أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:39
أشهر جاسوسة عربية للموساد أحبت يهودياً . . فباعت لأجله الدين والوطن . .!!
الحلقة الاولى فتاة من الشرق
في إحدى ضواحي عمان الراقية، ولدت أمينة داود المفتي عام 1939 لأسرةشركسية مسلمة، هاجرت الى الأردن منذ سنوات طويلة، وتبوأت مراكز سياسية واجتماعيةعالية. فوالدها تاجر مجوهرات ثري، وعمها برتبة لواء في البلاط الملكي. أما أمها،فهي سيدة مثقفة تجيد أربع لغات، وذات علاقات قوية بسيدات المجتمع الراقي. كانتأمينة أصغر أخواتها – شقيقتان متزوجتان وثلاثة أشقاء آخرين – وتحظى بالدلال منذطفولتها، فطلباتها كانت لا ترد أو تؤجل، وضحكاتها المرحة الساحرة كانت وشوشاتالحبور في جنبات البيت الذي يشبه القصر.
وفي المرحلة الثانوية أوغلت فيها مظاهر الأنوثة، فبدت رقيقة الملامح،عذبة، شهية، طموحة، ذكية. لكنها كانت برغم تقاليد أسرتها المحافظة، تسخر من تقاليدالشرق وقيوده، وتحلم بالحب والانطلاق، والحرية.
وفي ثورة تقلباتها أحبت "بسام" الفلسطيني الأصل، وأطلقت تجاههفيضانات المشاعر المتدفقة بلا حدود، أو انقطاع. لكنها صدمت بشدة عندما هجرها الىأخرى أجمل منها، وأكثر اتزاناً، وكتب لها يقول أنها أنانية، مغرورة، سريعة الغضب،شرسة الطباع. هكذا كشف لها الحبيب عن مساوئ تنشئتها، وأسلوبها الخاطئ في فهمالحياة. لأن حبها كان قوياً، جباراً، عاتياً، عصفت بها الصدمة، وزلزلت قلبهاالصغير، وتملكتها رغبة مجنونة في الثأر والانتقام.
وكانت لكل تلك التصارعات آثارها السلبية على دراستها، إذ حصلت علىالثانوية العامة بدرجات متوسطة، دفعتها للتفكير في السفر الى أوروبا للالتحاق بإحدىجامعاتها، وهذا تقليد متبع بين أبناء الأثرياء في الأردن.
وفي عام 1957 التحقت بجامعة فيينا، وأقامت بالمنزل رقم 56 شارع يوهانشتراوس لعدة أسابيع، قبلما يفتح القسم الداخلي أبوابه لإقامة الطالباتالمغتربات.
لقد أسبغت الحياة الجديدة على أمينة سعادة غامرة، ودفئاً من نوع آخروقد جمعتها الحجرة بطالبة مرحة في نهائي الطب – وتدعى جولي باتريك - من جوهانسبرج،ذات خبرة كبيرة بالحياة الاوروبية. وفي متنزهات المدينة الساحرة، والحريةاللانهائية لفتاة من الشرق، علمتها جولي التدخين، وحذرتها من العلاقات الجنسية معالشباب حيث الحمل والاجهاض، وحببت اليها أسلوباً جنسياً خاصاً بالنساء، يرتقىبالمتعة الى ذروة الانتشاء، والأمان، فأقبلت أمينة على التساحق مع الفتاة الخبيرةبالشذوذ، وشيئاً فشيئاً أدمنت الفعل الخبيث حتى الثمالة، فقد رأت فيه انطلاقتهاوتحررها من قيود الشرق، والخجل.
ومع انتهاء العام الدراسي الأول، وعودة جولي الى وطنها، افتقدت أمينةلسعات الخدر الجميل، فتقربت من فتاة أخرى تدعى جينفيف ووترود، وسعت لإدارة الدارلكي تشاركها الحجرة الواحدة، والشذوذ الذي تزداد جرعاته العطشى يوماً بعد يوم.
هكذا مرت سنوات الدراسة بجامعة فيينا، تصطخب بالرغبة والتحرر الى أنتحصل أمينة على بكالوريوس علم النفس الطبي (*) MEDICAL PSYSHOLOGY وتعود في أغسطس 1961 الى عمان مكرهة، تضج بالمعاندة والنفور، وتحمل بداخلها طبائع أخرى، وأحاسيسمختلفة، وآلام الهجرة الى القيود والرقابة.
وفي غمرة معاناتها وكآبتها، تذكرت حبيبها الأول – بسام – فجابت عمانطولاً وعرضاً بحثاً عنه، وهزتها الحقيقة المرة عندما علمت بزواجه من فتاته الجميلةالفقيرة، وحاصرها السهوم والملل والحقد، ولم تجد حلاً لأزمتها إلا السفر ثانية الىالنمسا، بدعوى استكمال دراستها العليا لنيل الدكتوراة، عازمة على ألا تعود الىالشرق أبداً.
آني موشيه
ثلاثة وعشرون عاماً ونيف هو عمر أمينة المفتي عندما عادت الى فيينامن جديد، تحمل قلباً ممزقاً، ووجهاً شاحباً، وكراهية لموروثاتها "العقيمة"، وجسداًأنهكه صمت رجفات النشوة، واصطكاكها.
لفحتها نسمات الحرية في أوروبا، وسلكت مسلك فتياتها في العملوالاعتماد على النفس، غير عابئة بما كان يرسله لها والدها من مصروف شهري. فعملتبروشة صغيرة للعب الأطفال، وساقت اليها الصدفة فتاة يهودية تدعى "سارة بيراد"،شاركتها العمل، والسكن، والشذوذ. فالتصقت بها أمينة، وسرعان ما انخرطت معها في تيارالهيبيز، الذي انتشرت أولى جماعاته في أوروبا في تلك الحقبة، متجاهلة رغبة أسرتهافي تزويجها من ابن العم التاجر الثري. وفي زيارة لأسرة سارة في وستندورف، دق قلبهافجأة بقوة لم تستطع دفعها. إنها المرة الثانية التي يخالجها ذلك الشعور الرائعالمشوق، فقد كان موشيه – شقيق سارة الأكبر – شاب لا يقاوم. إنه ساحر النظراتوالكلام، حيوي الشباب رائق الطلعة.
كانت تعرف أنه طيار عسكري برتبة نقيب، يكبرها بنحو سبع سنواتتقريباً، شاعري، مهووس بموتسارت وبيزيه، ولوع بالشعر الأسود ونجلاوات الشرق.
وفي نزهة خلوية معه حاولت أمينة ألا تنحرف، لكنها ما كانت تتشبث إلابالهواء، واستسلمت لأصابعه تتخلل شعرها، وتتحسس أصابعها المرتعشة، وتضغط ضغطاًملهوفاً على مغاليق قوتها، فتنهار قواها، وترتج في عنف مع مذاقات أول قبلة من رجل،فأحست بروعة المذاق وقالت في نفسها:
يا للغباء لقد خلقنا للرجال.
وبين أحضانه الملتهبة، تأملت جسده العاري المشعر، وأسكرتها دفقاتالمتعة المتلاحقة، وغرقت من لذائذها في نهم وجوع، واشتياق.
حينئذ . . حينئذ فقط . . أفرغت كل مشاعرها بين يديه . وبصدق، وضعف،اعترفت له بحبها.
هكذا خطت أمينة المفتي خطوات الحرام مع الطيار اليهودي . . وهيالمسلمة. وترنحت سكرى بلا وعي لتستقر في الحضيض . ولما أفاقت قليلاً . . هربت منهالى فيينا، يطاردها دنس الجسد، وغباء العقل، ورجفعة الرغبة.
وبمسكنها في شارع شتراوس حاولت أن تنسى، أن تغسل البدن المدنسبالخطايا، أن تمحو صورة أول رجل هتك ستر عفافها وأشعرها بفورة الأنثى، لكن مطارداتهالتليفونية لها كانت تسحق إرادتها، وتشتت عقلها الزائغ أمام جيوش عواطفه، فتخورصاغرة.
تعددت لقاءاتهما المحرمة وتحولت أمينة بين يديه الى امرأة لا تدخروسعاً في إسعاده، وتغلبت على ضميرها قدر استطاعتها وهي تدعي لنفسها الحق في أنتعيش، وتحيا، وتجرب، وتمارس الحب بلا ندم في بلاد لا تعترف بالعذرية والعفاف.
هكذا مرت خمس سنوات في انحلال وترد، متناسية ما لأجله غادرت وطنهاالى فيينا. وبعد جهد . . ساعدها موشيه في الحصول على شهادة دكتوراة مزورة في علمالنفس المرضي – PATHOPYCHOLOGY – وهو فرع من علم النفس الطبي، وعادت أدراجها الىالأردن في سبتمبر 1966 ليستقبلها الأهل في حفاوة وفخر، ويطالبونها بإعلان موافقتهاعلى الزواج من ابن عمها، لكنها تطلب منهم إمهالها حتى تفتتح مستشفاها الخاص فيعمان.
وبينما إجراءات الترخيص للمستشفى تسير بشكلها العادي، وقع خلاف بينهاوبين وكيل الوزارة المختص، فتشكوه الى وزير الصحة الذي أبدى اهتماماً بشكواها ويأمربالتحقيق فيها على وجه السرعة. فتتشكك اللجنة القانونية في تصديقات الشهادةالعلمية، وتطلب منها تصديقات جديدة من فيينا. وخوفاً من انكشاف التزوير وما يصاحبذلك من فضيحة لها ولأسرتها، سافرت أمينة الى النمسا متخمة بالخوف، وبأعماقها غضبيفيض كراهية لبلدها.
هناك . . أسرعت الى موشيه يعاودها الحنين، غير عابئة بانكسار وطنهاالعربي بنكسة 1967، فكانت تعلن شماتتها بلا حرج أو خجل، إذ طفحت منها الكراهية لكلما هو عربي، ولكل ما يمت للعرب بصلة.
وبين نتف الجليد المتساقطة في ديسمبر، كانا يعبران معاً جسراً خشبياًقديماً في المدينة، عندما استوقفها موشيه فجأة قائلاً:
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:39
آمنة . . أتتزوجينني . . ؟
دون أن تفكر أجابت وهي تحضنه في عنف: أوه موشيه الحبيب . . نحن زوجان يا عزيزي.
أجابها بحسم ملاطفاً: أريده زواجاً رسمياً في المعبد.
وفي معبد شيمودت . . اعتنقت أمينة المفتى اليهودية ، وتزوجت من موشيهزواجاً محرماً شرعاً، واستبدلت اسمها بالاسم اليهودي الجديد "آني موشيه بيراد".
الهجرة الى إسرائيل
على أطراف مدينة فيينا أقامت أمينة مع زوجها بشقة جديدة رائعة، تمتدمن أمامها مساحات الزروع الخضراء الشاسعة، وتبدو أشجار الغابات من بعيد كأنها رؤوسأشباح تطاردها كلما خلت الى نفسها.
لقد رأت أن تنأى بعيداً عن عيون المخابرات العربية التي تصورت أنهاتسعى اليها، وكرهت مجرد الخروج مشياً في نزهات خلوية وحيدة أو برفقة موشيه، وتغلبتعليها هواجس الخوف الشديد كلما التفت الى شباكها أحد المارة، وعاشت تجرع التوتر فيكل لحظة، فتحيل ايامها الى كابوس يخنق حياتها، ويغرز بأظافره الحادة المستطيلة فيعنقها. وكثيراً ما استيقظت فزعة صارخة باكية، تتحسس في سرعة مسدسها المحشو وتصوبهالى أركان الغرفة.
وفي صيف عام 1972، قرأت أمينة إعلاناً غريباً بإحدى الصحف، تطلب فيهإسرائيل متطوعين من يهود أوروبا للالتحاق بجيش الدفاع، مقابل مرتبات ومزايا عديدةمغرية. وابتهجت المرأة التعسة، إذ تصورت أنها عثرت على الحل المثالي لمعاناتها،وأخذت تعد العدة لموشيه لإقناعه بالفكرة، خاصة وأنه سيحصل على جواز سفر إسرائيلي،ومسكن في إسرائيل، وأنها بمرافقته الى هناك ستودع الخوف الى الأبد.
لكن موشيه الذي كان يسعى للعمل بإحدى شركات الطيران المدنية عارضالفكرة، ورفضها، بدعوى أن إسرائيل والعرب في حالة حرب لن تهدأ حتى تشتعل، طالما أنهناك أرضاً محتلة وشعوباً عربية ثائرة.
ومع إلحاحها المتواصل ليل نهار، تقدم موشيه بأوراق الى السفارةالإسرائيلية، وفي نوفمبر 1972 كانا يطيران بطائرة العال الى إسرائيل.
حظيت أمينة – آني موشيه – باستقبال أكثر من رائع في مطار اللد،استقبال تحير له موشيه كثيراً وظن لأول وهلة أن زوجته إما أن تكون شخصية مرموقةومعروفة في عمان، أو أنها ممثلة إسرائيلية مشهورة.
وابتسم في سعادة وهو يلمح مدى بهجتها وفرحها الطفولي بالوطن الجديد،وبالمسكن المريح في ريشون لتسيون المعد من الخشب على طراز الريف الانكليزي.
استدعيت أمينة بعد أيام قليلة الى إحدى الجهات الأمنية، حيث سئلتمئات الأسئلة عن نشأتها في الأردن، وعائلتها، ووظائف أقاربها ومعارفها، وعن كيفيةتعارفها وموشيه، وزواجهما، فأجابت في سرد طويل.
سئلت أيضاً عما تمثله إسرائيل بوجدانها، وسئلت عن مشاعرها تجاهالاردن، والفلسطينيين، فأقرت بأنها تكره منظمة التحرير، وكل المنظمات الارهابيةالفلسطينية، وأن الملك حسين أخطأ كثيراً عندما لم يقتلهم جميعاً في الأردن، فهميكرهون الأقلية الشركسية في الأردن، وضربوا بيوتهم، وأتلفوا ممتلكاتهم، ظناً منهمأن عمها – اللواء بالبلاط الملكي – كان وراء مذابح أيلول 1971، وأحد مرتكبيها.
أُثنى على المواطنة اليهودية الجديدة، وأعيدت الى منزلها على وعدبتوفير عمل مناسب لها في أقرب فرصة.
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
اشهر جاسوسة عربية خدمت الموساد أحبت يهوديا فباعت لأجله الدين والوطن الحلقة الثانية
البحث عن المستحيل
أخضع موشيه لتدريبات الاستطلاع الجوي، بعدما تقلد رتبة رائد طيار فيسلاح الجو الاسرائيلي. وفي آخر يناير 1973 طار بطائرته الـ سكاي هوك باتجاه الجبهةالسورية، فأسقطته مدفعية السوريين في أول طلعة استطلاع له، واعتبر مفقوداً منذ تلكاللحظة لأن سوريا لم تعلن عن أسر الطيار الاسرائيلي كما كان يحدث، لكنها أعلنت بأنالطائرة انفجرت في الجو وقائدها بداخلها.
لم تصدق أمينة الخبر، ولأيام طويلة تصرخ صرخات هستيرية لا تتوقف. وفيعيادة "كوبات حوليم هستدروت" للأعصاب في ريشون لتسيون، احتبس صوتها، أو لنقل إنصدمة الفاجعة ألجمت لسانها فصمتت.
وقبعت خلف زجاج حجرتها تنظر الى السماء، تزوغ نظراتها أحياناً،وأحياناً أخرى تتبع العصافير في طيرانها ولهوها.
وبعد شهر ونصف تكلمت، ونطقت قائلة بأنها تشكك في البيان السوري، وبأنموشيه ما يزال حياً، متخفياً بين الحشائش والمغارات. فهوي طيار ماهر وقدراته عاليةجداً.
وفي منزلها - وكانت برفقتها إحدى الأخصائيات النفسيات – كانت تحدثنفسها نهاراً بصوت مسموع، وفي الليل يسمع لها أنين خافت مليء بالوجع، هو مزيجمتهالك من مشاعر الحسرة والضياع.
لقد صبت جام غضبها على العرب الذين أرهقوها في الأردن، وطاردوها فيالنمسا، وضيعوا حلمها في الاستقرار بإسرائيل.
إنهم آفة مستقبلها المظلم الآن، وسبب نكبتها وفجيعتها في زوجهاالشاعري المهذب. ولأنهم هدموا حياتها كلها، تمنت لو أنها تستطيع الانتقام، فها هيوحيدة يائسة بين أناس لا تعرفهم، بل وتجهل لغتهم العبرية وعاداتهم وطقوسهم. وعمداًتناست أنها هي التي دفعت بحياتها الى مستنقع الهاوية، عندما تزوجت من يهودي، ودفعتهللهجرة الى إسرائيل خوفاً على حياتها، فقذفت به الى مصير مجهول، مماثل لمصيرها.
وقبلما يحطمها الانتظار ويعتريها الجنون، تقدمت بطلب الى السلطاتالمختصة للسماح لها بالسفر الى بيروت ودمشق لتقصي أخبار زوجها.
وما هي إلا أيام قليل حتى طارت بجواز سفرها الاسرائيلي الى فيينا،فالتقت بأسرة موشيه الحزينة، ومكثت بينهم عدة أيام حاولت خلالها أن تتنسم عبيرالحبيب المفقود، لكنها أحست بأن عبيره أشد كثافة ووقعاً بأطراف العاصمة. وفي الشقةالتي شهدت أروع ذكرياتها، أطلقت شهقات حزنها ولوعتها وحيدة تلثم المقاعد والستائروالوسائد، وتطوف بين حجراتها تنادي موشيه وتتحسس كتبه واسطواناته وأحذيته.
مجنونة تلك المرأة الملتاعة، التي لفظتها أرجوحة الثمالة الى جبالهاوية، فدوت صرخاتها تتردد في الأعماق لهفى الى الضياء والأمان، ويبث الصدى فيشقوقه ألم الإنسان وظلمه لنفسه.
وبصعوبة شديدة، استطاعت سارة إقناعها بأن تغاد الشقة، وحملت أمينةحقائب حزنها وتوجهت الى المطار. وبجواز سفرها الأردني طارت على أول رحلة الىبيروت.
وشارع الحمراء – أشهر شوارع بيروت - نزلت بأحد الفنادق. وفي رحلةتجوالها تعرفت على سيدة لبنانية - أردنية الأصل - تدعى خديجة زهران، تمتلك وتديرمحلاً للملابس الجاهزة، فاشترت منها ملابس بمبلغ كبير لتتقرب اليها، ودلتها خديجةعلى شقة صغيرة بحي عين الرمانة، انطلقت منها للبحث عن زوجها، وتسقط أخباره منالفلسطينيين ذوي الكثافة بالحي. وبعد رحلات عديدة بين بيروت ودمشق، فشلت أمينة فيالوصول الى ما يطمئنها، وتأكد لديها أن موشيه قتل لا محالة. وغادرت بيروت الى فييناتنخر بعقلها أحزان تقترب بها الى حافة الجنون، وتخنقها عبرات الأسى والغربة،والفزع.
في المصيدة
في شقتها بفيينا، أيقظها اتصال هاتفي من تل أبيب، وفي اليوم التالياستقبلت ثلاثة رجال عرفت منهم أنهم ضباط إسرائيليون، مهمتهم إنهاء إجراءات الإرثالخص بها، دون إثارة مشاكل مع أسرة زوجها أو الجهات الرسمية سواء في النمسا، أو فيإسرائيل.
كان ميراثها وحدها مع التعويض يربو على النصف مليون دولار، مع الشقةالرائعة في ريشون لتسيون، وضمانات حماية وأمن فوق العادة.
