اد العميد الركن (م) - إبراهيم بن إسماعيل كاخيا
|
دبابة |
الدبابة،
كما تعرّفها الموسوعة العسكرية، أداة قتالية تكتيكية، تجمع بين قوة
النيران والصدمة والحركية بآن واحد معاً، فضلاً عن أنها توفر حماية نسبية
لسدنتها وطاقمها عن طريق التدريع، وقد عرف العرب في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم مثل هذه الآلة القتالية، واستخدمها الرسول العربي في حصاره لبني
ثقيف في «الطائف» وكانوا يسمونها (دبابة) بحكم أنها تدبّ على الأرض دباً،
ووصف المؤرخ العربي «الطبري» هذا الحديث فقال:«دخل نفر من أصحاب رسول الله
تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد
محماة بالنار، فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل».
والدبابة بالمفهوم
الحديث: عبارة عن عربة مدرعة مسلحة جيداً تسير على جنزير، وتستطيع السير
والقتال في مختلف الأراضي فترة طويلة نسبياً، نظراً لما تحمله من وقود
وذخائر، ويمكنها العمل في الليل والنهار، وتملك (بنسب تفاوتة) قوة نارية
كبيرة، وقوة صدمة، وقدرات حركية عالية، وتضمن الوقاية النسبية للطاقم
الموجود في داخلها.
لقد أوجدت الدبابة، كواسطة من وسائط الصراع المسلح،
ثورة في الفن العسكر وغيرت طبيعة الحرب بشكل جوهري خلال القرن العشرين،
لامتلاكها الحركية والمناورة والحماية بواسطة الدرع، بالاضافة إلى قدرة
نيران مدفعها، هذه الثورة لم تكن واضحة إطلاقاً عندما ظهرت الدبابة أول
مرة على أرض المعركة في عام 1916م. بعد أن صنعتها إنكلترا أو فرنسا
لمجابهة المعضلات التكتيكية في ذاك الحين عند مهاجمة خنادق العدو. لقد
برهنت الدبابة عن نجاحها التكتيكي عندما تمكنت الدبابات البريطانية من كسر
جمود حرب الخنادق في معركة «كمبري» عام 1917م.
إلا أنها لم تستطع آنذاك
تحطيم القيود التقليدية للحرب العالمية الأولى وإعادة قدرة الحرب على
الحركة، لأنها زجت في المعركة دون التفكير باستخدامها التكتيكي، وبعد ظهور
الدبابات بفترة وجيزة، بات جلياً أنها قادرة على الاضطلاع بمهام أخرى
كتقديم الدعم القريب للمشاة، واستثمار النجاح بعد خرق دفاعات العدو.
لقد
أدرك بعض المفكرين العسكريين حينذاك كالجنرال «فولر» والكابتن «ليدل هارت»
والكولونيل «ديغول» والجنرال «إيتان» في فرنسا، والجنرال «غودريان» في
ألمانيا، الذي يطلق عليه «أبو الدبابات» والمارشال «توخاتشيفسكي» في
الاتحاد السوفيتي، أن للدبابات إمكانات أوسع، إذ باستطاعتها أن تكون
السلاح الرئيسي للقوات البرية في المستقبل، لذلك راحوا يطالبون بإعادة
تنظيم الجيوش حول الدبابات، إلا أنه لابد من إدخال تحسينات كثيرة على
الدبابة، قبل أن تصبح هذه الإمكانية قابلة للتحقيق، وتم إحراز تقدم كبير
في صنع الدبابات خلال العشرينات ومطلع الثلاثينيات، وعملت هذه التحسينات
في زيادة سرعة الدبابة وتطوير مدفعها.
وتم إحراز تقدم في إنشاء تشكيلات
برية تعتمد على الدبابات، وكان أنجحها فرق «البانزر» الألمانية التي لعبت
دوراً حاسماً في الحرب الخاطفة ضد بولونيا عام 1939م، وضد فرنسا عام
1940م، في هذه المعارك والمعارك اللاحقة في الحرب العالمية الثانية أظهرت
الفرق المدرعة أنها تملك من حرية الحركة والقوة الضاربة أكثر بكثير من فرق
المشاة التي كانت الركيزة الأساسية للجيوش في ذاك الحين وزادت أعداد فرق
الدبابات في الجيوش الحديثة.
قد يضيق بنا المقام لسرد تاريخ تطوير
واستخدام الدبابات، لكن نقفز إلى استخدامها في حرب العاشر من رمضان عام
1393هـ. (حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973م) التي شارك فيها ما ينوف عن
ستة آلاف دبابة قتالية إلى جانب الوسائط القتالية الأخرى - وبلغت خسائر
الطرفين المتحاربين فيها من العتاد المدرع نصف ما يملكه كل طرف من
الدبابات. ولا يعرف تاريخ الحروب الحديثة مثيلاً لهذا الصراع الضاري، وهذه
الخسائر الضخمة التي وقعت في مهلة قصيرة لا تتجاوز العشرين يوماً.
ودراستنا في هذا المقال تركز على دراسة «دبابة القتال الرئيسية» Main
Battle Tank التي ظهرت إلى الوجود في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
العناصر المكونة للدبابةالحديثة
كانت
الدبابات في الفترة من العام 1916م حتى أواخر الأربعينات تقسم إلى ثلاثة
أنواع (أو فئات) واعتمد الوزن كأساس لهذا التقسيم الذي صنف الدبابات خلال
الفترة المذكورة إلى: ثقيلة، ومتوسطة، وخفيفة. فالدبابة الثقيلة وصل وزنها
في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى ما يقارب الـ 50 طناً وحتى 68 طناً،
والدبابة المتوسطة هي التي وصل وزنها في ذاك الحين إلى 25 - 40 طناً
ابتداءً من العام 1942م، والدبابة الخفيفة هي التي يقل وزنها عن 20 - 25
طناً. ولكن في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية طرأ تطور هام على
التقسيم التكتيكي لفئات الدبابات، إذ بقي مفهوم الدبابة الخفيفة على حاله
(مع بعض التطويرات)، وتوقف اعتماد مفهومي الدبابة الثقيلة والدبابة
المتوسطة نظراً للتداخل الكبير بين قدراتهما ومواصفاتهما.
