخططات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة غير مقبولة، أضاف شامير: "في الوقت الذي كان فيه الكثيرون بيننا يقولون إن الوقت يعمل ضدنا لقد جلب لنا الزمن هذه الهجرة وحل كل شيء".

إن الهجرة السوفييتية الجديدة، إلى جانب التلميح الذي قاله شامير بأنها ستمكن إسرائيل من الاحتفاظ بالأراضي المحتلة، لم تؤد سوى إلى حالة من الذعر في مختلف أنحاء الشرق الأوسط العربي، حيث كتبت صحيفة الأهرام القاهرية في افتتاحيتها بأنه يمكن للهجرة السوفييتية أن تنذر بـ "نكبة تاريخية جديدة للعرب"، وما لم تشترط موسكو هجرة اليهود على التعهدات الإسرائيلية بعدم توطين المهاجرين الجدد في الأراضي المحتلة، فإن "العرب والفلسطينيين سيكونون أول من يدفع ثمن البيريسترويكا والجلاسنوست (سياسة الانفتاح والشفافية في أنشطة جميع المؤسسات الحكومية في الاتحاد السوفيتي) في العالم الثالث.

وعلى نحو مماثل، أعلنت افتتاحية صحيفة الثورة أنه "نحن [العرب] نرفض أن نكون أول من يدفع ثمن الانفراج الدولي".

كما كان صدام أيضاً منشغلاً بقضية الهجرة، وفي منتصف كانون الثاني (يناير)، خصص ما يقرب من ساعة من لقائه مع أعضاء الكونغرس الأميركي الزائرين لمسألة الهجرة اليهودية السوفييتية ودور أميركا في الترويج لها.

وخلال زيارة إلى القاهرة في وقت لاحق من ذلك الشهر، أخبر صدام المراسلين الصحفيين إن وصول هذا العدد الكبير من الإسرائيليين الجدد لن يؤدي إلا إلى تقوية يد "المتعصبين" الصهاينة العازمين على "التوسع" و"العدوان".

وقد تجلت حقيقة أن إسرائيل أصبحت الشغل الشاغل لصدام بحلول أوائل عام 1990 في اجتماعه في منتصف شهر فبراير مع جون كيلي، وهو دبلوماسي محترف كان يشغل آنذاك منصب مساعد وزير الخارجية في عهد بوش لشؤون الشرق الأدنى.

سافر كيلي إلى بغداد لطمأنة صدام بأن الولايات المتحدة "ملتزمة بالعلاقة على المدى الطويل" تمشيا مع سياسة الإدارة في التعامل البناء مع العراق، وقال لاحقا انه تحدث مع القيادة العراقية بشأن حملة بيكر المستمرة لإطلاق حوار إسرائيلي-فلسطيني تمهيداً لإجراء انتخابات في الأراضي المحتلة.

وكتب موظفو كيلي قبل زيارته لبغداد: "صدام لا يزال محاصرا بشكل مؤسف بسبب نقص المعلومات، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه لا يرى سوى عدد قليل جدا من الغرباء" واضافوا "إن معلوماته بشأن السياسة الأمريكية تجاه عملية السلام العربية الإسرائيلية يقدمها له العرب - وخاصة عرفات، زائره الأكثر تكرارا".

وإلى جانب السفيرة الاميركية في العراق إبريل غلاسبي، التقى كيلي مع صدام وعزيز في 12 شباط/فبراير، وكان هذا أول لقاء مباشر بين الرئيس العراقي ومسؤول رفيع المستوى في إدارة بوش.

كانت جلاسبي تتوقع أن يركز صدام على مفاوضات السلام العراقية الجارية مع إيران، والتي، في رأيها، كانت "بلا شك أخطر قضية أمن قومي يواجهها"، ولكن لدهشتها، اكتشفت أن "صدام كان يرغب على غير العادة في التركيز على المسألة الأكبر المتمثلة في عملية السلام العربية الإسرائيلية".

وقد أقنع صدام ضيوفه بأن نهاية الحرب الباردة جعلت معالجة المأزق الإسرائيلي الفلسطيني أكثر أهمية حيث لم يعد لدى الولايات المتحدة أي مبرر لغض الطرف عن "الغطرسة" الإسرائيلية مع تراجع السوفييت، ولم يعد بإمكان الأمريكيين تجاهل الحقوق الفلسطينية بعد الآن.

وقال صدام: "بغض النظر عن حجم الهجرة التي يسعى الإسرائيليون من خلالها إلى استفزاز العرب للعمل ضدهم"، في إشارة إلى الهجرة السوفييتية الناشئة، كان من المقدر لإسرائيل أن تظل أقلية في مواجهة العرب وأقلية "لا تستطيع العيش بسلام إلا إذا أصبحت مسالمة".

وهذا الأمر، بحسب صدام، طرح سؤالًا "هل تريد حكومة الولايات المتحدة سلامًا مشرفًا أم مساعدة إسرائيل خلال الفترة الصعبة للانتفاضة[؟]"، في إشارة إلى الانتفاضة الفلسطينية الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي التي اندلعت عام 1987 "لو كنت وكيلًا للولايات المتحدة لو كنت مسؤولاً، لكانت لدي رؤية أوسع لمصالح الولايات المتحدة. كنت سأشجع الانتفاضة بطريقة أو بأخرى، وكنت سأحذر إسرائيل من الصواريخ العراقية المستقبلية.

واختتم صدام كلامه بملاحظة غامضة حينما قال: "ولكن ربما تعتبر حكومة الولايات المتحدة أن الاستقرار الإقليمي أقل أهمية ولا يستحق الحل خلال السنوات الخمس المقبلة، عندما يكون السوفييت مشغولين داخلياً. وبعد مرور خمس سنوات، سيكون هناك وضع جديد وستفقد بعض عوامل قوتك الحالية. والآن، تقود الولايات المتحدة كتلة مهمة ضد كتلة متضائلة. يسعى الشباب إلى تجميع الموارد لمساعدتهم في سنواتهم الأقل نشاطًا. إن العرب متلهفون لمعرفة ما إذا كانت تصرفات الحكومة الأمريكية خطوة بخطوة سوف تعكس قوة الشباب أو عادة فكرية راسخة في مكانها بسبب المخاوف الإسرائيلية".

وكان هذا التصريح الغامض المميز في واقع الأمر بمثابة المفتاح إلى فهم وجهة نظر صدّام في فبراير/شباط 1990، ففي نظره ظل الأميركيون ("الشباب") يشكلون قوة عظمى ("يقودون كتلة مهمة")، لكن الأمر لن يكون كذلك دائمًا، وفي غضون خمس سنوات - وهي المدة الزمنية نفسها التي حددها في خطابه الذي ألقاه في نوفمبر/تشرين الثاني 1989 - ستشهد الولايات المتحدة تآكل قوتها النسبية، والسؤال المطروح أمام أمريكا إذن هو ما إذا كانت ستقبل الانحدار الحتمي وتستثمر بحكمة في علاقات أوثق مع الدول العربية (تأخذ "نظرة أوسع لمصالح الولايات المتحدة" و"تجمع الموارد لمساعدتها في سنواتها الأقل نشاطًا" أي عندما لم تعد الولايات المتحدة قوة عظمى) أو التشبث بعناد بالوضع الراهن (“كما اعتاد التفكير بسبب القلق من اسرائيل”).

وبعبارة أخرى، فإن الطريقة التي تتعامل بها أميركا مع الشرق الأوسط الآن سوف تكشف ما إذا كانت واشنطن مستعدة لقبول مصيرها من الانحدار النسبي واحتضان العرب على قدم المساواة، أو التشبث بغطرستها الإمبراطورية التقليدية وانحيازها لصالح إسرائيل.

ويبدو أن فحوى تعليقات صدام لم تجد صدى لدى كيلي وجلاسبي.

كان حوارهما الحر مع الرئيس العراقي المنعزل عادة بمثابة نجاح ساحق، وقال كيلي لصدام في نهاية اجتماعهما: "هناك أشياء كثيرة نتفق عليها وبعضها نختلف عليه"، وكان من المحتم أن تهز "موجات عرضية" العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق "ولكن، مثل سطح البحيرة بعد العاصفة، سوف تصبح المياه هادئة مرة أخرى".

