ابدأ معكم في هذة الموسوعة والتي استمدها من عدد مجلة الاهرام العربي الصادر في اكتوبر 1998 ، وهو عدد استثنائي بمناسبة حرب اكتوبر واؤكد لكم انها اكبر موسوعة ستكتب عن حرب اكتوبر في جميع المنتديات .مع تحياتي .محمد علام 30 اكتوبر 2010اولا : حوار مع الرئيس مبارك :كنتم سيادتكم قائدا للقوات الجوية في حرب اكتوبر المجيدة وقائدا ايضا للضربة الجوية التي مهدت للعبور العظيم ، وكانت بداية النصر الكبير فهل مازالت هناك بعد 25 عاما من حرب أكتوبر اسرار لم يكشف عنها ؟قال الرئيس مبارك في اجابتة : في 23 يونيو عام 1969 توليت رئاسة أركان القوات الجوية بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .
وفي تلك الفترة كنا قد بدأنا مع الرئيس جمال عبد الناصر اعادة بناء القوات المسلحة بعد هزيمة 67 وقبلها ، في نوفمبر 1967 عينت قائدا للكلية الجوية ونجحت في تخريج 5 دفعات من الطياريين في عام ونصف العام حيث كنا نختصر مدة الدراسة وكنا نعمل كهيئة تدريس ليل نهار ، وفي تلك الفترة كنت أستخدم 4 مطارات للتدريب في وقت واحد هي مطارات بلبيس ، وامبابة ، والمنيا ، ومطروح ، وكان الهدف من هذا الجهد المكثف هو اتاحة الوقت الكافي من التدريب لكي يتخرج الطيارون بأسرع مايمكن دون الاخلال بالمستوي .
ويمضي الرئيس مبارك قائلا :
عندما عينت رئيسا لاركان القوات الجوية عام 69 كانت حرب الاستنزاف مشتعلة ، والحقيقة أننا أستفدنا من حرب الاستنزاف كثيرا فقد كانت مقدمة لحرب أكتوبر تقريبا ، كما أعطتنا هذه الحرب خبرات كبيرة جدا من أهمها كيف نتعامل مع العدو وتكتيكاته واساليبه القتالية ، وفي الواقع فقد وقعت في صفوفنا بعض الخسائر ، في معارك مواجهات لامفر منها مقابل الحصول علي الخبرة والتعليم .
وفي أبريل عام 1972 حسبما أتذكر عينت قائدا للقوات الجوية ، وحين عينت قائدا للقوات الجوية كنا مازلنا نتدرب ونجهز القوات الجوية الي أن عين أحمد اسماعيل علي - رحمه الله - وزيرا للدفاع وبدأنا فعلا التخطيط لحرب 73 .
وقد بدأنا في نوفمبر 1972 واستمر الاعداد والتجهيز لجميع أفرع القوات المسلحة طوال 73 حتي قامت الحرب ، ومن الطبيعي أن يستغرق الاعداد لمعركة شاملة وقتا طويلا ، لانه يشمل التخطيط وتحديد المهام والقدرات المتاحة لتنفيذ هذه المهام ، وكان علينا أن نخطط ونستكمل قدراتنا في الوقت نفسه ، وهذه العملية تطلبت مجهودا ضخما جدا سواء من القوات الجوية او الأفرع الاخري للقوات المسلحة جميعها .
ويقول الرئيس : لقد كانت فترة قيادتي للقوات الجوية بالغة الصعوبة ، لم أكن أعرف شيئا اسمه اجازة أو راحة ليلا أو نهارا ، وأحيانا كنت أمر علي القوات في الساعة الحادية عشرة مساء أوفي منتصف الليل ، وأستيقظ مبكرا في اليوم التالي وكنت امر علي كل جهة معاونة في الجيوش الميدانية والافرع الأخري للقوات المسلحة واتقابل مع قادة الجيوش .
وفي هذه الفترة استطعنا ان نضع لأول مرة خطة دقيقة أطلق عليها (( خطة تنظيم التعاون مع الدفاع الجوي )) ، أذن العملية صعبة ومتشابكة ، وأي خطأ فيها يؤدي الي ضياع طائراتنا ، أو أن نضرب نحن أي أهداف تابعة له لاتقاء النيران التي تنطلق من قواعده .
في تلك الايام كان قائد الدفاع الجوي المشير محمد علي فهمي ، وبعد أن وضعنا التخطيط الذي أتحدث عنه ، أخذنا في اجراء تجارب عليه .