وتم جمع
المفهومين في مفهوم أساسي هام أطلق عليه تعبير «دبابة القتال الرئيسية»
Main Battle Tank كما ذكرنا آنفاً، حيث أصبح هذا التعبير يطلق على كافة
الدبابات الرئيسية، بغض النظر عن وزنها وتسليحها وسماكة دروعها، ما دامت
معدة للقيام بالمهمات القتالية الرئيسية (الأساسية) في القوات المدرعة.
وهكذا
أصبحت دبابة القتال الرئيسية ذات وزن يتراوح من 30 إلى 50 طناً، وغدا
تسليحها الرئيسي مكوناً من مدفع يفوق عياره في معظم الأحيان 90 ملم ويصل
إلى 120 - 125 ملم. وبغضّ النظر عن وزن الدبابة، فقد روعي في تصميمها سرعة
الحركة والمناورة، بعد أن أصبح ذلك ممكناً بفضل التحسينات النوعية التي
طرأت على صناعة المحركات.
تتكون الدبابة، من الناحية التقنية
«التكنولوجيا»، من ثلاثة عناصر هي: قوة الدفع، والدرع، والتسليح، يضاف إلى
ذلك التجهيزات الألكترونية التي تحتل أهمية بالغة في الدبابات الحديثة:
1-
وتأتي قوة الدفع من محركات البنزين أو الديزل التي تشغل الدبابة: وهي
محركات ضخمة تصل قوة بعض نماذجها الحديثة إلى أكثر من 1000 حصان بخاري،
ولقد دخلت المحركات النفاثة (التوربينية) عالم صناعة الدبابات في الربع
الأخير في القرن العشرين، وباتت تنتشر بالتدريج في تجهيز الدبابات الحديثة.
وتعتمد
مناورة الدبابة وسرعتها ومدى عملها بشكل رئيسي على قوة محركها، ويسعى
المصممون إلى زيادة نسبة عدد الأحصنة لكل طن من وزن الدبابة وتتراوح نسبة
القوة إلى الوزن في الدبابات الرئيسية من 15 - 20 حصاناً للطن الواحد،
وإلى 26 حصاناً للطن الواحد في بعض الدبابات الخفيفة، ويسعى المصممون منذ
عقد الثمانينيات من القرن الماضي إلى إنتاج نماذج، تبلغ نسبة قوة الدفع
إلى الوزن فيها 30 حصاناً، للطن الواحد، وهذا يعني تزويد الدبابة التي تزن
50 طناً بمحرك قوته 1500 حصان بخاري.
والوقود المستعمل في تشغيل
المحركات هو الديزل أو البنزين، وتستخدم بعض المحركات أنواعاً متعددة من
الوقود، ويؤمن استخدام البنزين كوقود، صيانة أفضل للمحرك ومعدل قوة أعلى
بالنسبة إلى الوزن، وسرعة أكبر للدبابة، وتشغيلاً أسرع للمحرك، إلا أن هذه
المحركات تحتاج إلى كميات كبيرة من البنزين، وتجعل اشتعال الدبابة عند
الإصابة أكثر احتمالاً. أما محركات الديزل فاستهلاكها من الوقود أقل،
وبالتالي فإن مدى (عمل) الدبابات التي تستخدم هذا النوع من المحركات يكون
عادة أطول بما يعادل الضعف.
2- أما تسليح الدبابة الرئيسي فهو المدفع،
ويتراوح عياره من 90 - 120 ملم في الدبابات المتوسطة، وقد يكون المدفع ذا
جوف (جف) محلزن كما في معظم الدبابات التقليدية مثل المدفع البريطاني عيار
105ملم، أو ذا جف أملس كما في المدفع الروسي عيار 115 ملم. وتكون السرعة
الابتدائية لقذائف هذه المدافع ذات الجف الأملس أكبر من السرعة الابتدائية
لقذائف المدافع المحلزنة. وبالتالي فإن قدرتها على الخرق أكبر. وتطلق
مدافع الدبابات أنواعاً متعددة من القذائف مثل: القذائف الخارقة للدروع
AP، وقذائف خارقة للدروع نابذة للكعب لها زعائف تثبيت APFSDS، وخارقة
للدروع نابذة الكعب APDS، وقذائف شديدة الانفجار مضادة للدبابات HEAT،
وقذائف شديدة الانفجار HE وشديدة الانفجار ذات رأس مهروس HESH وشديدة
الانفجار خارقة للدروع HEAP، وقذائف شظايا، وقذائف إنارة.
أما تسليح
الدبابة الثانوي فيشمل الرشاشات أو المدافع الرشاشة، وتحمل الدبابة سلاحاً
واحداً فوق برج الدبابة قد يكون من عيار 12.7ملم، أو مدفعاً من عيار 20
ملم لاستخدامه ضد الطائرات، ورشاشاً آخر من عيار 7.62ملم أو 12.7ملم
يتطابق محوره مع محور المدفع، ورشاشاً آخر من عيار 7.62ملم في جسم الدبابة
يستخدمه السائق.
3- الدروع: وتغطي جسمَ الدبابة صفائحُ معدنية صلبة هي
الدروع، ولا تكون سماكة الدروع واحدة في كل أجزاء الدبابة بل تختلف
باختلاف أهمية الجزء الذي ينبغي تأمين الحماية له بمقدار تعرضه للإصابة
بالنيران المعادية، وتصل سماكة الدروع إلى حدها الأقصى في مقدمة برج
الدبابة، وإلى حد أقل في مقدمة الجسم، ثم تتدرج سماكة الدروع الأخرى
بالتتالي في جوانب البرج، فجوانب الجسم، فمؤخرة البرج والجسم، فسقف البرج
والجسم فبطن الجسم.
وتؤمن الدروع حماية جيدة ضد مختلف أنواع رمايات
الرشاشات المتوسطة والثقيلة ومدافع الهاون والميدان، وضد تأثيرات
الانفجارات، كما أن لها حماية جيدة من تأثير أسلحة التدمير الشامل، غير
أنها تبقى عرضة للإصابة والاحتراق، خاصة في الأجزاء الأقل سماكة منها بفعل
القذائف المضادة للدبابات (الخارقة) والصواريخ م/د ومدافع الطائرات من
عيار 20 ملم فما فوق.