يتبع

+ حصل دانييل تشارديل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفارد في مايو 2023 وهذا المقال مقتبس من أطروحته بعنوان "حرب الخليج: تاريخ دولي، 1989-1991".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43825
معدل النشاط : 58573
التقييم : 2418
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  B3337910
الطـــائرة : جذور غزو العراق للكويت  Dab55510
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  B97d5910

جذور غزو العراق للكويت  1210

جذور غزو العراق للكويت  Best11


جذور غزو العراق للكويت  Empty
متصل

مُساهمةموضوع: رد: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10الخميس 7 مارس 2024 - 18:08

الحلقة الخامسة   

+


سحب العاصفة في فبراير 1990

خلافًا لتوقعات وكيل وزير الخارجية جون كيلي المتفائلة، أصبحت الأمواج التي تعصف بالعلاقات الأميركية العراقية أكثر تقلّباً في الأسابيع التالية.

ففي الخامس عشر من فبراير، أي بعد ثلاثة أيام فقط من لقاء صدام مع كيلي وجلاسبي، بثت إذاعة صوت أمريكا تعليقًا باللغة العربية بشأن العراق تحت عنوان "لا مزيد من الشرطة السرية"، وقال التعليق أنه على الرغم من انهيار الديكتاتوريات الشيوعية في أوروبا الشرقية، ظلت "الشرطة السرية" "راسخة في بلدان أخرى، مثل الصين وكوريا الشمالية وإيران والعراق وسوريا وليبيا وكوبا وألبانيا" واضافت "إن حكام هذه البلدان يسيطرون على السلطة بالقوة والخوف، وليس بموافقة المحكومين، ولكن كما أظهر الأوروبيون الشرقيون بشكل درامي في العام 1989، فإن تيار التاريخ يسير ضد هؤلاء الحكام ولا ينبغي أن تكون فترة التسعينيات ملكًا للديكتاتوريين والشرطة السرية، بل للشعوب".

أثار تعليق إذاعة صوت أميركا ـ التي ذكّرت مستمعيها بأنها تعكس وجهة النظر الرسمية للحكومة الأميركية ـ انزعاج صدام وغضبه، فقد أدت مساواة الأنظمة الشيوعية المخلوعة في أوروبا الشرقية مع البعثيين العراقيين، إلى التشكيك فعلياً في شرعية الحكومة العراقية نفسها.

وابلغ نزار حمدون الغاضب جلاسبي ان التعليق أكثر من مجرد "تدخل فاضح في الشؤون الداخلية العراقية"، ويشكل "تحريضا مباشرا ورسميا" ضد الحكومة، وقد حاولت السفيرة الأمريكية طمأنة القادة العراقيين بأنه "ليس من سياسة حكومة الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال الإشارة إلى أن حكومة العراق غير شرعية أو أن شعب العراق ينبغي أو سوف يثور ضدها،" لكن الضرر قد حدث ومن وجهة نظر صدام، أكد التعليق تحذير البزاز السابق من أن أعداء العراق سيحاولون نقل أزمة الشرعية الشيوعية إلى العراق.

وادى نشر تقرير وزارة الخارجية الاميركي السنوي عن حقوق الإنسان بعد أقل من أسبوع إلى تعزيز شكوك صدام في أن إدارة بوش اتخذت فجأة موقفاً أكثر تصادمية.

وجاء في التقرير أن "سجل حقوق الإنسان في العراق ظل سيئا في عام 1989"، وكان التعذيب والإعدام بإجراءات موجزة والاختفاء والاعتقال التعسفي كلها أموراً شائعة، في حين كانت حريات التعبير والصحافة والتجمع وتكوين الجمعيات "شبه معدومة".

واتصل محمد المشاط، السفير العراقي في واشنطن، بكيلي للتعبير عن "فزع" بغداد من تقرير حقوق الإنسان، الذي أعاد "التزييف" الذي روجته منظمة العفو الدولية.

وزعم المشاط بعد ما يقرب من عقدين من الزمن، أنه وجد صعوبة في الدفاع عن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق خلال فترة عمله سفيراً في واشنطن وكتب في مذكراته: "لم أصدق حقًا ما كنت أقوله"، ولكن حتى لو كان سجل حقوق الإنسان في العراق سيئا بشكل لا جدال فيه فقد تساءل لماذا استغلت الحكومة الأمريكية ذلك في هذه اللحظة بالذات، وخلص المشاط إلى أن الدوائر الصهيونية بدأت حملة إعلامية (الحملة) لتشويه سمعة النظام العراقي، وتقويض العلاقات الأمريكية العراقية، وإلزام الرأي العام الأمريكي بدعم حرب إسرائيلية استباقية على العراق.

وكان لهذه الحملة فائدة إضافية تتمثل في صرف انتباه العرب عن الهجرة اليهودية السوفييتية إلى إسرائيل، والتي كانت، من وجهة نظر المشاط، تشكل أخطر تهديد للأمة العربية في ذلك الوقت.

وفي ضوء تعليق إذاعة صوت أمريكا وتقرير حقوق الإنسان الصادر عن الخارجية الاميركية، اتخذ تجميد الحكومة الأمريكية المستمر للائتمانات الزراعية للعراق طابعًا أكثر خطورة.

في الواقع، كان التجميد نتيجة الخلافات البيروقراطية، وقد ضغطت وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي على وزارة الزراعة لتسليم الدفعة الثانية من الاعتمادات في خدمة المصالح التجارية والسياسة الخارجية الأمريكية الأوسع، لكن وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي اصرا على عدم حصول بغداد على أي اعتمادات إضافية حتى يؤدي التحقيق في قضية (بانكا ناسيونالي ديل لافورو) إلى تبرئة الحكومة العراقية من ارتكاب أي مخالفات.

في غياب اتصال واضح من واشنطن، توصل العراق إلى استنتاج مفاده أن التأخير لم يكن تقنيا وأنه لأسباب سياسية، وقد وفرت هذه البيئة أرضاً خصبة لازدهار الشكوك التي كانت تنبت بالفعل داخل الحكومة العراقية.

ففي منتصف شهر فبراير/شباط، على سبيل المثال، عندما رفض بنك التصدير والاستيراد الأمريكي طلب العراق بترقية التسهيلات الائتمانية قصيرة الأجل إلى ائتمان متوسط ​​الأجل، ألقى محافظ البنك المركزي العراقي باللوم على "الضغوط الإسرائيلية على الكونجرس" مما تسبب بهذه النكسة.

ووفقاً لسفارة الولايات المتحدة في بغداد، فإن تعليق المحافظ يعكس "الإجماع في البيروقراطية العراقية" على أن "الصهاينة" كانوا يخربون بنشاط العلاقات الاقتصادية الثنائية العراقية الاميركية.

وفي الوقت نفسه تقريباً، قال ريتشارد ميرفي، الذي كان يعمل كمساعد علم وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في عهد ريغان خلال زيارة إلى بغداد أن العراق لديه "معلومات موثوقة عن ضربة إسرائيلية وشيكة ضد صناعة الأسلحة غير التقليدية في العراق" على غرار هجوم أوزيراك عام 1981.

في هذا السياق من القلق المتزايد بشأن النوايا الأمريكية والإسرائيلية، وصل صدام إلى عمان لحضور قمة قادة مجلس التعاون العربي في أواخر فبراير.

وعلى خلفية نقاش إقليمي نشط بشكل متزايد حول الهجرة السوفييتية، كان حفل الافتتاح مليئًا بالاتهامات والرثاء لفشل الدول العربية في كبح موجة أخرى من الهجرة إلى إسرائيل.

وزعم الأمين العام للمجلس أن قرار بوش "بإجبار اليهود السوفييت على التوجه إلى إسرائيل" أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الولايات المتحدة ليس لديها مصلحة في إحلال السلام في الشرق الأوسط، ووافق وزير الخارجية الأردني على ذلك، محذرا من أن العدوان الإسرائيلي “أصبح أكثر احتمالا من أي وقت مضى نتيجة التطورات العالمية والدعم الأمريكي للسياسات الاستيطانية الإسرائيلية”.