ويضيف الرئيس : وضعنا تخطيطا جيدا وروجع هذا التخطيط أكثر من مرة وعملية التخطيط تبدأ بأن يجمع وزير الدفاع قادة جميع أفرع القوات المسلحة ويطلب تقريرا عن قدرات القوات المسلحة في عملية هجومية ، وفي اطار هذا التكليف نقدم تقريرا عن القدرات المتوافرة والاحتياجات المطلوبة ومن هنا يبدأ تكليفنا بمهمة هي بمثابة اتخاذ القرار ، ولكي نتخذ قرارا ، ولكي يتخذ وزير الدفاع قرارا ، فان المرء منا يرجع الي جميع الاجهزة التي في نطاق القوة التي يقودها ويستمع الي تقارير من هذة الاجهزة من أجل أن يستطيع تكوين أسس وعناصر القرار .
والشئ نفسه يحدث علي مستوي القيادة العامة حين يتم اتخذا القرار من خلال قرارات الافرع المختلفة ، وينطبق الشئ نفسة علي التخطيط ، وهكذا علي جميع المستويات لكي تكون العملية مدروسة بعناية ، ولايكون فيها شئ متروك للحظ أو خلافه ، وانما كل شئ نموذجي ، والحمد لله كانت حرب أكتوبر نموذجية في الحقيقة تخطيطا واعدادا واداء .
السؤال للرئيس مبارك عن فاتحة الحرب ، هل كانت سرعة الاداء والانقضاض سببا في نجاح الضربة الجوية ؟هذة السمة ( سرعة الاداء والانقضاض ) ، حددها التخطيط المصري ( قاصدا توجية ضربة في الصميم لاسرائيل ) ، وحين كان يعمل الخبراء الروس كان تقديرهم أننا في أول ضربة سوف نخسر 25% من طائراتنا ، وفي الضربة الثانية سوف يكون العدو قد أستيقظ وعندئذ سوف نخسر 33% من الطائرات المصرية المهاجمة .
والحقيقة أننا في أول ضربة لم نخسر شيئا يذكر ، فقد خسرنا فيما أتذكر 11 طائرة من 227 أو 230 طائرة مهاجمة ، وهذة الخسارة تعتبر قليلة للغاية .
وفي الضربة الجوية استشهد أخو الرئيس السادات ( الطيار عاطف السادات ) ، في مطار المليس ، ولم أقل للرئيس ان أخاه مات ، وانما قلت ذلك فقط لوزير الدفاع ، وقلت له أيضا أننا لن نتحدث معه في ذلك الأن وانما سوف نبلغه بالخبر حين تظهر علامات النصر .
ماذا عن عبور القناة ؟عبور القناة كان مخططا له تخطيطا رهيبا ، وبالتفصيل ، وكنا نستمع الي قادة الجيوش عن تخطيطهم لهذه العملية ، وفي مثل هذه العملية كان يأتي وزير الدفاع لمناقشتها مع قادة الجيوش ليستمع الي تقاريرهم باعتبار أننا شركاء ومعاونون لبعضنا البعض في مهمة واحدة مشتركة ، فأنا أعاون الجيش ، والدفاع الجوي يستخدم المقاتلات في تأمين أهدافة ضد غارات العدو ، وهكذا . كنا نجلس كلنا نستمع ونناقش ، فيقال مثلا ان اللواء كذا سوف يعبر القناة من السويس ويتوغل جنوبا في اتجاه الطور ، فأقول مثلا : أنا لا أستطيع أن أحميه بالطائرات لمدة ثلاث أو أربع ساعات ، أو أقول ان معني أن أوفر له الحماية أنني أخذ أكثر مما ينبغي من قوة المقاتلات .
أقصد أنه كانت تحدث مناقشات كثيرة جدا من أجل الوصول الي خطة قابلة للتنفيذ الفعلي .
بعض من لم يصدقوا أن مصر كانت قادرة علي العبور قالوا ان المسألة لم تكن عبورا حقيقيا ، بل كان هناك اتفاق علي العبور بين الطرفين ؟بيننا وبين الاسرائيليين ، هل هذا معقول ؟ ، هل هناك من يتفق علي قتل اولاده وأخوته .
قيل أيضا ان نصف قواتنا لو حدث العبور سوف يموت بسبب النابالم الموجود في كل مكان بالقناة ؟
هذا الكلام قيل قبل الحرب وكان الروس يقصدون به أيامها أن نصل الي حالة اليأس ، فقد قالوا أن عبور القناة يحتاج الي قنبلة نووية ، وكان القصد من ذلك أن نصل الي اليأس التام .