وتشكل الصواريخ م/د (وخاصة ذات الدقة العالية)
أكبر خطر على دروع الدبابة، نظراً لضخامة الحشوة المتفجرة التي تحتوي
عليها، وقدرتها الكبيرة على الاختراق التي تصل عموماً إلى 500 - 600 ملم
عندما يكون المحرك عموماً على سطح الدبابة، وإلى 300 ملم عندما تكون
الإصابة بزاوية 60 درجة.
وتعتبر الدبابة، من ناحية القدرات الحركية،
أفضل العربات للسير في مختلف الأراضي، ويساعدها على ذلك جنازيرها
(سلاسلها) التي توزع الضغط الناتج عن وزنها بشكل متناسق مع الأرض. ومعظم
الدبابات الحديثة مجهزة بمعدات عبور مجاري المياه مثل «ستركل» أو ستارة
التعويم القابلة للطي، أو أنها مصممة أصلاً كدبابة برمائية، ويتم دفعها
داخل الماء إما بواسطة الجنزير أو بواسطة محرك ذي دفع مائي نفاث.
ولمعظم
الدبابات الحديثة طاقم من 4 رجال: قائد، وسائق، وملقم، ورام. والأنواع
الحديثة منها مزودة بأجهزة الكترونية متطورة لإحكام الرمي وتأمين الرؤية
الليلية. وتستعمل الدبابات تقنيات مختلفة في تقدير المدى الذي يفصلها عن
الهدف، فالدبابات التي لا تحمل مقدرات مدى تستخدم الوسائل البصرية، ويقدر
بعضها المدى بواسطة رشاش مواز للمدفع، أما الدبابات الحديثة فتستخدم
مقدرات المدى الستريوسكوبية، والستاديامترية، والتطابقية، بالاضافة إلى
مقدرات المدى بأشعة «ليزرية» وهي أحدث الأجهزة في هذا المجال.
وتحمل
الدبابات وسائل مختلفة تساعدها في عمليات القتال والقيادة (السواقة)
الليلية، مثل: كشافات الإضاءة البيضاء وأجهزة الرؤية بالأشعة تحت الحمراء
ومصابيح تكثيف ضوء النجوم، إضافة إلى تجهيزات حماية السدنة من الإشعاع
الذري والكيميائي.
ويتضح مما تقدم أن تطور الدبابة الحديثة، وخاصة
دبابات القتال الرئيسية، أصبح في وضع بالغ الأهمية والكفاءة والتعقيد،
وأصبح مشروعاً ضخماً يتطلب مستوى تقنياً عالياً في مجال صناعة: المعادن
والأسلحة والذخائر، والمحركات والأجهزة الألكترونية، ومقدار أرقى على
تجميع كل هذه القطع والمواد بشكل مناسب في دبابة واحدة.
دبابة القتال الرئيسية في منظور اليوم
تقيَّم
القوة المدرعة للجيوش الحديثة في العالم بعدد ما تملكه من مدرعات والجيل
الذي تنتمي إليه مدرعاتها ولا سيما دبابات القتال الرئيسية، فعلى سبيل
المثال، تملك الدول العربية ما مجموعه (14242) دبابة قتالية معظمها من
الجيل الثالث، حيث تملك دول المواجهة العربية (8788) دبابة منها، ودول
الخليج العربي (1751) دبابة، ودول المغرب العربي (2713) دبابة، واليمن مع
السودان (990) دبابة، وتملك إسرائيل ما مجموعه (3750) دبابة، وتركيا
(4203)، وإيران (1565) دبابة قتالية.
وبالتالي فإن جهود القيادات
المختلفة تنصبّ على تجهيز قواتها المسلحة بأحدث الدبابات والعربات المدرعة
المتنوعة، القادرة على خوض القتال في الظروف التي تفرضها المعركة الحديثة
أو المعركة الجوية - برية، وتتركز دراسات الدول المصنعة للدبابات على
تطوير دبابات القتال وفق آخر مفاهيم الحرب الحديثة، والمواصفات التقنية
التي يطلبها المستثمر لتلك الدبابات، ولما كان تصميم دبابة جديدة كلية
يحتاج إلى وقت طويل لا يقل زمانياً عن عشر سنوات تخضع خلالها نماذج
التصميم المتعاقبة لمختلف التجارب والاختبارات ويتم خلالها إعداد المعدات
والتجهيزات الصناعية والكوادر الفنية (التقنية) للإنتاج فقد احتاج الأمر
إلى انقضاء الفترة الفاصلة بين حرب تشرين عام 1973م، أو قبلها بقليل
وبداية العقد التاسع الماضي، حتى نشاهد طلائع الدبابات الحديثة التي أخذت
تدخل التسليح في الجيوش المختلفة والتي توقع لها الخبراء أن تبقى في
الخدمة حتى نهاية القرن العشرين. ولما كان تصنيع مثل هذه الدبابات
بمواصفاتها الحديثة يتطلب جهوداً كبيرة ونفقات باهظة تثقل كاهل الدول
المنتجة لها، فقد تلجأ الدول إلى إيجاد حلول مختلفة تتيح لها الوصول إلى
أهدافها مع قليل من التغاضي عن الشروط المثالية التي تتصورها.
تقدم
تطور الدبابات في اتجاه زيادة فعالية استخدامها في الحرب الحديثة، وأصبحت
تمتاز بحيوية عالية، وتؤمن حماية مضمونة لطاقمها من تأثير الأسلحة النووية
وتمتلك قوة ضاربة strike powre كبيرة ونيراناً دقيقة مسددة، وقدرة عالية
على المناورة وتعتبر الواسطة الرئيسية لاستثمار نتائج ضربات الأسلحة
النووية.
ويتفق المنظّرون العسكريون في العالم على أن قدرة الدبابة على
المناورة واحدة من أهم الميزات القتالية التي يجب أن تتمتع بها إلى جانب
تدريعها وأسلحتها، والمناورة تعني حركية الدبابة، وقدرتها على الإقلاع
وبدء الحركة، والتحرك بسرعة على الطرق والأراضي الصعبة وتنفيذ الدوران
وتبديل الاتجاه واستقرار الجسم في أثناء الحركة، وتخميد الاهتزازات ومدى
العمل... ويبدو أن وجهة نظر المصممين والقادة العسكريين تهدف إلى زيادة
قدرة حركية الدبابة، لاحتمال إصابتها بالطلقة الأولى وتجنب القتل منها،
وبذلك تحقق الحماية الأفضل من الدرع السميك.
تستخدم الدبابات الحديثة
محركات قوية جداً ذات استطاعه كبيرة، حتى 1500 حصان بخاري، وفي بعض
الأحيان أكثر من محرك واحد، وكانت استطاعه محرك دبابة الحرب العالمية
الأولى لا تتجاوز 105 أحصنة بخارية، وتسير بسرعة عظمى 4 كم / سا، بينما
تبلغ استطاعة محرك الدبابة الحديثة طراز أبرامز المجتمع - 1 مثلاً 1500
حصان بخاري وتسير بسرعة تعادل 70 كم في الساعة تقريباً، وفي بعض الحالات
تركب المحركات من الأمام للمحافظة على حياة الطاقم (القوى البشرية) في
حالة التعرض للإصابة الأمامية.
كما تستخدم الدبابات الأكثر تطوراً
أجهزة التكبير الضوئي، والأشعة تحت الحمراء السلبية من أجل تأمين الأعمال
القتالية بفعالية أكبر، بالإضافة إلى تجهيزات تقنية أخرى، مع العلم بأن
كلاً من المعسكر الغربي والشرقي على السواء، منذ بداية السبعينيات من
القرن المنصرم وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين، قد شهد إنتاج دبابات تحمل
مواصفات جديدة كل الجدة عن سابقاتها (من الجيل الثاني)، حيث تلقت القوات
المدرعة الأمريكية الدفعات الأولى من الدبابة «أبرامز م- 1» وأعلنت
بريطانيا بدء إنتاجها للدبابة «شالنجر» والدبابة «فيكرز فاليانت» و«شفيتن
- 900»، ودخلت الدبابة الروسية «ت - 80» وهي آخر صرخة سوفيتية في مجال
صناعة الدبابات، وشرعت ألمانيا الاتحادية في إنتاج الدبابة «ليوبارد - 2»،
وظهرت الدبابة الإسرائيلية «ميركافا - 2» وصنعت فرنسا الدبابة «أ.م. إكس -
32» وأعلنت فيما بعد عن البدء بإنتاج دباباتها الحديثة جداً «أ.م. إكس -
40»، كما تشارك كل من: سويسرا واليابان وإيطاليا والبرازيل والسويد في
صناعة الدبابات الجديدة.
يقول الجنرال «بولك» قائد سلاح الدبابات
الأمريكي الأسبق: «.. لا توجد في أيامنا هذه منظومة تسليح يمكن مقارنتها
بالدبابة من حيث إمكاناتها وحركيتها العالية وتدريعها الذي يقيها من نيران
العدو، مع قدرتها على العمل في مختلف الظروف والأوقات وفي مختلف أنواع
القتال».
وللمقارنة بين مواصفات الدبابات الرئيسية انظر الجدول المرفق رقم (1).
وجهات نظر الدول المصنعة
في تطوير دبابات القتال
سندرس
في هذا البند وجهات نظر الدول المصنعة في تطوير دبابات القتال الرئيسية،
وهذه الدول على التوالي هي: الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا الاتحادية،
المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا الإتحادية، والكيان الصهيوني.
أ - الولايات المتحدة الأمريكية:
لم
تكن الدبابة المجتمع - 60 تدخل الإنتاج الأمريكي والخدمة في القوات
المسلحة الأمريكية حتى تأكد لقيادة الجيش الأمريكي أن الوقت قد حان للبدء
في تطوير دبابة قتال جديدة تملك مواصفات عالية وتتجاوب مع متطلبات الظروف
القتالية المقبلة، كما تتجاوب مع التطورات المتوقعة للأسلحة التي كانت
ستدخل الميدان في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، الى جانب المضيّ
قدماً في تطوير المدرعات الأمريكية وفق المفاهيم الحديثة.
وقد وجدت
القيادة الأمريكية نفسها مدفوعة -حينذاك- إلى التفاهم مع شركائها في حلف
الأطلسي (الناتو) حول تحديد المواصفات الأساسية للدبابة المقبلة، وذلك على
أساس التوصل إلى نوع من التحديد في الأسلحة يضمن سهولة الإمداد والصيانة
والاستخدام بين الشركاء.
وكان هذا الرأي حافزاً من الحوافز التي حدت
بالولايات المتحدة -وقتئذ- إلى محاولة الإتفاق مع كل من بريطانيا وألمانيا
الاتحادية على تطوير دبابة حديثة منذ أوائل الستينات بيد أن بريطانيا لم
تتحمس كثيراً لهذا المشروع وأبدت جملة من التحفظات حياله دون أن ترفضه
تماماً، بينما تبنته ألمانيا الاتحادية وأبدت استعدادها الكامل لتطوير مثل
هذه الدبابة وتم عقد اتفاق فعلي في شهر آب (أغسطس) من العام 1963، بين كل
من الولايات المتحدة وألمانيا الغربية حول تنفيذ مشروع مشترك لإنتاج ما
أطلق عليه دبابة القتال الرئيسية للسبعينات «م ب ت - 70» وكانت هذه
الدبابة التي نتجت عن هذا التعاون مركبة قتال رائعة تملك عدداً من الملامح
غير الاعتيادية، منها تبدل ارتفاع أجهزة التعليق بحيث تستطيع الدبابة أن
تجثم على الأرض وتتحول الى قاعدة رمي ثابتة، وفيها يجلس السائق في البرج
مع باقي السدنة، وقد زودت الدبابة بمنظومة قيادة نيران متطورة للغاية إلا
أن تكاليفها تجاوزت حدود المعقول وجاءت تقنياتها كثيرة التعقيد.