لقد كان المطلوب منها أن تتعاون معهم لقاء ذلك، وتنفذ ما سيطلب منهابلا تردد. فبقياسات المخابرات، تعد أمينة المفتي كنزاً ثميناً لا يقدر بمال. فهيامراة عربية فقدت وطنها وأهلها، وتعيش في وضع نفسي سيء مليء بالخوف، ولا مأوى لهاسوى في إسرائيل. لكل تلك العوامل كان لا بد من استغلالها واستقطابها، بقليل من بثالكراهية في نفسها لهؤلاء العرب الذين قتلوا زوجها وقد كان يمثل لها الأمنوالحماية، وبالضرورة هي بحاجة ماسة الى الأمن والحماية من بعده.
لقد كانت رؤيتهم على صواب، فأمينة المفتي التي تحمل الجنسيةالأردنية، والنمساوية والاسرائيلية، لم تكن بحاجة الى كل هذا التخطيط والتمويهلجرها الى عش الجاسوسية، والعمل لصالح الموساد ضد وطنها وشعبها.
إنها غارقة في الضعف، واليأس، والضياع. وبعدما باعت الدين والوطن فهيلا تملك أثمن منهم لتبيعه.
يقول الكاتب الأديب محمد حسين الألفي: (هناك دراسات علمية أجريتمؤخراً، كشفت عن نتائج سوف تقلب تفكيرنا رأساً على عقب، فقد ظهر أن الخيانة فيالدم، بمعنى، أن الناس يولدون والخيانة في دمهم . . أحد مكونات الدم) (*).
ومنذ البداية – لم تعر أمينة المفتي للشرف انتباهاً، إذ خلعت ثوبالشرق المحتشم، واستبدلته بغلالة الغرب عن طوع ورغبة. نازفة دماء عروبتها،وعقيدتها، وعفتها. لذا لم يكن من الصعب على الضباط الثلاثة إخضاعها، مستغلين ضعفهاالإنساني ووحشتها، عازفين على أوتار كراهيتها للعرب، وللفلسطينيين على وجه الخصوص. إن الجاسوسية في عرف جهزة المخابرات لا تقر بمبدأ الرحمة، ولا تستجيب بأي حاللنداءات الضمير. إنه عالم عجيب مثير، يفتقد العواطف، ولا تصنف المشاعر تحت سمائه. وفي دهاليزه المظلمة الغامضة، توجد هناك دائماً مساحة ضيقة من الطموح والجنون،وبقدر ما لدى الإنسان من رغبة محمومة في تحقيق احلامه، وتوهماته، تعميه الحقيقةالمرة أحياناً عن معالم الطريق ويتحول لمخلوق مبصر يتحسس الخطى دونما توقع لنواميسالقدر.
فالنفس البشرية ما تزال تمثل لغزاً محيراً عجزت العقول عن تفسير بعضجوانبه، ولذلك، لا نندهش أمام تقلبات البشر، وجنوح العقول، وانحرافات الأمزجةوالسلوك.
تلك هي النفس البشرية ، لغز الألغاز، سرها لا يعلمه إلا خالقهاسبحانه وتعالى.
هكذا سقطت أمينة المفتي في مصيدة الجاسوسية، وأسلمت قيادها للضباطالثلاثة، الذين أقاموا لها دورة تدريبية مكثفة استغرقت شهراً وأربعة أيام في شقتهابفيينا، تعلمت أثناءها أساليب التجسس المختلفة من تصوير، وتشفير، وتلقط الأخبار،وكيفية الالتزام بالحس الأمني، والتمييز بين الأسلحة.
دربوها أيضاً على كيفية تحميض الأفلام، والهرب من المراقبة، واستخدامالمسدس. واستقدموا لها من إسرائيل خبيراً في تقوية الذاكرة، وتخزين المعلوماتوالأرقام دون نسيانها. فكانوا يعرضون عليها مشهداً من فيلم سينمائي، ويطلبون منهاالإجابة:
كم طبقاًكان على المائدة؟ ما لون ستائر الشباك؟ كم لمبة بالنجفة؟ كم عدد درجات السلم؟
أجادت آني داود دورتها الأولى في التجسس، وأصبحت أكثر إصراراً علىالانتقام والتحدي، وعمل المستحيل للثأر لزوجها الذي فقد بالقرب من الجولان – والجنوب اللبناني، إنها تريد تأكيد حبها لموشيه، من خلال حبها للعمل مع إسرائيل ضدالعرب. ولمتعد تزعجها كثيراً هلاوس الليل عندما تحلم به يسعى في الجبال ممزقالثياب، كث اللحية، غائز العينين، يناديها أن تنقذه. وكثيراً ما ترى جسده ممزقاً فيقطع صغيرة، تلتهمها فئران الخلاء.
وغادرت فيينا الى بيروت هذه المرة . . لا للبحث عن زوجها، وإنماللانتقام له، مهمتها المحددة تقصي أخبار رجال المنظمات الفلسطينية، ورجال المقاومةالذين يؤرقون أمن إسرائيل، ويحيلون ليلها الى نهار لشدة القصف . . والتفجيراتالفدائية.
كانت أيضاً مكلفة بالتحري عن مراكز إقامة قادة المقاومة، والطرق التييسلكها الفدائيون للتسلل الى الأرض المحتلة، أيضاً - التغلغل داخلهم لمعرفة أعدادالفدائيين، وتدريبهم، وتسليحهم. ومدى مهارتهم في التخفي والمناورة، ومخازن الأسلحةوالإعاشة.
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:46
وليمة فسق
وفي بيروت، استأجرت شقة بإحدى بنايات الروشة، أجمل مناطق بيروت، حيثترى الشاطئ المتعرج برماله البيضاء التي يتقاذفها البحر على ضفاف اليابسة، وهوالمشهد الذي وصفه الشاعر الفرنسي "لامارتين" بقوله: إن الطبيعة هنا . . بل كل شيءحولي أسمى من الخيال. لقد حلمت بجنة عدن . . لا . . بل لقد رأيتها". من شرفة شقتهاكان أمامها البحر اللانهائي، وبقعتان من الصخور القاسية، هما صخور الروشة الشهيرةالتي تكسر تلك اللوحة الناعمة وتزيدها جمالاً. وعلى بعد خطوات منها يقع مقهىالدولشي فيتا أشهر مقاهي بيروت، حيث المكان المفضل للفنانيين والمثقفين والجواسيسوالسياح. كان الشيء الوحيد الذي يضايقها، هو انقطاع الحرارة عن التليفون. لذلك . . زارت صديقتها الأردنية خديجة زهران، وطلبت منها المساعدة. في الحال اتصلت خديجةبمانويل عساف موظف التليفونات، الذي ذهب بنفسه الى أمينة في اليوم التالي، ليؤكدلها أن المنطقة تعاني من بعض الأعطال بسبب تجديدات بالشبكة، ووعدها بأنه سيسعى فيالقريب للتوصل الى حل. منحته خمسين ليرة ليهتم بالأمر، ولكي لا ينسى . . منحتهجسدها أيضاً. إذ وجدت فيه صيداً سهلاً تستطيع من خلاله التوصل لتليفونات وعناوينالقادة الفلسطينيين. لم تندم عندما باعت الدين والوطن والأهل. فلم تجد غضاضة وهيتبيع نفسها لمانويل، الذي خر مستسلماً أمام امرأة شابة بعينيها نداءات جوع، تفوح منجسدها رائحة الأنوثة والرغبة؟ لقد شلت إرادته وأذهبت بعريها عقله، وحاصرته فلم يعديملك حيلة للفرار. وأقبل عليها في شراهة ونهم، باعتقاده أنه أوقع بامرأة ظمأى. . بينما تصرفت هي كجاسوسة محترفة، بين أحضانه بدت في أقصى حالات الضعف، لكنها كانتأبعد ما تكون عن الإحساس بالمتعة. هكذا تفعل النساء في عالم المخابرات والجاسوسية . . فالجنس عندهن وسيلة فقط لا هدف.
صدمت أمينة بشدة عندما تبين لها أن مانويل لا يملك ما تريده، فهومجرد موظف صغير لا يملك قراراً. فلم يتملكها الإحساس بالندم أو الحسرة، بل أقنعتنفسها بأنها فشلت في تجربة أولى . . وحتماً ستنجح في مرات مقبلة. حاول مانويل عسافالوفاء بوعده لتتوطد علاقته بالمرأة النارية، فلم يستطع لأن رئيسه في العمل – مارونالحايك – بيده كل شيء . لذلك . . صارحه بما حدث، واصطحبه الى شقة أمينة داودالمفتي. كان مارون الحايك متعدد العلاقات النسائية، يسعى خلف نزواته ومغامراته،منشغل بالتجسس على المحادثات التليفونية بين نساء المدينة، تستهويه لعبة المطاردةوالبحث عن صيد جديد. وبغريزة الأنثى التي لا تخيب، أيقنت أمينة ما بنفسه، واثقة منكنز معلوماته عن الزعماء الفلسطينيين في بيروت. لذلك تركته بتناول معها وليمة فسقأتخمته، وأحاطت عقله بسياج من غباء. وبينما الجسد المنهد ساكناً . . أجاب عنأسئلتها . . وأطلعها – بعد عدة ولائم – على التليفونات السرية للمنظمات الفلسطينية،ولزعماء الجبهات وعناوين إقامتهم بحي الريحانة الشهير. وبواسطة صندوق بريد ميت، صبتأمينة كل ما تفوه به مارون في خطاب من عدة صفحات، تسلمه عملاء الموساد في بيروت. لتجيئها الأوامر بعد ذلك بالتحرك دون انتظار. فالمطلوب منها هو الحصول على القوائمالسرية لرجال المخابرات الفلسطينية "رصد" في أوروبا وصفاتهم. ولن يتاح لها ذلك إلامن خلال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية – مكتب ياسر عرفات شخصياً، أو مكتب رئيسجهاز المخابرات علي حسن سلامة المطارد في كل مكان في العالم، والذي أطلقت عليهجولدا مائير لقب "الأمير الأحمر"، لأنه بطل عملية ميونيخ التي قتل فيها أحد عشرإسرائيلياً.
الامير الاحمر
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
كانت الحياة ببيروت في ذلك الوقت يونيو 1973 لها مذاق رائع. تماماًكالأطعمة المتنوعة من كل أنحاء الدنيا . ومع عطلة نهاية الأسبوع . . تزهو أجملفتيات لبنان داخل الفنادق والأندية، يرتدين البكيني اللاصق، ويتلوين بتدله تحت أشعةالشمس حول حمامات السباحة، أو يلعبن الجولف والتنس، ويرقصن الديسكو ويشتركن فيمسابقات الجمال. وسط جو كهذا يموج بالمرح والحسن والشباب، اعتاد علي حسن سلامة أنيعيش بعض أوقاته، يرافقه أحياناً فتحي عرفات "شقيق ياسر عرفات" . . رئيس جمعيةالهلال الأحمر الفلسطيني. ولما اختيرت جورجينا رزق ملكة جمال الكون، اختطفها سلامةوتزوجا في حدث أكثر من رائع، مما جعله مطاردا دائماً من فتيات لبنان. لكنه كانمشبعاً بكل جمال الدنيا بين يديه. ولأن المخابرات الاسرائيلية كانت تجهل صورته اوملامحه، وفشلت كثيراً في اقتفاء أثره لاغتياله، خاصة بعد عملية ميونيخ بالذات، فقدكان المطلوب من أمينة المفتي التسلل الى مخبئه، والحصول على قوائم بأسماء قياداتوعملاء المخابرات الفلسطينية في أوروبا. فقد كان علي حسن سلامة – الأمير الأحمر - كما أطلقت عليه جولدا مائير، أحد مساعدي عرفات والمختص بحراسته، ثم أوكل اليه عرفاتمباشرة بمهمة جديدة، وهي رئيس الأمن والمخابرات التابعة لمنظمة فتح وقوات الحرسالداخلي - التي يطلق عليها القوة 17 - وهي القوة التي أطلق عليها عرفات اسم "المنتمين الى قيصر روما القديمة". والحصول عى القوائم السرية للقيادات الفلسطينيةوالأعضاء البارزين في المنظمات في أوروبا، أمر هام جداً ومطلوب لتفكيك أوصالالقيادة في بيروت، وعزلها عن الآخرين في كل قارات العالم. وفي هذا إجابة عن سؤال: لماذا السطو على أوراقه بدلاً من اغتياله؟
هكذا كانت مهمة أمينة المفتي في بيروت . . مهمة حساسة للغاية . . لواستطاعت القيام بها فكل ميادين إسرائيل لا تكفي لوضع تماثيلها. وفي لقاء حميمبشقتها مع مارون الحايك، سألته عن عرفات وأبو إياد والغمري وغيرهم، فأجاب بأنهيعرفهم جيداً، ولأيام طويلة ظلت تمنحه جسدها، وتنفق عليه بسخاء عندما أكد لها أنهيعرف علي حسن سلامة، بل والفندق الذي يرتاده. فاصطحبته مراراً لفندق كورال بيتش "شاطئ المرجان" ليدلها عليه. لكن الأيام تمر والحايك يستمتع بجسدها وبأموالها دونأن يظهر لسلامة أثر.
تملكها يأس قاتم لفشلها، وفكرت كثيراً في مغادرة بيروت الى تل أبيبتتوجها الخيبة. لكن طرأت بخيالها فكرة جديدة عملت على تنفيذها بأسرع وقت. إذ انتقلتالى شقة أخرى بكورنيش المزرعة - وهي منطقة شعبية يرتادها التجار من قاطني المخيماتالفلسطينية في بيروت. وللوهلة الأولى . . أحست بتفاؤل كبير، بعدما تعرفت على ممرضةفلسطينية تدعى شميسة، تعمل بعيادة "صامد"(*) بمخيم صبرا. فقدمتها شميسة، الى مديرالعيادة، الذي أوضح لها أن العديد من الأطباء من كل دول العالم، يشاركون في علاجالفلسطينيين كمتطوعين. فعرضت عليه خدماتها التطوعية، وأطلعته على شهاداتها المزورةفطلب منها الانتظار لعدة أيام ريثما يخبر رؤساءه. هؤلاء المتطوعون في شتى المؤسساتالفلسطينية، يقابلهم ياسر عرفات، ويستعرض معهم المخيمات وملاجئ الأيتام، والمؤسساتالصحية والهلال الأحمر، وأقسام الأجهزة التعويضية والعلاج الطبيعي والمعاملالمركزية وبنك الدم. من هنا . . صادفت أمينة المفتي فرصة ذهبية للامتزاجبالفلسطينيين، وبدأت مرحلة العمل التجسسي الأوسع.
رعشة اللقاء
ومساء 22 يوليو 1973 . . دق جرس التليفون بشقة أمينة المفتي. وكانعلى الطرف الآخر مارون الحايك، الذي اسر اليها ببضع كلمات ألجمتها، فوضعت السماعةفي توتر وأسرعت تفتح التليفزيون. لقد صدمها المذيع وهو يعلن نبأ اعتقال ستة من رجالالموساد في أوسلو، بينهم امرأة، بتهمة قتل جرسون مغربي بالرصاص في ليلها مر، ظنواأنه الفلسطيني علي حسن سلامة. وقد اعترف المعتقلون بأنهم ينتمون الى الموساد،ويشكلون فيما بينهم فريقاً للقتل اسمه K IDON - الرمح – وجاءوا خصيصاً من إسرائيللتعقب سلامة واغتياله. ارتجت أمينة وتملكها الهلع على مصيرها. وتساءلت: لماذايتعقبون سلامة لاغتياله. بينما طلبوا منها خلاف ذلك؟
كانت اللعبة أكبر بكثير من تفكيرها. فأمور السياسة والمخابرات تتشكلوفقاً لمعايير أخرى . . وحسابات معقدة. ولأول مرة منذ فقدت زوجها موشيه، تشعر برغبةأكيدة في الاستمتاع بالحياة . . وحاجتهات الى مذاقات النشوة التي افتقدتها. وأسرعتفي اليوم التالي، برفقة مارون الى فندق الكورال بيتش، متلهفة الى الالتقاء بسلامة. ولكم أخذتها المفاجأة عندما أشار صديقها ناحية حوض السباحة قائلاً لها: أنظري . . إنه علي حسن سلامة.
كان حمام السباحة كبيراً، على شكل حدوة الحصان، يحيط به مبنى أبيضاللون مكون من ثلاثة طوابق، تطل كل غرفه الخمس والتسعين على الحمام. ويفضل سلامةهذا الفندق لأنه مؤمن جيداً ويكشف المخاطر الأمنية؛ التي قد يتعرض لها. ومن الأمورالعادية أن توجد ثلاث سيارات عسكرية حول الفندق لحماية الأمير الأحمر. حيث يقومحراسه بتأمين موقف السيارات ومداخل الفندق وحدائقه. أما في الحجرة المطلة على حمامالسباحة وهي بالدور الأرضي، فيكون سلامة دائماً بمفرده، يحمل مسدسه الأتوماتيكيالمحشو، ولا يتغافل عنه أبداً.
كان سلامة في ذلك الوقت في الثالثة والثلاثين من عمره، رياضي . . وسيم . . أنيق. يصادق جورجينا رزق ملكة جمال الكون. وفي فتاة عمرها واحد وعشرونعاماً، تنحدر من مؤسسة المال المسيحية في بيروت لأب لبناني وأم مجرية. انتخبت فيالسادسة عشرة ملكة جمال لبنان. وبعدها بعامين ملكة جمال العالم. وكانت الوحيدة منبلاد العرب التي دخلت مسابقة "ميامي بيتش". وهكذا أصبحت جورجينا رزق أشهر امرأة فيالعالم، يحلم بها كل الرجال. وكان الجميع يريد التعرف على الفتاة ذات الشعر الأسودالطويل، والعيون الخضراء، والفم الكبير، والجسد الأسطوري. حتى "جيمي كارتر" - حاكمولاية جورجينا وقبل أن يصبح رئيساً . . تحققت أمنيته وظهرت صورة له مع ملكة الكونوهي ترتدي فستان السهرة الأسود العاري الأكتاف والصدر. لقد انشغلت جورجينا رزقبالفتى الوسيم مفتول العضلات ذو الجسد الرياضي الممشوق. وانشغل بها هو أيضا. وبرغمزواجهما إلا أنه لم يمانع من اختبار رجولته التي لا تقاوم مع نساء أخريات.
وها هي أمينة داود المفتي تقف أمامه . . ووجها لوجه بشكل لم يكنمتوقعاً . . وحيث رتبت الموائد حول الحوض تحت المظلات الشمسية، جلست تراقب سلامةبحذر وهو يستحم، وعلى مقربة منه وقف رجلان من حراسه تنتفخ أجنابهما بالسلاح. رسمتأمينة صورته في خيالها، وداومت على زيارة الكورال بيتش مرتان أسبوعياً بشكل منتظم. وكانت كثيراً ما تلتقي بسلامة الذي اعتاد رؤيتها. . وابتسامتها.. وجمالها البسيطالهادئ. وذات مرة . . وصل سلامة الى الفندق. . واتجه الى الداخل حيث حجرته، لكنهعرج فجأة الى مائدة أمينة، وانحنى على ظهر المقعد المواجه في أدب وسألها عدة أسئلة. . ثم سحب المقعد وجلس قبالتها لأكثر من نصف الساعة تقول أمينة في مذكراتها التينشرت بعد ذلك:
" في ذلك اليوم الحار من سبتمبر 1973، تشوقت لترطيب جسدي في حوضالسباحة بكورال بيتش، وبينم كنت أرفع كوب الماء البارد الى فمي، رأيته أمامي . . إنه سلامة. سرت رعشة متدفقة بأوصالي عندما جاء الى مائدتي محيّياً. وبدأ بأن عرفنيبنفسه على أنه رجل أعمال فلسطيني، ثم سألني عن نفسي. وجلس الىمائدتي بعدما اكتشفأنني طبيبة أردنية متطوعة. ومنذ ذلك اليوم لازلت أذكر رعشة اللقاء . . وحديثهالرائع الذي جذبني اليه بكل كياني ومشاعري". .
