GENeRAL
نقـــيب
الـبلد : التسجيل : 26/10/2008 عدد المساهمات : 858 معدل النشاط : 897 التقييم : 14 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: بناء القوة العسكرية المطلقة الأحد 14 يونيو 2009 - 4:22 | | | بناء القوة العسكرية المطلقة تزمع الحكومة الأمريكية زيادة موازنتها العسكرية بمقدار 14% ، أي بحوالي 48 بليون دولار. وهذه الزيادة لوحدها تفوق مخصصات الموازنة العسكرية(34،8 بليون دولار) للدولة الثانية الأكثر إنفاقا، بريطانيا، على الشؤون العسكرية. ولو أضفنا الموازنة العسكرية الروسية ( 29 بليون دولار) إلى الموازنة العسكرية الصينية ( 14،5 بليون دولار ) لعجزتا أن تبلغا حجم هذه الزيادة السنوية. كما أن الموازنة العسكرية الأمريكية الحالية البالغة حوالي 350 بليون دولار تزيد عن مجموع الموازنات العسكرية للدول السبع التالية لأمريكا في حجم الإنفاق العسكري. وتعقلن الولايات المتحدة الصعود الكبير في سلم الإنفاق العسكري بحجج واضحة وأخرى غامضة. فهي تستحضر باستمرار الحرب ضد الإرهاب حيث يؤكد بوش أن القوة العسكرية الأمريكية " يجب أن يكون في متناول يدها كل مورد وكل سلاح تحتاجه كي تحقق نصرا كاملا وحاسما". ومن جهة ثانية يحذر تقرير أخير للبنتاغون، كما ذكرت الكريستيان ساينس مونيتر، من " تغيرات سريعة وغير متوقعة" في العالم. بل أن التقرير يذهب بعيدا في التعمية والتمويه ليؤكد وجود اتجاهات" جيوسياسية " تصوغ العالم وتشمل " قدرا كبيرا من عدم اليقين حول المصادر المحتملة للمخاطر العسكرية ، وإدارة الحرب في المستقبل، وشكل التهديدات والهجمات ضد شعبنا". ولعل الحديث عن الإرهاب بحد ذاته يلفه الغموض في ثناياه وإن بدا عنوانه واضحا. فهو ككل مصطلح إجمالي مبهم حتى يبين وعام حتى يخصص ومطلق حتى يقيد، بل أن التعريف الأمريكي له زاده إشكالا . فكل من ليس مع أمريكا فهو مع الإرهاب ويلحقه قصاص الإرهاب. ومن الخطأ الفادح الظن أن الأسباب المقدمة لتبرير الموازنة العسكرية هي في بعض دوافعها إقناع العالم برصانة حججها وقوة منطقها وعدالة اختياراتها، فهذا أمر أضحت لا تقيم له وزنا ولا تعطيه بالا. فجوهر ما يحفزها لصياغة المسوغات هو تسهيل بلع الشعب الأمريكي للإنفاق العسكري المتضخم في الوقت الذي يعاني فيه من بطالة متزايدة وفقر متنام لبعض فئاته بل وجوع لبعض أبنائه. فتقرير" الحصاد الثاني لأمريكا" الذي أصدرته شبكة المنظمات الخيرية الأمريكية يؤكد أن 23،3 مليون أمريكي سعوا وحصلوا في عام 2001 على إغاثة جوع طارئة من هذه الشبكة. ويزيد هذا الرقم بحوالي المليونين عن مثيله في عام 1997. ويطيح التقرير بالأساطير المخففة للمشكلة القائلة بأنها أي المجاعة موجودة في مراكز المدن أو تشمل الذين بلا مأوى أو من أناخت عليهم البطالة العضال بكلكلها، إذ يؤكد أن 40% من الأسر التي سعت إلى الغذاء في هذه الجمعيات شملت بالغا عاملا، وأن 11% ممن حصلوا على الإعانة الغذائية من كبار السن، وأن من بين هذه الملايين الجائعة تسعة ملايين من الأطفال. هذا حصاد مرير ومحبط لحقل يانع بالخيرات، فأين ذهبت ثماره؟ لقد ولت بها غربان الاحتكار! شركات السلاح والغذاء والدواء والمال...الخ. وإلى جانب المجاعة فهناك ملايين أخرى ترزح في الفقر أو تزحف تدريجيا صوبه. هذه الملايين تحتاج للإقناع بأن هناك ما هو أخطر من جوعها وأدهى من فقرها ذلكم هو أمنها وسلامتها. ولعل الاستهتار بالرأي العام الدولي لا يحتاج إلى بيان فأمثلته تسعى بين الناس ومظاهره تحيط بالبلدان، ولكن واحدا له دلالته في هذا المجال. ففي هذا اليوم الذي يلقي فيه الرئيس الأمريكي خطابه ليسوق الزيادة في الإنفاق العسكري كاسيا إياها بغطاء حلو المذاق عن مساعدة العاطلين عن العمل لتخفيف علقم الدواء، نجد ممثله في الأمم المتحدة يمنع العون عن فقراء العالم. فقد اعترضت الولايات المتحدة على مقترح للأمم المتحدة يرى أن " زيادة كبيرة " في المعونة الدولية ضرورية لخفض عدد الأفراد الذين يعيشون في مستنقع الفقر في العالم. وخلاصة المقترح الذي وافق عليه أكثر من 150 بلدا أنه يحث البلدان المتقدمة أن تنفق 7،.% من ناتجها القومي لمساعدة البلدان الفقيرة حيث يعيش ثلاثة بلايين من البشر على أقل من دولارين في اليوم. ولكن أمريكا ترى أن على البلدان الفقيرة أن تحسن إنفاق ما تحصل عليه الآن. وفي الواقع فإن هذا المقترح أقل مما أقرته الأمم المتحدة قبل أكثر من عقدين حين حددت في وقته نسبة 1% هدفا للمساعدة ، ولكن مساعدات البلدان المتقدمة لم تصل لهذا الهدف فيما عدا دولة السويد على ما أذكر.أما الولايات المتحدة فلم تصل نسبة مساعداتها في ذروة الحرب الباردة لأكثر من ثلث هذا الرقم ثم انخفضت مساعداتها الخارجية حتى أصبح نصفها مساعدة لإسرائيل مباشرة أو غير مباشرة من أجل تحييد مصر في الصراع العربي الإسرائيلي. أما النصف الآخر فيذهب كالعادة لتسهيل الطريق أمام سياساتها في القارة الإفريقية. فأمريكا تعلن بالقول أن كل أهدافها وأن جميع مراميها أن تحقق الأمن للعالم وأن تحمي الشعوب من خطر الإرهاب، وتؤكد بالفعل وتوطد بالممارسة كونها لا تأبه بحياة الناس ولا تشغلها مآسيهم حتى وإن كانت من جراء سياساتها ومن تداعيات تصرفاتها. فما تلقي به الولايات المتحدة من حجج قد لا يقنع العالم بقوتها وبمصداقيتها، ولكنها كافية لأن تجلب الرضا وأن تضمن الصمت في الأجل القصير من كافة الناس داخل بلدها. فالمؤسسة الأمريكية عملاق في قدراتها على خلق الرأي العام الداخلي وعلى صياغته على النحو الذي تراه وعلى تشكيله على مقياس ما تريد. ومن قوتها أنها لا تتجنب الأسئلة الصعب أو تجاهلها بل تحسن ركوب مطيتها واعتلاء ظهرها حتى تجريها مجراها. فلقد طرحت منذ الأيام الأولى لأحداث الحادي عشر من أيلول( سبتمبر) السؤال الجوهري: لماذا يكرهون أمريكا؟ ولم تكن الإجابة على هذا السؤال على صعيد مناقشات الكونغرس أو على مستوى الإعلام، إلا استثناءات قليلة، أو تنطعات عموم الخبراء لتلمس جوهر السياسات الأمريكية وآثارها ونظرة الشعوب إليها. بل واصلت على عادتها تسطيح المسائل وتسخيف المقولات وتغييب العقل استمراء لتجهيل جمهور الناس ورغبة في تسييرهم إلى حيث تريد. ولا ينفي ذلك وجود أفراد كثر ومؤسسات عدة تغوص إلى لب المشاكل وتتحرى جوهر الأمور لكن وصولها إلى جمهور الناس دونه أسوار الإعلام الإحتكاري وأسوجة القدرات المالية. والحجج التي تسوقها الولايات المتحدة لتبرير زخم الإنفاق العسكري لا تنطلي إلا على من لا يقرأ أو تستهويه الغفلة. فقوة أمريكا العسكرية من الضخامة أنها تشل الدول الأخرى صغيرها وكبيرها عن التفكير في التحرش بها، لأنها تعلم أنها وإن قد تلحق الضرر بأمريكا لكن الرد الأمريكي قد يحطمها إن لم يمحقها. وما تخزنه بعض الدول من أسلحة ، كروسيا والصين مثلا، فهي لتدرأ عن نفسها الطغيان الأمريكي، ولتقول لأمريكا أن عدوانها له كلفة . فقوة أمريكا ليست مطلقة ولكنها نسبية، أي أنها قد تنتصر في حرب تخوضها لكن كلفة هذه الحرب عالية مع بعض الدول لا قدرة لمجتمعها على تحملها. فهي لا تحتاج إلى مزيد من أسلحة الدمار لتحمي نفسها. وتصديقا لذلك يقول إيفان إلاند مدير دراسات الدفاع في معهد كاتو في واشنطن " إن الولايات المتحدة في الوقت الراهن أكثر هيمنة عسكريا تجاه بقية العالم من الإمبراطوريتين البريطانية والرومانية في أوجيهما". فإذا كانت هذه قوتها تجاه البلدان فما بالك عن عنفوانها تجاه الأفراد أو الجماعات. فإن عجزت بهذه القوة أن تمنع ما حدث في نيويورك وواشنطن فلن يمنع تراكم المزيد منها من يريد الموت أن يصل إليها. وأمريكا تعرف ذلك. ولكنها تسعى نحو القوة المطلقة. فقدرات أمريكا العسكرية الراهنة تخيف الدول الصغرى وتقض مضاجع الدول الكبرى، وتتيح لها إملاء سياساتها على الأولى والتأثير على سياسات الثانية. ولكن أمريكا تخشى المنافسة في المستقبل وهى تعمل على تعطيل بروزها وتخطط لأن تمنع حصولها أصلا. وهذا لا يتأتى إلا حينما تمتلك ناصية القوة المطلقة، أي حينما تستطيع أقمارها أن تحرق أي جسم راقد أو طائر، وحينما تتمكن من أن توقف في الطريق أي رد فعال، وحينما تصبح قدرات الآخرين عاجزة أن تحمي نفسها. حينذاك ستجرد العالم من أسلحته لتبقى أسلحتها، وتعري البلدان من قدراتها التقانية إلا ما تجيزه لتتقدم تقانتها، وعندئذ سيكون العالم ملك يديها تصوغه كما تشاء وترسم معالمه كما يحلو لها. هذا ما تسعى نحوه الآن بقوة لأن نخبتها تدرك أن الآخرين ليسوا في حال يقدرون على منعها، وليسوا في وضع يستطيعون منه مجاراتها. ونجاحها مرهون بسرعة تقدمها التقاني ومشروط بحيوية وفعالية الآخرين في مواجهة الأخطار المحدقة بهم، وبالتأكيد فالوطن العربي في وضعه الراهن ليس من هؤلاء الآخرين. وما يرفد هذه السياسة طموحات صناعات الأسلحة لمزيد من الأرباح الناجمة عن العقود التي ستلقى في أحضانها، وتوق المؤسسة الأمريكية لكي تسارع تقدمها التقاني. فهي حملة اجتياح التخوم الأخيرة في العالم. فإن اجتازتها فإنها تحمل بذور فنائها. لأنه حينما تسقط الدول بعجزها عن حماية شعوبها ستتحول كلها إلى غيران وكهوف يسكنها الساخطون الراغبون في الموت الكارهون للحياة، وحينذاك لا اختيار لأمريكا إلا أن تنكفئ إلى داخل أسوارها وتغلق الأبواب على نفسها. |
|