هذا الطيار هو السبب الرئيسي في كتابه هذه القصه ، ففي البدايه قرأت قصته
في الحرب عبر سطرين او ثلاث فقط في كتاب ((ذئب في قرص الشمس)) للكاتب محمد
عبد المنعم ، ثم قرأت قصته مرة اخري في كتاب (( ضباط يونيو يتكلمون ))
للكاتب عصام دراز والذي روي قصته هو العميد تحسين ذكي قائده السابق.
أظهرت لي قصه هذا الطيار البطل وغيرة من الطيارين المنسيين ، أن هنالك
قدرا كبيرا جدا من البطولات والتضحيات المنسيه والتي يجب ان ُيسلط عليها
الضوء لتنير الطريق للجيل الحالي والتالي والذي يليه .
فبدون أشعاع تلك البطولات ، لن يري هذا الجيل أملا في الخروج من النفق المظلم الذي يغلف المستقبل .
فبدأت رحله بحث مكثفه بحثا عن قصصا أخري لابطال أخرين ، ووجدت سطورا قليله
لبطولات رائعه ، سطورا قليله عن تضحيات أحتاجت الي أعوام لكي تنمو وتنضج
داخل الشاب منهم حتي تصل به في الذروة الي عدم التفكير في عواقب افعاله
وتصبح التضحيه امرا حتميا ، فمثلا الطيار سمير عثمان ، أقلع بطائرته من
مطار المليز وهو تحت الضرب الجوي من العدو وجزء كبير من الممر مدمر ، وفي
ظل سيطرة جويه كامله أشتبك معهم، فبماذا كان يفكر سمير وقتها ؟؟؟ هل كان
يفكر في الزواج وتكوين أسرة ؟؟ ام كان يفكر في والديه الذين يحتاجونه ؟؟؟
أم ماذا؟؟؟؟ أم انه يفكر في الدفاع المستحيل عن مطارة وسط العشرات من
طائرات العدو .
سؤال شغل عقلي كثيرا حتي توصلت الي ان الطيار سمير عثمان لم يكن يفكر
مطلقا ، أنما كان يفعل ما كان عليه فعله طبقا لجذور الانتماء والايمان
والشجاعه وحب الوطن التي غرسها فيه والديه ومدرسيه ورئيس جمهوريته منذ
سنين والتي طرحت تفاني وبطوله لا نهائيه، فطبقا لكل ذلك فقد تصرف بدون
تفكير في ذاته ، ورغم كثرة طائرات العدو الا انه لم يجبن أو يتردد أنما
أشتبك مقاتلا مدافعا عن مطارة ، لكن المحتوم وقع وجاءته الشهاده تطلبه
لتزفه الي السماء كأطهر وأنبل ما يكون .
الا يستحق هذا الشاب ذو الواحد وعشرين عاما فقط لقب بطل ؟؟ والا يستحق البطل ان يتذكرة الناس ؟؟؟
لكن اين قصه سمير عثمان في المؤلفات العربيه ؟؟؟ أين قصته في الدراما
العربيه ؟؟؟ ام ان البطوله أيضا أصبحت تقاس بالعائد التجاري فقط ؟
ام ان تعريف البطل الان أصبح لا يتعدي مجال الفن والرياضه ، فأصبح لاعب
الكرة بطلا لانه احرز هدفا ، حصد معه الالاف بل ملايين الجنيهات وانتزع حب
الجماهير ، او ان البطل هو ذلك المغني او تلك الراقصه التي تركت بلادها
تحت القصف الاسرائيلي لتقوم بعمليه تجميل في الخارج ؟؟
من الذي تعلق صورته علي حوائط غرف الشباب الان ؟؟؟
أهو البطل الذي قدم حياته فداء للوطن ولكي نعيش الان كما نعيش في سلام وكرامه ؟؟؟؟
أم لاعب الكرة او المغني او الممثل الذين يحصدون الملايين من الجنيهات ولا يقدمون لنا قدوة حقيقيه ؟؟
الاجابه طبعا معروفه !!!!! لكن لماذا الاجابه معروفه
لان هؤلاء الابطال الحقيقيين لم يأخذوا حقهم الاعلامي والادبي والشعبي كما
يجب ، فكان مصيرهم في احد صفحات تاريخ مصر المهمله ، ومع تراكم الغبارعلي
تلك الصفحات مع مرور الزمن ، أختفت القصص وتاهت الاسماء واندثرت البطولات
وأدي ذلك لان ينمو جيل جديد من الشباب لا يعرف شيئا عن تلك الملاحم
والبطولات ، أقصي معلوماته عن الحرب هي عدد من الافلام الرديئه الصنع التي
تذاع في ذكري حرب اكتوبر بأستمرار جعل المشاهيدن يغزفون عن مشاهدتها، تلك
الافلام هي كل ما يعرفه الجيل الحالي عن الحرب ، فليس عيبهم انهم لم يجدوا
من يسرد لهم الملاحم والقصص البطوليه التي تشبع رغبات الانتماء وحب الوطن
في وجدانهم ، كان ذلك خطأ مصر عبر تلك الاعوام والتي خسرت بسببه ذكريات
جميله وطاهرة لجيل حارب وأستشهد في شرف وكبرياء وصمت .