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:50
في الدولشي فيتا
وبواسطة سلامة، انفتحت أمام أمينة المفتي كل الأبواب الموصدة. إذأصبحت محل ثقة الفلسطينيين، وعلاقاتها بالقادة طالت ياسر عرفات نفسه. لقد استعادتحيويتها وثقتها بنفسها، وانخرطت في صفوف المقاومة تضمد الجروح، وتبث فيهم الحماسوالاستماتة في الكفاح. وكانت زياراتها المتعددة لمخيمات اللاجئين في الجنوب، تصحبهافيها مجموعات طبية من المتطوعين، تذكرة أمان لدخول كل المناطق المحظورة. فكانتعيونها كاميرات تلتقط الصور وتختزنها. وآذانها كانت أجهزة تسجيل متطورة، وانقلبعقلها الى آلة جبارة من القوة بحيث لا يرهقها تزاحم المعلومات . . أو رسم الخرائطبدقة متناهية . . أو حفظ مئات الأسماء والمواقع . . أو تذكر أنواع الأسلحة وأساليبالتدريب. لقد أدمنت استجلاء أوضاع الفلسطينيين، مستغلة ثقتهم بها في إرسالالمعلومات عنهم يوماً بيوم الى الموساد. كان المطلوب منها هو كتابة تقارير وافية،ووضعها في صندوق البريد "الميت"، أو تركها بسيفون حمام فندق الكورال بيتش. تقولأمينة في مذكراتها: (أذكر أنني في إحدى المرات . . كنت أحمل وثائق سرية وتقاريرخطيرة. . وذهبت لمقابلة سلامة بالفندق. كانت حقيبتي مكتنزة بأربعة وعشرون ورقة منأوراق البلوك نوت الكبيرة، عندما فاجأني سلامة بمجيئه مبكراً قبلما أتمكن من الدخولبها الى الحمام. وكانت ورقة واحدة منها فقط، كفيلة بأن يفرغ سلامة رصاصات مسدسه فيصدري. لقد كنت أجلس اليه بأعصاب من فولاذ. . وعلى مقربة مني كانت زميلتي - وتحملوثائق سفر قبرصية – تكاد تموت هلعاً).
هكذا عملت أمينة داود بحرية مطلقة في التجسس على القادة الفلسطينيين. . ورجال المقاومة . ولم تدخر وسعاً في البحث عن كل ما يهم الإسرائيليين في لبنان. لقد زارت ياسر عرفات بمكتبه ثلاث مرات، لتطلعه بنفسها على العديد من السلبيات التيواجهتها في الجنوب اللبناني، واهتم الزعيم بمقترحاتها وقد أفرد لها مساحة طويلة منالوقت للاستماع اليها. وأوصى في الحال بالتحقق مما قالته، وتلافي الأخطاء التي تعوقحركة المقاومة في الجنوب. فتقربت أمينة بذلك من الزعيم الفلسطيني، وأصبح مكتبهمفتوحاً دائماً أمامها.
وحدث أن كانت في مقهى "الدولشي فيتا"، حيث شاطئ الروشة المتعرجالخيالي، حينما توقفت فجأة أمام المقهى سيارة جيب عسكرية، وتزل منها ثلاثة رجالفلسطينيين، اتجهوا مسرعين الى حيث تجلس تشرب القهوة، وقال أحدهم بحسم: نعرف أنك هنا . . وعليك مرافقتنا الآن. !
أسقط ما في يد أمينة، ولم تقدر على الوقوف. بينما الرجال الثلاثةترسل عيونهم سهاماً من توتر.
زيارة الى العبد
كانت السيارة العسكرية تخترق شوارع بيروت بسرعةمذهلة، بينما كانت أمينة المفتي متكورة الى يمين السائق، تنتفض عروقها رعباً،ويرتعد بدنها كله لهول النهاية. لم تسأل مرافقيها عن وجهتهم، أو لنقل إنها لم تجرؤعلى ذلك. إذ انحصر تفكيرها في تحين الفرصة المناسبة للبحث عن كبسولة سم السيانيد،التي خبأتها بين خصلات شعرها بواسطة شريط لاصق. فحتماً سيكتشف الجنود المدججونبالسلاح ذلك عندها سيضطرون الى تكبيلها بالسلاسل الحديدية، فتضيع منها فرصةالانتحار الوحيدة. تنبهت أمينة قليلاً وتعجبت، فالسيارة عرجت بها فجأة الى طريقمخيم شاتيلا. ترى . . هل أقام الفلسطينيون معتقلات الخومة بداخل المخيمات؟
هكذا تساءلت في نفسها، وقبلما تسعفها الإجابة انطلق صوت احد الجنودمن خلفها، يحث السائق على أن يزيد من سرعته، فالجرحى الذين جيء بهم من الجنوبكثيرون. وعند هذه العبارة أفاقت أمينة تماماً، سألت الجندي عن الأمر، فأجابها بأنهمضحايا إحدى الغارات الاسرائيلية على معسكر فلسطيني بالقرب من مفرق مخيم عين الحلوة - السيروب في صيدا. ونظراً للعجز الكبير في الأطباء المتطوعين، دلهم على مكانهامكتب المخابرات "الذي يترأسه علي حسن سلامة". فاستجمعت أمينة شتات عقلها في صرخةمدوية:
وبينما ينطلق صرخها بالسباب، وبأنها ستشكوهم لعرفات شخصياً، كانالجنود يعتذرون لها . . ويلحون في ذلك أيما إلحاح. تلك الحادثة . . لم تسقط أبداًمن ذاكرة أمينة. إذ زرعت لديها شعوراً قاتماً بالخوف في قدراتها التجسسية بين أناسيشكون في كل غريب وافد. لذلك، كان عليها أن تغسل الخوف الملتصق بها، وتتعاطى جرعاتكبيرة من الهدوء، . . والتعلم، . . والحنكة.
وما كان يتأتى لها ذلك إلا في إسرائيل. هكذا أنهت عملها في مستشفىمخيم شاتيلا، واستأذنت في السفر الى فيينا لتسجيل اسمها لدى إحدى جمعيات الطفولةالدولية. وهناك . . في شقتها الخاوية بين الجدران الصماء والفراش البارد، اهاجتهاالذكريات فضربت عمق وعيها، وأخذت تطوف بالغرف من جديد تتحسس الأرائك والأدراجوأحذية موشيه القديمة، وتقلب صفحات الألبومات تتلاحق أنفاسها في اضطراب وشجن. وبكتكثيراً بين أحضان سارة بيراد شقيقة زوجها المفقود، وسافرت معها الى حيث يقيم والديموشيه في وستندورف، يجرعان الأسى ويعتصرهما المرار.
هناك. . تخلت أمينة عن أهم قواعد الجاسوسية، وهي السرية المطلقة،وتفاخرت أمامهم جميعاً بأنها تثأر لموشيه كل يوم من القتلة العرب، وتنتقم منهمدونما رحمة أو شفقة. قصت عليهم أيضاً الكثير من أسرار عملياتها في بيروت، وما كانتتعلم أن سارة المنخرطة في جماعات الهيبيز، تصادق شاباً فلسطينياً قتل اليهود والده،فهام يتيماً . . بائساً. . متسكعاً . . يجوب مدن أوروبا بلا هدف. . أو وطن. وبجوازسفرها الإسرائيلي، طارت أمينة الى تل أبيب تحمل جرعة هائلة من الغضب. . تدفعها بقوةلأن تستمر . . وتنطلق بكل كيانها لتثأر. . وتثأر . وفي مذكراتها عن رحلتها تلك الىفيينا قالت:
(اليوم – 18 سبتمبر 1973 – زرت شقتي بفيينا وأنا بطريقي لإسرائيل – كان جسدي يرتعش وأنا أصعد الدرج، وفشلت مرات في معالجة الباب. وعندما أضأت الأنوارواجهتني صورة موشيه الكبيرة باللباس العسكري. فمسحت زجاج الإطار وقبلته، وعلقت باقةمن زهور البانسيه التي يحبها الى جواره. لقد خيل الي أن ابتسامته الرائعة تفيضبالعتاب . . بل هي كذلك. فتذكرت . . يا لغبائي . . كيف دفعته بنفسي الى نهايته،عندما شجعته على الهجرة لإسرائيل. حاولت أن أستعيد ابتسامته فلم أنجح. لحظتها. . ركعت على ركبتي أمامه وأشجهشت بالبكاء. ورجوته بألا يولمني أو يغضب مني، فأنا أنتقمله . . وآخذ بثأره. ولن أهدأ حتى أشهد بنفسي بحور الدم المراق تعلوها الأشلاءالممزقة. وأرى ألف زوجة عربية تبكي زوجها، وألف أم فقدت أبنها، وألف شاب بلا أطراف. عندئذ فقط . . لمحت ابتسامته وقد ارتسمت من جديد، وأحسست كما لو أن يداه كانتاتحيطان بي . . !!).
يا للخائنة المحشوة حقداً، لم تكفها كل تلك الخيانات للدين والوطن،فطفقت تبحث عن المزيد والمزيد، الذي تطفئ به نيران الغضب المشتعل بعروقها. ولذلك. . كانت رحلتها الى إسرائيل، لتستمد الهدوء . . والتعلم . . والخبرة. ولكي تجيد فنونالتجسس . . والانتقام.
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:51
التقاء الخونة
لم يكن لها في إسرائيل من أصدقاء، سوى نفر قليل من رجال الموساد،الذين فوجئوا بها وقد علتها مسحة قاتمة من الإرهاق. طلبوا منها أن تستريح بشقتهاريثما تهدأ. وحتى لا تزيدها الوحدة أرقاً، صاحبتها طبيبة نفسية يهودية من أصل عراقيتدعى زهيرة. وفي شقتها بمدينة ريشون لتسيون (1). عملت زهيرة على تهيئتها للاندماجبالمجتمع الاسرائيلي، تمهيداً لاستقرارها النهائي، بما يعني الاكتفاء بخدماتهاالسابقة كعميلة في الموساد.
لقد كانت مهمة زهيرة ألا تفاتحها في أمر إنهاء خدمتها، فهي ليستمنوطة بذلك. ولكن تنحصر في إذابة جدران العزلة النفسية التي تحيط بالعميلة، بدمجهاشيئاً فشيئاً باليهود العرب، وخلق محيط اجتماعي موسع من حولها. لقد حدثتها صديقتهاالجديدة عن المهاجرين العرب من اليهود، الذين قدموا من شتى الأقطار المجاورة، وكيفاستساغوا العيش في المجتمع الجديد المتحرر، وحدثتها كذلك عن بعض المسيحيين الذينفروا الى إسرائيل طلباً للحرية والأمن. ومن بين الذين ذكرتهم، النقيب الطيار منيرروفه – الكاثوليكي العراقي – الذي فر لإسرائيل بطائرته الحربية (2).
وعندما أبدت أمينة رغبتها في لقائه، عرضت زهيرة الأمر على رؤسائهافجاءتها الموافقة. وتم ترتيب اللقاء بمنزل روفة بين زوجته وأولاده.
كانت أمينة في شوق بالغ للقاء الطيار الهارب، ليس لأنه عربي بللتسأله عما يجول بخاطرها من تساؤلات قد تفيدها معرفة إجاباتها. وبابتسامة عريضةبباب منزلهما، رحب منير وزوجته بأمينة . . وقاداها الى الداخل. كان منير روفة فيذلك الوقت في الثامنة والثلاثين من عمره، أسمر . . واسع العينين والجبهة . . غزتهمقدمات الصلع. أما الزوجة مريم فكانت على مشارف العقد الرابع، طويلة. . ذات شعرانسيابي طويل، وفم واسع. . فجاء . . لها صوت خشن. كانت مظاهر الثراء بادية جداً علىالمنزل وأهله. وبرغم ذلك جاءت مريم بالحلوى والشاي بنفسها. ولما سألتها أمينة ممتنةعلى الخادمة، أجابتها المضيفة بأن المجتمع الاسرائيلي ما زال بحاجة الى تطور وينظرالى المرأة التي تجلب خادمةنظرة اتهام بالبرجوازية. لذلك فهي تقوم بمهام المنزلبنفسها. أما منير . . فقال لها إنه مر بحياة عصيبة في البداية. حيث كان يجهلالعبرية وبلا عمل ولا أصدقاء. ويتابعه كظله رجلا أمن في الشارع والبيت. ثم عمل لبعضالوقت بجيش الدفاع، والآن يمتلك وكالة إعلانية كبيرة خاصة به اسمها الأضواء "الحانوكا"، وتعمل معه مريم كمديرة لمكتبه وللعلاقات العامة. ولما سألته أمينة: كيفيفشل طيار محترف في القفز إذا أصيبت طائرته في الجو؟ . . وهل الطائرة السكاي هوكالأميركية تتحول الى مقبرة لقائدها قبلما تسقط . .؟
كانت تريد إجابات محددة ومنطقية، فربما استمرت في التعلق بأمل عودةزوجها موشيه، أو بنسيان الأمر نهائياً. فضباط الموساد كانت إجاباتهم مبهمة ولا تحملنفياً تاماً أو تأكيداً. وذلك ما يحيرها ويرهق عقلها - فأفاض منير روفة في الشروح . . وأوضح لها أن الطائرة سكاي هوك S KY HAWK-4H التي طار بها موشيه اعتمد تصميمهاعلى حماية الطيار، وهي مزودة بكرسي قذف مزدوج، ويمكن إطلاقه من ارتفاع الصفر وبسرعةالصفر أيضاً - وهو كرسي قاذف من طراز دو جلاس أسكاباك A -C3 وكابينة القيادة بهامدرعة في المقدمة والمؤخرة والجانب الأيسر، وسمك التدريع حوالي 18 مم. وأكد لها علىأن زوجها موشيه إما أصيبت طائرته بصاروخ "سام 6"، وفي هذه الحالة ربما يكون أسيراًلدى السوريين، أو أن صاروخاً طراز ATOLL – جو / جو، أصاب به السوريين كابينة قيادتهالفقاعية فانفجرت به الطائرة في الجو.
كانت إجابة روفة - الأكثر شروحاً - تعطى ذات الإجابة التي سمعتها منقبل. فلا هو أوضح نافياً او مؤكداً. وبقي السؤال كما هو: هل موشيه بيراد ما يزالحياً في قبضة السوريين؟ أم انفجرت به الطائرة في الجو؟ . . وفي الحالة الأخيرة. . لا بد أن يعثر السوريون على بعض من أشلائه . . ومن ثم يعلنوا الخبر . . وهو ما لميحدث .!!.
الأفعى الغاضبة
عادت أمينة الى شقتها أكثر قلقاً . . وغضباً. يحفها الإصرار علىالانتقام لزوجها، لكن صدمتها كانت قاسية جداً، عندما زارها مسؤول بالموساد، وبعدحديث طويل عن فدائيتها الشجاعة فاجأها بقوله:
سيدتي – بعد هذا العناء الكبير . . يرى رؤسائي في الجهاز أنه من الواجب العمل على إراحتك . . وحمايتك. وجئت اليك لأعرض رغبتهم في الوقوف على ما تريدينه، ولأطلعك على العملالجديد الذي ينتظرك، وهو بلا شك عمل مثير ويتناسب مع. .
قاطعته أمينة قائلة: أتقصد سيدي إنهاء عملي في بيروت؟
وجاء رده أكثر حسماً: وفي الموساد سيدتي . . وسوف تحصلين على .
لم تتركه أمينة يكمل جملته إذ انطلقت بكل الغضب الكامن بأعماقهاتقول: لن أقبل ذلكأبداً . . فأنا ما جئت لإسرائيل هذه المرة إلا لأنني اهتززت قليلاً أمام موقفاستدعائي.
ولماذا هكذا تستغنون عن خدماتي لكم بسهولة؟، بالرغم من أنني فرصةذهبية لا يجب أن تضيعوها. فأنا جئتكم بالكثير عن أخبار المقاومة التي تهددمستعمراتكم في الشمال، وأطلعتكم على أشياء كانت غامضة لكم، كل ذلك دون أن أقبض منكمسوى ألفي دولار.
أرجو أن . .
دعنيأكمل من فضلك. هل تستطيع أن تؤكد لي أن أحد عملائكم جلس وتحدث مع علي حسن سلامة؟ أوأن أحدهم وصف لك مبنى قيادة المنظمة الفلسطينية من الداخل؟ أما أنا فقد دخلت لمكتبعرفات. . وألتقي بسلامة مرتين أسبوعياً. وبواسطة جسدي هذا – (رفعت عباءتها فكشفت عنعورتها حتى لقرب صدرها) - جئتكم بالتليفونات السرية لكل القادة الفلسطينيين، ليتنصتجواسيسكم هناك عليها. وخلعت ثيابي لكل كلب نتن الرائحة فينتهك جسدي لأجلب كلمالأسرار . . والوثائق . . والمعلومات . . وفي النهاية تقولون لي ببساطة: شكراً . . !!
سيدةأمينة . . نحن ما فكرنا إلا بحمايتك . . وما كنا سنبخس عليك حقك.
كانت أمينة ترتعد حقاً . . ويهتز بدنها كله وقد امتقع لونها . . واكفهر الوجه يغشاه اصفرار وهي تقول:
هلتستطيع أن تجيبني لماذا أنا في إسرائيل الآن؟ ألأنني لا أجد مأوى بين اهلي. أملأنني أحببت يهودياً وتزوجته؟ . . لا أقول ذلك لأنني أحسست بـ الندم.. لا .. فأنابعت الدنيا كلها من أجله.. بعت أهلي . . وديني.. ووطني لأكون معه. ولأنه مات .. فأنا لن أكف.. نعم.. لن أكف وهل أنا عبء ثقيل عليكم.
أبلغرؤسائك أنني لن أتوقف أبداً، حتى ولو أدى الأمر لأن أغادر إسرائيل الى الأبد وعندهاقد أفكر . . وبعيداً عنكم .. بعملية انتحارية داخل مكتب عرفات شخصياً !!
انزعج الرجل .. وأسرع الى رؤسائه ينبئهم بالأمر . . وبلهجة الصدقوالإصرار والغضب في صوتها. وكان لا بد من إيجاد حل وإلا فهناك كارثة مؤكدة قد تقعبين لحظة وأخرى. ففي الحال . . صدرت الأوامر للمطار بمنع آني موشيه بيراد – أمينةالمفتي – من مغادرة البلاد.