كما أن
المشاكل الرئيسية التي انطوى عليها المشروع، وبخاصة فيما يتعلق بإدارة
برامج التطوير وارتفاع تكاليفه، مع وجود مسافات شاسعة من البحار تفصل بين
الشريكين إلى جانب تضارب المصالح الدولية واختلاف وجهات النظر حول المغزى
(الجدوى) من إنتاج الدبابة وحول أساليب استخدامها... كل ذلك جعل من
المستحيل الاستمرار في تنفيذ المشروع. ولكن الخلاف الرئيسي تركز بشكل خاص
حول نوع تسليح الدبابة، فأصر الألمان على أن يكون مدفعاً حديثاً أملس
السبطانة في عيار 120مم، وطور في ألمانيا وحقق نتائج عالية تبشر بمستقبل
جيد، في حين انحاز الأمريكيون الى التسليح المركب على الدبابة (إم - 60)
شريدان بنوعيه. وهكذا فشل الطرفان في الوصول الى لغة مشتركة، فألغي
المشروع نهائياً في العام 1970، وانصرف كل من الشريكين الى تطوير دبابته
الخاصة مستفيداً من التقنيات التي أنجزت في المشروع السابق، فأنجز الألمان
الدبابة «ليوبارد -2» بينما تردد الأمريكيون كثيراً أمام الخيارات المتاحة
الى أن تبلورت لديهم المواصفات المطلوبة لدبابة الثمانينات -وقتئذ- التي
تلخصت في تصميم دبابة قتال رئيسية ذات كفاءة عالية تؤهلها للاستخدام في
العقد التاسع من القرن الماضي وما بعده، وتملك تحسينات جوهرية في مجال
التدريع والحركية والقوة النارية تؤمن لها القدرة على البقاء في ميدان
القتال ضد الأسلحة الحديثة مع سهولة الصيانة والاصلاح.
وجد الأمريكيون
أنفسهم أمام خيارين اثنين أساسيين: أولهما المضي قدماً في تطوير الدبابة
(إم-60) على أساس التطورات المذكورة وإvخال التحسينات المطلوبة على سلسلة
الإنتاج المقبلة، أو الانفراد في متابعة تطوير الدبابة (م ب ت - 70)
والاستفادة من بعض المنظومات التي كانت قد صممت لها مع تخفيض التكاليف،
وقد اختارت الجهات المعنية في الجيش الأمريكي:الخيار الثاني لتصميم دبابة
تجريبية أطلق عليها الرمز XM-0803, ورغم أن الدبابة الثانية خضعت لتعديلات
كثيرة واعتبر تكوينها اختصاراً للنفقات والتعقيدات التي رافقت المشروع
الأساسي، فقد قرر الكونغرس الأمريكي رفضها لكونها لا تزال باهظة التكاليف
وبالغة التعقيد وأمر بإلغاء البرنامج من أساسه. كما أمر في الوقت نفسه
بضرورة إحلال دبابة جديدة بدلاً من الدبابة (إم - 60) وكان هذا القرار
الأساسي الذي تم بموجبه تطوير الدبابة (XM-1) التي أصبحت تعرف الآن باسم
الدبابة (M-1) أبرامز التي خاضت غمار حرب الخليج الثانية عام 1991،
والحروب التي تلتها.
ب - الاتحاد السوفيتي (السابق):
يعتمد المذهب
العسكري السوفيتي (السابق) في الحرب البرية قبل سقوط الاتحاد السوفيتي على
استخدام القوات المدرعة بكثافة كبيرة، كما يعتمد على الإفادة القصوى من
حركية الدبابات وسرعتها وقدرتها على العمل بعيدة عن قواعدها، وهي طريقة
متميزة في حرب المدرعات المألوفة تقوم على خبرة السوفييت الفريدة في
استخدام جيوش الخيالة الشهيرة في الحرب الأهلية، وتستند الى عملية ملائمة
تبلورت على مر السنين، ثم توجتها خبرة الحرب العالمية الثانية التي منحت
السوفييت -وقتئذ- شهرة واسعة في مجال تصميم الدبابات وصناعتها.
وأشارت
التقارير والآراء المختلفة الى أن السوفييت، بما عرف عنهم من ولع
بالدبابات خاصةً والقوات المدرعة عامةً، لم يكونوا راضين تمام الرضى عن
دبابتهم طراز T-62 (ت-62) التي دخلت الخدمة الفعلية عام 1965م. رغم تبنيها
أول دبابة قتال رئيسية في المفهوم الحديث، وذلك لعيوب كثيرة ظهرت فيها منذ
أن وضعت قيد التجربة. لذلك شرعوا بإنتاج دبابتين T-64 ، T-72 خرجتا الى
الوجود في وقت متقارب، وهما ملامح مشتركة حديثة تماماً تختلف عن ملامح
الدبابات السابقة، ومما لا شك فيه أن الدبابة (ت - 64) كانت أسبق إلى
الظهور ببضع سنوات (عام 1972م). وربما كانت مقدمة لظهور دبابة التي تلتها
أي الدبابة (ت - 70)، عام 1974م، وثمة فروق كبيرة بين الطرازين.
ج- المملكة المتحدة:
فكرت
بريطانيا في البدء في تصميم دبابة قتال تخلف الدبابة «شيفتين» منذ أواخر
العقد السابع من القرن الماضي، ولكن الفكرة، لم تخرج إلى حيز التنفيذ إلا
في أواخر العقد الثامن بعد اتفاق عقد بين كل من ألمانيا الاتحادية
وبريطانية على تطوير دبابة مشتركة في بداية السبعينات، ولكن هذا المشروع
ألغي في شهر آذار (مارس) العام 1977م، لعدم توافق الجدول الزمني بين
الدولتين، كذلك غضت القيادة البريطانية الطرف عن شراء جسم دبابة أمريكية
(XM-1) وقررت وزارة الدفاع البريطانية البدء في عملية تطوير مكثفة لدبابة
بديلة في صيغة مشروع أطلق عليه اسم «مشروع التحديد» وكان ذلك في العام
1978م، على أن تدخل الدبابة الجديدة الخدمة في أواخر العقد التاسع، وقد
أعطيت هذه الدبابة الجديدة الرمز «م ب ت - 80».