وعندما حاول الشباب الاستقصاء عن تلك البطولات وعن حروب مصر عن طريق
الانترنت ، وقعت الكارثه الفعليه فكل مواقع الانترنت التي تتناول حرب
اكتوبر تتبني اتجاه واحد فقط .
الا وهو ان مصر وسوريا قد ُهزمتا من أسرائيل ، وعلي احسن تقدير فبعض
المواقع تشير الي التعادل في القتال مما يعني ضياع حرب أكتوبر ونتائجها
وانجازتها بدون رجعه ، حتي الاسم المقدس لنا ((حرب اكتوبر)) أصبح بأسم يوم
كيبور وهو الاسم العبري للحرب .
ضع نفسك مكان اي شاب ممن يدرسون اليوم في الثانوي او الجامعه ، وابحث عن مواقع عن حرب اكتوبر بالانترنت فماذا ستجد ؟
ستجد مئات المواقع التي تتكلم عن الحرب من وجهه النظر الاسرائيليه فقط وان
المصريين قد هزموا وأن الجيش الاسرائيلي كاد يُسقط القاهرة...... الخ الخ
.
اما الطريف جدا فكان موقع القوات الجويه الاسرائيليه علي الانترنت والذي
أسقط من حساباته يوم 14 أكتوبر 1973، وهو يوم معركه المنصورة الجويه أقوي
معركه جويه في التاريخ المصري الاسرائيلي ، بل اقوي معركه جويه في التاريخ
الحديث، والتي أستمرت 53 دقيقه ، تحت قياده النسر الاول اللواء حسني مبارك
، ورغم ان زمن المعركه الجويه لا يتعدي دقيقتين ، فقد قام طيارونا
بالمستحيل نفسه وضربوا الارقام القياسيه العالميه الواحد تلو الاخر ،
وكنتيجه للسيطرة الاعلاميه الصهيونيه ، تم خدف تلك المعركه من تاريخنا ،
رغم انها تستحق عشرات الافلام الروائيه .
وفي نفس الوقت تجد المواقع المصريه /العربيه التي تتناول الحرب تعاني من
ضعف كامل في عرض المعلومات بصورة شيقه ووجود صور وخرائط ، وفي النهايه
تكون المحصله ان الشاب يتجه لاكثر المواقع تشويقا وعرضا وتوضيحا ، ويكون
الفخ انه موقع صهيوني بكل ما فيه من بث لمعلومات خاطئه وتاريخ مغاير لما
حدث .
ولذلك فأقدم للشاب المصري والعربي قصه السرب 77 قتال محاولا سد فراغ هام
جدا من تاريخ مصر لم يتم تناوله من قبل وموضحا كم البطولات التي قدمها
الطيارين المصريين أثناء النكسه وما بعدها حتي تحقق النصر في اكتوبر 1973
فهذا النصر لم يكن وليد صدفه او جهد عادي من التدريب ، لا لكنه نتاج ست
سنوات من التدريب فوق العادي والذي ُدمج مع القتال الجوي مع عدو متفوق كما
ونوعا وله كل الافضليه ، ليخرج في النهايه طياروا مصر من النفق المظلم الي
نور الانتصار العظيم .