الامير الاحمر
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
بشارع كيريا في تل أبيب اجتمع عدد من الخبراء في مبنى الموساد،للوصول الى قرار حاسم بعودة أمينة الى بيروت من جديد، أو الاكتفاء بخدماتهاوإبقائها في إسرائيل. لقد قرأوا جميعاً تقريراً وافياً عن العميلة الثائرة . . والتي صنفت من الفئة "أ" - وهذه الفئة من الجواسيس يتدرج تحتها كل من يعملون فيالبلاد العربية بدون أي غطاء دبلوماسي يحميهم – ووصف التقرير أمينة بأنها تعاني مناضطرابات شخصية، وتمتلك القدرة التي تمكنها من الانتقال من أحد جوانب الموقف الىجانب آخر، وهو ما يعرف في علم النفس باسم الاتجاه المجرد ABSTRACT ATTITUDE،وتتنامى لديها أعراض الكآبة نتيجة لومها الدائم لنفسها، باعتبار أن ما حدث لزوجهاكانت هي السبب فيه، وعندما تزداد الأعراض حدة تصبح أكثر اكتئاباً وتخوفاً، مما ينميمشاعر "الاتهام بالذات" S ELF CONDEMINATION - لديها – والمريض في هذه الحالة فييأس خطير لأنه مهموم بالماضي، ويحس أن لا أمل ألبتة في المستقبل بسبب الفعلة التيارتكبها. هذه المشاعر القلقة المحملة باليأس والبؤس، عادة ما تعتصر المريض، وقدتقوى عنده نزوة الانتحار. وأشار التقرير الى أن حالة أمينة هذه لا ينصح فيها بعلاجالعقاقير، حيث لن تنتظر التحسن طوال مدة العلاج، بقدر ما تشعر بالتحسن والهدوء فيعملها بالموساد. ففي ذلك إقناع لها على أن ما تؤديه من عمل، يمثل لديها قمة الثأرلما ارتكبته بحق موشيه. وبناء عليه . . رأى فريق من خبراء الموساد أن أمينة، ربماتشعر بالزهو E LATION في عملها، فتتخلى عن حذرها وتنكشف. لكن الأغلبية رأت أنهاجديرة بالعمل في بيروت، ومع حصولها على دورات تدريبية مكثفة، ستكون أكثر حذراً. . وإقبالاً . . وشغفاً. وانتهى الاجتماع بالموافقة على عودتها للبنان، وذل بعد موافقةريفي رامير رئيس الموساد. هكذا تحدد لها أن تستمر وتواصل توغلها بين القياداتالفلسطينية، وجاءوا بها الى المبنى المركزي حيث جلس اليها أحد كبار الرسامين، ومنخلال وصفها لعلي حسن سلامة، استطاع أن يرسم صوراً تقريبية له. وتعهد بها اثنان منالضباط الخبراء، أحدهما تولى تدريبها على استعمال أحدث ما ابتكره العلم في مجالأجهزة اللاسلكي. وتقرر لها بث رسائلها مرتين أسبوعياً يومي الخميس والاثنين، وتلقيالرسائل من تل أبيب كل ثلاثاء في الحادية عشرة ودقيقتين مساء. كانت أمينة طوال فترةتدريبها المكثفة في حالة سعادة غامرة. فهي ستزداد خبرة تمكنها من إجادة عملها،وبالتالي يكون انتقامها عظيماً فتستريح نفسها ويهدأ بالها.
وفي الثالث من أكتوبر 1973 غادرت تل أبيب الى فيينا، حيث تسلم منهاعميل الموساد جواز سفرها الإسرائيلي، وسلمها الجواز الأردني مع تذكرة سفر الى بيروتفجر اليوم التالي. هذه المرة. . عندما دخلت شقتها في فيينا لتمكث بها عدة ساعات،لاحظت أن ابتسامة موشيه لازالت مرتسمة كما هي. بل كانت نظراته أكثر بهجةواطمئناناً. وقبلما تغادر شقتها الى المطار بثوان.. انتفضت فجأة عندما دق جرسالتليفون، وتسمرت مكانها للحظة.. ثم اتجهت صوب الكابل فنزعته.. وانطلقت في شوقللعمل .. للثأر. تحمل بين أمتعتها جهز راديو يحمل ماركة عالمية معروفة، هو بالأصلجهاز لاسلكي أكثر تطوراً ولا يمكن اكتشافه. وبحقيبة يدها كانت تحتفظ بالمصحف الشريف . . وقد نزعت عدة صفحات منه واستبدلت بصفحات أخرى تحمل الشفرة.
نفيه شالوم
وما إن خطت أمينة عدة خطوات بمطار بيروت الدولي، متجهة الى حيث يتحركالسير بحقائب الركاب، حتى صدمت بشدة لمشهد شاب يقتاده رجال الأمن. وبينما تتابعالمشهد . . فوجئت بيد قوية تربت على كتفها من الخلف. فصدرت عنها صرخة مكتومة هلوعة،وسقطت في الحال حقيبة يدها على الأرض. وأوشكت هي على السقوط. لكنها بكل ما تملك منقوة - تماسكت .. واستدارت لتصطدم بوجه صديقها مارون الحايك، تغطي وجهه نظارتهالشمسية السوداء. . وينسدل شعره اللامع لقرب كتفيه. تنفست الصعداء . . وودت لو أنتصفعه بقوة . . وتظل هكذا تصفعه حتى ينقشع الخوف الذي حل بأعماقها من جديد، وأعادهاالى تلك الحالة الأولى التي غادرت بسببها بيروت الىتل أبيب. وفي بشاشة مصطنعةسألته.
أوه . . أيها الماكر . . أكنت معي على اللوفتهانزا قادماً من فيينا . .؟
خلع نظارته مبتسماً وهو يضغط على كفها ضغطاً ذا مغزى وأجاب: بحثت عنك كثيراً في بيروتفلم أجدك . . وكنت أمني نفسي بأن نمضي معاً أسبوعاً خيالياً في نيقوسيا.
نيقوسيا . .؟ نطقتها وقد كست وجهها بالدهشة.
سألت عنكمانويل وخديجة وحارس البناية . .
ضاربة صدره بيديها وقد افتعلت التحسر: مجنون . . مجنون . . (!!) لماذا لم تخبرنيقبلها بوقت كاف. .؟ كم كنت مشوقة لرحلة كهذه معك.
غمز بطرف عينيه ضاحكاً وقال: سنتدبر الأمر عما قريب أيتها الأنثى الشقية. أنظري .. ها هي حقائبي وصلت الآن.
ولأن لبنان بلد سياحي حر . . فأمور التفتيش في المطارات والموانيشكلية جداً. ولا تخضع لرقابة صارمة كما في سائر البلاد العربية، على اعتبار انالتدقيق الزائد يسيىء الى السواح .. الذين هم عماد الاقتصاد وأحد أسباب الرخاء. لذلك . . لم ينتبه رجال الجمارك لجهاز اللاسلكي المدسوس بحقيبة أمينة. فبيروت كانتفي تلك الفترة في أوج انفتاحها. . وسوقاً رائجة لتجارة السلاح . . والمخدرات. . والرقيق الأبيض . . والجواسيس.
وفي الساعات الأولى من صباح 6 أكتوبر 1973، أطلقت أمينة أولى إشاراتالبث اللاسلكي الى تل أبيب: (آر. كيو. أر. وصلت بسلام. الأمير الأحمر في أوروبا. تعرفت بضابط فلسطيني يدعى أبو ناصر. وعدني مارون بأن يأخذني معه الى مبنى الهاتفالمركزي. غادر جورج حبش الى تونس سراً. رجاله يقاتلون سبعة من رجال حواتمة. أبوعمار بالبيت مصاباً بالبرد. شحنة أدوية وصلت سراً من رومانيا للقيادة. يوجد نقصكبير في الأنتي بيوتكس. تحياتي. نفيه شالوم "واحة السلام").
استقبلت الموساد رسالة أمينة بشيء من الاطمئنان والفرح. فالرسالةكانت واضحة الشفرة بلا أخطاء. والأخبار التي حوتها هامة جداً استدعت دخولها الىغرفة التحليل والمتابعة على الفور. وسرعان ما تسلمت أمينة أول رسالة بثت اليها منإسرائيل: (تهانينا بالوصول. اهتمي بتحركات الأمير. أبو ناصر خبيث جداً فاحذريه. لاتهتمي بمارون الآن. من يطبب أبو عمار "عرفات". ماذا ببطن الباخرة كيفين في صيدا. نريد معلومات عن مخازن الأسلحة بمخيم البداوي في طرابلس. ومراكز التدريب الجديدة فيقلعة شقيف).. وبينما تهيأت العميلة الاسرائيلية للتحرك . . مدفوعة بشوق جارف الىالعمل. انطلقت شرارة الحرب وعبر المصريون خط بارليف المنيع، وعمت مظاهرات الفرحبيروت. وكما بكى رأفت الهجاء بكاءً مراً في إسرائيل إثر هزيمة 1967، انهارت أمينةالمفتي في 1973. تناقض عجيب بين الحالين. فتلك هي النفس البشرية في اندفاع الوطنية – أو الخيانة، الحب الجارف – أو الكره المقيت.
الحية الشوهاء
نشطت أمينة المفتي في عملها التطوعي كطبيبة عربية تجوب أنحاء لبنان،وجاسوسة إسرائيلية تمد الموساد بالمعلومات الحيوية عن تحركات الفدائيين في الجنوب،الذين شحنتهم انتصارات الجيوش العربية فازدادوا استبسالاً وضراوة. وعاد علي حسنسلامة من أوروبا لترتيب خطط العمليات الجديدة. فالعدو فقد السيطرة على نفسه . . وعلى اتزانه . . والضربات القوية تترك آثارها بوضوح على وجهه المشوه.
هكذا انطلق رجال المقاومة في الجنوب اللبناني يضربون في العمقالاسرائيلي بلا كلل . . واستدعى ذلك من أمينة أن تترك بيروت الى صور. . ومعها جهازاللاسلكي الخطير، حيث عكفت على بث رسائلها يومياً. . والتي وصلت في أحيان كثيرة الىخمس رسائل مهددة حياتها للخطر. واضطرت الموساد أمام سيل رسائلها الى فتح جهازالاستقبال على التردد المتفق عليه، لساعات طويلة على مدار اليوم.
هكذا كانت أمينة المفتي تنتقم . وتفرغ شحنات غضبها في رسائل يوميةمبثوثة قد تعرضها للانكشاف والسقوط. لكنها لم تكن تستمع لنداءات الخوف أبداً. إذاندفعت بجرأة أكثر، وحملت جهاز اللاسلكي في جولة لها بمنطقة بنت جبيل على مسافةخمسة كيلو مترات من الحدود الإسرائيلية، هناك فوجئت ببعض زعماء الجبهات الفلسطينية،برفقة أبو إياد (1) يتفقدون جبهة القتال ويصيحون في الجنود فيثيرون حماستهم. لحظتها .. تملكها الحقد والغضب .. وبمنتهى الجرأة اختلت بنفسها داخل أحد الكهوف.. وبثترسالة عاجلة الى الموساد . (أي. كيو. أر. عاجل جداً وهام. أبو إياد وقيادات الجبهاتفي بنت جبيل. موقعهم مائة وخمسون متراً شرق القبة العلوية بجوار فنطاس المياه بينشجرتي الصنوبر. اضربوا الموقع كله ودمروا السيارات الجيب والليموزين. سأكون على بعدمعقول منهم. سأفتح الجهاز لأربعة دقائق. نفيه شالوم).
وجاءها الرد قبل ثوان من انتهاء المهلة: (ابتعدي عن الرتل وانبطحيأرضاً عند ظهور الطائرات). أغلقت أمينة الجهاز بعدما ترجمت الرسالة. واستعدت لتشهدبنفسها المجزرة. لكن يا لحظها السيء.. لقد لعب القدر لعبته وتحرك رتل السياراتباتجاه الشمال. بينما وقفت عميلة الموساد تتحسر .. وتقلب عينيها في السماء بانتظارالطائرات. خمس دقائق تمر.. عشر دقائق.. عشرون دقيقة. لم تستطع الصبر ففتحت جهازاللاسلكي وهي تلعن الانتظار وبثت رسالتها (آر.كيو.آر. تحرك الهدف الى الشمال طريقتبنين منذ 21 دقيقة. سيارة أبو إياد سوبارو سوداء. نفيه شالوم) وما إن بثت رسالتهاوأغلقت الجهاز، حتى لمحت طائرتي ميراج تطلقان صواريخ السيد وندر، والقنابل زنةالألف رطل. ورأتهما ترتفعان الى عنان السماء ثم عادتا للانقضاض من جديد وهذه المرةبفتح خزانات النابالم الحارقة. كل ذلك وهي ما تزال بالكهف ترقب تناثر الأجسادالبشرية كالشظايا في الهواء، فيصدر عنها فحيحاً رهيباً كحية شوهاء، وتضحك فيهستيريا مجنونة مشبعة بالحسرة والشماتة. حسرة انعتاق أبو إياد ورفاقه، وشماتةالهزيمة لبضع جنود امتزجوا بالتراب والدم والسلاح.
عدل سابقا من قبل الامير الاحمر في الإثنين 7 يوليو 2008 - 19:02 عدل 1 مرات
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:55
هكذا حملت أمينة جهاز اللاسلكي بحقيبتها في تجوالها بالجنوباللبناني، طوال معركة أكتوبر 1973، متنقلة بين المستشفيات الميدانية والمواقعالعسكرية. . تسعف الجرحى من المصابين بداء وشاياتها. . وتستمد من الحقد جرأتهاوقوتها. وكانت بذلك أول جاسوس للموساد يعمل بجرأة اسطورية داخل بلد عربي. لم يفعلهاإيلي كوهين الذي زرع في سوريا قبلها بسنوات قليلة، وكان مرشحاً لمنصب نائب رئيسالجمهورية السورية، برغم تجواله بين شتى الوحدات العسكرية والقواعد السرية فيالجولان، وإقامته المطولة بمنطقة الجبهة، بل إنه برغم حجم الثقة في نفسه، لم يحملأبداً جهاز اللاسلكي خارج المنزل. كان فقط يبث رسائله بشكل يومي الى الموساد. لميفعلها أيضاً المقدم فاروق ابراهيم الفقي، الضابط المخابراتي العسكري المصري الذيجندته هبة سليم، وتسبب في تدمير كل قاعدة عسكرية جديدة كان يتم بناؤها بمنطقةالقناة.
إذا كان يحتفظ بجهاز اللاسلكي بمنزله، ويبث للموساد أولاً بأول عنمواقع الصوراريخ والرادارات، والمطارات، لم تفعلها انشراح التي أنقذها السادات منالإعدام أيام كامب دايفيد، وكانت تجوب منطقة القناة مع زوجها وأولادها كل يوم بحثاًعن الجديد. كانت أمينة المفتي أجرأهم جميعاً قلباً وأعصاباً. مدفوعة برغبة مجنونةفي الانتقام والثأر، لا برغبة المغامرة.
تقولأمينة في مذكراتها التي بلغت صفحاتها ستمائة صفحة:
(منذ حملت معي جهاز اللاسلكي لأول مرة الى الجنوب، وشاهدت بنفسي هجومالميراج الإسرائيلي على الموقع الفلسطيني، بغرض تدميره وتصفية أبو إياد وأعوانه،وقد تملكني إحساس رائع بعملي. . إحساس بالزهو وجدت فيه لذة كبرى تفوق كل لذة. ومنذتلك الحادثة في 11 أكتوبر 1973، وأنا أحمل الجهاز الصغير بحقيبتي، بجواره المصحف ذيالجراب والشفرة. كنت أكتب رسالتي أولاً على ورقة منزوعة من بلوك نوت، ثم أقفبسيارتي في مكان أطمئن فيه من العابرين، وأسحب هوائي الجهاز وأقوم بالبث لدقائق. أحياناً كثيرة كنت أبث الرسالة الواحدة مرتين للتأكيد، وأحرق الورقة وأعاود القيادةالى مكان آخر. وبفضل تصريح المرور الموثق، الذي وقعه عرفات شخصياً، كنت أجوب بأمانشتى المواقع العسكرية الفلسطينية في الجنوب. وأطلع بنفسي على أنواع الأسلحة وكمياتالذخائر بالمخازن، ومعسكرات التدريب السرية. لقد حالفني الحظ كثيراً عندما وثق بيالقادة الفلسطينيون، لأنني كنت أبدو متحمسة جداً لقضيتهم، وحقهم في الكفاح لاستردادالأرض المغتصبة. للدرجة التي دعت أبو إياد لأن يطلب مني إلقاء خطبة حماسية فيالجنود المعسكرين بالقرب من مخيم البرج الشمالي في الجنوب من صور. يومئذ . . ألقيتخطبة رائعة . . تتدفق منها الوطنية ومعاني العروبة. لقد أجدت تماماً عندما صعّدت منانفعالي فبكيت .. بكيت وأنا أصف مشاهد القتل والقصف والانكساب على وجوه الأطفالاليتامى، بكيت حقيقة وأنا أحثهم على الانتقام والثأر والكفاح . . وما كنت أبكي إلالفقد موشيه الحبيب . . وبرودة الحياة من حولي بدونه. والثورة المصطحبة بالغضب فيأوردتي وشراييني. . ونبضي . . ضد هؤلاء الأوغاد الذين أذلوني . . وأترعوني كئوسالوحدة . . والصمت . . والعدم . كان انفعالي مثالياً، ظن الجنود والقادة أنه إيمانمني بقضيتهم . . فبكوا . . وعندما بحثت عن منديل بحقيبتي اصطدمت يدي بجهاز اللاسلكيالمغلق. . !!).
قانون العنف
انتهت حرب أكتوبر 1973 بوقف إطلاق النار، إثر مفاوضات شرسة ورحلاتمكوكية قام بها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي. وانعقد مؤتمر القمة العربي فيالجزائر، وتم التوصل الى صيغة رسمية تقدم بها السادات كانت مفاجئة للجميع، وهي أنمنظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وموافقة مصروسوريا – دولتا المواجهة - على قرار مجلس الأمن رقم 328 الذي ينص على عودة السلامالدائم والعادل في الشرق الأوسط. ولم يرتح الجناح العسكري لمنظمة التحريرالفلسطينية لذلك على الإطلاق. وأقرت المنظمة مواصلة الكفاح المسلح بناء على رغبة "الثورة الفلسطينية". وفي 25 نوفمبر بدأ أول عمل فدائي فلسطيني، حيث تم اختطافطائرة جامبو نفاثة تابعة للخطوط الجوية الهولندية KLM، كانت في طريقها من بيروت الىطوكيو مروراً بنيودلهي. تحمل على متنها 244 راكباً وثلاثة من الفدائيين الفلسطينيينالذين طالبوا بإطلاق سراح سبعة من زملائهم في قبرص، وألا تمنح هولندا تراخيص مرورلليهود السوفييت الذين في طريقهم لإسرائيل، ووعدت الشركة KLM - بألا تنقل سلاحاًلإسرائيل وانتصر الفدائيون انتصاراً مذهلاً، وتكررت عملية اختطاف طائرة أخرى لنفسالشركة بعدها بأيام. وفي 17 ديسمبر 1973 في مطار روما أطلق عدد من الفدائيين نيرانمدافعهم الكلاشينكوف بصورة جنونية داخل صالة المطار المزدحمة. ويختطفون طائرة 707تابعة لشركة بان أمريكان كانت راسية على الممر، وفجروا قنابلهم الفوسفورية بالطائرةفاحترق عدد كبير من الركاب، ثم جرى الفدائيون ومعهم بعض الرهائن واختطفوا إحدىطائرات شركة لوفتهانزا - بوينج 737 - والتي كانت على وشك الاقلاع، وحطت بهم فيأثينا. . وكانت مطالبهم الإفراج عن زملاء لهم من منظمة أيلول الأسود. ومع بداياتالعام الجديد 1974 - شكلت عدة منظمات فلسطينية ما يسمى بجبهة الرفض. وكان المتحدثالرسمي باسم الجبهة هو الدكتور جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية، وبطل عمليات خطفالطائرات الإسرائيلية الأول.
