خصائص القرآن الكريم وحقوقه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
عندما نتحدث عن القرآن ، فلابد أن نستشعر أنه ليس كلام بشر ، بل هو كلامالله، المنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم) ، المتعبد بتلاوته ، الذيأعجز البشر أن يأتوا بمثله ، بل ولا بسورة من مثله ، أنزل إليها ليكونمنهاج حياتنا ، وطريق عزّنا ، وسبيل رفعتنا وجدنا ، إن تمسكنا به هديناونصرنا ، وإن فرّطنا فيه خذلنا وهزمنا .
خصائص القرآن :
للقرآن خصائص كثيرة ، منها :
1 ـأنه محفوظ من التحريف والضياع ، والزيادة والنقصان ، وذلك لأن الله تعالىتولّى حفظه بنفسه فقال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ،(سورة الحجر آية 9) فهيّأ له أسباباً للحفظ ، منها :
( أ ) الأمة المعتادة على الحفظ، فقد كان الحفظ معروفاً في العرب، فهميحفظون القصائد الطوال حين يسمعونها لأول مرة، ويحفظون الخطب الطويلةكذلك.
( ب ) هيّأ علماء حفاظاً مجتهدين في حفظه ، ويعلّمونه أولادهم وتلاميذهم ،ويتدارسونه ، ويكتبونه وينقله الآخر عن الأول بالأسانيد المتصلة ، ولذلكتجد أئمة القراء كثير ، من عهد الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إلى عصرناهذا .
( ج ) جعله سهلاً ميسّراً للحفظ .
وأنت ترى حفّاظ القرآن الكريم في العالم بالآلاف بل أكثر، في حين أنك لاترى أحداً من المنتمين للأديان الأخرى يحفظ الكتاب المقدس عندهم.
ولم يتولّ الله تعالى حفظ الكتب السابقة ، بل وكلها لأصحـابها ، كما قالتعالى : ( والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله ) . ( سورةالمائدة آية 44) من الحكم في حفظ القرآن الكريم :
( أ ) أنه آخر كتاب يحمل آخر رسالة تبقى إلى قيام الساعة.
( ب ) أنه المعجزة الكبرى للرسول (صلى الله عليه وسلم) ، فهو معجزة باقيةللأجيال ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطي منالآيات ما مثله آمن البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) . (رواه البخاري برقم 4981،ومسلم برقم 152 )
2 ـ من خصائص القرآن الكريم : أنه خاتم الكتب السماوية والمهيمن عليها :
قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتابومهيمناً عليه ) ،(سورة المائدة آية 48) والمعنى أنه شامل لما فيها وزائدعليها وشاهد وحاكم عليها ، فما وافقه فهو حق ، وما خالفه فهو إما منسوخ أوباطل باعتباره محرفاً ، وهو حافظ لما فيها من أصول الشرائع ، وعال عليهاوغالب ، وناسخ لغير المحكم فيها ، فهو أكمل الكتب السماوية وخاتمها .
3 ـ إعجازه والتحدي به :
قال تعالى : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءانلا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) . (سورة الإسراء آية 88 )
4 ـ أن بكل حرف منه حسنة :
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :(من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول" ألم" حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف ) . (رواه الترمذي رقم2910 وقال الترمذي حديث حسن صحيح )
5 ـ تيسيره وسهولته ، فحفظه سهل ، وقراءته سهلة يسيرة ، قال تعالى : ( ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر ) . (سورة القمر آية 17)
6 ـ جماله وبلاغته . وعظمه أسلوبه فهو يورد المعاني الكبيرة بعبارات موجزة.
7 ـ عدم الملل من تكرار تلاوته وترديده .
هجر القرآن :
وقبل أن نتعرف على حقّ القرآن الكريم ، فإن عليها أن نعرف معنى هجره ،لنحذره ونجتنبه ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد اشتكى إلى ربه منهجر قومه للقرآن ، فقال فيما ذكر الله تعالى عنه : ( وقال الرسول يا رب إنقومي اتخذوا هذا القرءان مهجوراً ) . (سورة الفرقان آية 30) وهجر القرآنأنواع ، منها :
1 ـ هجر الإيمان به وتصديق ما فيه .
2 ـ هجر سماعه والإصغار إليه .
3 ـ هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه .
4 ـ هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه .
5 ـ هجر تدبره وفهمه .
6 ـ هجر الاستشفاء والتداوي به .
7 ـ هجر قراءته والعدول عنه إلى غيره من شعر ، أو قول أو غناء .
من حق القرآن : ـ
1 ـ الإيمان به ، وبكل ما جاء فيه وأنه كلام الله المنزل على رسوله (صلى الله عليه وسلم) ،
والإيمان بأنه محفوظ لا يتطرق إليك أدنى شك في ذلك ، قال تعالى : ( يأيهاالذين ءامنوا باله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزلمن قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فقد ضل ضلالاًبعيداً ) . (سورة النساء آية 136) والإيمان به من أركان الإيمان كما فيحديث جبريل عليه السلام .