وعندما قررت نقل تلك البطولات الي صفحات الكتب ، عملت جاهدا علي عدد كبير
من المراجع الرسميه وعدد اخر من المؤلفات وعدد كبير من مواقع الانترنت لكي
تكون الصورة المكتوبه علي الورق أقرب ما تكون لما حدث فعليا علي الطبيعه ،
وبنفس التواريخ والتوقيتات ، للوصول الي سرد البطوله كما حدثت بالضبط
إن السرب 77 قتال هو شخصيه اعتباريه وهميه دعت الضرورة الي وجوده لكي
يحتضن عددا من الطيارين أشتركوا في عدد كبير من المواقف المختلفه في انحاء
متفرقه من الجبهه.
وسيجد القارئ انني وضعت خطا سميكا تحت كل أسم طيار حقيقي شارك في صياغه
احداث القصه فعليا تمجيدا لاسمه وبطولته ومشاركته في تلك المعارك ، وكنت
أود أن أشير الي كل بطولات الطيارين لكن وكما اوضحت في البدايه ، فأن
المعلومات قليله والمراجع نادرة لتلك الفترة .
ارجو من الله ان يعرف القارئ بعد الانتهاء من القصه مقدار البطوله
والتضحيه والفداء الذي قدمه طياروا مصر أثناء وبعد النكسه حتي نصر أكتوبر
لنرد لهم دين في عنقنا .
الجزء الاولالفصل الاول : الاستدعاءالقاهرة : الرابع عشر من مايو 1967 عصرا
رغم الهدوء الذي لف شوارع القاهرة جراء موجه الحر الشديد الذي تتعرض له
مصر ، ورغم أن جميع الشوارع قد خلت تقريبا من الماره الذين اثروا الاحتماء
من قيظ الشمس والراحه في منازلهم ، الا ان منزل الحاج أحمد الشاذلي كان
كخليه نحل لا تهدأ ، فلم يكن اليوم عاديا للأسرة ، فقد عاد الابن الاصغر ،
الملازم اول طيار عمر في أجازته الاولي بعد ان تم نقله الي قاعدة العريش
الجويه ، وقد أصرت الحاجه على أن تعد وليمه كبيرة علي شرف ابنها ((حضرة
الضابط)) والذي تفتخر به كل الفخر وسط العائله والجيران ولا يكاد حديث لها
يخلو من ذكر حضرة الضابط ، هذه الوليمه كلفت الحاج أحمد قدرا كبيرا من
مرتبه المتواضع وأربكت حساباته ، لكنه في نفس الوقت وبخبرة الرجل المتزوج
أيقن انه لا مجال لمعارضه رأي زوجته في أي شئ يخص ((حضرة الضابط عمر))
وخاصه ان الحاجه تستعد لهذه الوليمه منذ أسبوع تقريبا ، وخلال هذا الاسبوع
تحولت الوليمه من مجرد غذاء فاخر لحضرة الضابط الي عزومه كبيره تشمل أختيه
الاكبر منه وأزواجهما وبالطبع لن تستثني ناديه خطيبه عمر من هذه العزومه
،وتضخمت ميزانيه الوليمه لتبتلع جنيهين كاملين من ميزانيه البيت .
ومنذ الصباح الباكر تعقد الحاجه وبنتيها مؤتمرا موسعا في المطبخ لتجهيز
أصناف المحشي الوجبه المفضله لعمر كذلك عدد من أزواج الحمام المحشي وذكر
بط محترم ، بجانب اطباق الخضار والسلطه المختلفه
وصل عمر صباحا وأستطاع انتزاع نفسه بأعجوبه من أحضان الحاجه لينال قسطا من
الراحه هو في امس الحاجه لها بعد رحله متعبه ، وتوافد وصول المدعوين خلال
فترة العصر ، فقد عاد الاب وأزواج بناته أحمد و علي من اعمالهم علي فترات
متقاربه .