كانت الضغوط شديدة جداً على أمينة المفتي خلال تلك الفترة. فالعملياتالفدائية الفلسطينية أربكت إسرائيل وزعزعت أمنها تماماً. بل وأصيبت بالعدوان غالبيةدول أوروبا المساندة لإسرائيل. فالفلسطينيون أرادوا الإعلان عن وجودهم بشتى الطرق،بما فيها العنف من خطف وتفجير. فالعدو لم يكن يملك سلاحاً أبداً سوى العنف. وإذاكانت إسرائيل اعتمدت العنف قانوناً لها، فالفلسطينيون أيضاً رأوا الحل في ذاتالسلاح. . دون غيره. . وكان لتسارع الأحداث والعمليات الفلسطينية، الأثر البالغ فيانتشار سحب الخوف السوداء فوق رؤوس الاسرائيليين. وفقدت الموساد بذلك خاصية مهمةطالما التصقت بها، وهي أنها حامية الدولة. وسخر الجميع من هيبة الموساد التي سقطت . ومن الدكتور "إبريش فولات" صاحب كتاب "ذراع إسرائيل الطويلة" الذي قال: "إن الموسادأسطورة من الأساطير الخفية، إنها تجعل العدو يرتجف . . وتمنح الاسرائيليين القدرةعلى النوم في هدوء". "لقد انعكس الوضع الآن. . وأصبح الشعب الإسرائيلي كله يرتجفعند سماع أزيز طائرة، أو عند فرقعة إطار سيارة، أو انفجار عادم دراجة بخاريةمسرعة". وانتقل الضغط العصبي الى أمينة المفتي في بيروت . . فالأوامر كثيرةوالمطلوب منها كثير ويفوق الوصف . لذلك اضطرتللانتقال تماماً الى الجنوب اللبناني،واستأجرت شقة بمنطقة الشجرة في صور - على مسافة عشرين كيلو متراً من الحدودالإسرائيلية - اتخذت منها مركز انطلاق لاستكشاف تحركات الفلسطينيين. واتصلت بأبوناصر الضابط الفلسطيني الذي سبق أن حذرتها الموساد منه في أولى رسائل البثاللاسلكية.
لقد استخدمت معه أسلوب "الإثارة". وهو أسلوب يدفع المرء لأن يخرج ماعنده دون أن يطلب منه ذلك. واستطاعت أن تدفعه دفعاً لأن يفصح عن عملية فدائية ستتمفي اليوم التالي داخل الأراضي الاسرائيلية.
صرخت وهي متهللة بالفرح: كيف؟ . . إنكم لشجعان حقاً عندما تنقلونعملياتكم الى قلب الدولة اليهودية . . لكن . . في ذلك خطر جسيم على رجالكم. أجابهامزهواً بأن كل شيء معد، وتم التخطيط لكل احتمالات الطقس بدقة متناهية. حاولت أنتعرف مكان الهجوم وكيفية التسلل، لكن الضباط الفلسطيني الحذر لم يتفوه بأكثر منذلك.
ولم تلح هي فربما يتشكك بها. وبثت رسالتها في الليل الهادئ الىالموساد: (آر. كيو. أر. عملية فدائية ستنفذ غداً داخل الأراضي الاسرائيلية. التسللبطريق البحر. نفيه شالوم).
وفي اليوم التالي - 11 من أبريل 1974 - اقتحمت وحدة من رجالالكوماندوز مدينة كريات شمونة الاسرائيلية، وفتحوا نيران مدافعهم بكثافة فقتلواثمانية عشر إسرائيلياً وأصابوا أكثر من 48 بجروح، وصرح مسؤول فلسطيني: أن هذه ما هيإلا بداية حملة للقوى الثورية داخل إسرائيل، لإعاقة الحل السلمي العربي. كانتمفاجأة مؤلمة لأمينة وللموساد معاً. فالعملية الفدائية كانت ضربة شديدة في رأسإسرائيل. وتخوفت العميلة من أبو ناصر الخبيث الذي ضللها. . فاتصلت به لتهنئه بنجاحالعملية، وتلح عليه في الإكثار من مثلها. فطمأنها بأن هناك عمليات قادمة ستكون أكبر . . وأشرس.
وظلت تطارده مستخدمة أسلوبها في الإثارة الى أن نجحت في دعوته لقضاءسهرة ببيتها. وهيأت له نفسها وأنواعاً عديدة من الخمر، حتى إذا ما تمكن السكر منهانطلق لسانه متباهياً بعبقريته العسكرية . . وكيف أنه جهز فريقاً من أكفأ رجالالكوماندوز، للتسلل الى داخل الحدود الاسرائيلية، لضرب مدينة نهاريا الساحليةبالصواريخ. التقطت أمينة الخبر دون تعليق. وكل ما فكرت فيه لحظتئذ هو كيف تحتويهأكثر وأكثر فيزداد انطلاقاً. . وجوعاً. . فتتبعثر منه الأسرار وتندفع بعنف كالشلال. وما كان بيدها إلا أن تمثل دور العشيقة القلقة. واستحضار نبرة الدفء المصطنعةوالمشوبة بالخوف. لكنه . . وهو الغارق حتى نهايته في بحور اللذة . . لم تنفك عقدانطلاقه كلها فيعلن عن خباياه. . أو عملياته المرتقبة بالتفصيل. فكان حديثه المتقطعغامضاً.. مبهماً.. يفتقر الى معلومة واحدة مؤكدة.
هكذا تعلم أبو ناصر وتدرب في المخابرات العسكرية . . وأجاد الاحتماءبالحس الأمني العالي حتى في أقصى حالات ضعفه الانساني. واستشاطت العميلة غضباً. . فالخبر هكذا يبدو ناقصاً جداً ومبتوراً وهي لم تعتد على ذلك. فقد اعتادت جلبالمعلومات والأسرار من مصادرها بدقة. لكنها صادفت رجلاً محصناً. . منيعاً . . يبخلبالكلام والكشف عن عمله. لذلك . . ما إن غط في نوم عميق حتى قامت الى حيث ملابسه فيحذر بالغ . . وفتشت جيوبه حريصة على ترتيب محتوياتها. فمثل هذا الرجل الدقيق فيعمله، يكون دقيقاً أيضاً في ترتيب مكتبه وملفاته. . وما بداخل جيوبه. وبينما تقلبأوراق محفظته الجلدية، استوقفتها وريقة كتب بها عدة كلمات مرعبة، أخرجتها عن حرصهافصدرت عنها صرخة سرعان ما حبستها بحلقومها . . وارتعشت يدها غصباً عنها وهي تكتب ماقرأته بورقة أخرى دستها بمخبأ سري داخل حذائها. وتمددت الى جوار النائم المكدود . . تردد كلمات الوريقة في أعماقها: "تل أبيب من 9 الى 25 مايو / 500 كيلو TNT / شبلفور، ش كيديم / ش أرليخ وأكليتوس / ثم اليركون ورعنان / عدد "5" فرق 17 فولكسسوبار وشفر / يافا".
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:56
اليوم المرير
وفي مبنى الموساد . . كانت الوجوه مرهقة . . خائفة . . متوترة. فالعمليات الفدائية اشتدت وطأتها . . والمعومات المتاحة بعيدة عن التفاصيل. ومنذصدرت الأوامر لأمينة باستدراج أبو ناصر بحرص، كانت رسائلها تجيء مشوهة . . بخيلة . كأنما يتعمد الضابط الفلسطيني ذلك، وهو ما يعني أن العميلة وقعت تحت بؤرة الشك . . أو أنها انكشفت فعلاً . فخبر التسلل الأخير عبر البحر كان حقيقياً من حيث التوقيت. . لا المكان. أما خبر عملية تل أبيب . . فكان أكثر شكاً . . وغموضاً. . ورعباً. بلهو الرعب نفسه . . والدمار كله لإسرائيل.
هكذا يمر الوقت ثميناً. . يحمل بين دقاته انفجارات الموت البطيء. ورجال الموساد يقلبون الأمر في ارتباك، ويخضعونه للتحليل الدقيق. لكنهم عجزوا عنالوقوف على إجابات مقنعة. . وحاصرتهم تساؤلات محيرة أزادتهم إرهاقاً. . وجنوناً. . وإمعاناً في مزيد من الحرص . . صدرت الأوامر لأمينة بمغادرة صور الى بيروت فوراً. والتوقف نهائياً عن جلب المعلومات أو بث الرسائل. لكن العميلة الغاضبة العنيدة . . بثت رسالة اليهم قلبت الموازين كلها . . وأذهبت بعقول الكبار قبل الصغار فيالموساد. إذ زفت اليهم أمينة خبراً عن تسلل سبعة فدائيين في غبش الفجر، يحملونأسلحة الـ آر.بي.جيه، ومدافع الكلاشينكوف القاذفة، والقنابل الهنغارية، وكميات منعجائن المتفجرات، بقصد تفجير مستعمرة جيشر هازيف (على بعد ستة كيلومترات شمالينهاريا) بمناسبة عيد إسرائيل القومي. فانطلقت قوات الأمن تطوق المستعمرة، وانتشرتنقاط التفتيش بكل الطرق، ومع أولى تباشير الخامس عشر من مايو 1974، كانت المعركةالشرسة قد بدأت، ولكن بمنطقة أخرى أبعد عن تصورهم . . وتوقعهم.
وكانت العملية هذه المرة في قرية معالوت. حيث حاصر الفدائيون السبعةالقرية، وأمطروها بوابل من قذائفهم الصاروخية، وسيطروا تماماً على سكانها والطرقالمؤدية اليها، كما دمروا عدة سيارات عسكرية حاولت الالتفاف لعزلهم عن القرية. وبعدستة ساعات ونصف أسفرت المعركة عن إصابة 117 إسرائيلياً بينهم 25 قتيلاً . . ووقفتجولدا مائير أمام كاميرات التليفزيون في الكنيست وهي تكفكف دموعها وتقول:
"اليوم . . عيد ميلاد دولتنا الخامس والعشرين . . وقد أحالهالإرهابيون الى يوم مرير بالنسبة لإسرائيل".
لم تنصت أمينة المفتي لأوامر رؤسائها في الموساد بالتوقف - مؤقتاً – عن العمل. فما كان ذلك إلا لأجل حمايتها، لكنها كانت ككتلة الثلج التي ذاب ماحولها، فهوت مندفعة لا يجرؤ إنسان على إيقافها . . أو التصدي لها. كانت تحمل روحهاعلى كفها. ولا تهتم بالخطر أو تحسب له حساباً. وفي لحظة . . استجمعت جرأتها في عنف . . وطلبت من مارون الحايك أن يزورها بشقتها في بيروت. فأسرع اليها يمني نفسهبوليمة فسق مثيرة، لكنه ما إن دلف الى الصالون، حتى وقف مذهولاً . . وقد تجمدتالدماء في عروقه . . وتعلقت عيناه الجاحظتان بنجمة داوود الزرقاء على الحائط.
تلفت الرجل الهلع حواليه وهو يرتعد: ماذا تريدين مني . . ؟
بدأناالمشوار معاً . . ولا بد أن نكمله معاً حتى النهاية.
مشوار . . ؟ معاً. . ؟ أنا لم أبدأ . . أنا لا أعرف . . أنا . . أنا . .
لا تكنمراوغاً أنها النتن، فأنت تعلم جيداً أنك تعمل معي لصالح الموساد. وحياتك وحياةاسرتك رهن إشارة واحدة مني.
يا يسوع . . انقذني . . خلصني. .
وبينما جسده ينتفض كالطير المذبوح . . كانت تنثر أمامه عشرات الصورالتي تجمعهما معاً في أوضاع فاضحة، وتفتح جهاز التسجيل ليجيء صوته وهو يدلي بأرقامالتليفونات السرية للقادة الفلسطينيين، فاقشعر بدنه وتصبب عرقاً. . وقال خاضعاً فيصوت يسيل منه الرعب:
وماذابيدي يا سيدتي . . ؟
الموسادتريد منك تعاوناً أكثر.
كيف . .؟
سأعرّفك.
أن لاأفهم بالسياسة.
ولكنكتحب الخمر والجنس والمال.
أنا غبي . . تعس.
ستدفع لكالموساد مائتين وخمسين ليرة كل شهر.
أرجوكسيدتي . . الموساد . .؟
كلب مثلكيجب أن يكون وفياً لأسياده.
انفتح على حين فجأة باب إحدى الغرف . . فالتفت مارون وهو يرتعد . . وصدر عنه صرخة تفيض هلعاً عندما رأى ثلاثة رجال ذوي نظارات سوداء ووجوه جامدة . . كانوا وقفوا متجاورين وأيديهم الى الخلف كالتماثيل. مرت ثوان كالدهر لم ينطق أحدهمبكلمة . . بينما مارون يتمتم بما يشبه البكاء.
ماذاتقول يا مارون . .؟ قالت أمينة بلهجة كالأمر.
ماذاتريدون مني؟
أتكرهإسرائيل؟
أنا لاأكره أحداً . . لا . . لا .. بل أكره عرفات . . نعم . . أكره عرفات ورئيسي في العمل . . ماذا تريدون؟
أولاً . . وقّع هنا . . إنه إقرار بالصداقة والتعاون.
تناول مارون الورقة وأراد قراءتها . . لكنها صرخت فيه بعنف، وقدانتهزت فرصة وقوعه تحت السيطرة والشلل العقلي الفجائي الذي أصابه، صفعته بشدة علىوجهه والشرر يتطاير من عينيها، فتملكه الفزع وقفز واقفاً يتحسس وجهه، فأطبقت على كلما بقي لديه من إدراك وهي تهدده بأن فريقاً من الموساد يحاصر بنته . . ورصاصالفلسطينيين يتهدد صدره، وبحسم صرخت فيه أن يوقّع . . فوقّع على الورقة والقلميرتعش كالبندول بين أصابعه . وأردفت:
أريدزيارة الغرفة السرية بالسنترال المركزي التي حدثتني عنها. وسوف أقوم بالتناوب – أناوأنت – بتسجيل المكالمات بين القيادات الفلسطينية ..!!
تسجيل . .؟
نعم. . ألم تسمع أيها الغبي عن العمليات الفدائية داخل إسرائيل. . ؟
أنا لاأقرأ في السياسة . .
ولن تقرأعلى قبرك: "طوبى للذي تختاره يا رب". بإمكانيالتنصت أثناء نوبات عملي ولكن . . ستتعلم جيداً كيف تسجل المكالمات أنت ومانويلعساف.
مانويل . .؟
ألا تكفيمائة ليرة؟
مائةليرة . . ؟
هو يبيعامرأته بليرة.
. . . . . .
هذهمهمتك أنت . . ولا دخل لي بها.
كان المسكين كالفأر المذعور الذي وقع في المصيدة، سنوات طويلة منحياته مرت به وهو يستمرئ المغامرة ويستلذ اصطياد الفرائس. ولم يتوقع يوماً أن تجيءلحظة ينقلب فيها حاله، ويصبح هو الفريسة المرتجفة، بين يدي امرأة كانت الى عهد قريبناعمة . . مثيرة . . رقيقة . . انقلبت فجأة الى وحش مسعور، تنبعث رائحة الموت فيلفتاتها . . ويسمع له وقع في صوتها الشيطاني الرهيب.
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
أسفرت عملية تجنيد مارون الحايك عن فائدة عظيمة لإسرائيل . . إذ أنالتجسس المستمر على مكالمات القادة وزعماء الجبهات الفلسطينية، كشف نواياهم تجاهالدولة العبرية، وخططهم الفدائية للضرب داخل الأراضي المحتلة. ولم تكن الأحاديثالتليفونية المتداولة من خلال التليفونات السرية أحاديثاً مكشوفة تماماً، يستطيعالمتنتصت عليها إدراك مضامينها بسهولة، إنما اعتمدت على أسلوب التمويه والشفرةالكلامية التي تتطلب مهارة عبقرية لفهمها. وثقة في اللبنانيين، كان زعماء الجبهاتأحياناً كثيرة ينسون أنفسهم ويتحدثون علانية فيما بينهم صراحة، أو مع مساعديهم ظناًمنهم - وهذا خطأ كبير - أن التجسس على محادثاتهم أمر مستحيل. فالدوائر التليفونيةالمغلقة كانت محددة بكل منظمة، والاتصال بالمنظمات الأخرى في بيروت نفسها يتمبواسطة خطوط شبكة المدينة. وكذا الاتصال بخارج المدينة، وكانت السرية خاضعة للخدشعن طريق زرع أجهزة التنصت . . أو استراق السمع بأسلوب مارون الحايك، من خلال الغرفةالسرية التي أقامتها الميليشيا المسيحية في لبنان للتجسس على المسلمين . . وعلىالفلسطينيين أيضاً الذين اتخذوا من حي الفكهاني مقراً لهم، فكان بمثابة عاصمةفلسطينية وسط بيروت وجنوبها. فبالحي الذي يقع بالقرب من مخيمي صبرا وشاتيلا، أعدتمنظمة التحرير مكاتبها بطريقة عشوائية حول مبنى جامعة الدول العربية. وأقام قادتهافي مبان مجهولة تحت حراسات مشددة. فالمنظمة التي أسسها عرفات - خريج هندسة القاهرة 1956 - أكثر من مجرد مقاومة شعبية . . بل جيش مسلح مدرب، يتربص بإسرائيل لضربها فيالأعماق.كانت أمينة المفتي تدرك ذلك جيداً . . وترى بنفسها الرقابة القويةالصارمة التي تفرضها كبرى المنظمات الفلسطينية - فتح - على منشآتها في حي الفكهاني. . والحراسة المكثفة التي حول مقر عرفات كلما ذهبت لمقابلته. وعندما اتصل بها مارونالحايك قبل الفجر بقليل، فتحت على الفور جهاز اللاسلكي صباح يوم 23 مايو 1974، وبثتالى الموساد رسالتها الخطيرة: (آر. كيو. آر. بعد 37 دقيقة من الآن - سيهاجم ثمانيةمن الفدائيين المتسللين مستعمرة زرعيت . . تسليحهم رشاشات كلاشن وقنابل 57 ملم/ م.د. نفيه شالوم) وبالفعل . . صدقت المعلومة تماماً . . وأطبق الاسرائيليون علىالفدائيين الثمانية، فقتلوا ستة منهم وأسروا اثنين. وعندما كانت أمينة المفتي تتجسسبنفسها على مكالمات القادة الفلسطينيين، اقتحمت الخط السري الخاص بمكتب جورج حبش (1). لاحظت بعد عدة مكالمات له، أن هناك ترتيبات عسكرية يتم إعدادها بشكل سري، حتىانفجر الحوار ساخناً جداً بينه وبين أحد مساعديه في صيدا. حيث بدا جورج حبش منفعلاًأشد الانفعال، وهو يأمر مساعده بإتمام العملية يوم 13 يونيو. وفي غمرة انفعاله نطقاسم كيبوتز شامير (2) سهواً. لم تهمل عميلة الموساد الأمر. وأبلغت رؤسائها علىالفور بما سمعته. وبعد ثلاثة أيام كان هناك خمسة من الفدائيين القتلى على مشارفقرية كيبوتز شامير، بوغتوا قبلما يستعملوا رشاشاتهم الآلية. وفي 27 يونيو 1974 - لقى ثلاثة فدائيين آخرين مصرعهم، بعدما قتلوا أربعة من الجنود الإسرائيليين فينهاريا.
لقد كانت الطائرات الاسرائيلية ترد بوحشية إثر كل عملية فدائية. فتدكالمواقع الفلسطينية في الجنوب، من معسكرات ومخيمات ومحطات تموين ومراقبة. وتضرب كلما هو فلسطيني على أرض لبنان. وكانت المعلومات التي أمدت بها أمينة الموساد، تلكالتي تكشفتها من خلال غرفة السنترال السرية، هي بلا شك معلومات حيوية للغاية، لاتحتمل التأويل أو الشك. . تجيء عبر أحاديث صاعنعي القرار أنفسهم . . من أعلىمستويات القيادة الفلسطينية. إنها سلسلة طويلة من التبليغات التي أودت بحياةالعشرات من الشباب الفدائي المكافح أشعرت أمينة بأهمية دورها . . وقوة مركزها، دونإحساس ولو ضئيل بالندم . . بل ازدياد مستمر في حدة الغضب . . لضراوة الثأر لفقدزوجها الحبيب موشيه.
الأصدقاء الجدد
كانت الحكومة الاسرائيلية مصممة على تدمير البنية العسكريةالفلسطينية في جنوب لبنان، وكانت جهودها لمتابعة مصالحها في لبنان تشمل دبلوماسيةسرية. فقد حدث اتصال وثيق بين الموساد وميليشيات لبنان المسيحية - الكتائب - منذذلك العام - 1974 - حين كان الزعماء المسيحيون يخشون فقدان السيطرة التي يتمتعونبها، عندما شكل منافسوهم المسلمون اللبنانيون ائتلافاً مع الفلسطينيين الكثيرين فيلبنان، فزادوا بذلك قوة . . ونفوذاً. وبدأوا يطالبون بنصيب أكبر في الفطيرةالسياسية. لكن السياسيين المسيحيين رفضوا أية إصلاحات في نظام يناسبهم كثيراً (1). من هنا .. تم إقناع زعيمي الميليشيا المسيحية، كميل شمعون وبيار الجميل، بالدخول فياتصالات سرية مع الدولة اليهودية. وقد عقد شمعون - الذي كان رئيس جمهورية سابق،والجميل - وكان وزيراً - محادثات سرية مطولة مع إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل،بغية الحصول على مساعدات عسكرية وتدريبية لميليشيات الكتائب، للوقوف أمام قوةالمسلمين والفلسطينيين.
ومنذ منتصف ذلك العام - 1974 - دعمت الموساد الاتصالات مع الكتائبعلى اعتقاد بأنها ستوفر مزايا هامة لإسرائيل، أهمها إسكات المقاومة الفلسطينية فيجنوب لبنان، والتجسس على الجيش السوري. لذلك .. كانت صفوف طويلة من عملاء الموسادتعمل في لبنان باطمئنان، وبلا خوف من السلطات اللبنانية. لكن الخوف كان منبعه جهازالمخابرات الفلسطيني برئاسة علي حسن سلامة، الذي استطاع بنفسه كشف أكثر من عشرينعميلاً للموساد بين صفوف المقاومة . . أعدمهم بنفسه، وأحاط كل غريب بدوائر منالشكوك والريب.
وقد كان من الطبيعي أن يصبح زعماء الميليشيا المسيحية في لبنانأصدقاء إسرائيل، وذراعها القوية لضرب الفلسطينيين بعد ذلك . . وارتكاب أبشع المذابحبحق الشعب المقهور.
انتهزت أمينة المفتي هذا التقارب اللبناني / الإسرائيلي، وسعت خلفبشير الجميل - ابن بيار - الذي كان محامياً في بلد لا قانون فيها، فجمعت عنه حصيلةهامة من المعلومات أمدت بها الموساد.
وعرف عن بشير أنه جريء . . وماكر . . وإجرامي. فرغم كونه أصغر ستةأبناء لبيار، تقدم بسرعة . . ولم يبد أي تردد في قتل حلفائه المسيحيين - أفرادأسرتي شمعون وفرنجية - حتى أصبح مسؤولاً عن أكبر ميليشيا مسيحية في لبنان.
رأس الحية
وفي الأول من أكتوبر 1974 عندما كانت بغرفة المراقبة السريةبالسنترال، صعقت وهي تستمع الى حوار ساخن بين علي حسن سلامة وأحد مساعديه، وأدركتأنها النهاية المؤكدة للملك حسين. بل ولمؤتمر القمة العربي في الرباط. ولنقرأ معاًما كتبته في مذكراتها عن أحداث ذلك اليوم. تقول أمينة:
(كنت بالغرفة السرية منهمكة في عملي، تمتد أسلاك جهاز التسجيل الىجواري، وعلى كرسيه يقبع خلفي مارون الحايك، تلفح جسدي نيران نظراته برغم هواءالغرفة المكيف اللطيف. كان الغرفة الواسعة ذات بابين، أحدهما مغلق دائماً ولا يفتحإلا بإذن خاص وهو يؤدي الى الممر الرئيسي، أما الباب الآخر فسري ويشكل جزءاً مندولاب حائط كبير، ويتصل بسلم خلفي صاعد. كنت أنصت الى حوار هادئ بين عبد الوهابالكيالي زعيم جبهة التحرير العربية التي ترتبط بحزب البعث العراقي، وأحمد جبريلزعيم جبهة التحرير الشعبية التي نفذت عملية فدائية ناجحة في إسرائيل منذ فترةوجيزة. وأصابني الملل لتفاهة الحوار بينهما، فالتفت الى مارون الذي انتبه اليّوسألته عمن يعرف سر هذه الحجرة المثيرة، فأجابني بأنهم نفر قليل، وإجراءات دخولهاتخضع لتعقيدات وقيود كثيرة. وأنه لولا الأربعين ليرة التي دفعها للحارسالخاصللغرفة، ما استطاعا الدخول أبداً. كان مارون يحدثني بنبرة مليئة بالثقة بما يدل علىأنه قام بعمل بطولي لأجلي، لذلك ترك مقعده واقترب مني مبتسماً، فقبلته . . وأحسستوهو يخاصرني بأنه هدأ كثيراً من ناحيتي .. ويريد مني الكثير فنهرته بلطف، واقتحمتخطوط عرفات وحواتمة وأبو إياد فوجدتها مغلقة. وحينما فكرت في إيقاف جهاز التسجيلطرأة ببالي فكرة التجسس على تليفون سلامة.
لقد كان الوقت قبل منتصف الليل بقليل، وسلامة يتحدث مع أحد رفقائهويدعى أبو نضال (1). ضغطت على زر التسجيل وأحكمت السماعتين فوق أذني وانتبهت للحواربينهما. كان مارون ما يزال ملتصقاً بي من الخلف يثيرني بقبلاته المجنونة حول رقبتي،عندما اقشعر بدني كله وبدأ شعر رأسي كأنه يتصلب . . وينتصب، وأنا أستمع الى سلامةيقول في ثورة (التل (2) وحده لا يكفي . علينا برأس الحية صديق اليهود، ومؤتمرالرباط فرصتنا الأكيدة فلنكن حذرين . . وشجعان . الله معك يا أبو نضال). هناك إذنتخطيط لاغتيال الملك حسين في الرباط . . وتبنت العملية منظمة أيلول الأسود.
وحين نزعت الأسلاك كانت رأسي تدور وتدور يد مارون المثار حول مؤخرتي،فسألته أن يؤمن الطريق لأخرج. وفي شقتي لم أقو على الانتظار لأبدل ملابسي، فأرسلتعلى الفور برسالتي الخطيرة الى الموساد. وبعد ست وثلاثين دقيقة جاءتني رسالة تطلبمني إعادة البث. فأيقنت أن القلق ركب رؤوس القيادة في إسرائيل، خوفاً على صديقهمالعربي الأوحد. . الملك حسين. . ومرت ثلث الساعة إلا دقيقة واحدة، وجاءتني رسالةأخرى تحمل أمراً هو غاية في العجب. . والدهشة. إذ أمرت بالبحث عن وسيلة لدخول شقةعلي حسن سلامة بحجة تطبيب عياله. فحتى تلك اللحظة. . لم أكن أعلم أن لسلامة أولاد . . وزوجة أخرى تمت بصلة قرابى لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني. وقلت في نفسي: أترضىملكة جمال الكون - جورجينا رزق - بدور الزوجة الثانية؟؟ يا لسلامة المحظوظ . . الهانئ . . السعيد. . !!
عدل سابقا من قبل الامير الاحمر في الإثنين 7 يوليو 2008 - 19:02 عدل 1 مرات
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:58
شبكة الأربعة
لم تكن فكرة اغتيال الملك حسين ناشئة من فراغ. فالفلسطينيون رأوا منهأكثر مما تصوروا. . فمنذ عام 1970 وهو مرتبط بعلاقات وثيقة بالإسرائيليين خوفاً علىعرشه. واجتمع بموشي ديان لمرات عديدة في محادثات سرية، في ذلك الوقت كان اللاجئونالفلسطينيون يشكلون نحن نصف سكان مملكته، ويشكلون أيضاً مصدر إزعاج متزايد له،بقيامهم بعمليات فدائية داخل الضفة الغربية انطلاقاً من الأردن، يرد عليهاالإسرائيليون بالمثل، ويضغطون على الملك لوقف تلك العمليات، بتوجيه ضربةللفلسطينيين تفتت قوتهم وقواتهم.
وقد كان . . ومات عشرات الآلاف من الأبرياء فيما سمي بأيلول الأسودعام 1970. وهو الاسم الحركي للفرقة السرية الخاصة التابعة لعرفات، والتي يترأسعملياتها علي حسن سلامة الذي نفذ أولى عملياتها باغتيال وصفي التل، ثم توالتالعمليات في عواصم أوروبا ضد الإسرائيليين. وبعد حرب أكتوبر توصل العرب في الجزائرالى صيغة رسمية وهي أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعبالفلسطيني. وشكل هذا الأمر خلافاً جوهرياً مع الملك حسين، الذي كان يدعي لنفسه هذاالحق. حتى جاء شهر يوليو 1974، ومعه خطوة هامة، عندما اتفق الملك حسين والسادات علىصيغة أخرى تحفظ ماء وجه الملك. وهي أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعيللفلسطينيين، باستثناء الفلسطينيين الذين يعيشون في المملكة الهاشمية. فأثار البيانمنظمة التحرير، وفكر سلامة جدياً في ضرورة التخلص من الملك حسين.
وحالف الحظ الملك، عندما تمكنت السلطات المغربية من إلقاء القبض علىوحدتي كوماندوز فلسطينيتين، وصلتا من أسبانيا لاغتياله، وتم التعتيم على الأمر خاصةوقد حضر عرفات المؤتمر، وحقق نجاحاً كبيراً في الحصول على أكبر دعم عربي لشرعيةمنظمة التحرير. وبموجب مقررات مؤتمر الرباط، أصبحت المنظمة مسؤولة عن وضعالاستراتيجية التي تراها كفيلة باستعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، أي أنالمنظمة مطالبة باتخاذ مواقف محددة وواضحة: هل هي تريد تحرير فلسطين كلها أم جزءمنها تقام عليه الدولة الفلسطينية. . ؟
وفي هذه الحالة . . كيف تستطيع إعداد الوسائل التي تمكنها من الوصولالى هذا الهدف؟. وهل هي تريد الوصول اليها بجهدها الخاص أو بالتنسيق بيناستراتيجيتها والاستراتيجية العربية، وعلى وجه التحديد بين استراتيجيتهاواستراتيجية مصر وسوريا - اللتين تعملان تحت قيادة عسكرية موحدة - باعتبارهما أقوىدول المواجهة في المنظمة. أو هل تريد المنظمة العودة الى قرار التقسيم الصادر عنالأمم المتحدة عام 1948؟ . . أو تريد إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاعغزة؟ . . وفي هذه الحالة . . هل هي مستعدة للاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242 إذاما عدلت الفقرة التي تتحدث عن "اللاجئين الفلسطينيين" الى "الشعب الفلسطيني"؟ . . وفي هذه الحالة . . هل هي مستعدة للذهاب الى مؤتمر جنيف؟ . . وإذا ما قررت الذهابالى جنيف كيف يمكن حل مشكلة اعترافها بالوجود الإسرائيلي في فلسطين؟ . . او باعترافإسرائيل بها؟. . أي الاعترافين يجب أن يسبق الآخر؟ . . عشرات الأسئلة طولبت أمينةالمفتي بالتجسس على أعضاء اللجنة التنفيذية العشرة لتكشف نواياهم. والأعضاء هم خليطلكافة التيارات الفلسطينية، فهناك التيارات اليمينية المتطرفة، واليساريةوالمحايدة، والمتعصبة، بعضهم شيوعيون وآخرون معارضون لهم وللماركسيين، وهناكديموقراطيون و . . و . . الخ.
كل هذه التيارات المختلفة، متفقة فيما بينها على الاستراتيجيةالعامة. فالهدف - هو تحرير فلسطين، وإن كان هناك اختلاف في التكتيك طلب منها أيضاًمعرفة المصادر المالية للمنظمة ومخازن السلاح في سوريا، ورأي القيادة العليا فيمسألة القدس (1) لذلك . . انشغلت أمينة بشكل لم يسبق له مثيل. . وساعدها مارونومانويل في نوبات التنصت على تليفونات القيادات الفلسطينية، بل إنها استطاعت تجنيدصديقتها خديجة زهران التي طُلقت من زوجها اللبناني، فتزوجت بغيره وطلقت منه أيضاً،وسقطت في شبكة أمينة المفتي في أحلك لحظات ضعفها وحاجتها الى النسيان . . والمغامرة. . والثراء. رباعي عجيب انطلق في مهام تجسسية صعبة، لإمداد الموساد بأخطرالمعلومات عن الفلسطينيين الذين كانوا يستشعرون وجود مؤامرات لبنانية لتصفيتهم،وقالوا للبنانيين: إنكم لن تستطيعوا تصفيتنا لأنكم لا تملكون القوة الكافية لذلك. ونحن لا نريد منكم إلا تمهيد الطريق لنا الى فلسطين. والطريق الى فلسطين يمربعينطورة وجونية، وهما منطقتان لبنانيتان مسيحيتان، إحداهما في الجبل والثانية علىالساحل. فتساءل اللبنانيون: ماذا يفعل الفلسطينيون في الجبل وهو يبعد عن طريقفلسطين بأكثر من مائة كيلو متر؟ . . والحقيقة. . أن الطرفين كانا على حق. وتلك كانتمقدمة للحرب الأهلية اللبنانية.
الخطأ المدمر
وفي يوم 22 نوفمبر 1974، دخل ياسر عرفات لأول مرةمبنى الأمم المتحدة في نيويورك، مطالباً بإلغاء دولة إسرائيل، وإقامة دولةديموقراطية تتكون من العقائد الدينية الثلاثة - الاسلام والمسيحية واليهودية، والافليس أمامهم سوى الكفاح المسلح. ويخرج وفد إسرائيل غاضباً ليصرح السفير الاسرائيليبأن عرفات الذي قتل الأطفال اليهود، يحاول أن يقهر الدولة اليهودية بحجة فلسطينالديموقراطية.
وبعد أسبوع من لقاء نيويورك، بثت أمينة المفتي رسالة خطيرة الىالموساد، تتضمن هجوماً فلسطينياً مسلحاً سيتم بعد عدة ساعات على إحدى مدن الشمال. وقبلما تتخذ السلطات الاسرائيلية التدابير الأمنية الكافية كان ثلاثة من فدائيالجبهة الديموقراطية قد هاجموا مدينة بيت شين BET SHEAN انطلاقاً من الأراضيالأردنية على غير المتوقع، وقتلوا أربعة إسرائيليين ثم جزوا رؤوسهم تماماً وكتبوابدمائهم: "فليرحل أبناؤكم قبلما يلقوا مصيرنا. وبعد يومين تسلق أربعة فدائيين سورمطار دبي الدولي، وفتحوا نيران مدافعهم على الطائرة البريطانية التي كانت تتزودبالوقود في طريقها الى كلكتا وسنغافورة، فأصابوا أحد الهنود واحتجزوا 47 شخصاًكرهائن وصاروا بهم الى تونس، في ذات الوقت الذي أقر فيه السكرتير العام للأممالمتحدة حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم والعودة الى وطنهم، والموافقة على اختيارمنظمة التحرير مراقباً في الأمم المتحدة.
وفي نهاية شهر يناير 1975 قال أبو إياد - مساعد عرفات - في تصريح لهكالقنبلة: "إنني أعد بأن هذه الحادثة العارضة ستكون الأخيرة". وبهذا التصريح، لميعد هناك وجود لمنظمة أيلول الأسود. إذ غطت الحرب الأهلية اللبنانية على كل شيء. وأصبح مقاتلو أيلول الاسود يكرسون جهودهم لمهام أخرى. وعندما طلبت أمينة الإذنبمغادرة بيروت الى تل أبيب، أعيد تذكيرها بإيجاد فرصة مناسبة لدخول شقة علي حسنسلامة ومحاولة الحصول على القوائم السرية لرجال مخابراته في أوروبا، وخطط العملياتالمستقبلية المطروحة. وعلى ذلك انتهزت أمينة فرصة لقائها بسلامة في الكورال بيتشكالمعتاد، وسألته في خطأ فادح عن أولاده. فدهش الرجل الذي لم يحدثها عنهم من قبلمطلقاً. وبحاسته الأمنية العالية ملأه الشك تجاهها، وقرر البحث عن ماضيها وطلب منرجاله في عمان إعادة موافاته ببيانات عن الطبيبة الأردنية أمينة داود المفتي، التييعيش اهلها بحي صويلح أرقى وأروع أحياء عمان.
فجاءه الرد بأنها بالفعل طبيبة أردنية، غادرت وطنها الى النمساللدراسة، ولمشاحنات مع أهلها قررت ألا تعيش بعمان. اطمأن سلامة لتحريات رجاله. . وتجددت ثقته بأمينة، لكن بلاغاً سرياً من أوروبا وصل الى مكتب المخابرات، قلبالأمور كلها رأساً على عقب.
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 18:59
الرسالة الأخيرة
أفاد البلاغ أن شاباً فلسطينياً في فرانكفورت، صرح لأحد المصادرالسرية بأنه تقابل مع أحد الفلسطينيين في فيينا، وبعد عدة لقاءات بينهما في حاناتالمدينة ومقاهيها، أخبره بأن له صديقة نمساوية يهودية، ماتت إثر تعاطيها جرعة زائدةمن عقار مخدر، تزوج شقيقها الطيار من فتاة عربية مسلمة، وهربت معه الى إسرائيلخوفاً من اكتشاف أمرها وملاحقة أجهزة المخابرات العربية لها. وأن الفتاة كانت تدرسالطب في النمسا، وانتقلت الى لبنان بعدما أسقط السوريون طائرة زوجها، الذي اعتبرمفقوداً.
كان البلاغ يحمل نبرة عالية من الشك، فلو أن الأمر صحيح إذن فهناكجاسوسة عربية بين الفلسطينيين. وطلب سلامة إعادة استجواب الشاب في فرانكفورت، ولواضطروا لأخذه الى النمسا ليدلهم على الفلسطيني الآخر. وذيل سلامة أوامره بضرورةالسرعة، والى حين تصله معلومات آخرى، طلب حصر كل الطبيبات العربيات المتطوعات فيالمستشفيات الفلسطينية. . واللبنانية أيضاً.
كان علي حسن سلامة شاباً ذكياً . . خارق الذكاء. شاهد بنفسه مقتلوالده بيد اليهود وهو في الخامسة عشرة من عمره. ففرت به أمه من الرملة الى نابلس فيالأردن. وعاش مثل آلاف الفلسطينيين في مخيم بائس يفتقر الى المياه والكهرباء. وفينابلس أكمل تعليمه وكان دائماً من المتفوقين، لا يأبه بمطاردات الفتيات له برغموسامته وجسمه الرياضي. فقد كان لا يهتم إلا بالسياسة فقط. وبعدما حصل على الثانويةالعامة بتفوق، حصل على منحة للدراسة بالجامعة الأميركية في بيروت، التي كانتمجمتعاً لكبار المثقفين الفلسطينيين.
واكتسب في الجامعة سمة الزعيم السياسي، حيث جمع من حوله الطلبة وألقىفيهم الخطب الثورية، وكان تأثيره يتزايد بينهم بعدما عرف لدى الجميع أن والده ماتبين الإسرائيليين.
وكان يقول دائماً "لقد نسونا وإذا لم نفعل شيئاً سنبقى دائماً فيالطين والوحل . . أذلاء. . بلا وطن". وتخرج من الجامعة مهندساً ليلتقي بياسر عرفاتالذي كان قد أسس منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد هذا اللقاء تبدلت حياته كلها، إذشغل منصب قائد القوة 17، ثم رئيس المخابرات الفلسطينية - رصد - ورئيس العملياتبمنظمة أيلول الأسود التي دوخت إسرائيل بعملياتها الفدائية المذهلة.
