3 . العوامل الاقتصادية يشترك الاقتصاد مشاركة عضوية في تحقيق أهداف نظرية الأمن ، ويؤدي دورا اساسيا في توفير التمويل اللازم لبناء القوة المسلحة ، وتسليحها وتدريبها واعاشتها .
ويعتبر اقتصاد اسرائيل منذ قيامها اقتصاد حرب ، تؤجه كل طاقاته نحو تطوير الة الحرب وتوفير مطالبها وتكريس جميع قدراته لتحقيق الاهداف العسكرية المرسومة ، لمراحل التوسع المتتالية ، ويعتمد اقتصاد اسرائيل في نموه - الي حد كبير - علي العون المادي الخارجي الذي يتدفق عليه ، اضافة لفئات الهجرة المتنوعة المتخصصة التي تتيح لاسرائيل ان تنمي عددا من الصناعات الدقيقة والمتقدمة مثل الصناعات الالكترونية ، والصناعات الجوية ، والبتروكيماويات ، وقد تزايد هذا الاتجاه كثيرا في أعقاب جولة يونيه 1967 ، فقد ركزت اسرائيل علي مايسمي " بالصناعات ذات التقنية العالية HIGH TECH " بتنمية واستغلال القدرات العلمية والتقنية التي حققت فيها اسرائيل مزايا نسبية .
مزرعة قمح في اسرائيلتأثرت نظرية الأمن الاسرائيلية بمختلف العوامل الاقتصادية ، وكان تطلعها الي حل مشكلة الأراضي الزراعية المحدودة ومصادر المياة في اليرموك والليطاني والأردن ، ثم مصادر الخامات والمواد الأولية في الأراضي العربية المتاخمة ، وقد انعكست تلك العوامل الاقتصادية علي نظرية الامن الاسرائيلي فيما يلي :
أ . ضمان التدفق المستمر للنقد الأجنبي ، لتغطية تكاليف الحرب والتنمية الاقتصادية ( المعونات - التعويضات - التجارة الخارجية ) .
ب. تحقيق مستوي مناسب من المخزون الاستراتيحي ، في كافة الاحتياجات الرئيسية .
ج . ضغط فترة التعبئة العامة الي أقل حد ممكن ، أو فرضها علي مراحل متتالية ، واعتبار الحرب الخاطفة ضرورة اقتصادية ، تحتم بدء الحرب وانهائها في أقصر زمن ممكن .
د . توفير الحماية الكافية لمراكز الانتاج الاقتصادية الحيوية ، بما يكفل استمرار سير العمل فيها بأقصي طاقة ، أثناء الطوارئ والحروب ، وذلك بنقل الحروب بعيدا عن أرض اسرائيل .
هـ . استغلال الموارد المستولي عليها في الأراضي العربية ، بحال احتلالها ، لسد النقص الذي يعانيه الاقتصاد منها ، ولتغطية نفقات الاحتلال باستنزاف هذه الموارد الي أقصي حد ممكن ( النفط المصري من خليج السويس ، وموارد المياة العربية ، عقب حرب يونية 1967 ) .
4 . العوامل الدينية والاجتماعية والمعنوية :يعزي النقص في الموارد البشرية ، الذي تعاني منه اسرائيل ( مقارنة بالموارد العربية ) ، الي طبيعتها كدولة ناشئة ، لذلك اعتمدت في مراحلها الأولي علي الهجرة والاستيطان ، وكان الخيار الأساسي لمواجهة خططها التوسعية ، هو التنشيط الدائم للهجرة اليهودية اليها ، من مختلف انحاء العالم ، وقد جعلت هذه القوي المهاجرة من اسرائيل قاعدة عسكرية ، تزدهر قواها بشكل مستمر بالتطعيم البشري المتدفق عليها ، والمنتقي من أفضل الأنواع المتاحة علي اتساع العالم ، ذات المستويات العالية في الانتاج والخبرات المتمرسة في كل المجالات ، بما فيها المجال العسكري ، واهتمت الصهيونية بتحويل المجتمع الاسرائيلي الي مجتمع عسكري تشكل القوي العاملة نصفه ، وينخرط أكثر من نصف هذه القوي العاملة في تشكيلات القوات المسلحة الاسرائيلية ، وهي أكبر نسبة تحمل السلاح بين مختلف دول العالم .
يوضح ذلك ان الهجرة اليهودية الي اسرائيل ليست غاية تهدف الي جمع الشتات فقط في أرض الميعاد ، بقدر ماهي وسيلة لخلق القوة الذاتية القادرة علي الغزو والتوسع ، فقد كانت المؤسسة العسكرية تدرك منذ الوهلة الأولي ، أن القاعدة العلمية التكنولوجية والقدرة الاقتصادية ، هما عصب القوة العسكرية الحديثة وعمادها ، والذي تشكل القوة البشرية المؤهلة معنويا ودينيا وتقنيا ، الركيزة الأساسية لهما .
صورة من حفل توقيع اتفاقية مع المانيا بخصوص انشاء مركزين للبحث العلمي في اسرائيل .أ. الشعب المسلح :أدي اهتمام اسرائيل بالنوع الي خلق مجتمع عسكري متميز ، أصبح هو السمة الغالبة علي المجتمع الاسرائيلي الجديد ، وقد كشف ديفيد بن جوريون عنه النقاب في خطابة أمام المؤتمر الصهيوني الذي عقد في 6 أبريل سنة 1948 حين قال : " ان قلة اليشوف YISHUV وتعذر سد الدياسبورا DIASPORA لحاجتنا من القوة البشرية ، يحدان من النمو المطرد لقواتنا المقاتلة ، غير أن القوة البشرية ليست كل شئ ، فمقومات النصر تعتمد علي الامداد والأموال والوعي والروح المعنوية ، وعلي ذلك دعونا نستغل نوعيتنا الي أقصي حد ، دعنا نسخر كل قواتنا البشرية للمعركة والانتاج بقدر ماتسمح به الطاقة ، لا لشئ سوي لاحتياجات الأمن المنتظرة " .
وبذلك حدد دافيد بن جوريون منذ سنة 1948 سمة المجتمع الاسرائيلي ، وأرسي قواعد بناء قواته المسلحة ، فدعا الي استغلال " النوع " الي الحد الأقصي ، والي تسخير الطاقات البشرية لخدمة الحرب ، وادارة الغزوات ، وتحويل المجتمع الاسرائيلي برمته الي شعب مسلح ، ذي معنويات عالية ، مشبعة بروح القتال والعدوان ، بفضل أربعة توجهات تعمل المؤسسة العسكرية دون كلل علي ملء أذهان الأطفال والشباب بها ، لخلق المقاتل العقيدي العنيف وهي :
( 1 ) التوجة الديني والتوجة التاريخي :
عمل المفكرون ورجال الدين منذ انشاء الدولة الاسرائيلية علي احياء التراث العبري الروحي والعسكري القديم ، وعن طريق ترسيخ هذه المفاهيم ، تعمل المؤسسة العسكرية دون ملل ، لتجدد في أذهان اليهود علي الدوام ذكريات الشتات الأليمة ، والاضهاد القيصري الروسي ، والهتلري النازي ، وشبح دمار المعبدين الاول والثاني ، ووقفة قلعة الماساده ، وقد شكل ذلك المضمون الدائم للثقافة المعنوية للقوات ، أخرج من أسفار التوراة وكتب التراث مايضيف الي الاعتداد بالنفس والثقة بالقدرة اليهودية ، والتميز العنصري ، وتأكيد الحق الالهي ، فيما تسعي الصهيونية الي استعادته من حقوق مزعومة .
( 2 ) التوجة العاطفي :
خدمت ظروف الشتات اليهودي أهداف الصهيونية ، فأضافت الي وجدان اليهود شحنات عاطفية جارفة ، مستمدة مما تعرض له اخوتهم واباؤهم وأجدادهم في الدياسبورا ، من اذلال واضهاد وتعذيب ، خاصة في اسبانيا الكاثوليكية ، علي يد محاكم التفتيش في القرون الوسطي ، وفي روسيا القيصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ثم في المانيا الهتلرية في أواسط القرن العشرين .
( 3 ) حب البقاء :
كان الرئيس المصري أول وأكثر من هدد بالقاء اسرائيل في البحر وازالتها من الوجود .كانت التهديدات العربية بابادة اسرائيل ، وازالتها من الوجود فرصة تلقفتها المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية ثم جسمتها وملأتها بعوامل الاثارة ، ففي جولة عام 1967 علي جبهة سيناء ، قال الجنرال " اسرائيل طال " ( قائد مجموعة العمليات الشمالية ) : " ان مصير أي شعب من الشعوب ، يشكل سلوكه ، ومصيرنا جعل منا أمة من المحاربين ، لأننا لا نستطيع أن نتراجع ، فالي أين يمكننا أن نتراجع ، وجنودنا يوقنون أنه لايمكنهم أن يخسروا ، والا حكموا بالاعدام علي نسائهم وأطفالهم " .
وقائد اخر كانت كلماته الي جنوده علي خط الاقتحام : " ان لم ننتصر فالي أين نعود ؟ بل .. ولمن نعود ؟ " ، بهذا المنطق عملت المؤسسة العسكرية علي ترسيخ عقدة الخوف في نفوس المواطنين كافة ، وربط الهزيمة أو الفشل بالموت أو الفناء ، وأنه لامفر من القتال ، بكل القوي ، وبكافة السبل ، حتي النصر .
يتبع .....................