وكانت هذه الدبابة
الجديدة هي الدبابة «شالنجر» التي دخلت الخدمة عام 1981م. وهي تعني
«التحدي» وتحمل هذه الدبابة عدداً من السمات التقنية المتطورة مثل تدريع
«شوبهام» ومحرك ديزل استطاعة 1200 حصان بخاري وقوة نارية مكافئة للدبابة
«شفتين» المحسنة ولكن مع وقاية وحركية أفضل بكثير، أما مشروع الدبابة (م ب
ت - 80) فقد تقرر إيقافه مع الاستمرار في برامج تطوير دبابة ثانية تستفيد
مما تم إنجازه للمشروع السابق وذلك على أساس التوجه نحو تعاون أوثق مع حلف
الأطلسي وتطوير الدبابه «شالنجر» بعد دخولها الخدمة.
د - فرنسا:
حافطت
فرنسا على فلسفتها الخاصة في مجال تصميم الدبابات وإنتاجها واستخدامها على
أساس خبرتها المتطورة والمتوازية وأنتجت عدداً من الدبابات المتميزة ببعض
مواصفاتها في كل جيل من الأجيال المتعاقبة لعل أبرزها وأشهرها سلسلة
دبابات(A.M.X)إبتداءً من الدبابة الخفيفة وانتهاء بالدبابة A.M.X-40
AMX-32.A.M.X-30/B-2 AMX-13 التي تعد مرحلة انتقالية بين الدبابة القياسية
AMX-30/B-2 (فالوريزية) وبين دبابة القتال الرئيسية للعقد العاشر من القرن
الماضي.
هـ - ألمانيا الاتحادية:
سبقت ألمانيا الاتحادية حليفاتها
الغربيات في تصور النموذج المقبل لدبابات المستقبل حين تأكد لها، منذ
أوائل العقد السابع من القرن الماضي، أن دبابة القتال الرئيسية هي الوسيلة
الوحيدة التي يمكن أن تجمع بين القوة النارية والقدرة الحركية والوقاية مع
القدرة على البقاء في ميدان القتال في الظروف الحديثة، وقد نجح الألمان
فعلاً في تصميم دبابة تمتاز بالخصائص الثلاث الأساسية، في الوقت الذي لم
تكن توجد دبابة غربية أخرى تحوز على أكثر من ميزتين من الميزات الثلاث في
آن واحد.
والمثال على ذلك واضح في الدبابة طراز «شفتين» الإنجليزية
التي تحمل مدفعاً ممتازاً فوق تدريع متين، ولكنها تفتقر الى خفة الحركة
والرشاقة، بينما جاءت الدبابة الفرنسية AMX-30 ممتازة من ناحية خفة الحركة
وقوة المدفع ولكنها ضعيفة التدريع.
بدأت الدراسات الألمانية من أجل
تصميم الدبابة المعنية منذ العام 1966م عندما شرعت شركة «بورش» في دراسة
سبل تطوير الدبابة «ليوبارد - 1» النموذج الأولي ثم تولت شركة «كراوس -
مافي» في العام 1968م، صنع نموذجين أوليين بالاشتراك مع بورش وشركتين
أخريين لإجراء المزيد من التجارب والدراسات.
ولكن المشروع حاز أفضلية
ثانية نظراً لإعطاء الأولوية الى الاتفاق المبرم بين ألمانيا والولايات
المتحدة الأمريكية حول برنامج تطوير الدبابة MBT-70 ،KPZ.70 وبعد أن انسحب
الأمريكيون من البرنامج المذكور بسبب الخلاف على نوع التسليح، ارتد
الألمان فوراً الى مشروعهم السابق وشرعوا في تطوير الدبابة الجديدة التي
رعيت في بادئ الأمر دبابة القتال-2 kpz kampfpanzer ثم دعوها «كايلر» أي
(الخنزير البري) واتفق أخيراً على أن يكون اسمها ليوبارد - 2 (الفهد - 2).
و - الكيان الصهيوني:
تملك
إسرائيل صناعة حربية متطورة تتمحور حولها معظم الاستثمارات المالية
والصناعية المحلية والخارجية، ويعتمد الكيان الصهيوني اعتماداً كلياً على
مؤسسته العسكرية التي تستند إليه أوجه الحياة لديها. وليس يخفى على أحد أن
نصف اليد العاملة الإسرائيلية -على الأقل- تعمل في صناعات تابعة لوزارة
الدفاع مباشرة، أو في صناعات تعتمد على طلبيات هذه الوزارة. وفي إسرائيل
أكثر من ثمانمئة مصنع -معظها- من تمويل أجنبي، مخصص لغرض محدد هو إنتاج
العتاد الحربي سواءً كان معداً للجيش الإسرائيلي مباشرة أو للتصدير الى
الخارج.
ربما كان الاعتماد على مصدر واحد للتزود بالسلاح غير مستحب لدى
السلطات الإسرائيلية فقد وجدت أن الطريق الوحيد للخروج من هذا الإشكال هو
العمل بصورة جدية على تصميم دبابة قتال رئيسية في إسرائيل بالذات وإنتاجها
محلياً، مع استخدام أكبر قدر ممكن من القطع والأجهزة المنتجة محلياً. ولم
يكن هذا القرار ليختلف أساساً عن السياسة العامة التي تطبقها إسرائيل في
مجال الصناعة الحربية، وجرت عدة دراسات وتجارب لتصميم دبابة تستفيد من
خصائص الدبابة الانجليزية «سنتوريون» ولكن هذه الفكرة باءت بالفشل، فعمدوا
الى تصميم الدبابة «ميركافا» أي «المركبة».
بدأ مشروع الدبابة
«ميركافا» في العام 1967م بإشراف الجنرال «يسرائيل تال» ولكن برنامج
التطوير المفصل لم يبدأ إلا في شهر آب (أغسطس) من العام 1970م. وقد ساهمت
الولايات المتحدة في تطوير هذه الدبابة وإنتاجها في شكل معونة مالية
تجاوزت 100 مليون دولار. وقد استند (تال) المذكور في تصميمه على خبرة حرب
ضد ايران، كما أضاف إليها فيما بعد خبرة حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام
1973م، والتي دفعته إلى إدخال تعديلات رئيسية وجوهرية في التصميم، بعد أن
استفاد، بالاضافة إلى كل ما ذكر، من أحدث التقنيات الغربية في مجال
التدريع وأجهزة قيادة النيران والمدفع وذخيرته.
تأثر تصميم الدبابة
الإسرائيلية «ميركافا» بالمذهب العسكري الإسرائيلي الذي يفضل الأسلوب
الدفاعي من وراء تحصينات منيعة، والترجمة العملية لهذا المذهب تصميم قلعة
متحركة صعبة التدمير مع التركيز بشكل أساسي على البرج الذي يتعرض لمعظم
الإصابات. وقد جاء تصميم الدبابة من هذه الناحية محققاً للغاية المنشودة
بحيث تم تحويل أكبر قسم ممكن من حجم البرج الى داخل جسم الدبابة مع تصغير
جبهته ما أمكن.
إن ترجمة المتطلبات التكتيكية الإسرائيلية وفق
المواصفات الفنية - التكتيكية التي أوردناها سابقاً، أدى الى بناء مركبة
قتال ثقيلة وكبيرة الحجم، ولكنها تملك وقاية ممتازة وتدريعاً قوياً مع
غرفة قتال محمية وواسعة جداً، بحيث يخيل للمرء أنها تجمع بين الدبابة
ومركبة قتال المشاة، وتتسع غرفة القتال في الدبابة ميركافا الى تسعة جرحى
يمكن نقلهم من ساحة المعركة تحت حماية الدرع بالإضافة إلى الطاقم (4
أفراد)، وهي مهمة جديدة أضافها الإسرائيليون الى استخدام الدبابات ولم تكن
ممكنة التنفيذ بشكل مرضٍ في الدبابات السابقة، كما يمكن أن تستخدم غرفة
القتال لنقل عناصر المشاة (جماعة مشاة) إلى خط القتال أو نقل الإمداد
والذخيرة إليهم رغم أنه لا يمكن الاعتماد على الدبابة في هذه المهمة
اعتماداً كلياً نظراً للحاجة الماسة إليها في القتال.
ونذكر أخيراً أن
الإسرائيليين طوروا فيما بعد ثلاثة طرازات فرعية من الدبابة مركافا هي:
«الطراز مركافا 2» والطراز «مركافا 3» والطراز مركافا - 4» وأدخلت في
تسليح جيشها من هذه الطرازات «ميركافا» مايلي:
(مركافا): 847 دبابة.
(مركافا -2): 375 دبابة.
(مركافا -3): 378 دبابة.
(مركافا -4): 80 دبابة.
الإجمالي العام: 1681 دبابة.
ولما
كانت كمية الدبابات في الجيش الإسرائيلي حوالي (3751) دبابة قتال رئيسية،
فإن كمية طرازات الدبابات من الدبابة مركافا الإسرائيلية تعادل نسبة 46?
من الإجمالي العام للدبابات في جيش الدفاع الإسرائيلي، لأن باقي الدبابات
الأخرى من طرازات غربية مستوردة أو من غنائم الحروب السابقة.
مستقبل دبابة القتال الرئيسية
شكلت
الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة (1973) منعطفاً حاداً في حياة الدبابة
فلقد شهدت هذه الحرب أكبر معارك الدبابات في العالم فقد شارك فيها قرابة
ستة آلاف دبابة من الأطراف المتحاربة، بشكل يفوق عدد الدبابات (الألمانية
والروسية) التي خاضت معركة «كورك» في روسيا عام 1942م، إذ بلغ عدد هذه
الدبابات الأخيرة نحو (1500) دبابة قتالية فقط. كما شهدت حرب تشرين
استخداماً واسعاً لمختلف أنواع الأسلحة المضادة للدبابات.
وإذا كانت
الدبابات الإسرائيلية قد تعرضت في هذه الحرب المحلية لخسائر كبيرة في
الدبابات نجمت عن استخدام القواذف م/د، والصواريخ الموجهة المضادة
للدبابات المثبتة على الأرض أو على العربات المدرعة، فإن الدبابات العربية
أصيبت أيضاً بخسائر كبيرة من جراء استخدام الصواريخ الموجهة أيضاً سواءً
(أرض - أرض) أو (جو - أرض) المنطلقة من الحوامات المسلحة.
ولقد ألحقت
الأسلحة الأخرى (مدفعية، قصف جوي، ألغام، رمي دبابات) عدداً من الخسائر في
صفوف دبابات الطرفين، ولكن الخسائر التي أحدثتها الأسلحة م/د تجاوزت كل
التوقعات، وطرحت في مختلف الدوائر العسكرية العالمية عدداً من التساؤلات
حول «مستقبل الدبابة» ومدى قدرتها على مجابهة خطر الأسلحة م/د التي تتطور
بسرعة كبيرة خاصةً إذا سلحت بها قطعات المشاة بشكل كثيف، ومن أهم الأسئلة
التي فرضت نفسها بعد حرب تشرين (رمضان عام 1393هـ)، والحروب المحلية التي
تلتها كحرب الخليج الثانية عام 1991م، وحرب «البوسنة والهرسك» و «حرب
كوسوفو» وحرب احتلال العراق عام 2003م، هي ما يلي:
1 - ما الدور الذي
ستلعبه الدبابة في المستقبل وخاصة في العمليات الهجومية؟ وهل ستكون في
العقود القادمة الأداة القتالية البرية الرئيسية، كما كانت في العقود
السابقة؟
2 - هل من المجدي الاستمرار في تسليح الجيوش بدبابات تكلف
مبالغ طائلة، سواءً من ناحية قيمة الدبابات ذاتها، أو قطع غيارها
وذخيرتها، أو التدريب عليها...الخ. كي تدمر بسرعة وسهولة نسبية بصواريخ
قليلة الكلفة، إنتاجاً وتدريباً، ومن مسافات تصل الى 4 آلاف متر، أي أبعد
من مدى الرمي المجدي لمعظم مدافع الدبابات؟
3 - أليس من الأفضل بناء
القوات البرية على شكل وحدات مشاة ميكانيكية مجهزة بعربات ذات تدريع خفيف،
وتسليح رخيص، يشتمل على صواريخ م/د وصواريخ م/ط وتتمتع بقوة حركية عالية
ودعم هذه الوحدات بطائرات الهليوكبتر المسلحة والمدفعية ذاتية الحركة،
والمصفحات المسلحة بالصواريخ م/د؟
وظهر في مجال الرد على هذه التساؤلات
رأيان متعارضان: يقول أولهما أن تطوير الدبابة وصل الى عتبة حدوده القصوى،
وأن أي تطوير آخر جديد لمواجهة الصواريخ م/د يتطلب نفقات باهظة في مجالات
البحوث والتصميم والصناعة والتدريب والصيانة، وسيجعل الدبابة أداة صعبة
الاستخدام وهدفاً ثميناً يمكن تدميره بصاروخ زهيد الثمن، لا يتطلب
استخدامه سوى تدريب محدود وصيانة سهلة، وأن من المفضل البحث عن أداة
قتالية تحل محل الدبابة التي تعيش آخر أيامها -حسب زعمهم- وتمر في المرحلة
التي مرت بها الخيالة بعد ظهور الرشاش واستخدامه على نطاق واسع.