ولذلك فاننا توقعنا أن يكون هناك بعد الضربة الجوية رد فعل عنيف جدا يتطلب منا توجية ضربة جوية ثانية ، ولم يحدث رد الفعل الذي توقعناه ، ولم نوجه ضربة جوية ثانية لانها لم تكن لازمة ، وبعد الضربة الجوية عبرت القوات فورا ، الطائرات جميعها عبرت القناة في الساعة الثانية بعد الظهر تماما بالدقيقة والثانية وكان عددها ضخما وعلي الرغم من ذلك فأن القوات المقاتلة كانت تحصي طائراتنا المهاجمة وهي منطلقة الي شرقي القناة وكانت تحصي طائراتنا وهي عائدة ، ولان الضربة الجوية حققت نجاحا ساحقا فقد ارتفعت معنويات قواتنا الي عنان السماء .
وأذكر أن الفريق عبد المنعم واصل قال لي : هل تعرف كيف عبرت قواتنا القناة ؟ لقد قامت باحصاء الطائرات وهي منطلقة ثم أحصتها وهي عائدة ، ولما وجد الضباط والجنود العدد كاملا بدأ العبور باندفاع شديد دون انتظار للأوامر ، وبدأ العبور بشحنة معنوية عالية جدا .
لقد عبرنا وقاتلنا بكفاءة ، لا اتفاق ولا شئ اذ هل ستتفق مصر علي قتل ابنائها مع اسرائيل ؟ وهل ستتفق اسرائيل علي قتل ابنائها مع مصر ؟
هل من المعقول أن يكون هناك اتفاق أن ينتصر طرف وينهزم طرف اخر ، وتنهار نظريات وتسقط حكومات ويعزل قادة ويؤرخ التاريخ ملحمة انتصار لطرف وانكسار لاخر ؟! .
ربما كان سبب ماقالوه أن الذهول أصاب العالم وهو يري هذا العمل العسكري المصري الرائع ؟هذا هو السبب غالبا في بدء تأليف الروايات مثل ذلك الذي قيل عن اتفاق ، أو ماقيل عن أن الأمر كله مناورة .. هذا في الحقيقة كلام لامعني له ، فلقد عشت العملية من أولها الي أخرها ومن قالوا انها مناورة يعيشون بعيدا عن الميدان ولايدركون معني القتال والدماء التي تروي الارض ، والخسائر التي تحدث ويتعجبون من أن المصريين قد عبروا مانعا مائيا بالغ الصعوبة ويتسائلون كيف لهم بهذا وقد سبق للروس أن قالوا ان العبور غير ممكن حتي لو كان لدي المصريين قنبلة ذرية .
هل تتفضلون بالقاء الضوء علي قضية الثغرة ؟لقد حدثت الثغرة في نقطة التحام الجيشين المصريين اللذين عبرا ، وربما أن كل جيش منهما كان اعتماده علي الاخر في تأمين هذه المنطقة .. وبالتالي لعب الاسرائيليون هذه اللعبة ، فلأن اسرائيل لم تستطع جوا أن تفعل مثلما فعلت في عام 67 اتجهت الي المحاولة برا ، فتقدموا الي منطقة الثغرة وفتحوها ودخلوا وعبروا الي الضفة الغربية من القناة ، ونحن من جانبنا بذلنا جهودا رهيبة ، سواء جوا او برا ولولا هذا الجهد لكانوا قد حققوا نتائج أكبر بكثير .
اذن فقد كان صحيح ماقاله الرئيس السادات في ذلك الوقت ان من الممكن احتواء هذة الثغرة وضربها ؟نعم كان ممكنا ، وعلي ايه حال فان أية حرب لابد أن تحدث فيها أخطاء لانها تعتمد علي تخطيط البشر وربما يكون خطأ صغيرا قد أدي الي هذه العملية ، لكن تم تدارك هذا الموضوع والحمد لله ، ولاننسي أن هذه الثغرة كانت محاولة يائسة من اسرائيل ، أي أنها قامت بها من منطلق حالة اليأس التي اصابتها ، اي انها كانت تريد انقاذ مايمكن انقاذة .
انتهي الحوار مع الرئيس مبارك وفي الحلقة الثانية سنلتقي مع الرجل الذي منعتة امريكا من دخول تل ابيب فاتحا لها .