2 ـ قراءته وحفظه :
قال (صلى الله عليه وسلم): ( أقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاًلأصحابه" (رواه مسلم برقم 804) وقال أيضاً : " يقال لصاحب القرآن : أقرأوأرتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ) .(رواه أبوداود برقم 1464 والترمذي برقم 2914 وقال الترمذي حسن صحيح)وينبغي أن يرتل القارئ ويجوده كما أمر الله تعالى بذلك ، فقال : ( ورتلالقرءان ترتيلاً ) . ( سورة المزمل آية 4) وينبغي أبن يكون للمسلم ورديومي يتلو فيه كتاب الله تعالى حتى يختمه ، وليحرص أن يختمه كل شهر مرة أوأكثر ، ولا ينشغل عن قراءته بما لا ينفع .
وليحرص المسلم على حفظه ، أو حفظ ما تيسر منه ، قال تعالى واصفاً القرآن :( بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) ،( سورة العنكبوت آية49) فوصف الحفاظ بأنهم من أهل العلم ، وحفظه سنة أئمة الدين ، من الصحابةوالتابعين ، ومن بعدهم إلى يومنا هذا .
وليحرص المسلم على ترديد ما حفظ من القرآن في قيامه وقعوده ، وذهابهوإيابه، فإن ذلك أعظم لأجره ، وأكثر لحسناته ، قال (صلى الله عليه وسلم) :( لا حسد إلا في اثنتين : رجل علّمه الله القرآن ، فهو يتلوه آناء الليلوآناء النهار ) . (رواه البخاري برقم 5026 ) وينبغي للحافظ مراجعته وتعاهدقراءته حتى لا يتفلت منه ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ( تعاهدوا القرآن ،فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها ) . (رواه البخاريبرقم 5033 ومسلم برقم 791) والعقل : جمع عقال ، وهو ما يربط به البعير .
3 ـ العمل به :
قال تعالى : ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) (سورة الزمر آية 55)وقال : ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) (سورةالأنعام آية 155) وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه أول منيعمل بالقرآن ، سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله (صلى الله عليهوسلم) فقالت للسائل : ألست تقرأ القرآن ؟ قال : بلى ، قالت : فإن خلق نبيالله (صلى الله عليه وسلم) كان القرآن .(رواه مسلم برقم 746) قال ابنمسعود رضي الله عنه : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتىيعرف معانيهن والعمل بهن .
وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( عبد الله بن حبيب ) : حدثنا الذين كانوايقرئوننا : أنهم كانوا يستقرؤون من النبي (صلى الله عليه وسلم) فكانوا إذاتعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمناالقرآن والعمل جميعاً .
4 ـ تعلمه وتعليمه :
عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):"(خيركممن تعلم القرآن وعلّمه ) . (رواه البخاري برقم 5027 )فينبغي أن يحرصالمسلم على تعلمه وإتقان قراءته ، ويجتهد في ذلك ، فمن غير اللائق لمسلمله سنوات طويلة وهو يدرس ويتعلم ، ثم إذا قرأ القرآن فإذا به لا يقيمحروفه وكلماته ، وليس حاله كحال من يعذر لضعف تعليمه .
ومن وسائل تعلّمه وإتقانه : قراءته على أحد المقرئين ، وكثرة الاستماع إليه ، واستشعار أنه كلام الخالق جل وعلا ، وغير ذلك .
5 ـ تدبره وتفهمه ،والخشوع والبكاء عند قرأته
قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرءان ) (سورة محمد آية 24)، وقال سبحانه :( ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر ) ،(سورة القمر آية 17 ) وقالسبحانه : ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ) . (سورة الإسراء آية109 ) فالأولى أن يقرأ على تمهل وتفهم ، فإن القرآن كتاب هداية ، وكيفيهتدي به من لا يفهمه ، وإن أشكل عليه شيء رجع لتفسيره ، وليجمع همته عندالقراءة حتى يستحضر ذلك بقلبه ، ويتأمل ما فيه من آيات التهديد والوعيد ،والرجاء والرحمة ، وأحوال الماضين ، وغير ذلك .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : قال لي النبي (صلى الله عليه وسلم) : (أقرأعليّ)، قلت : يا رسول الله ، أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : " نعم " ،فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية : ( فكيف إذا جئنا من كل أمةبشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) ،(سورة النساء آية 41) قال : " حسبكالآن " فالتفت فإذا عيناه تذرفان) . (رواه البخاري برقم 5050 ومسلم برقم800)
6 ـ الإنصات عند سماعه :
قال تعالى : ( وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) .(سورة الأعراف آية 204) والآية تدل بعمومها على مشروعية الاستماع للقرآنإذا تلي ، والإنصات ، وهو : السكوت عند الاستماع .
7 ـ التزام الأدب معه :
فلا يمس القرآن إلا طاهر ، ولا يقرؤه من عليه حدث أكبر حتى يغتسل ، ولايهان في حمله ووضعه ، وإذا حمله أو ناوله شخصاً فبيده اليمنى ، ولا يرميه، ويحافظ عليه ولا يمزقه ، أو يكتب عليه ما لا حاجة له به ، وإذا تمزق فلايجوز رميه بل يحرقه ويدفنه في موضع طيب .
ويجعله أعلى من غيره ، ولا يتكئ عليه ، ولا يجلس على شيء فيه مصحفكالحقيبة والمكتب ، كل هذا احتراماً لكتاب الله تعالى ، والتزاماً للأدبمعه .
ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح