رغم اهميتها القصوى الا ان الكثيرون لم يسمعوا بها فقد شكلت منعطفا هاما وتاريخيا بحيث انه لو قدر للصهاينة ان ينتصروا بها لكان وجه المنطقة تغير كليا وخاصة ان كل الظروف المحيطة آنذاك كانت لتساعد في تحقيق ذلك
معركة اجهضت مشروع ولادة الشرق الاوسط الجديد سنوات عديدة قبل ان يتم اجهاضه مرة اخرى في حرب تموز
انها حكاية هذا الضابط و هذا الجندي الذي وقف تلك الوقفة المشرفة على تخوم الوطن في معركة مجهولة وارتضى ان يكون هو الاخر جنديا مجهولا ليبقى الوطن كله معلوما ... انها ملحمة السلطان يعقوب
لبنان - البقاع صيف عام 1982
كان الوجوم هو المسيطر على وجوه القادة العسكريين في هيئة الاركان
العامة ولم تخفف البرقية التي ارسلها العميد محمد حلال قائد القوات السورية في بيروت للرئيس الاسد والتي اكد فيها انه سيقاتل حتى الاستشهاد من واقع ان القوات السورية قد تلقت ضرية قاصمة
كان سلاح التشويش الاكتروني قد فعل فعله وها هو سلاح الجو السوري قد اصبح خارج المعركة بعد خسارته لمعظم طائراته المقاتلة
اما وسائط الدفاع الجوي من صواريخ ومضادات فهي الاخرى دمرت وبشكل كامل ، فطائرات الاواكس السعودية ( بادارة امريكية ) قد شنت حربا الكترونية كانت تعتبر تقنياتها جديدة تلك الايام وتسببت بشلل تام للقدرات الرادارية السورية وبالنتيجة اصبحت قوافل الجيش السوري تحت مرمى النيران الاسرائيلية وبدون اي غطاء جوي
ومما زاد الطين بلة استسلام وليد جنبلاط المفاجئ ... فاندفعت القوات الاسرائيلية في جبل لبنان واحكمت حصارها على بيروت بالتعاون مع قوات بشير الجميل
اما القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية بقيادة الحاج اسماعيل والتي يبلغ تعدادها اكثر من 21000
مقاتل والتي كان من المفترض ان تشن حرب عصابات تعيق تقدم العدو وخاصة ان طبيعة لبنان الجغرافية تساعد في ذلك الا انها وبقدرة قادر اصبحت بكاملها محاصرة داخل بيروت
كانت اكثر المشاهد ايلاما قوافل ضخمة من الدبابات السورية والشاحنات تحترق في ضهر البيدر و صوفر وبحمدون وعاليه حيث تمكنت القوات الصهيونية من قطع طريق دمشق بيروت التي اصبحت محاصرة بالكامل وكانت تدور على مشارفها وخصوصا في مثلث خلدة اشرس المعارك
القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية وجنود الجيش السوري يسطرون اروع البطولات ورغم ضعف الامكانيات العسكرية الا انها صمدت وبشكل اسطوري
وكل من عاصر تلك المرحلة يعلم جيدا الكثير من القصص عن تلك البطولات الفردية التي كبدت العدو خسائر فادحة واعاقت تقدمه لايام عديدة
اما بيروت العاصمة المحاصرة فتم استهدافها باطنان من القذائف المدفعية والصواريخ وبشكل هستيري وعنيف
مقاتلي القوات اللبنانية يدوسون باقدامهم الخبز ويمنعون المياه وكل المواد الغذائية من الدخول اليها ، كان المشهد مهينا حقا فها هي اول عاصمة عربية قاب قوسين من السقوط بايدي العدو
لم يكن مصطلح كرامة بيروت يعني شيئا آنذاك لخادم الحرمين الشريفين وكان شارون يرفس بقدمه باب القصر الجمهوري حيث كان رئيس البلاد لا يعرف سوى البكاء وسيلة للدفاع
سيتبنى السنيورة نظرية سلاح الدموع بالكامل لاحقا )
البعض يرجو الصهاينة تحرير لبنان من رجس الفلسطينيين وان لا يبقوا منهم احدا على قيد الحياة ....هذا البعض من محبي الحياة يترجون عرفات ان يغادر بيروت ( من قال ان حب الحياة طارئ على قوى 14 آذار ) وكان زعيم بيروتي ناصري اسمه ابراهيم قليلات ينتفض قائلا لمن دعاه لوداع عرفات : انا في بيروت استقبل مقاتلين ولا اودع مقاتلين فيما اذاعته صوت لبنان العربي تصدح باغنية الشاعر والموسيقي اليساري احمد قعبور (اناديكم واشد على اياديكم )قبل ان يصبح قعبور هو الاخر من محبي الحياة وبنهم لا حدود له
كل التقارير لدى القيادة العسكرية تشير بوضوح الى عدم وجود اي امكانية لارسال المزيد من القوات الى الجبهة بدون غطاء جوي يحميها
لم يكن احد يصدق اكاذيب شارون بعدم الاقتراب من الحدود السورية... وهذا ما فعله عندما دفع بقواته بحركة التفافية باتجاه العاصمة دمشق معتمدا بشكل كلي على سلاح طيرانه ومطبقا سياسة الارض المحروقة،فهو يعلم ان الفرصة قد اصبحت سانحة لتوجيه الضربة القاضية منتظرا ان يتكرر في دمشق مشهد العاشر من حزيران عام 67
كان يسخر امام من حوله قائلا انتظر اتصالا من الاسد
في تلك الاجواء السوداوية فاجئ الاسد المجتمعين بقراره ارسال فرقة مدرعة من قوات النخبة لايقاف الغزو ومهما كان الثمن ومهما عظمت التضحيات... فسقوط البقاع بيد الصهاينة يعني شيئا واحدا فقط وهو انكشاف العمق السوري بكامله... ولو تزامن ذلك مع تقدم العدو على جبهة الجولان فهذا يعني ان العاصمة دمشق اصبحت محاصرة بالكامل
كان يعلم بان المهمة صعبة لذلك كتب لجنوده رسالة وزعت داخليا واشار فيها بدقة الى حقيقة الموقف العسكري ولكنه دعاهم وعلى الرغم من تفوق سلاح الجو الصهيوني الى التشبث بالارض والصمود وعدم التراجع مهما كان الثمن لان سوريا كلها ستكون بخطر شديد ، كانت جملة معبرة حين قال لجنوده
:
اذا كانت طائرات العدو قد امتلكت السماء فالارض لنا تمسكوا بها ودافعوا عنها بكل ما اوتيتم من قوة وعزيمة واصرارا لانه لا مجال للتردد ولا مجال للتراجع فسيروا على بركة الله وان ينصركم الله فلا غالب لكم
وقعت الدبابات الاسرائيلية في الكمين المحكم الذي نصبته لها عشرات الدبابات الاسرائيلية تسقط في الخندق الذي سرعان ما امتلئ بالمياه
وبدأ الهجوم السوري المضاد... مئات الدبابات السورية من نوع ت72 المتطورة آنذاك تندفع وبرشاقة وفوقها طائرات الهليكوبتر المضادة للدروع التي تطير على علو منخفض جدا تجنبا للتشويش
في بقعة ضيقة احتشدت مئات الدبابات وبشكل متقارب افقد سلاح الجو الاسرائيلي قدرته على التدخل
من استطاع متابعة المعركة من اعالي الجبال كان سيتفاجئ من غزارة النيران وكأن جهنم فتحت ابوابها
آلاف الجنود السوريين الغاضبين وفي التحام مباشر يتسلقون منصات الدبابات ويفجرونها و الجنود الصهاينة يخلون دباباتهم ويلوذون بالفرار
لم يكن المعدن يواجه المعدن بل قاتل الجيش السوري باللحم الحي كما يقال (موريس درايبر مساعد فيليب حبيب يقول ان الاسرائيليين اول من اعترفوا ان السوريين ابلوا بلاء حسنا ارادت القيادة العسكرية الاسرائيلية السيطرة على طريق دمشق بيروت الا انها قالت لبيغن انها منيت بخسائر فادحة فتراجع بيغن )
سيكتب التاريخ يوما ما الكثير عن تلك المعركة التي لم تاخذ نصيبها من الاعلام والتي تعتبر بحق انها هي التي اوقفت الغزو وبقدرات عسكرية متواضعة مقارنة بقدرات الصهاينة والامريكيين ومنعتهم من التقدم باتجاه دمشق
في موقع المعركة الهدوء تام لا يقطعه الا صوت قائد الفرقة المدرعة يتصل بالقيادة معلما اياها ان المهمة قد نفذت .khabrieh