تلتهم في الوصول ناديه التي جذبت نظرات الاعجاب من الرجال باناقتها
البالغه الغير متكلفه وجمالها الشديد الهادئ وفستانها البديع الذي كشف عن
سيقانها ، الا أن نظرات الحاجه وبناتها الحاده لرجالهم حملت تهديد بعقاب
شديد لاحق جعل جميع الرجال يغضون أبصارهم عن ناديه .
خرج عمر من غرفته وقد أرتدي قميصا وبنطلونا منزليا أظهرا وسامته الكامله وتناسق جسدة الرياضي الرائع
ووسط ترحيب الرجال الحار به ومن بين أحضان والدة ، لم تتحرك عينيه من علي
ناديه ، هذه الفتاه الفائقه الحسن التي تقف علي بعد خطوات تنتظر أن ترحب
به .
لم يسمع كلمات مما قاله والدة او ازواج شقيقاته ، فقد كانت أذنيه وكل
حواسه متسمرة مع ناديه ، وعندما حان دورها في الترحيب به ، وجد أمامه كل
عقبات الدنيا تسد عليه وعليها الطريق في ان يحتضنها ويطفئ لهيب شهرين من
الفراق ، فتقدم خطوة منها وكادت يدة تعتصر يدها وهي ترحب بها ، لم تفارق
عينيه عينيها وهي ترحب به ، وأشتدت حرارة الجو بينهما من جراء المشاعر
المشتعله داخل كل منهم ، وبدأت الابتسامات ترتسم علي وجوة الرجال بينما
هامت زوجاتهم في هذا المشهد الرومانسي الصامت بين عمر وناديه، دام هذا
المشهد الصامت ثوان معدودة قطعته الام بصرامه ، تأمر أبنها بان يخرج مع
خطيبته الي الشرفه حتي يتم الانتهاء من اعداد الغذاء ، أستدارت ناديه تطلب
من الحاجه أن تنضم لمساعدتهم في المطبخ لكن الحاجه ردت ضاحكه (انتي عايزة
حضرة الضابط يزعل مننا النهارده ولا ايه ؟؟ لا .. انت بقالك مدة مشفتيش
عمر ، وأكيد في كلام كتير عايزين تقولوة(
خرج العاشقين الي البلكونه تاركين السيدات يجهزون الغذاء بينما اشتبك بقيه الرجال في نقاش قوي حول دوري كرة القدم .
تلاقت عيون العشاق في البلكونه وتحدثت الالسن فترة أختفي فيها الزمن وتبدد
الاحساس بالمكان ، ورغم المسافه التي بينهما الا ان اعينهم كانت تحتضن
بعضهم البعض ، وأستسلمت عقبات التقاليد والعادات في منع اروحاهم من
الاجتماع .
فجأه بدد أحمد زوج شقيقه عمر الكبرى هذا الجو الرائع عندما صاح من الداخل
(عمر- ناديه ... الغدا جهز وأحنا ميتين من الجوع ، أبقوا كملوا حب بعد
الغدا) أحمر وجه ناديه خجلا من هذه المداعبه ، لكن يد عمر أمتدت لتمسك
بيدها وقتها أحس الاثنين بتيار كهربائي يسري في كل خلايا جسدهم مما زاد من
أحمرار وجهها.
زاد أحمد من مداعباته لهم وهو يري وجه ناديه يحمر خجلا في البلكونه واردف صائحا:
(والنبي مش وقته ،أحنا علي لحم بطننا من الصبح)
همس عمر لناديه مبتسما (( يالا بينا لحسن مش هيسيبونا في حالنا ،أنا
عارفهم كويس))، تجمعت العائله علي مائدة الغذاء وأحتل كل افرادها أماكنهم
، ووسط التعليقات علي هذه الوليمه الفاخرة التي لم تحدث منذ فترة كبيرة ،
ووسط هذا الجو المرح لهذه الاسرة السعيدة ،تحول النقاش تجاة عمر وُسِئل عن
العريش ، فقد كانت العريش مكانا نائيا لا يعرفه الكثير من المصريين ، وبدأ
عمر في السرد عنها وعن أهلها من البدو وطبائعهم وعاداتهم الغريبه عليه
وقبل الانتهاء من الغذاء دق جرس التليفون وقام الاب للرد عليه ، ومن فوق
منضدة معلق فوقها صورة كبيرة للرئيس جمال عبد الناصر ، رفع الاب سماعه
التليفون، وصمت قليلا مستمعا للطرف الاخر ، ثم نادي علي عمر ، فقام عمر
مسرعا تجاة التليفون والتقط السماعه من يد والدة ، كان الجميع يتحدث علي
مائدة الغذاء ما عدا الحاجه التي تسمرت عينيها علي عمر .
وضع عمر السماعه علي أذنه وبعد التعارف مع محدثه أستمع عمر لثوان وردد
عبارتين (تمام يا فندم – علي طول يافندم) أدرك الجميع أن شيئا ما حدث ،
فتوقف الحديث وتحول انتباة الجميع الي عمر ، الذي وضع السماعه ببطء ،
وكانت الام اول المتسائلين:
(خير ياعمر؟؟؟) تبعها الاب متسائلا (فيه حاجه يا بني ؟؟؟)
رد عمر مبتسما أبتسامه مصطنعه وهو ينظر لناديه (انا لازم اسافر دلوقت)
كانت جملته كفيله ببث الفوضي، فبدأ الجميع في التحدث في وقت واحد كل
يتساءل عن الداعي للسفر ، وأستشطات الام غضبا وتحولت لهجتها الي الحدة (يا
بني انت لحقت دا انت يا دوب لسه نازل اجازة)
وتبادرت التعليقات من الجميع ، الا ان عيني عمر كانتا مع ناديه التي أكتسي
وجهها لثانيه بالحزن سرعان ما مسحتها وتبسمت علي استحياء متقبله موقف يجب
ان تتعود عليه بصفتها زوجه مستقبليه لضابط طيار وقته ليس ملكه بل ملك
الوطن ويمكن استدعاؤة في اي وقت ، هكذا شرح لها عمر حياته المستقبليه قبل
ان يطلب يدها للخطبه تحسبا الا تكون ناديه متقبله مثل هذا الموقف .
رغم علم عمر بان ابتسامتها مصطنعه الا ان مجرد أبتسامتها اراحته ، فأستدار
نحو والدته مقبلا رأسها مرددا بسخريه (ما انتي عارفه يا ست الكل إن أبنك
راجل مهم دلوقتي ، والبلد متعرفش تمشي من غيري)
تبسمت الام مجامله لابنها وسئلت أخته الصغري (هتسافر أمتي يا عمر ؟) رد
عمر (المفروض اكون في مطار الماظه بعد ساعه) فتدخل الاب (خلاص غير هدومك
انت عقبال ما أجهز انا كمان وانزل أوصلك) أندفعت ناديه في الحوار مرددة
(وأنا جايه معاكم).
قامت الام مسرعه من كرسيها وقد تذكرت شيئا مهما (هاحضر لك شنتطك ، .....
بس انا ملحقتش أغسل هدومك .... هتتصرف إزاي ؟؟) رد عمر (مش مشكله يا حاجه
انا هتصرف في العريش)
دخل عمر لغرفته ليبدأ في تغيير ملابسه ، وأمام مرأة غرفته تمهل لثانيه ونظر لنفسه سارحا
(ما هو شعور ناديه الان ، وهي تري مدى أهميتي ، وكأن ليس بالطيران طيار أخر غيري، وكأن البلد لا تستطيع ان تسير بدوني!!!)
لكنه عاد و طرد هذا الهاجس المتعجرف المغرور من تفكيرة بسرعه ليعود لتغيير
ملابسه وهو يفكر في الامر الهام جدا الذي يتطلب أستدعاؤة مرة اخري الي
قاعدته ولماذا لم يصرح الضابط المتصل به عن سبب الاستدعاء
بعد دقائق تجمع أفراد الاسرة مرة اخري في الصاله حيث استعد الاب وناديه
لمصاحبه عمر الي المطار ، بينما فرغت الام من أعادة محتويات حقيبه السفر
لداخلها مرة اخري ، وملئت حقيبه أخري بأنواع مختلفه من الطعام خرج عمر من
غرفته وقد أرتدي بذلته الزرقاء اللون ، ربما رأته ناديه مرتين او ثلاث
بنفس الزي لكن كل مرة يرفرف قلبها طربا من وسامه خطيبها في هذا الزي ،
فهذه البدله لم تخلق الا لكي يلبسها عمر ....هكذا حدثت نفسها .