ويرفض
أصحاب الرأي الثاني هذا المنطق ويؤكدون على أن تعميم خبرة حرب تشرين الأول
(أكتوبر) عام 1973م. تتضمن قسطاً كبيراً من المبالغة، لأنه يتجاهل الظروف
الخاصة التي رافقت تلك الحرب وضاعفت تأثير الصواريخ م/د كأخطاء التكتيك
الإسرائيلي في المرحلة الأولى من الحرب واندفاع الدبابات الإسرائيلية في
الهجمات المعاكسة دون مشاة مرافقة كافية ودون تغطية جوية أو دعم مدفعي
مناسب ومناخ (طقس) الشرق الأوسط الصافي الذي يساعد على الرمي من مسافات
بعيدة وطبيعة الأراضي المكشوفة التي دارت عليها المعارك...
ويشير أنصار
هذا الرأي (الثاني) الى أن الأسلحة م/د الحديثة ستكون محمولة على العربات
المدرعة أو الهليوكوبترات، لذا فإنها ستشكل هدفاً ممكن التعامل معه
بالأسلحة م/د أيضاً. والـ م/ط ولا تقل إمكانية إصابته عن إمكانية إصابة
الدبابة، وبالاضافة الى ذلك فإن من الخطأ اعتبار المعركة الحديثة مجرد
صدام بين الدبابة والسلاح م/د، لأنها عمل تالي تشترك فيه كافة الأسلحة،
لذا فإن درء خطر الصواريخ م/د المنطلقة من الأرض أو من الجو لا يقتصر على
ما تستطيع الدبابة القيام به، بل يشمل أيضاً ما تستطيع الصنوف الأخرى
تنفيذه من واجبات.
ويصل مؤيدو بقاء الدبابة الي الاستنتاج القائل بأن
الدبابة ستبقى الأداة القتالية البرية الأساسية في الحروب المقبلة، وأن
أهميتها ستزداد مع احتمالات استخدام أسلحة الدمار الشامل، نظراً لما تؤمنه
الدروع والأجهزة التقنية من حماية نسبيته للطاقم بمواجهة أسلحة الدمار
الشامل (النسبة أقل تجاه القنبلة النترونية) وإن حياة الدبابة سوف تستمر
حتى يتم التوصل الى صنع أداة قتالية أخرى تستطيع تأدية المهام التكتيكية
التي تؤديها الدبابة حالياً، مع تجنب عيوبها المتمثلة في بطء حركتها
ومناورتها نسبياً وارتفاع كلفتها الاقتصادية بالقياس للأسلحة المضادة لها.
ولقد
أسفر الجدل بين أنصار الرأيين الى اعتماد الرأي الثاني من قبل معظم
المنظرين والقادة العسكريين الذين تمسكوا بالدبابة وحافظوا على مكانتها،
ولكنهم طالبوا في الوقت نفسه بضرورة تكثيف الجهد على نقطتين:
آ - تطوير
الدبابة تقنياً وتسليحياً لتكون أكثر قدرة على المناورة والتخلص من
الصواريخ م/د وعلى مجابهة العربات المدرعة أو الطائرات الهليوكوبتر
المسلحة بصواريخ، وليس من المستبعد التوجه في المستقبل نحو بناء دبابة دون
جنازير محمولة على وسادة هوائية، الأمر الذي يرفع من قدرتها الحركية
ويجعلها سلاحاً مختلفاً نوعياً عن الدبابة بشكلها وتصميمها الراهن.
ب- تعديل تشكيل وتكتيك الوحدات المدرعة لتلائم معطيات الحرب الحديثة.
وختاماً
يجب ألا ننسى الدور الهام الذي يؤديه أفراد طاقم الدبابة في إدارة وتشغيل
وصيانة الدبابة والتعامل مع الأهداف بحزم وسرعة ودقة في الرمي، فقد كان
أحد المدربين يقول لنا: "إن الذي يتعامل مع الحديد والفولاذ، يجب أن تكون
أعصابه من الفولاذ، وقلبه من الحديد مملوءاً بالشجاعة والإقدام والفروسية".
المراجع
- مجموعة من الباحثين العرب السوريين- كتاب الإستراتيجية السياسية العسكرية: دمشق 1991، ص274.
- اللواء أحمد يوسف والعميد محمد وليد جلاد - كتاب الدبابات، دار الفكر دمشق 1984، ص343.
- اللواء الركن (م) حسام سويلم - كتاب: إسرائيل ونظرية جديدة للحرب - القاهرة 1998، ص238.
-
العميد المهندس (م) عبدالحميد محمد هاشم حبيب - كتاب «تطوير دبابات
القتال» مجلة الدفاع السعودية - العدد الثاني, رجب 1426هـ، أغسطس 2005، ص
58 - 59.