استغل علي حسن سلامة ذكاءه الشديد في تعقب الخونة والجواسيس، الذينيتم زرعهم بين صفوف المقاومة وتمكن من كشف عشرين منهم خلال فترة وجيزة، وحصل علىدورات تدريبية على أيدي رجال المخابرات المصرية. إذ استهواه العمل الفدائي والكفاح،وعشق مطاردة عملاء الموساد أينما كانوا. وأفلت مرات ومرات من محاولات فاشلةلاغتياله، حيث كان يجيد التخفي . . ماكر كالثعلب. . جسور كالأسد. . صلب كالفولاذ. وبعدما جاءه البلاغ عن وجود طبيبة عربية متطوعة تعمل لصالح الموساد في بيروت، اكنتأمامه بعد ثلاثة أيام قائمة طويلة تضم أسماء 37 طبيبة. . أربعة منهن فقط حصلن علىشهاداتهن العلمية من جامعات النمسا. وكن جميعاً آنسات . . إحداهن بالطبع كانت أمينةداود المفتي.
وفي انتظار التقرير الحاسم الذي سيجيء من أوروبا . . أمر سلامة بوضعالأربعة تحت المراقبة الصارمة طوال الأربع والعشرين ساعة. لقد كان السباق محموماًللوصل الى الحقيقة بأسرع ما يمكن . . وبينما الطقس مشحون بالشكوك والترقب، أحستأمينة بعيني الجاسوسة المدربة، بأن هناك عيوناً ترصدها. . ولا تترك لها مساحة منالحرية لتتحرك بيسر كما اعتادت دائماً. وأول ما فكرت فيه هو التخلص من جهازاللاسلكي، دليل الإدانة الذي سيقدمها الى حبل المشنقة. فبثت رسالتها الأخيرة الىالموساد : (آر. كيو. أر. هناك من يراقبني ليل نهار منذ الأمس. أنا خائفة ومرتبكة. سأموت رعباً. أفيدوني. نفيه شالوم).
خبراء المخابرات دائماً يشفقون على العميل الخائف، خاصة إن كانمزروعاً ببلاد الأعداء. ويدركون جيداً حجم المعاناة النفسية الرهيبة التي تغشىتفكيره، وقد تقود مسلكه الى نقطة النهاية والسقوط، بسب وقوعه في حالة ضعف تدمرأعصابه، وتعصف بجرأته وبثباته. وهم في تلك الحالات يفضلون أن يفر عميلهم بحياتهوبأي ثمن. لذلك ردوا على أمينة بعد أقل من نصف الساعة: (ضعي الجهاز بسلة قمامةالشقة العلوية. إحرقي الشفرة. غادري بيروت بهدوء الى دمشق بطريق البر. ستجدين رسالةبمقهى "الشام".). تنفست أمينة الصعداء، وشرعت فوراً في تنفيذ أوامر رؤسائها.
لقد كان عليها ألا تلتقي بأحد أفراد شبكتها. . لكن يجب تحذيرهم منالسعي اليها. لذلك اتصلت من الشارع بخديجة زهران وأخبرتها أنها في طريقها الى دمشقللسياحة
ألقت بظلالها
يعصف بها الخوف والهلع، حملت أمينة حقيبة يدها الصغيرة وغادرت شقتها،لتدور بعدها في شوارع بيروت أشرس عملية هروب ومطاردة بين الجاسوسة الخائفةومطارديها. وفي موقف السيارات المتجهة الى دمشق اعتقدت بأنها أفلتت من المراقبة،حتى إذا ما صعدت الى الباص واطمأنت في مقعدها، فوجئت برجلي أمن يقفان الى جوارها،فألجمها الخوف وانخرست . . واعتقدت بأنها النهاية الحتمية لمشوار خيانتها، فقررتبألا تموت على أيدي الفلسطينيين. وبلا وعي . . انطلقت أصابعها في لحظة كالبرق، تبحثعن كبسولة سم السبانيد بين خصلات شعرها. لكن أيدي رجلا الأمن كانت الأسرع، إذاانقضت عليها كما تنقض حية الكوبرا على فريستها، واقتيدت الى سيارة بيجو استيشنمفتوحة الأبواب كانت تنتظر خلف الباص، يقف الى جوارها رجلان آخران جامدي الملامح. وقبلما تبلغ أمينة البيجو فشلت ساقاها عن حملها، فاضطر الرجلان الى رفعها عن الأرضرفعاً، وألقيا بها الى داخل السيارة التي انطلقت كالريح الى حي الفكهاني، تسبقهاسيارة أودي - 80 - إل إس نقل أربعة رجال مدججين بالسلاح.
وأمام أحد المباني بالقرب من المدينة الرياضية، سحب الرجال العميلةالمغماة الى الداخل، حيث أودعت في غرفة ضيقة تحت الأرض، تكبل يديها من الخلف سلسلةحديدية طويلة ربطت الى الحائط. لم يكن لدى المخابرات الفلسطينية - رصد - حتى وهميراقبونها دليل واحد ضدها. فالتقرير لم يصل بعد من أوروبا ليؤكد براءتها من عدمه. لكن حينما أمسك رجال الأمن بها كانت ملامحها كلها تنطق بالخوف وتضج بالرعب، ولأنهماعتادوا تلك الملامح التي ترسم عادة على وجوه الخونة، أيقنوا بأن الأمر جد خطير . . خطير جداً. وأن الطبيبة المتطوعة متورطة في جرم ثم خاصة . . بعدما تعرضت المادةالسائلة بالكبسولة للتحليل، واتضح أنها سم السبانيد الذي تكفي نقطة واحدة منه لقتلفيل بالغ.
لقد كان لا بد من تركها هكذا لعدة أيام بدون استجواب، حتى تنهارإرادتها الى الحضيض من ناحية، ولمحاولة امتلاك أدلة مادية من ناحية أخرى. وعلى ذلك . . قام فريق متخصص بتفتيش شقتها تفتيشاً غاية في الدقة. . ولعدة مرات فشل فيالعثور على دليل واحد يدينها، فالعميلة المدربة . . وبرغم خوفها الشديد، وجدتأمامها الفرصة الطويلة لإزالة أي آثار أو أدلة قد تقودها الى الموت. ولم تترك خلفهاسوى المصحف الشريف وقد انتزعت من منتصفه عدة صفحات، هي في مجملها كل سورة "بنيإسرائيل"، وصفحة ونصف من سورة "الكهف" وكان هذا الأمر يمثل لغزا محيراً لرجال رصد،الذين فشلوا في "رصد" العميلة دون أن تلقي بظلالها عليهم .
كان جهاز الأمن والمخابرات - رصد - يعمل في تلك الفترة تحت قيادة أبوإياد "صلاح خلف" الأب الروحي للمخابرات الفلسطينية ولمنظمة أيلول الأسود، برئاسةعلي حسن سلامة رئيس العمليات والدينامو المحرك والعبقري الفذ. ويعد الجهاز أكثرالعناصر المكونة سرية داخل منظمة التحرير الفلسطيني، فهو جهاز الاستخبارات الأولية،وعمليات مكافحة الجاسوسية، وبه وحدة سرية لعمليات الخاصة، وله مكاتب في كل من لبنانومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت وسوريا. ويصعب تقدير عدد أعضائهعلى وجه الدقة. وأبو إياد (1) هو معلم الجواسيس الأول في منظمة التحرير الفلسطينية،والمسؤول عن أمنها وجهازها السري، وهو أيضاً حلقة الاتصال الرئيسية بينها وبينالجبهات المعارضة، وأحد العناصر الضالعة في تخطيط وتنفيذ عملية ميونيخ، وكان هوالذي أمر في 1973 بالاستيلاء على السفارة السعودية في الخرطوم وقتل السفير الأميركيونائبه، كما لعب دوراً رئيسياً في حادث مقتل السفير الأمريكي فرانسيس ميلوي فيبيروت عام 1976، وكذلك في عشرات العمليات المسلحة الأخرى. وما إن وضع أمام أبو أيادتقرير كامل عن أمينة المفتي، حتى ذم شفتيه ملقياً برأسه الى مسند كرسيه، ينظر الىحلقات دخان سجائره المتشابكة في صمت طويل . . وقال لسلامة في وجوم: يجب ألا نعاقبامرأة عربية دون أدلة قطعية قوية تؤكد إدانتها. فلننتظر تقرير رجالنا في أوروبا. وحتى يصل التقرير فلا عقاب ولا استجواب.
هكذا قبعت أمينة في زنزانتها المظلمة بباطن الأرض تترقب الموت ببطء،وتنسل من عروقها نبضات القوة رويداً رويداً، حتى استحالت الدقائق عندها الى جحيم مابعده جحيم . وانقلب الانتظار الى وحش مسعور يفتك بعقلها . . وبوجدانها.
وكأنه العواء
كان رجال المخابرات الفلسطينية في أوروبا يلهثون خلف الشاب الفلسطينيالعابث، يرفقهم الشاب الآخر صاحب البلاغ، والذي استقدموه من فرانكفورت رأساً الىفيينا. فهو الوحيد الذي يمكنه التعرف عليه بسهولة. هكذا جابوا شوارع فيينا وحدائقهاومواخيرها دون جدوى، وكأنما انشقت الأرض وابتلعته. ولم يكن أمام الرجال إلا طريقةواحدة - غاية في الخطورة – لاستجلاء الحقيقة من مصادرها الرسمية، وهي البحث عنسجلات مكتب "الزواج من أجانب". وكان الخوف كل الخوف من لفت انتباه رجال الموساد فيالنمسا الى ما ينقبون عنه، لذلك كانت عملية البحث تتم تحت ستار كثيف من السرية. . والتكتم . وبواسطة خطاب مزور صادر عن السفارة الأردنية في فيينا، يخاطب إدارة مكتبالزواج من أجانب، أمكن الوصول الى عنوان شقتها والى حقيقة الزواج المحرم. وفي الحالطار أحد الضباط الى بيروت يحمل صورة رسمية من عقد الزواج، في ذات الوقت الذي اقتحمفيها رجال رصد شقة أمينة المفتي بفيينا، حيث عثروا على أجندة متوسطة الحجم، سجلتبها أمينة مذكراتها وتفاصيل عمليها في بيروت قبل رحلتها التدريبية الأولىلإسرائيل.
هكذا انكشف الأمر دون أن يلاحظ رجال الموساد المنتشرون في النمسا أيشيء، أو يخطر ببالهم أن رجالاً يفوقونهم ذكاء ينقبون عن ماض غامض لعميلتهم المدربة. تجمعت كل الأدلة على مكتب أبو إياد الداهية، ولم يكن أمامه سوى محاصرة أمينةوالسيطرة عليها، لتكشف النقاب عما أبلغته للموساد، ودورها الحقيقي في ترصد حركةالمقاومة، خاصة بعد فشل عدة عمليات فدائية كان وراءها جاسوس خفي، وأيضاً. . لترشدعن بقية أعضاء شبكتها في بيروت أو خارجها.
كانت هناك خطط عديدة لاستجواب الخونة والجواسيس يتبعها رجالالمخابرات الفلسطينية. أما والحالة هنا لامرأة عربية خائنة فالوضع يختلف. إنها إحدىالحالات النادرة التي تواجه أبو إياد ورجاله. لذلك، اقترح علي حسن سلامة الاعتمادعلى خطة جديدة تناسب الحالة، تقوم على إيهامها بأن زوجها موشيه كان أسيراً لدىالسوريين، وقد أُطلق سراحه منذ أيام ضمن فريق من الأسرى في عملية مبادلة نشرت عنهاالصحف. وكان الغرض من كل ذلك إشعار الجاسوسة بعقدة الذنب، لتحس بالندم الشديد علىما ارتكبته فتعترف بلا إكراه أو تعذيب. وعلى ذلك . . . سربوا اليها إحدى الصحفاليومية وقد تصدرت صفحتها الأولى صورة زوجها الأسير وسط العديد من زملائه، قبلمايغادرون سوريا الى اسرائيل برفقة رجال الصليب الأحمر. كانت هناك بالطبع نسخة وحيدةلتلك الصحيفة طبعت خصيصاً لأجل المهمة المحددة. وما إن قرأت أمينة الخبر، حتى لفهاصمت غمس بالذهول، وقد جحظت عيناها لهول الصدمة والمفاجأة، وانطلق من جوفها صوت نحيبرتيب كأنه العواء. وليس هناك أبلغ مما كتبته بنفسها عن تلك اللحظة الخطيرة منحياتها:
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
تقول أمينة في مذكراتها (وفي السادس من سبتمبر عام 1975 (!!!)، كنت أحاول أن ألملم ذاتي المبعثرة داخل زنزانة ضيقة حقيرة، مقيدة بالجنازير الى الحائط، عندما انفتح الباب في الصباح، ودخل الحارس المسلح ذو الشارب الكثيف يحمل فطوري المكون من رغيف وشريحة جبن مطبوخ، وجلس أمامي كالمعتاد يتصفح جريدته، ويناولني قضمة بعد قضمة، عندما لمحت الخبر بالصفحة الأولى:
يا الهي . . إنه موشيه . . نعم موشيه . . صورته تتصدر الصفحة ومن تحتها اسمه كاملاً. خيل ألي انني أحلم . . أطير الى الأفق وأكبو – حلقومي يتشقق ورأسي تتأرجح غصباً عني. وكأنني أفيق من غيبوبة الموت، رجوت الحارس أن يقرأ على ما كتب فنهرني ساخراً . . لحظتئذ . . صرخت متوسلة اليه أن يقرأ. فأغلق فمي بالرغيف ولطمني بقسوة على وجهي وهو يردد: مالك والصحيفة أيتها المومس الحقيرة. . ؟ لفظت الرغيف وابتهلت اليه فبسط الصفحة أمامي على الأرض. . فانحنيت أقرأ لا أصدق، حتى انكفأت على وجهه كالمنومة، أعض البلاط . . وألعق الحسرة . . والفرحة، وألعن عمراً ذاب في الإرهاق والغضب.
لست أدري بالضبط كنه تلك الأحاسيس الجياشة التي اجتاحتني، خليط عجيب من المشاعر تكاد تعصف بي، وتفتك برأسي. كم كنت في شوق لأن أصرخ . . وأصرخ . . وأصرخ . . وأمزق وجهي بأظافري حتى يدمى، لكن يداي مشدودتان بالسلاسل، ولا قبل لي إلا بالصراخ، فصرخت . . صرخت من أعماق شراييني وأنسجتي، وجذبت قوة صرخاتي من قلبي وأعصابي، إذ جثم على صدري حمل ثقيل من الندم . . ينزف منهم الدم في فورة كالبركان، وينزلق على أرض الغرفة فأحس به ساخناً لزجاً، يا إلهي . . إنها أشباح عشرات الضحايا الذين قتلتهم بغبائي . . وقذارتي. تطوف الأشباح من حولي في حلان مرعب، ينبعث منها صوت هدير مخيف، فأضحك . . ثم أصرخ. . وأضرب رأسي في الهواء لأصرف الأشباح عني، وأفيق على موشيه الحبيب . . جاء لينقذني من عذاباتي . . وانحناءات عمري القاتلة).
مدرسة أبو داود
وفي الثامن من ستبمبر 1975، بعد تسعة أيام من اعتقالها، اقتيدت امينة داود المفتي الى مكتب أبو داود (1) حيث جرى استجوابها بذات الأسلوب الذي استخدمه جهاز المخابرات الألماني – الجستابو – مع الأسرى والجواسيس أيام الحرب العالمية الثانية. وهو أسلوب يعتمد على التوسل بعلم النفس في كسر حدة الخوف لدى الجاسوس، دون اللجوء الى أي وسيلة من وسائل الضغط أو التعذيب، مع محاصرته بوابل من المعلومات التي تم جمعها عنه وعن رؤسائه، فيضطر مذعناً الى الاعتراف بكل ما لديه حيث يرى أنه لا ضرورة للإنكار، طالما انكشفت كل الأسرار التي كان يعتقد أنها مجهولة. ولكي نشرح أسلوب أبو داوود في استجواب العميلة، علينا أن نقرأ الشهادة الرسمية التي أداها الملازم "سكراف" من المخابرات الألمانية، أمام هيئات التحقيق الأميركية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا. فقد شكلت في أمريكا هيئة للتحقيق مع بضع مئات من الطيارين الأمريكيين الذين أسروا في ألمانيا النازية، وكانوا متهمين بالخيانة وإفشاء الأسرار الحربية عقب أسرهم، ولكنهم نفوا جميعاً أنهم تفوهوا بأي سر، كما أكدوا أن أحداً لم يضربهم أو يمتهنهم، وبالتالي لم يحاول أي إنسان أن يرغمهم على الإدلاء بأي أقوال، وقد استدعى الأمر إحضار سكراف للمثول أمام إحدى هيئات التحقيق الأميركية، لاستجوابه في شأن التقارير التي كان يرفعها بعد استجوابه لكل طيار أسير.
وقد كان لشهادته هذه أكبر الأثر في تبرئة ساحة هؤلاء الطيارين. يقول سكراف:
خلال سني الحرب الطويلة المريرة، قمت منتصباً في وضع الانتباه ضارباً كعبي أكثر من خمسمائة مرة، مؤدياً التحية العسكرية في أصح أوضاعها لضابط طيار أميركي، شاء حظه أن يقع أسيراً في أيدي قواتنا. وكنت أقدم نفسي للأسير قائلاً في أدب وبشاشة: سيدي . . أنا الملازم سكراف . . وأنا مكلف بسؤالكم بضع أسئلة، هل لسيدي أن يجلس؟ . . من واجبي أن أذكرك بحقوقك التي تكفلتها لك اتفاقية جنيف لمعاملة أسرى الحرب، فلك أن تجيب على الأسئلة الثلاثة : اسمك . . ورقمك . . ورتبتك فقط ولا شيء خلاف ذلك . . سيجارة سيدي. . ؟ ويضيف الضابط الألماني: مر على مكتبي جميع طياري المقاتلات الأميركية والبريطانية الأسرى، وكالمعتاد فقد أجابوا على الأسئلة الثلاثة عند بدء أسرهم، ثم أرسلوا الى بعد ذلك للحصول منهم على المعلومات اللازمة، وأستيطع أن أقرر أن كل فرد من الخمسمائة ضابط الذين مروا بغرفتي، قد أدلى بكل المعلومات التي طلب مني أن أحصل عليها منهم، دون إهانة أو تعذيب، ذلك أنهم لقنوا عن الطريقة التي يتصرفون بها إذا ما وقعوا في الأسر، واحتمال التعذيب الشديد حتى يرغموا على الكلام.
لكن . .غاب عنهم الحالة النفسية التي يكون عليها الأسير بعد اكتسابه لهذه الصفة، لمجرد شعور المرء بأنه أسير تتولد عنده ضغوط شديدة تشعره بعدم راحة الضمير كأنه المذنب، حتى ولو كان أسره خارجاً كلية عن إرادته، فيظل موطناً نفسه على مقاومة كل وسيلة لاستجوابه، وكان علينا أن نستغل هذه الحالة في عملنا، بأن نتصرف في معاملة الأسير على العكس تماماً مما يتوقع.
الحية الناعمة
كان أبو داود ضابطاً من ضباط المخابرات الفلسطينية القلائل الذين تميزوا بأسلوب المهادنة في استجواب الجواسيس، وكان يرى أن تلك الطريقة هي الأنسب لمعاملة هؤلاء الخونة لإشعارهم بمدى فداحة الجرم الذي ارتكبوه. ومن خلال المعاملة الحسنة، بدلاً من التعذيب الذي يتوقعونه، يمتلكهم الإحساس بالذنب فيعترفوا. لكن يبدو أن فلسفة الألمان أيام الحرب العالمية الثانية، لم تكن ذات نفع مع جاسوسة محترفة مثل أمينة المفتي، التي دربت على كيفية مواجهة المواقف الصعبة، وترتيب الأفكار بحيث لا تخطئ إذا ما اضطرت الى سرد رواية ما مرتين.