تحرك عمر سريعا مودعا عائلته وحمل الاب حقيبه أبنه مسرعا الي حيث سيارته
تنتظر ، وداع سريع لا يعطي فرصه لإنفلات المشاعر هو ما يفضله عمر دائما
خاصه مع والدته التي تنهمر دموعها فيضان كلما سافر عمر ، أسرع عمر خارجا
من الشقه ممسكا بيد ناديه خلفه ، تاركا والدته تركض نحو الشرفه لتوديع
ابنها ومن خلفها شقيقاته وازواجهم، ركب عمر في السيارة بجوار والدة ومن
خلفهم ناديه وتحركت السيارة مسرعه تجاة ضاحيه مصر الجديدة حيث مطار الماظه
، مخلفين ورائهم نظرات الحاجه من البلكونه ، وبعد ثوان من الصمت تساءل
الاب بجديه (هو فيه ايه يا عمر ؟ دي أول مرة يستدعوك بالطريقة دي) رد عمر
(والله ما انا عارف يا والدي – بس أكيد مفيش حاجه مهمه ، ممكن تفتيش مفاجئ
علينا أو فيه زيارة مهمه للمطار علشان كدة طلبوني)
كان عمر يطمئنهم لكنه كان يعلم انه يكذب ، فحتي في حاله التفتيش أو
الزياره ،فأن الامر لا يستدعي الغاء أجازته ، فقد كان هو نفسه متحير لكنه
اراد بس الطمأنينه في نفس ناديه في المقام الاول .
وصلت السيارة بعد دقائق قليله الي بوابه المطار ، حيث فوجئ عمر بعدد غير
قليل من السيارات التي تقل الطيارين متوقفه امام بوابه المطار ، فتبارد في
ذهنه استنتاج هام بان هنالك أمر مهم جدا ، فمن الواضح ان الاستدعاء يشمل
جميع الطيارين الذين في أجازات وهو امر غريب لم يألفه .
فأستدار ضاحكا الي ناديه (شوفتي يا سيتي ، أهو مش انا بس اللي أستدعوني)
حاولت ناديه التبسم لكن حزنها لفراق عمر غلب علي ملامح وجهها .
توقفت السيارة وهبط الجميع منها ، استدار الاب مسلما عمر حقائبه ، بينما
تعلقت نظرات ناديه بعيني عمر والتي رأت فيهما القلق المختبئ وراء النظرات
المطمئنه ، قًَبل الاب ولدة متمنيا له السلامه والتوفيق ، واستدار عمر
وبدلا من أن يصافح يد ناديه الممدودة له كالعادة ، تقدم منها وأحتضن رأسها
وطبع قبله عميقه علي رأسها ، هذا التصرف من عمر حطم دفاعاتها وظهرت دموعها
المحتجزة علي السطح سريعا
وهي تنظر اليه بلا أي قوة لقول أي شئ ، مسح بأصابعه دمعه تدحرجت علي خدها
محمله ببعض المساحيق ونظر الي عينيها بعمق محاولا طمئنتها (ليه الدموع دي
؟ كلها كام يوم وتلاقيني هنا تاني) ثم صمت لثوان محدقا في عينيها ، ثم
أستطرد (لا اله الا الله) ....... أستكمل الاب وناديه الشهادة ، واستدار
عمر متجها لبوابه المطار وسرعان ما اختفي خلف الابواب الحديديه .
ومع دخول عمر اسوار المطار ، أنهارت ناديه وأرتمت في حضن الاب باكيه بشدة
، أحتضن الاب خطيبه ابنه ، وهو يعرف أن قلق الجميع له محل ، فوجوة
الطيارين الداخلين للمطار قلقه ، كذلك أسرهم التي تودعهم .