وقال ايضا إن الطريقة التي تعامل بها العرب مع هذه الجولة الأخيرة من الهجرة سوف تكون بمثابة "اختبار" لقدرتهم على اجتياز عملية الانتقال إلى حقبة ما بعد الحرب الباردة الأكثر غموضا.

وكانت تصريحات صدام العلنية طوال القمة التي استمرت أربعة أيام منسجمة مع هذه المشاعر، فكما حلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي محل الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية بعد عام 1945، كان عالم عام 1990 يشهد تحولاً في توازن القوى العالمي.

إن القول بأن الاتحاد السوفييتي كان في حالة انحدار أمر بديهي، ولكن من وجهة نظر صدام فإن الولايات المتحدة أيضاً سوف تشهد قريباً انحداراً نسبياً في مواجهة القوى الصاعدة، وعلى رأسها اليابان وألمانيا.

وكما فعل في خطابه في تشرين الثاني/نوفمبر 1989، ومرة ​​أخرى في لقائه مع كيلي وجلاسبي قبل أسبوعين، حدد صدام السنوات الخمس المقبلة بأنها حاسمة، وقال للحاضرين في القمة إن العالم "لا يحتاج إلى أكثر من خمس سنوات، حسب تقديراتنا، لاستعادة قدر من التوازن مع القوة الأميركية" مضيفا "ما يجب علينا جميعاً، نحن العرب، أن نفعله في السنوات الخمس المقبلة هو أن نولي اهتماماً خاصاً"، لأنه في هذه الأثناء، "يجب أن نتوقع أن تستفيد إسرائيل من الفرص الناشئة عن التغيرات العالمية الجارية" وإذا قامت إسرائيل "بالشروع في العدوان العسكري... فمن سيعارضها دولياً؟" الجواب هو لا أحد".

ولإثبات هذه الادعاءات، قدم صدام لجمهوره دليلين الأول كان "دعم الولايات المتحدة لهجرة اليهود السوفييت بأعداد كبيرة - وهو أمر لم نشهد مثله منذ عقود - إلى فلسطين" والتفسير الوحيد لذلك هو أن الولايات المتحدة "لا تريد السلام، كما تدعي"، والثاني هو استمرار الوجود البحري الأمريكي في الخليج العربي، فقد بررت واشنطن دورياتها البحرية طوال العقد الماضي، بوجود التهديدات السوفييتية والإيرانية لهذا الممر المائي الحيوي، واعترف صدام بأن تلك التهديدات كانت حقيقية، ولكن مع تراجع الاتحاد السوفييتي والحرب مع إيران خلفه، فإن الوجود الأمريكي المستمر في الخليج "يعطي العرب الحق في الشك في السياسة والنوايا الأمريكية".

وكان صدّام يرى أن السبيل الوحيد أمام العالم العربي للمضي قدماً يتلخص في صياغة استجابة استباقية وموحدة لتوازن القوى العالمي المتغير.

لقد أتيحت للعالم العربي الآن، بحسب صدام، الفرصة لتشكيل توازن دولي جديد للقوى - وهو التوازن الذي انقلب لصالحهم أخيراً - من خلال تسخير إمكاناتهم البشرية الجماعية وثرواتهم من الموارد الطبيعية، بعد ان أعاقت الخلافات بين الدول العربية ولفترة طويلة قدرتها على مواجهة إسرائيل، وطرد الإمبرياليين الأجانب، واستعادة مكانتها الصحيحة تحت الشمس.

كان خطاب صدام في مجلس التعاون العربي هو أوضح تعبير له حتى الآن عن المخاطر التي تنتظر العالم العربي في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وبعد عام واحد من ذلك الخطاب، وأثناء محادثة مع الزعيم الإسلامي السوداني حسن الترابي، وصف صدام خطابه في فبراير 1990 باعتباره نقطة انعطاف في العلاقات العراقية مع الولايات المتحدة، وأشار إلى أنه "لقد أوضحنا موقفنا [بشأن] بعض التوجهات [العالمية] الحاسمة" في القمة "ومن هنا أثارنا كل هذا العداء".

وبالمثل، استمر صدام في إخبار قادته العسكريين أن عملية عاصفة الصحراء أيدت "تحليلاتنا السابقة [لشهر] فبراير 1990" - في إشارة واضحة إلى النقاط التي أوضحها سراً مع كيلي وجلاسبي وعلناً في مجلس التعاون العربي "كنا نتوقع أن تقف أمريكا وحدها في السلطة في العالم قبل فترة طويلة من حرب الكويت"، أي تحقيق الأحادية القطبية "وتوقعنا أن تتصرف أمريكا بشكل غير حكيم عندما تستولي على السلطة وتحققت توقعاتنا".

لقد فشل صدام في تقدير ميزان القوى الدولي المتغير، كما لم يتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً حازماً ضد غزو الكويت، وافترض خاطئًا أن الاتحاد السوفييتي سيتدخل لمنع الحرب الأمريكية - ولم يكن أي من هذه الروايات يصمد تحت وطأة هذه الأدلة.

في المقابل، شعرت الحكومة الأمريكية بالحيرة من خطاب صدام العدائي في القمة وفي شهادة علنية أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، كان كيلي في حيرة من أمره لتفسير سبب استخدام الرئيس العراقي لهذه اللهجة العدائية بعد اجتماعهما "البناء" في بغداد قبل أسبوعين وكانت محاولة صدام التعبير عن شكوكه بشأن نوايا الولايات المتحدة قد أعطت المتشككين في واشنطن سببًا إضافيًا لعدم الثقة به.

يتبع

+ حصل دانييل تشارديل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفارد في مايو 2023 وهذا المقال مقتبس من أطروحته بعنوان "حرب الخليج: تاريخ دولي، 1989-1991".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43825
معدل النشاط : 58573
التقييم : 2418
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  B3337910
الطـــائرة : جذور غزو العراق للكويت  Dab55510
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  B97d5910

جذور غزو العراق للكويت  1210

جذور غزو العراق للكويت  Best11


جذور غزو العراق للكويت  Empty
متصل

مُساهمةموضوع: رد: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10الجمعة 15 مارس 2024 - 12:18

الحلقة السادسة 
   
+

مواجهة النار بالنار (مارس - مايو 1990)
 
أدت سلسلة من الأحداث في أعقاب قمة مجلس التعاون العربي، إلى تسريع تدهور علاقات بغداد مع واشنطن.
الحدث الأول كان إعدام الحكومة العراقية لفرزاد بازوفت، وهو صحفي إيراني المولد مقيم في المملكة المتحدة.
كانت صحيفة لندن أوبزرفر قد أرسلت بازوفت في تشرين الأول/أكتوبر من عام 1989، للتحقيق في انفجار غامض في مصنع أسلحة خارج بغداد لتعتقله السلطات العراقية بتهمة التجسس بعد محاولته تهريب عينات التربة من موقع الانفجار إلى خارج البلاد.
اعترف بازوفت تحت الإكراه، بأنه يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية واعدم في 15 مارس/آذار على الرغم من المناشدات الدولية للحصول على الرأفة.
وبعد أسبوع واحد، اغتيل في بروكسل جيرالد بول، خبير المدفعية الكندي المولد الذي ساعد العراق سراً على تطوير "مدفع خارق" قادر على إطلاق صواريخ بعيدة المدى.
وافادت التقارير أن الموساد، جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي، هو المسؤول عن العملية.

وفي نهاية الشهر، اعترض مسؤولو الجمارك في مطار هيثرو شحنة من المكثفات الكهربائية كانت متجهة إلى العراق والتي، مع التعديلات الصحيحة، كان من الممكن ان تستخدم لتفجير قنبلة نووية.

في الثاني من إبريل، واجه صدام الضجة الدولية بشأن إعدام بازوفت، واغتيال بول، وحادثة مطار هيثرو بخطاب عام ناري أدان فيه هذه التطورات الأخيرة كجزء من حملة "إمبريالية صهيونية" لنزع الشرعية عن حكومته في محكمة الرأي العام قبل غارة جوية اسرائيلية محتملة، ونفى أن يكون العراق يسعى لامتلاك برنامج للأسلحة النووية وقال "نحن لسنا بحاجة إلى قنبلة ذرية. لدينا الكيمياوي المزدوج [الكيماوي المزدوج، أي الأسلحة الكيميائية الثنائية]”، معترفًا بترسانة بلاده من الأسلحة الكيميائية علنًا للمرة الأولى ثم أضاف "والله لنجعل النار تأكل نصف إسرائيل إذا حاولت الاعتداء على العراق".

لماذا هدد صدام إسرائيل بالأسلحة الكيميائية في هذا المنعطف بالذات، في الوقت الذي كانت العلاقات فيه متوترة بالفعل مع الولايات المتحدة؟

تشير العديد من الروايات إلى أن صدام أصدر التهديد لإلهاء الشعب العراقي عن سوء حكمه وحشد الدعم العربي الشعبي قبل عدوانه على الكويت.

ويقول الكاتب بوب وودوارد، إن صدام كشف لاحقًا للأمير بندر بن سلطان السفير السعودي لدى الولايات المتحدة أن خطابه كان مجرد تلاعب بجمهوره "يجب أن ادفع [الشعب العراقي] إلى نوع من الجنون أو التعبئة العاطفية حتى يكونوا مستعدين لأي شيء قد يحدث".

ويقدم وفيق السامرائي في كتابه (حماة البوابة الشرقية) صورة مماثلة، فيكتب قائلا إن تهديد صدام ضد إسرائيل "لم يكن سوى بيان للاستهلاك المحلي".

ولكن هذه التفسيرات فشلت في تقدير خوف صدام - بل يقينه - من أن إسرائيل كانت على وشك شن ضربة ضد العراق، وادعى عزيز لاحقًا أن الظروف في ربيع عام 1990 ذكّرت القيادة العراقية بالفترة التي سبقت الغارة الإسرائيلية على مفاعل أوزيراك.

وكما قال صدام لأحد الزائرين (وزير الداخلية الموريتاني) بعد وقت قصير من غزو الكويت، أصبح الأمر واضحًا للحكومة العراقية في إبريل/نيسان، "ان الغرب كلف إسرائيل بضرب مؤسساتنا المهمة؛ فحاولنا منع هذه العملية عندما أعلنا في الثاني من أبريل 1990 أننا... سنضربهم بقوة وسنحرق نصف إسرائيل” رداً على الضربة الإسرائيلية الأولى".

تشير الأدلة بشكل كبير إلى أن صدام كان يخشى حقاً من هذه الضربة الإسرائيلية الاستباقية - وأنها لم تكن مجرد خدعة لصرف الانتباه عن خططه العدوانية.

ويتذكر وفيق السامرائي أن صدام كان قد بدأ بحلول شهر مارس/آذار 1990 بتحذير مساعديه من أن ضربة إسرائيلية ضد "بعض أهدافنا الحيوية" كانت وشيكة، وحتى لو كان السامرائي متشككًا في مصداقية هذه الشائعات، التي وكما ذكر أعلاه من المعتقد أن مصدرها منظمة التحرير الفلسطينية، فقد أكدتها أجهزة المخابرات العراقية.

فقد أصدرت مديرية الاستخبارات العسكرية العامة في أيار/مايو، على سبيل المثال، تقريراً مفصلاً تحذر فيه من ضربة إسرائيلية وشيكة على العراق، يسهّلها "تزايد... الأنشطة الإعلامية الغربية الموجهة ضد العراق بحجة امتلاكه أسلحة كيميائية ويسعى جاهدًا لإنتاج أسلحة نووية”.

وكما قال صدام في قمة مجلس التعاون العربي، حذرت المديرية من أن "الدور المتقلص" للاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط "يعطي فرصة مواتية للولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني لتنفيذ مخططاتها العدوانية في المنطقة".

وفي ضوء ذلك، فإن التهديد بـ "إجبار النار على أكل نصف إسرائيل" لم يكن فورة "غير عقلانية"، كما وصفها أحد الصحفيين الأمريكيين، بل كان تعبيراً عن خوف صدام الحقيقي من أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعتزمان استغلال التراجع السوفيتي لتقويض نظامه في مسعى من واشنطن للهيمنة في الخليج.

كما ادركت مجموعة من المسؤولين العرب والأميركيين والبريطانيين إبعاد تهديد صدام في الثاني من إبريل/نيسان باعتباره محاولة فظة لردع ما اعتقد أنه هجوم إسرائيلي وشيك، وليس إشارة إلى نواياه ببدء الأعمال العدائية وأبلغت وزارة الخارجية التونسية السفير البريطاني في تونس بأن "العراق يتوقع بصدق هجوماً إسرائيلياً... خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر المقبلة" وقال كبير مستشاري أمير قطر - على حد تعبير السفير البريطاني في الدوحة "والذي لم يكن صديقًا للعراق" - انه يقبل فكرة أن المخاوف العراقية من ضربة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة كانت في الحقيقة مشاعر عراقية صادقة وقال بثقة لمحاوريه البريطانيين: "حصلت إسرائيل على موافقة ضمنية على الأقل من الولايات المتحدة على هذه الضربة" مضيفًا "لذلك اضطر العراقيون إلى المضي قدمًا في الحملة الدعائية لمنع وقوع هجوم".

ولم تغب هذه النقطة عن واشنطن، فبعد أقل من أسبوعين من خطابه في الثاني من إبريل/نيسان، نقل صدام نفس الرسالة إلى وفد من الكونجرس برئاسة السيناتور الجمهوري بوب دول.

وقال صدام لزواره إن إسرائيل "نظمت" حملة إعلامية "لتوفير غطاء سياسي ونفسي لضربة إسرائيلية" مضيفًا أن "مثل هذه الحملة سبقت ضربة عام 1981 وان العراق عازم على ردعها إذا استطاع".

وسلط طارق عزيز الضوء على "جانب الردع" في خطاب صدام أمام هاس أثناء زيارة الأخير لبغداد في الشهر التالي، ويبدو أن حجة القيادة العراقية للردع كانت قد ترسخت.

وكما عكست إحدى مذكرات مجلس الأمن القومي في وقت لاحق، "كان الهدف من تهديدات صدام حسين هو التحديد الدقيق لاستعداد العراق للدفاع عن نفسه من هجوم إسرائيلي أو أمريكي إسرائيلي مفترض - وأنه ليس لديه مصلحة في إثارة تبادل عسكري كبير مع إسرائيل".

وقد خلصت إسرائيل حتى إلى أن مخاوف الرئيس العراقي كانت حقيقية وكما أبلغت استخبارات قوات الدفاع الإسرائيلية السفير البريطاني في تل أبيب في وقت لاحق، فإن "صدام كان يعتقد حقاً أن هناك مؤامرة أميركية/إسرائيلية ضده: ولم يكن يختلقها فقط".

لايزال من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل كانت تستعد فعلا لمهاجمة العراق في ربيع عام 1990.

بدأت إدارة بوش في تحذير إسرائيل من مهاجمة العراق في ذلك الربيع على أقل تقدير، وأوضح المسؤولون الأمريكيون ذلك بشكل واضح لإسرائيل. وقد أوضح المسؤولون الأمريكيون لبغداد بان واشنطن "ادانت غارة (أوزيراك) عام 1981 وسنفعل ذلك مرة أخرى اليوم" وفق ما قالته جلاسبي لحمدون في منتصف أبريل واضافت “نحن نقول لإسرائيل ذلك ولا يوجد ضوء أخضر”، لكن ما إن نقلت غلاسبي هذه الرسالة إلى بغداد حتى أضعفت الأحداث المتداخلة من تأثير الرسالة.

وبعد أيام فقط، أعربت وزارة الخارجية العراقية عن مخاوفها بشأن نظام الإنذار والسيطرة الأمريكي المحمول جواً في المجال الجوي التركي "المواجه للعراق".

وأبلغت غلاسبي العراقيين في وقت لاحق، أن النظام مكلف من قبل الناتو بمراقبة الحدود التركية مع الاتحاد السوفييتي، وليس العراق، ومع ذلك، فقد خرجت غلاسبي مع "انطباع قوي بأن العراقيين كانوا قلقين بشكل حقيقي، وإن كان بشكل غير مبرر، من أن الأميركيين ربما يجمعون بالفعل معلومات استخباراتية عن المنشآت العسكرية/الصناعية العراقية من أجل تمرير هذه المعلومات إلى الإسرائيليين لتمهيد الطريق لغارة استباقية إسرائيلية".

وبشكل منفصل، حذرت بغداد تركيا من أن إسرائيل قد تحاول شن هجوم على العراق عبر المجال الجوي التركي.

يتبع

+ حصل دانييل تشارديل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفارد في مايو 2023 وهذا المقال مقتبس من أطروحته بعنوان "حرب الخليج: تاريخ دولي، 1989-1991".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43825
معدل النشاط : 58573
التقييم : 2418
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  B3337910
الطـــائرة : جذور غزو العراق للكويت  Dab55510
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  B97d5910

جذور غزو العراق للكويت  1210

جذور غزو العراق للكويت  Best11


جذور غزو العراق للكويت  Empty
متصل

مُساهمةموضوع: رد: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10الجمعة 15 مارس 2024 - 12:20

الحلقة السابعة 

+

الدخول إلى الكويت
 
بحلول أوائل شهر مايو/أيار، كان الشرق الأوسط يعج بالأحاديث  عن الحرب بين العراق وإسرائيل، وكما قال أحد المسؤولين المصريين لنظيره البريطاني، فإن "الجو في بغداد اليوم [يشبه] الجو في القاهرة عام 1967" - أي عشية حرب الأيام الستة، عندما قامت إسرائيل بتدمير القوات المصرية بشكل استباقي، وكان الأمر أكثر إثارة للدهشة بالنسبة للمراقبين الخارجيين، هو عندما أعاد صدام فجأة توجيه غضبه نحو جيرانه الكويتيين في يونيو/حزيران ويوليو/تموز.

من المؤكد أن التوترات بين العراق والكويت كانت تغلي تحت السطح مباشرة خلال العام ونصف العام الماضيين.

لقد طرحت بغداد وفي مناسبات متعددة منذ نهاية الحرب مع إيران في أغسطس/آب 1988، النزاع الحدودي الطويل الأمد مع الحكومة الكويتية، التي بدت أكثر اهتماماً بتسوية ديون العراق المستحقة.

في كانون الثاني/يناير 1990، طلب العراق من أمير الكويت إسقاط ديونه البالغة 8 مليارات دولار ومنح 10 مليارات دولار أخرى للعراق لإعادة الإعمار لكنه رفض.

وفي جلسة مغلقة لقمة مجلس التعاون العربي في الشهر التالي، قال صدام إن العراق بحاجة إلى 30 مليار دولار، وبحسب ما ورد قال لنظرائه المصريين والأردنيين واليمنيين: "اذهبوا وأخبروهم في السعودية والخليج أنهم إذا لم يعطوا لي هذا المبلغ سأعرف كيف آخذه".

ومما زاد الطين بلة أن الكويت كانت تنتج النفط بما يتجاوز حصتها في منظمة البلدان المصدرة للبترول من أجل خفض أسعار النفط، وهو ما اعتقدت الكويت أنه سيحفز زيادة استهلاك النفط العالمي ويثبط البحث عن بدائل.

لكن انخفاض أسعار النفط أدى إلى تقويض خطط العراق لتنشيط اقتصاده، وإعادة بناء بنيته التحتية، وتوفير الخدمات لسكانه، والحفاظ على الإنفاق العسكري المرتفع الذي اعتبره ضرورياً لدرء الخطر القادم من إيران.

وبالرغم من أن صدام كان يأمل بالتأكيد في الحصول على تنازلات مالية وإقليمية من الكويت بعد الحرب العراقية الإيرانية، فإنه سيكون من الخطأ أن نستنتج من هذه المشاحنات الدبلوماسية السابقة أن القيادة العراقية قد وضعت خطة رئيسية لغزو الكويت واحتلالها وضمها، كما أن النزاع الحدودي المستمر منذ عقود بين البلدين لم يجعل الصراع حتميا في هذه اللحظة بالذات.

إن القراءة المتأنية للادعاءات التي وجهها صدام ضد النظام الملكي الكويتي في ربيع وصيف عام 1990 تكشف أنه من غير الممكن فصلها عن تفسيره للمؤامرة الأمريكية الإسرائيلية التي كان يعتقد أنها كانت جارية على قدم وساق ضده.

يتذكر وفيق السامرائي أنه في شهر مارس/آذار، شن صدام هجوماً عنيفاً ضد العائلة المالكة في الكويت، آل صباح، خلال اجتماع خاص في القصر الرئاسي وقال انه على مدى ثماني سنوات، ضحى العراق بالدم والمال لحماية الكويت من الأصولية الإيرانية، لكي تتآمر عائلة ال صباح مع الأميركيين ضد ثورتكم، فمن ناحية، شجعت واشنطن الإفراط في إنتاج نفط الخليج لخفض الأسعار، وبالتالي إعاقة الاقتصاد العراقي واستعداده العسكري، ومن ناحية ثانية، "عليك أن تتوقع ضربة عسكرية إسرائيلية أو أكثر لتدمير بعض أهدافنا الحيوية" بحسب ما نُسب إلى صدام.

لقد لخصت القمة العربية التي انعقدت في أواخر شهر مايو تداخل انشغال صدام بانتهاء الحرب الباردة، وشكوكه في العائلة المالكة الكويتية.

كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد دعت منذ أوائل عام إلى عقد قمة طارئة لصياغة موقف عربي موحد فيما يتعلق بالهجرة اليهودية السوفييتية إلى إسرائيل، وأيد صدام الاقتراح وعرض استضافة الاجتماع في بغداد.

وردت منظمة التحرير الفلسطينية بالمثل من خلال دمج قضية الهجرة مع "الحملة" الغربية المستمرة لتشويه سمعة العراق، وتصويرهما كجزء من جهد إمبريالي لتأكيد الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة.

وقال أحد كبار المسؤولين الفلسطينيين: "تعتقد منظمة التحرير الفلسطينية أن القمة هي الفرصة الأخيرة للعالم العربي، فإما أن نؤيد خططا ترقى إلى مستوى المخاطر والتهديدات، وإلا فإن الحرب المقبلة ستحدد مصير المنطقة في ظل الهيمنة الأمريكية".

وقد ألقت الحكومة العراقية الضوء على المخاطر التي تتعامل معها قمة بغداد في سياق مماثل حيث قال طه ياسين رمضان، النائب الأول لرئيس الوزراء العراقي: "لقد انتهى الزمن الذي كنا فيه نضع الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي إلى جانبنا" وأنه يتعين على الدول العربية في هذا العصر الجديد، أن تتعلم كيفية "تنمية اعتمادها على الذات".

وذهب وزير الخارجية السعودي إلى حد القول للحكومة البريطانية أنه على الرغم من حرصه على رؤية "الاعتدال" العربي يسود في القمة، إلا أن "الحجم النسبي [لهجرة اليهود السوفييت] كان مشابهاً لذلك الذي سبق حرب 1948".

ركز صدام وعرفات والملك الأردني حسين والرئيس المصري حسني مبارك وغيرهم من الزعماء الحاضرين في المداولات العامة لقمة بغداد، على الخطر المباشر المتمثل في التوسع الإسرائيلي، والتحولات العالمية الأوسع التي تنطوي عليها.

وكانت مسألة الهجرة السوفييتية نتيجة ثانوية - للإصلاحات السوفييتية وتراجع موسكو - وجاء الخطاب الأكثر حماسة في هذا الإطار من الملك حسين المذهول، الذي كان يخشى أن تكون الهجرة السوفييتية نذيرًا بخطة الليكود لطرد فلسطينيي الضفة الغربية بشكل جماعي إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن.

وناشد الحسين إخوانه العرب المساعدة الاقتصادية والدعم السياسي قائلًا "إن التداعيات والآثار السلبية لهذه التغيرات (أي نهاية الحرب الباردة) تهددنا، ومع ذلك، فإننا نواصل العمل كمتفرجين وعابري السبيل”.

وأكد صدام من جانبه أن العراق سيواجه أي هجوم إسرائيلي على أي دولة عربية بهجوم مضاد، وأدان الولايات المتحدة لدعمها "الكيان الصهيوني" إلى أقصى حد وقال: "يجب أن نقول [لأمريكا] إنها لا تستطيع الاستمرار في هذه السياسة في نفس الوقت الذي تدعي فيه صداقة العرب".

أدركت إدارة بوش مرة ​​أخرى سراً أن خطاب صدام كان نتيجة لشعوره بعدم الأمان الذاتي، وعلق نائب مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية قائلاً: "إنه يشعر بقلق حقيقي بشأن هجوم إسرائيلي، وانتقاده لنا لدعمنا إسرائيل [يقصد] جذب انتباهنا وإجبارنا على وقف الهجرة الإسرائيلية".

وفي هذه الأثناء، وفي جلسة خاصة لقمة بغداد، اندلعت التوترات بين صدام وأمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، الذي اتهمه الرئيس العراقي بشن "حرب جديدة" ضد العراق من خلال الإفراط في إنتاج النفط.

استمرت الأوضاع الاقتصادية في العراق في التدهور على خلفية اجتماع الجامعة العربية.

كانت عائدات النفط العراقي قد بلغت عام 1989 نحو 13.3 مليار دولار، أي نصف مستوى ما قبل الحرب البالغ 26 مليار دولار، ولم تكن هذه العائدات لترتفع حتى وفق أفضل السيناريوهات – زيادة طفيفة في حصة العراق النفطية وارتفاع متواضع في أسعار النفط – إلا بمقدار مليار دولار في عام 1992، وهو أقل بكثير من المبلغ اللازم لتصحيح مشاكل ميزان المدفوعات في البلاد.

لقد ادى الفائض النفطي العالمي المستمر الى استبعاد اي توقعات بشأن أن تؤدي زيادة متواضعة في أسعار النفط إلى تعزيز عائدات العراق بسرعة كافية لإحداث فرق وكتب مساعدو بوش: "خلاصة القول هي أن صدام لن يحصل على إعانة نقدية سريعة من صادرات النفط".

ادى تدهور الاقتصاد العراقي، وظهور التعنت الكويتي، و"الحملة" الغربية المكثفة ضد بغداد، والهجرة اليهودية السوفييتية الجماعية إلى إسرائيل، واحتمال شن غارات جوية إسرائيلية وقائية على العراق - لتعزيز يقين صدام بأن هناك مؤامرة كانت تحاك ضده، مما دفعه إلى التفكير في اتخاذ إجراءات صارمة ضد الطرف الأكثر قربًا وضعفًا: الكويت.

وفي السابع والعشرين من حزيران/يونيو، عقد صدام اجتماعاً لأقرب مستشاريه لمناقشة خياراتهم، وكان نائب رئيس الوزراء سعدون حمادي قد عاد لتوه من جولة في الخليج، ضغط خلالها على الملوك العرب للالتزام بحصصهم في إنتاج النفط، وكان أمير الكويت قد طمأن حمادي بأن الكويت ستلتزم بحصتها، لكن وزير الخارجية الكويتي صباح الأحمد عارضه فيما بعد.

قال صدام لمستشاريه: "يبدو أن [الكويتيين] لا يفهمون الكلام وعلينا أن نستخدم لغة أخرى معهم".

وضعت الحكومة العراقية خطتين: الخطة (أ)، التي تتصور الاستيلاء على جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين على رأس الخليج والقيام بالتوغل في الأراضي الكويتية على عمق لا يزيد عن 30-50 كيلومتراً وراء الحدود؛ والخطة (ب)، التي استلزمت الاستيلاء على الكويت بأكملها، وكانت الخطة (أ) هي الأكثر ترجيحاً حتى أواخر يوليو/تموز، عندما خلص صدام إلى أن الاستيلاء على كامل الكويت سيمنحه نفوذاً أكبر لردع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ووفقاً لمذكرات الحمداني، أبلغ صدام قيادة الحرس الجمهوري في وقت مبكر من يوليو/تموز أن أمير الكويت كان "بشكل لا لبس فيه" متواطئاً في المؤامرة الدولية لزعزعة استقرار العراق، وفي الوقت نفسه، ظل صدام مشغولاً باحتمال توجيه ضربة إسرائيلية إلى المفاعلات النووية العراقية ومحطات الأسلحة البيولوجية، وكتب وفيق السامرائي لاحقاً: "كان هذا الخوف عاملاً قوياً في نقل المعركة إلى الكويت والخروج من الأزمة الاقتصادية".

شهد الصيف وصول التوترات بين العراق، من ناحية، والكويت وإسرائيل والولايات المتحدة، من ناحية أخرى، إلى آفاق جديدة، ففي الفترة من 10 إلى 11 تموز/يوليو، اجتمع وزراء النفط العراقي والكويتي والسعودي والقطري والإماراتي في جدة، حيث تعهدوا باحترام حصصهم من إنتاج النفط، لكن بعد أيام قليلة فقط، تراجع الوزير الكويتي، وأبلغ صحيفة القبس الكويتية، أن الحكومة ستستأنف في أكتوبر/تشرين الأول ضخ أي كمية من النفط تراها مناسبة، وقد اعتبرت القيادة العراقية ذلك علامة أخرى على تواطؤ كويتي في حملة لدفع العراق إلى حافة الانهيار الاقتصادي.

وفي ضوء هذا التطور الأخير، قرر صدام ومستشاروه التعبير عن شكاواهم علناً.

في الخامس عشر من يوليو/تموز، أرسل عزيز رسالة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يوضح فيها رسميًا شكاوى العراق ضد الكويت والإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك مزاعم بأن الكويت تعدت على الأراضي العراقية خلال الحرب العراقية الإيرانية وسرقت ما قيمته 2.4 مليار دولار من النفط من العراق من حقل الرميلة النفطي الممتد على حدودهما.

وكتب عزيز: "مثل هذا السلوك يرقى إلى مستوى العدوان العسكري".

وكان وزير الخارجية الأردني قد حاول أثناء العراق عن إرسال الرسالة، لكن عزيز كان قويا، "وعلى قناعة راسخة بأن الإجراء الكويتي كان جزءا من مؤامرة أوسع".

وبعد ذلك بيومين، وفي خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لثورة البعث في تموز/يوليو 1968، اتهم صدام الكويت والإمارات بالتواطؤ في المؤامرة الإمبريالية الصهيونية لتخريب نظامه وأعلن ان "قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".

عبرت ترجمة جلاسبي في برقية إلى واشنطن، عن المشاعر العراقية بما يلي: "نحن نفضل الموت على الإذلال" وكتبت: "نعتقد أن العراق يحتاج إلى المال" و "بدون تعزيز سريع للإيرادات، قد تضطر الحكومة العراقية، التي حافظت على استمرار المشاريع الكبرى حتى طوال فترة الحرب، إلى التخلي عن بعض الخطط التي تفاخرت بها كثيراً".

وقالت إن رسالة عزيز، إلى جانب خطاب صدام الأخير، "تمثل بداية جهد سياسي كبير لانتزاع مليارات الدولارات من الخليج وضمان ارتفاع أسعار النفط بسرعة".

بعد أيام من هذه المواقف الرسمية، بدأت بغداد بحشد عشرات الآلاف من القوات باتجاه الحدود مع الكويت.

أصبحت جلاسبي أكثر قلقًا يومًا بعد يوم، وفي الحادي والعشرين من يوليو تموز، عقدت اجتماعًا في السفارة الأمريكية في بغداد مع السفير الكويتي، الذي أعرب عن مخاوفه بشأن العداء العراقي، وابلغت المخابرات العراقية صدام بالمحادثة بعد ان راقبت الاجتماع، ليأمر صحيفة الثورة بنشر مقال على الصفحة الأولى في اليوم التالي يفسر الاجتماع على أنه دليل قاطع على "التنسيق" الكويتي مع الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق أيضًا، استدعى صدام غلاسبي لمقابلة شخصية في 25 تموز/يوليو دون ان تعلم بهوية محاورها.

وصلت جلاسبي إلى مبنى وزارة الخارجية العراقية بدون إشعار مسبق وبدون تعليمات من واشنطن، وتوقعت أن تلتقي بمحاوريها المعتادين، لكن سرعان ما تم نقلها بعيدا إلى المكتب الرئاسي، حيث وجدت نفسها وجها لوجه مع صدام.

وعلى مدار اجتماعهما الذي استمر ساعتين، أبلغت جلاسبي الرئيس العراقي أن الولايات المتحدة "لا تتخذ أي موقف" بشأن نزاعه مع الكويت.

بعد الغزو، أصدرت الحكومة العراقية نسخة من المحادثة في حيلة ساخرة لتحويل المسؤولية إلى غلاسبي لفشلها في تحذير العراق صراحة من غزو الكويت، واستغل أعضاء الكونجرس، ووسائل الإعلام، وعدد ليس بالقليل من منظري المؤامرة، كلمات جلاسبي كدليل على أن إدارة بوش، في أحسن الأحوال، فشلت في فهم نوايا صدام العدائية، وفي أسوأ الأحوال، خدعت واشنطن صدام، وأعطته "الضوء الأخضر" لغزو الكويت لاستخدام الغزو كذريعة لشن الحرب على العراق.

في الواقع، لم تكن نقطة الحديث عن "عدم وجود موقف أميركي من المسألة الحدودية" جديدة على الحكومة العراقية، ففي مناسبتين منفصلتين على الأقل خلال الأسبوع السابق للقاء، ذكّرت غلاسبي نزار حمدون بأننا "لم نتخذ موقفاً قط" بشأن النزاعات العراقية الكويتية، "ولا ننوي البدء في اتخاذ موقف الآن".

ولم تكن جلاسبي هي المسؤولة الأمريكية الوحيدة التي نقلت هذا الشعور، ففي 19 تموز/يوليو، أبلغ مسؤول في وزارة الخارجية السفير العراقي في واشنطن أن الحكومة الأمريكية "لا تتخذ أي موقف بشأن جوهر القضايا الثنائية المتعلقة بالعراق والكويت"، وفي الرابع والعشرين تموز (يوليو) - قبل يوم واحد من جلوس جلاسبي مع صدام - تم إرسال برقية من واشنطن تتضمن تعليمات إلى جميع سفارات الولايات المتحدة في الخليج العربي وأوروبا الغربية واليابان لإبلاغ حكوماتها المضيفة بأنه على الرغم من أن "الآثار المترتبة على مسألة خفض إنتاج النفط و "إن سياسة التسعير في الخليج التي تحددها وتنفذها الأسلحة العراقية مثيرة للقلق"، فالولايات المتحدة "لا تتخذ أي موقف بشأن قضية ترسيم الحدود التي أثارها العراق فيما يتعلق بالكويت".

والنتيجة الأكثر أهمية من لقاء صدام مع غلاسبي - والتي تحجبها رواية الضوء الأخضر - هي أن الشكوك التي كانت تحتضنها منذ أواخر عام 1989 ظلت في قمة عقل الرئيس العراقي.

وقال صدام لجلاسبي إنه سامح الولايات المتحدة على "إيرانجيت"، لكن السلوك الأمريكي خلال العام الماضي أحيا شكوكه في أن واشنطن تهدف سراً إلى تقويضه.

وكان هذا الخط من التفكير جزءًا من تصريحات صدام السابقة لكيلي وخطابه في مجلس التعاون العربي، حيث حذر من أن الوجود البحري الأمريكي المستمر في الخليج والهجرة اليهودية السوفييتية إلى إسرائيل زرعت بذور الشك في ذهنه بشأن ما إذا كانت واشنطن قد سعت حقاً إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط.

بعد ذلك جاءت "الحملة الإعلامية" الغربية ضد العراق - عبر تعليق إذاعة صوت أمريكا، وتقرير حقوق الإنسان، والضجة بشأن إعدام بازوفت - والتي اعتبرها العراق خطة غربية وصهيونية لتلطيخ سمعة البلاد أمام الرأي العام العالمي قبل وقوع هجوم إسرائيلي.

وأخيرًا، واجه العراق "حربًا اقتصادية" من الكويتيين والإماراتيين، الذين تجاوزوا، ظاهريًا، تحت النفوذ الأمريكي والصهيوني، حصصهم من إنتاج النفط لخفض أسعار النفط.

وكما أعلن قبل أسبوع في خطابه من أن الموت أفضل من الإذلال، أكد الرئيس العراقي لجلاسبي خلال لقائهما أنه لن يرضخ أبداً للمؤامرات الأجنبية لسحق العراق، حتى لو كان ذلك يعني الحرب.

وقال صدام لجلاسبي: “ليس من المعقول أن نطلب من شعبنا أن ينزف أنهاراً من الدماء لمدة ثمان سنوات ثم نقول له: الآن عليكم قبول العدوان من الكويت أو الإمارات أو الولايات المتحدة أو إسرائيل”.

وبشكل أكثر استفزازًا – ويائسًا – قال: "بإمكانكم أن تأتوا إلى العراق بالطائرات والصواريخ، لكن لا تدفعونا إلى النقطة التي نتوقف عندها عن الاهتمام. عندما نشعر أنكم تريدون جرح كبريائنا واستغلال فرصة العراقيين في مستوى معيشي مرتفع، فإننا سنتوقف عن الاهتمام وسيكون الموت هو خيارنا. ثم لن نبالي لو أطلقتم مائة صاروخ مقابل كل صاروخ أطلقناه. لأنه بدون الكبرياء لن يكون للحياة قيمة".

شعرت جلاسبي بيأس صدام، فأبلغت واشنطن مباشرة بعد الاجتماع بالقول: "إذا تعرض صدام للإهانة العلنية، فقد حذر (أو بالأحرى توسل)، فسيتعين على العراق أن "يرد"."

ومع ذلك، خرجت جلاسبي من حوارها مع صدام وهي تشعر  باستعداده الواضح لحل خلافاته مع الكويت سلمياً، وما عزز هذا الانطباع أن صدام تلقى، في منتصف المحادثة مع السفيرة الاميركية، اتصالاً هاتفياً من الرئيس المصري حسني مبارك يؤكد فيه أن الكويت وافقت على لقاء العراق لإجراء مزيد من المفاوضات في مدينة جدة السعودية في الأيام المقبلة.

وحتى عنوان برقيتها إلى واشنطن "رسالة صداقة من صدام إلى الرئيس بوش" كان يحمل تفاؤلاً، واقتناعا منها بأنه قد تم تجنب الصراع، غادرت العراق بعد يومين لقضاء عطلة مقررة مسبقا.

بعد قراءة تقارير جلاسبي، أبلغ هاس مستشار بوش للأمن القومي، برنت سكوكروفت، أن "الأمور ربما هدأت" وان العراق كان منخرطًا في "شكل من أشكال دبلوماسية الزوارق الحربية التي ينبغي أن تمر بسلام".

كما شعر بوش بالاطمئنان إزاء الكلمات الهادئة التي أطلقها الزعماء العرب الذين كانوا أصدقاء للطرفين، وقال الملك الحسين للرئيس الأمريكي عبر الهاتف: “أعتقد أنه من المأمول أن يتم التوصل إلى شيء ما”، لكن في بغداد، لم تكن الأجواء هادئة على الإطلاق.

في 27 يوليو/تموز، ألمح وزير العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلي علناً إلى أن إسرائيل قادرة على مواجهة تهديدات العراق بترسانتها من الأسلحة الكيميائية واستغلت السلطات العراقية تهديد الوزير كدليل إضافي على خطط إسرائيلية للهجوم.

وبعد يومين، وصل وفد عراقي برئاسة نائب الرئيس عزت إبراهيم الدوري إلى جدة للمشاركة في جولة اللحظة الأخيرة من المفاوضات مع الكويت التي رتبها مبارك وبحسب ما ورد وجد الدوري أن الوفد الكويتي متعنت، وبعد عودته إلى بغداد خالي الوفاض في وقت متأخر من مساء الأول من أغسطس، انتقل الدوري على الفور إلى اجتماع مع صدام وعزيز وحفنة من كبار المسؤولين الآخرين لتقييم خياراتهم، وقد عزز "عدم مرونة" الوفد الكويتي في جدة ثقة العراقيين في أن الكويت كانت تتصرف بناء على طلب الولايات المتحدة.

وبحسب رواية سعد البزاز، فإن آخر المعلومات الاستخبارية العراقية أكدت أن إسرائيل اختارت أهدافها، والتي شملت القصر الجمهوري ومقر القيادة العسكرية ومركز التويثة للأبحاث النووية، واقتناعا منه بأن الضربات الجوية الإسرائيلية قد تبدأ في أي لحظة، لم يعد بإمكان العراق التردد.

وقبل منتصف الليل بقليل، قرر صدام ومستشاروه، وهم منعزلون في بغداد، أن إزالة العائلة المالكة الكويتية كان مخرجهم الوحيد من المؤامرة التي قادتها الولايات المتحدة والتي وقعوا فيها.

الخلاصة
تقول الرواية الدائمة عن غزو العراق للكويت أن الخطأ الفادح الذي ارتكبه صدام في هذا الغزو كان توقيته، فلو كانت بغداد قد استولت على الكويت في وقت سابق، عندما كانت موسكو لا تزال تمتلك الوسائل اللازمة للوقوف في وجه الولايات المتحدة، أو في وقت لاحق، عندما كانت واشنطن المنهكة منشغلة بأزمات في أماكن أخرى، لكان من الممكن أن يفلت صدام من عدوانه.

كتب بيكر في وقت لاحق: "صدام حسين رجل متعدد العيوب، ولحسن الحظ بالنسبة لأميركا وبقية العالم المتحضر، فإن الإحساس الفظيع بالتوقيت هو أحد هذه العيوب".

تصور هذه الرواية الغزو العراقي للكويت كما لو كان الشرق الأوسط معزولاً بإحكام عن الاتجاهات العالمية، أو كما لو أن البيريسترويكا، والتقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، والاضطرابات خلف الستار الحديدي، قد حدثت في حالة من الفراغ السياسي الأوروبي.

في الواقع، توقيت الغزو لم يكن من قبيل الصدفة. إن اختيار صدام للاستيلاء على الكويت في هذا التوقيت هو المفتاح لكشف دوافعه وقد ابلغ صدام دبلوماسي سوفياتي زائر في تشرين الأول/أكتوبر 1990: "نحن مقتنعون بأن ما فعلناه كان لا بد منه" و "الخيار الوحيد الذي عرض علينا هو الانهيار، ليفعل الأميركيون والمتخلفون (أي الدول العربية الرجعية) ما يريدون. كان خيارنا الوحيد هو ملاحقة الدائرة المتورطة من المتآمرين المكلفين بهذه المهمة".

وقد كرر صدام هذه النقطة عشية عملية عاصفة الصحراء، قائلاً لعرفات: "هذا ليس توقيتنا. لو كان الأمر بيدنا والله لاخترنا توقيت آخر، ولكن هذا التوقيت الضروري”.

جاءت نقطة التحول في العلاقات الأمريكية العراقية في ذهن صدام، مع تهديده "بجعل النار تأكل نصف إسرائيل" في أوائل أبريل 1990 وقال "لو كانت الأمة العربية في وضع أفضل، لكنا أخرنا الكلمات التي تلقيناها لوقت آخر. ولو كانت الأوضاع الدولية المؤيدة للعرب أفضل مما هي عليه الآن، لما قلنا ما قلناه. ولكن لأن إسرائيل زادت من قسوتها وعنادها وغرورها... اقترحنا أن الواجب يفرض علينا أن نقول شيئاً ونعلن ما نقوله الآن وليس بعد عامين من الآن".

وفي مناسبات متعددة، أطلق عزيز ملاحظة مماثلة، مؤطرًا الغزو كخيار إلزامي بين البقاء والموت "لم يكن أمام العراق خيار سوى التصرف كما فعل في الثاني من أغسطس 1990. إما أن يتم تدميره أو خنقه أو خنقه داخل أراضيه، أو مهاجمة العدو في الخارج (أي الكويت). كانت هذه هي المعادلة، وأعتقد أنها كانت صحيحة وصحيحة بمعنى أنه لم يكن لديك خيارات أخرى".

وكما عبر عزيز بشكل أكثر وضوحا في مناسبة أخرى، "كان أمامنا خياران: إما أن نأخذ زمام المبادرة ونضرب، أو ننهزم تدريجيا".

قد تبدو هذه المبررات ذات الأثر الرجعي لخدمة القناعات  الذاتية، لكنها، كما يوضح هذا المقال، تتفق مع ما قاله صدام ومستشاروه ووكالات استخباراته علناً وفي السر في الأشهر التي سبقت غزو الكويت.

إن إسناد غزو العراق للكويت إلى المصالح الاقتصادية الضيقة، أو نزاع بغداد الحدودي الطويل الأمد، أو الضوء الأخضر الأمريكي المفترض، كما فعلت معظم الأدبيات، سيكون بمثابة حجب ما حصل خلال اللحظة التاريخية الفريدة والوسط العالمي الذي انبثق منه.

ومن خلال توسيع رؤيتنا لنهاية الحرب الباردة لتشمل العراق، فإن مخاوف صدّام بشأن التراجع السوفييتي، والعداء الإسرائيلي، تأتي القوة الأميركية غير المقيدة في مركز اهتمامات العراق.

سوف تغتنم إدارة بوش العدوان العراقي على الكويت باعتباره فرصة ذهبية لتحقيق الأحادية القطبية الكاملة ـ وهو الشيء الذي كان صدام يخشاه أكثر من غيره، وسوف يجعل بوش من العراق، عبر تصوير أزمة الخليج باعتبارها الاختبار الأول لقوة أميركا في هذا العصر الجديد، مسرحاً لتفعيل نظام ما بعد الحرب الباردة بدلاً من أن يكون مشاركاً في صناعته.


+ حصل دانييل تشارديل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفارد في مايو 2023 وهذا المقال مقتبس من أطروحته بعنوان "حرب الخليج: تاريخ دولي، 1989-1991".


جذور غزو العراق للكويت  GIsDeuNbsAAolE4?format=jpg&name=medium

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Horst-Wessel-Lied

خبير استراتيجي
خبير استراتيجي



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  61010
التسجيل : 11/08/2018
عدد المساهمات : 9839
معدل النشاط : 10399
التقييم : 952
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  Unknow11
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  Unknow11

جذور غزو العراق للكويت  910


جذور غزو العراق للكويت  Empty

مُساهمةموضوع: رد: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10الجمعة 15 مارس 2024 - 17:09



الشعوب العربية تصنع جلاديهم ثم يبكون حظهم التعيس

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mi-17

المدير
وزيــر الدفــاع

المدير  وزيــر الدفــاع
mi-17



الـبلد : جذور غزو العراق للكويت  Qmdowc10
المزاج : الحمد لله
التسجيل : 23/02/2013
عدد المساهمات : 43825
معدل النشاط : 58573
التقييم : 2418
الدبـــابة : جذور غزو العراق للكويت  B3337910
الطـــائرة : جذور غزو العراق للكويت  Dab55510
المروحية : جذور غزو العراق للكويت  B97d5910

جذور غزو العراق للكويت  1210

جذور غزو العراق للكويت  Best11


جذور غزو العراق للكويت  Empty
متصل

مُساهمةموضوع: رد: جذور غزو العراق للكويت    جذور غزو العراق للكويت  Icon_m10السبت 16 مارس 2024 - 10:06

جذور غزو العراق للكويت  GIwz_nmaIAAmVxT?format=png&name=small

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

جذور غزو العراق للكويت

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» يوم دخول العراق للكويت
» ما الذي حصلت عليه مصر مقابل موقفها من احتلال العراق للكويت؟ أسرار السفير المصري في واشنطن
» جذور الخلافات التركية- القبرصية
» عبد الحميد بن باديس: غارس جذور الثورة الجزائرية
» ٍS 300 & Su 35 للكويت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الأقســـام العسكريـــة :: التاريخ العسكري - Military History :: الشرق الأوسط :: حرب الخليج الثانية-
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي ادارة الموقع ولا نتحمل أي مسؤولية قانونية حيال ذلك ويتحمل كاتبها مسؤولية النشر

Powered by Arab Army. Copyright © 2019