د. سعد أبو دية
رافقت مجزرة السموع في 13/11/1966 معركة جوية مهمة جدا هي ثاني معركة يخوضها سلاح الجو الأردني مع إسرائيل، كانت الأولى في آخر 1964 وهذه هي الثانية، وسوف أتحدث عن مجزرة السموع التي قامت بها إسرائيل في ذلك اليوم مما أدى إلى تدخل السلاح الجوي الأردني.
موقع السموع:
تقع السموع في أقصى جنوب منطقة الخليل وعلى بعد أربعة كيلومترات داخل خط الهدنة. واختارها الإسرائيليون كونها قريبة من مواقعهم وبعيدة عن معسكرات الجيش العربي الأردني ومن المتوقع أنهم سيقومون بالعدوان والعودة قبل وصول الإمدادات الأردنية.
الهجوم:
هاجم الإسرائيليون القرية وفيها 4000 لاجئ بأربعة آلاف جندي بهدف إيواء (ارهابيين) قادمين من سورية. الهجوم كان في الساعة الخامسة والنصف صباحاً واستمر أربع ساعات.
تشكلت القوة من خمس دبابات (باتون) وسيارات مصفحة وجيب وطائرات، وبدأت التدمير والقتل ودمرت 46 منزلاً ومستشفى وقتلت (21) وجرحت (37) من الجنود فقط.
النجدة الأردنية:
أرسل الأردنيون نجدة تحركت في السادسة والربع من الخليل. خسرت القوات الأردنية في كمين نصبه الإسرائيليون (21) جندياً.
مجلس الأمن:
كان وصفي التل رئيس الوزراء واشتكى الأردن لمجلس الأمن وجاءت التوصية ضد إسرائيل بالإجماع تقريباً (ما عدا دولة واحدة هي نيوزيلندا).
ظل الهجوم حتى الساعة 1030. وخاض الجيش العربي معركة وأرسل أربع طائرات (هوكر هنتر) واستشهد الطيار موفق السلطي، وفيما يلي رواية قائد سلاح الجو الأردني صالح الكردي:
روى لي في يوم 14/7/2008م، قائد سلاح الجو الأردني السابق الفريق الطيار المقاتل (صالح الكردي)، أنه بعد وصول المعلومات لقيادة سلاح الجو عن النشاط الجوي المكثف فوق الخليل، أقلع تشكيل من الطيارين موفق السلطي، واحسان شردم.
وذهبا على الفور بطيارتيهما إلى سماء المعركة، ولحق بهما تشكيل آخر من: جاسر الزياد، فاروق عابدين.
وتم وضع تشكيل ثالث احتياطي في سماء عمان، أدى الطيارون دورهم على أكمل وجه، وأداروا المعركة الجوية بنجاح، وعادوا إلى قواعدهم سالمين، ما عدا الشهيد موفق السلطي، إذ أصيبت طائرته وقفز بالمظلة، ولكن للأسف ولأن الطائرة في حالة ميلان، فقد قذفته أفقيا، ولم تفتح المظلة، واستشهد على الضفة الغربية من البحر الميت، إذ استطاع الطيار مروان نور الدين قائد الهيلوكبتر أن يعثر على جثته الطاهرة في تلك البقعة.
كانت النتيجة اسقاط طائرتين إسرائيليتين ميراج (3) وإصابة ثالثة سقطت في الأراضي المحتلة، ويذكر قائد سلاح الجو أن موفق السلطي كان على كفاءة وأرسله في دورة إلى بريطانيا تعرف بمدرب قتالي (Pilot Attacking Instructor )، وهي دورة مكلفة جدا ولا يذهب إليها إلا قلائل.
وأكمل قائد سلاح الجو السابق أن هناك معركة سبقت هذه المعركة في 21/12/1964م، واشترك فيها الطيارون: فراس العجلوني، جورج متى، بدر الدين ظاظا، وغازي الصمادي.
وقعت المعركة في منتصف النهار تقريبا وفوق البحر الميت، وأسقطت لإسرائيل فيها طائرة، وقام الحسين رحمه الله، بمنح الطيارين وسام الإقدام.
ملاحظات:
أولا: استخدم الطيارون الأردنيون طائرات الهوكر هنتر، وهي بريطانية، واستخدم الإسرائيليون طائرات ميراج (3) في كل المعارك السابقة.
ثانيا: في المعركتين تفوق الأردنيون على الإسرائيليين.
ثالثا: في المعركتين كان قائد سلاح الجو (صالح الكردي).
عن استشهاد موفق السلطي:
كتب الطيار الإسرائيلي الذي أسقط طائرة موفق أنه درس تكتيك موفق في القتال الجوي، وكان موفق متفوقاً في سماء المعركة فوق البحر الميت وبعدها قرر الهجوم ونجح في إسقاط طائرة موفق بعد أن درس أسلوبه في المعركة.
تعليق صادق الشرع:
كان العسكري الأردني اللواء السابق في الجيش موجوداً في الكويت آنذاك وكتب:
(ولقد كان لمعركة السموع هذه وقع شديد على الحكومة الأردنية كما وجهت له انتقادات مريرة من البلدان العربية على أساس أنها قصرت ولم تقم باتخاذ إجراءات فعالة لنجدة السموع وأن ما أرسلته من القوات أثناء المعركة كان قليلاً وجاء متأخراً بحيث لم يكن له تأثير فعال على سير المعركة ولم يذكر أحد من المنتقدين تلك الخسائر الضخمة من القتلى والجرحى التي تكبدتها قوة النجدة التي أرسلها الجيش العربي لهذه القرية.
كما لم يذكر أحد أن هذه المعركة التي خاضتها قوة النجدة في موقع الكمين كانت هي السبب في تأخر وصولها للقرية. لم يكن هذا التأخر بسبب التقاعس في إرسالها.
ويضيف إنني أعتقد أن العسكريين الأردنيين والضباط والجنود قد عملوا كل ما في وسعهم لنجدة هذه القرية بحسب الإمكانات المتاحة لهم في تلك المنطقة وتكبدوا في سبيل ذلك عشرات القتلى والجرحى، وأن المسؤولية الرئيسية في هذا الحادث وغيره تقع على عاتق القيادة العربية الموحدة.)
وصفي التل يكشف مزيداً من الأسرار:
كشف وصفي التل أن عملية السموع ليست غارة انتقامية عادية، ولكنها عملية غزو استخدمت فيها إسرائيل نصف ما استخدمت في غزو سيناء إذ حشدت (4000) جندي للسموع وحدها.
ملاحظة: [كان في السموع 4000 لاجئ يعني جندي لكل لاجئ وهذه أعلى نسبة في المواجهة بين المواطنين والجيوش المعادية] وحشدت أكثر من هذه القوة تجاه القدس وحشدت أكثر من هذه القوة في جنين وفي بيسان وكان الاستنتاج الأردني صحيحاً أن القوة قوة غزو للضفة الغربية كلها.
رد وصفي التل على من قال إن الخطوط الأمامية خالية وذكر أن هناك ثلاثة ألوية مسلحة وأن المواطنين مسلحون بأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة أحياناً. وذكر أن أهالي (يطة)، قرية جنوب الخليل، أرسلت نجدة للسموع فيها (1000) مسلح... وأن ما يقال أن الخطوط الأمامية خالية هو (أكذوبة) والمشكلة أن عملية كبرى بهذا العدد من الجنود الإسرائيليين والطائرات يستحيل أن تقابلها مقاومة أكثر من المقاومة السابقة الذكر التي قام بها الجيش والأهالي.
وذكر وصفي أن السموع أرهقت الأردن وأن كل قرية في الضفة الغربية أصبحت تريد قوة حماية، علماً بأن وصفي التل يرى أنك ستظهر مثل من فقد عقله إذا أردت أن تدافع عن حدود طويلة بأن تجلس وفي يدك مسدس إذا هاجم العدو ترد عليه فالأفضل أن يتعلم الشخص سرعة الرد باستخدام المسدس وأن إسرائيل لا ترهق نفسها بهذه الإستراتيجية وتتبع نظرية القتال [قصة السيريت بكوك دوه]. وهي الردع وتدريب الجنود على سرعة سحب المسدس.
ملاحظة: [ الغريب أن العرب انتقدوا كلوب عندما طرح هذه الأفكار ذاتها وأن الجيش يجب أن يكون جاهزاً في الجبال وأن تحمى القرى الأمامية بحرس وطني وراءه جيش يتحرك بسرعة إلى المنطقة التي تعرضت لهجوم..].
وأثناء إقامتي في أكسفورد بحثت مع أحد ضباط الجيش العربي الإنجليز السابقين جيمس لنت هذا الموضوع والمذابح التي قامت بها إسرائيل على الحدود في فترة 1948-1956م. كانت بريطانيا ترتبط بمعاهدة مع الأردن وقائد الجيش إنجليزي وذكرت له أن هذه المذابح توقفت بعد رحيل كلوب حتى عادت ثانية عام 1966 مرة واحدة في السموع وبعدها أخذت اسرائيل الضفة الغربية. ولاحظت أن (لنت) أطرق طويلاً..... وأخذ يردد كلامي فقط... وظهر أنه مهتم في الموضوع للغاية ولم يبد رأياً ولكن أبدى اهتماماً غير عادي بالحديث وكرر التساؤل نفسه.
وأخيراً كتب الحسين نفسه عن السموع واقتبس فقرة صغيرة هي:
"ومع هذا لا بد أن أعترف أن إعادة الأمن إلى نصابه قد استغرق عشرة أيام وأن أهم ما أسفرت عنه أحداث تشرين الثاني 1966 كان إفلاس الوحدة العربية وهو إفلاس أحسسنا به في الداخل والخارج. في الداخل أصبحت القضية الفلسطينية مستعصية الحل بعد حادث السموع وفي الخارج أخذ الرأي العام يبتعد عنا".
الفرق بين تصرف أهالي يطة والتصرف العربي:
لاحظت وكما ذكر وصفي التل أن أهالي يطة أرسلوا ألف مسلح للنجدة.لم نعرف ماذا عملوا بالضبط. تقع يطة بين الخليل والسموع، والسموع في أقصى الجنوب شمال بير السبع. وهكذا فإن تصرف أهالي يطة أكثر عملية من تصرف العرب خارج الأردن الذين انتقدوا وتظاهروا بدلاً من المساعدة.
ملاحظة: اتمنى ان اسمع رواية احد المناضلين المتطوعين الذين لم يذكرهم احد سوى وصفي التل.