وكانت تمارين الذاكرة التي أجادتها تماماً خير وسيلة لها للتمسك بأقوالها دون تغيير، وبرغم نفاذ صبر أبو داود الذي واجهها بمذكراتها التي كتبتها بخطها وخبأتها في شقتها في فيينا، إلا أن الجاسوسة أنكرت كل شيء. وعللت كتابة مذكراتها بما تحويه من تفاصيل غاية في الدقة، بأنها مريضة بالتوهم Delusion وبأحلام اليقظة، وقد تخيلت نفسها بالفعل عميلة إسرائيلية في بيروت نظراً لخيالها الخصب الجامح، ولتأثرها الشديد بقصة حياة الجاسوسة الهولندية الشهيرة مارجريت جيرترود "ماتا هاري"، وابنتها الجاسوسة باندا ماكلويد. هذا فضلاً عن رغبتها في الانتقام من العرب لفقد زوجها موشيه، وعجزها عن تحقيق ذلك، مع شعورها المتزايد بالغربة والكآبة، وإحساسها بالاضطهاد Persecution . كانت إجابتها المرتبة، وبكاؤها المستمر وتشجنات عضلات وجهها، أمر يدعو الى الاحساس بالأسف، فهي تخرج من مأزق تلو الآخر وكأنما أيام الاعتقال الانفرادي التسعة، كانت بالنسبة لها الفرصة الذهبية لترتيب الأفكار استعداداً للمواجهة المصيرية . لذلك . . كانت شكلاً – في غاية الثبات أمام المحقق. .
أما بالداخل . . فهناك عمليات عقلية معقدة تتفاعل . . وتحلل . . وتستنبط . . وتختزن . . وتتوهج. فتطلب المزيد من الماء بالسكر لتمنح بدنها المزيد من القوة Energy واليقظة. لكن ضابطاً كفئاً مثل أبو داود لم يكن من السهل أن يقنع بصدق إجابتها، فهو رجل حاد الذكاء عظيم الخبرة في تخصصه، حصل على دورات تدريبية عديدة على أيدي رجال المخابرات المصرية في تعقب الجواسيس، وقرأ كثيراً في علوم النفس والمنطق والطب العقلي، وتصنيفات الأمراض النفسية، وبرع في كيفية التعامل مع مرضى الخيانة والكذب، واستخلاص النتائج بعد تحليل دقيق للألفاظ والمدلولات، حتى اشتهر عنه امتلاكه لحاسة شم قوية تجاه الجواسيس، وقدرته الخارقة على اختراقهم والحصول على اعترافاتهم بسهولة، وإن اضطر في بعض الأحيان الى تغيير منهجه في الاستجواب، بما يتناسب وثقافة المتهم وذكائه وقدرته على المقاومة. فهو يستطيع أن يلعب بكل الكرات في تناسق وتتابع كأنه فريق كامل في ملعب شاسع.
هكذا تدرب أبو داود وأجاد . . وكان عليه أن يحاصر أمينة بأسرع ما يمكن، لكي لا يحس أعضاء شبكتها باختفائها الغامض فيفرون الى خارج البلاد. لكنه وقف حائراً أمام تلك المرأة الماكرة، التي استجمعت كل قواها دفعة واحدة وقاومته بشراسة لم يعهدها. . كانت تدافع عن مصيرها باستماتة من يوشك على الغرق. فهي تعلم في قرارة نفسها أن مستجوبها أشد منها ذكاءً وحدة . . وأشرس منها صلابة وقوة. ندان متضادان كل منهما يسعى الى هدف مغاير للآخر. ثمانية عشرة ساعة متصلة وأمينة لا زالت كما هي . . لم تضعف أو تنهار. . أو حتى تبدل كلمة واحدة من أقوالها. . وأبو داود يسألها السؤال نفسه عشرات المرات في دهاء وحنكة، وهي تجيب في مراوغة واستبسال. فكانت إجاباتها كلها متناسقة ماعدا نقطة واحدة لم تكن أبداً مقنعة، ألا وهي سم السيانيد، حيث بررت وجوده معها بأنها مصابة بالجنون الدوري Cyclothynia ، وهذا الأمر يسبب لها مضايقات وتشنجات تدفعها للتفكير بالانتحار.
ولما كان سم السيانيد غير متواجد بالأسواق أصلاً، وتستخدمه فقط أجهزة المخابرات للتخلص من ضحاياها، فقد كان الأمر مثيراً للشك ولا يقبل تأويلاً هشاً كالذي جاء على لسان أمينة. ومن هنا . . لم تكن أمام أبو داود سوى أساليب الاستجواب المعتادة، بعدما فشل في انتهاج نظرية الجستابو معها، وهي اللجوء الى العنف والتعذيب، وقد كان كارهاً لذلك جداً إلا أنه اضطر الى ذلك غصباً عنه، فهو كما قال يتعامل مع حية ناعمة الملمس. . كلما حاول الإمساك بها انزلقت من بين أصابعه هاربة. وأناب عنه زميله "أبو الهول" للتحقيق معها.
الامير الاحمر
رقـــيب أول
الـبلد : العمر : 43المهنة : تحريالمزاج : هاديء قابل للأنفجار في أي لحظهالتسجيل : 14/06/2008عدد المساهمات : 376معدل النشاط : 224التقييم : 7الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة أمينة المفتي .. أشهر جاسوسة عربية للموساد الإثنين 7 يوليو 2008 - 19:19
قنبلة من الغضب
كان رجال الموساد في غاية القلق والتوتر، فأمينة اختفت في بيروت قبل أن تتمكن من الهرب الى دمشق. لقد كانت غارقة في الذعر والهلع، وهو الأمر الذي يجعل الجاسوس في قمة حالات ضعفه وتفككه، فتسهل بذلك السيطرة عليه أثناء التحقيق، ومهما حاول التماسك واستجماع جرأته، فهو حتماً سينهار في النهاية ويعترف بكل شيء، ويرشد بسهولة عن أعضاء شبكته. وعندما أكد عملاؤهم في بيروت أن مانويل ومارون وخديجة طلقاء ولم يتم اعتقالهم، كان الأمر بالنسبة اليهم يعني إما أنها لم تعترف بعد، أو ان الثلاثة تركوا كشرك لاصطياد كل من يحاول الاتصال بهم. وربما كان الأمر برمته مجرد خطة خداعية متعددة الأطراف.
هكذا وقع رجال الموساد في تل أبيب في حيرة بالغة، وأمروا عيونهم في بيروت بالابتعاد تماماً عن الثلاثة الطلقاء مهما كان السبب. فهم يعلمون مدى شراسة المخابرات الفلسطينية في معاملة الجواسيس الأجانب حين استجوابهم، فما بالك والحالة هنا لجاسوسة أردنية خدعتهم وامتزجت بقادتهم، وتجولت بكل الأماكن العسكرية المحظورة في لبنان؟؟
كانت المشكلة عند الموساد أكبر بكثير من مجرد سقوط إحدى عميلاتها، المشكلة الحقيقة تكمن في حالة الهلع التي ستصيب بقية عملائهم في لبنان إذا ما نشر الخبر في الصحف، ساعتئذ فقط قد ينكشف آخرون أفلت منهم زمام الجرأة وانكسرت صلابتهم. . وباتوا عرضة لهدم شبكات إسرائيلية عديدة في بيروت تعمل في امان بعيداً عن الخوف . . الذي هو داء الشجاعة وقاتها. إذ عادة ما تكون الشجاعة التي يتحلى بها الجواسيس شجاعة هشة مصطنعة لا أرض صلبة لها أو جدران. تماماً هي كالسراب الذي تراه أيام القيظ في الصحراء . . مجرد وهم خادع. (!!).
أما أمينة المفتي . . فيالها من امرأة عجيبة . . متماسكة. فبرغم ابتلاعها طعم بقاء موشيه حياً ومبادلته بأسرى سوريين، إلا أن إحساسها بالذنب لم يطغ عليها أو يفتك بضميرها. لقد تقمصت شخصية أخرى أمام المحقق، وبدت بريئة مريضة بالوهم، وما كانت في حقيقتها إلا متخمة بالخيلاء Conceit والعظمة، فسيطرت عليها أوهام الانتصار، وترقبت مظاهر البطولة التي تنتظرها في إسرائيل، وستراها جلية في عيني زوجها العائد من الأسر. كانت تريد أن تؤكد له أنها امرأة أحبت . . وزوجة أدمنت العشق حتى الثمالة . . ومزقها غيابه الى ألف قطعة، تحولت كل واحدة منها الى قنبلة من الغضب . . ستنفجر حتماً في جسد العرب. أما قلبها . . فكان بركان ينفث حممه في وجه البشر . . وصراخ لوعتها عليه يصم أسماع الكون ويمزق سكونه.
وفي حبسها الانفرادي كانت تستعد للمعركة القادمة . . وتشحن ذاتها بكل ما تبقى لديها من قوة ومناورة، وتعيد تنظيم خطوط دفاعها أملاً في الإفلات. فقد كانت تعلم بأن أدلة إثبات خيانتها هشة ومن السهل تفنيدها. كذلك لم يضبط بعد أحد أعضاء شبكتها فيعترف عليها. لذلك وطنت نفسها على المقاومة والاستبسال في الإنكار والدفاع. فحتماً . . سيضيقون بها ولن يكون أمامهم سوى طردها خارج بيروت. لكن المفاجأة التي لم يتوقعها أحد مطلقاً، أن سلطات الأمن اللبنانية تدخلت، وأجبرت الفلسطينيين على الإفراج عن المعتقلة لتقوم هي بالتحقيق معها.
لقاء في عالية
هكذا خرجت أمينة المفتي – وكما توقعت - منتصرة من حبسها، وتتسلمها السلطات اللبنانية التي رأت أنها بريئة، وأن الشكوك التي طالتها باطلة مجحفة. وأنها طبيبة عربية مخلصة لوطنها العربي أيما إخلاص. وكان أن خيرتها ما بين البقاء في بيروت أو مغادرة لبنان مع وافر الشكر ، فاختارت أمينة أن تغادر الى فيينا، وطالبت بوثيقة سفرها التي احتجزها الفلسطينيون.
لقد رأى أبو إياد وعلي حسن سلامة وأبو داود، أن يسلموا أمينة للبنانيين احتراماً لسيادة الدولة اللبنانية، لكي لا تزداد الخلافات حدة، وتتصاعد في وقت كانت فيه الحرب الأهلية مشتعلة وفي طريقها لأن تدمر العلاقات الطائفية تماماً. لكن . . كانت لقاءات عديدة ومطولة قد تمت في عالية بين أبو إياد والشيخ بهيج تقي الدين وزير الداخلية اللبناني، لمحاولة الاتفاق على التعاون الأمني بينهما للحد من جيوش الجواسيس التي تجوب لبنان دون خوف. وفي اللقاء الأخير كان الوزير يجلس على الأرجوحة في حديقة منزله الصيفي وبيديه مسبحة طويلة يلعب بحباتها في هدوء، وهو يستمع بانتباه كبير الى ما يقوله أبو إياد:
إذا لم نتعاون يا شيخ بهيج فهناك خطر يهددنا ويهددكم معنا. إن التنسيق بين أجهزة الأمن اللبنانية وأجهزة أمن المقاومة أصبح أكثر من ضرورة . . لقد أصبح واجباً وطنياً.
ويوافق الوزير على كلام القائد الفلسطيني . . ويتابع القائد:
نحن على استعداد يا شيخ بهيج أن نضع معلوماتنا بتصرفكم. إن أجهزة رصدنا في الخارج وخاصة في أوروبا قوية، ونستطيع إذا تعاونا معاً أن نفسد أكثر من مخطط. فنحن لا نستطيع أن نعمل بمفردنا في لبنان، وأنتم لا تستطيعون العمل بمفردكم. علينا أن نتعاون.
ويوافق الشيخ بهيج مرة أخرى ويتابع أبو إياد: أعذرني على صراحتي سيادة الوزير، فالقضية خطيرة . . خطيرة جداً وأخطرمما تتصور. فنحن عندما قبضنا بعد عملية فردان 1973، على الفرنسي إيف رينيه دي توريسصاحب مطعم – إيف لي ميشو - كانت معلوماتنا تؤكد بأنه ضالع في العملية، وأنه يعمللحساب إسرائيل في لبنان. وبالصدفة . . كان ببيروت مخرج جزائري من المتعاطفين معحركة المقاومة اسمه محمد بوضياء. ولأن بوضياء يتقن الفرنسية فقد طلبنا منه أنيساعدنا في التحقيق مع الفرنسي. وبعد أن كاد الفرنسي أن يعترف قامت علينا القيامة،واشتد الضغط واتهمنا بأننا نمارس سلطات الدولة اللبنانية. فاضطررنا الى إطلاقسراحه، وسلمناه الى السلطات اللبنانية مع ملفه الكامل لكي تتابع التحقيق معه، لكننافوجئنا بإطلاق سراحه بعد 24 ساعة من تسليمه، وبالسماح له بمغادرة لبنان الى فرنسا. وبعد شهر واحد . . تسلمنا رسالة من بوضياء يقول فيها بالحرف الواحد (ليس من قبيلالصدفة أن أصطدم بالفرنسي دي توريس الذي حققت معه في بيروت، في كل مكان أذهب اليهفي باريس . . ). وبعد يومين من تسلمنا الرسالة، أغتيل بوضياء في باريس بعبوة ناسفةفي سيارته. وقبل أيام . . ألقينا القبض على طبيبة أردنية تؤكد معلوماتنا أنهاتتعامل مع الموساد، ومن جديد . . قامت القيامة فسلمناها مع ملفها الى السلطاتاللبنانية، ومن جديد . . سمح لها بمغادرة بيروت الى فيينا. لكننا . . سيادة الوزيرالموقر. . . . نطلب منكم مهلة للتحقيق معها مرة أخرى. . مهلة بسيطة لن تستغرق أكثرمن ثلاثة أيام سنطلعكم بعدها على ما انتهينا اليه.
لقد كان هناك رجل يحمل الأوراق المغربية، اعترف لنا اعترافات كاملة بأنه عميل لإسرائيل وجاء للبنان أكثر من مرة للتجسس على أخبار المقاومة. ولدينا ملفات عن أكثر من عشرين عميلاً يحضرون الى لبنان وينزلون في أفخم الفنادق على أنهم رجال أعمال، نحن نعرفهم واحداً واحداً، واسماً اسماً، ونعرف أنهم عملاء، ولا نطلب منكم أن تعتقلوهم أو تحققوا معهم، ولكن نطلب فقط منعهم من دخول البلاد. إنه إجراء بسيط سيدي الوزير، فنحن أيضاً لا نريد اعتقالهم حرصاً على السيادة اللبنانية، ولكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي وحياتنا مهددة بالخطر.
كان الشيخ بهيج تقي الدين يستمع الى أبو إياد في ذهول. وما أن أنهى القائد الفلسطيني كلامه حتى وافق الوزير فوراً على مطلبه لخاص باعتقال أمينة المفتي مرة ثانية، والبحث في أمر العملاء الآخرين تمهيداً لمنعهم من دخول لبنان.
وهكذا . . عادت أمينة داود المفتي الى الجانب الفلسطيني، دون تدخل لبناني تحت أية ظروف في التحقيق.
كهف السعرانة
حبست أمينة مقيدة بالجنازير داخل زنزانتها الأولى بباطن الأرض، تمهيداً لاستجوابها بأسولب مغاير، يدفعها لأن تعترف بالحقيقة كاملة، وترشد عن شركائها في شبكة الجاسوية. لكن . . كانت هناك رؤية أمنية تحبذ نقلها الى خارج بيروت، بعيداً عن رحى الحرب الأهلية المشتعلة، وتحسباً لأية نوايا إسرائيلية خاصة بعد عملية فردان المشؤومة، واستغرق التفكير في مكان حجزها ساعات طويلة من الليل، ضمت أبو إياد، وعلي حسن سلامة، وأبو داود، وأبو الزعيم - في اجتماع خطير لتحديد مصير العميلة الاسرائيلية. لقد جلس أبو إياد صامتاً كعادته يشعل سيجارة من أخرى، تنتقل عيناه بين الرجال الثلاثة وهم يتجادلون، ويستعرضون الأماكن التي تصلح لإخفاء العميلة الماكرة. كان علي حسن سلامة يرى أن إبقاءها في المكان نفسه هو الأصوب، حيث تحيط بالمبنى الأسوار العالية، ومباني منظمة التحرير الفلسطينية في حي الفكهاني، لكن أبو الزعيم تشكك في كون المكان آمناً بالدرجة الكافية، فقد تخطط الموساد لاختطاف أمينة لرفع معنويات جواسيسها في لبنان، وللانتقام من علي حسن سلامة - الأمير الأحمر الذي أمرت جولدا مائير بإعدامه ثأراً لعملية ميونيخ، وأيضاً . . لاغتيال الفدائيين الثلاثة - عدنان وجمال الجاشي، وأبو العيسى - أبطال مذبحة ميونيخ الذين بقوا على قيد الحياة، ويقيمون تحت حراسة مشددة بمقر الجبهة الديموقراطية المحاور. أما أبو داود فقد اقترح أن يتم نقلها فوراً الى وادي البقاع حيث لن تستطيع الموساد التوصل الى مكانها، ويكون الأمر محاطاً بالسرية المطلقة تحسباً للوشايات، وبعيداً عن الخونة الذين يضعفون أمام الاغراءات الاسرائيلية من بين صفوف الفلسطينيين أنفسهم. وعند هذا الحد من الحديث نطق أخيراً أبو زياد وقال إن الأمر لا يستدعي كل هذا الخلاف، فعملية نقل أمينة من حسبها الآمن في بيروت الى مكان آخر ليس الغرض منه الخوف من الاسرائيليين، فهم لن يجرأوا على القيام بعملية كوماندوز أخرى مشابهة لفردان، لعلمهم بأننا اتخذنا شتى التدابير الأمنية لحماية منشآتنا ومقار إقاماتنا، وعيونهم التي تجوب شوارع بيروت بمختلف الجنسيات تنقل اليهم تلك الحقيقة وتؤكدها. إنما التفكير في عملية نقل أمينة لجهة أخرى يرجع الى كونها امرأة استشعرت الأمان في محبسها الحالي، ووضعت خطط دفاعها أمام مستجوبيها، ونقلها لمكان آخر أمر في حد ذاته محير بالنسبة لها: وسيشعرها بالخوف لأنها تجهل ما سيحدث معها وطالما هي خافت فقد فقدت تركيزها. وأرى أنه للوصول الى اعترافات سريعة منها، يجب نقلها الى مكان موحش وليكن كهف من كهوف الجنوب، فالتمسك بالحياة حتماً يدفع المرء لأن يضحي بكل ثمين. واعترافها بالتجسس لصالح الاسرائيليين لن يكون أبداً أثمن عندها من حياتها. ففكروا معاً في أي كهف ستأخذونها اليه.
عندئذ . . تهللت الوجوه استحساناً لرأي القائد، وجيء بخارطة كبيرة للجنوب اللبناني انكبوا عليها يفحصون عدة مواقع، الى أن انتهوا الى موقع كهف يقع الى الشرق من جسر القاسمية بين صيدا وصور، يبعد عن ساحل البحر المتوسط حوالي تسعة عشر كيلو متراً. أطلق عليه سكان المنطقة اسم "كهف السعرانة"، وتقع بالقرب منه بعض معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية.