لندن / ما زالت الوثائق السرية التي أفرجت عنها الحكومة البريطانية بعد أن مضى عليها 30 عاما، تتوافد على الصفحات الرئيسية لوسائل الإعلام، ونشرت صحيفة "الشرق الأوسط " الالكترونية صباح اليوم مزيدا من الوثائق السرية التي يعود تاريخها لعام 1980.
ونشرت اليوم بعض هذه الوثائق التي تتناول الصراع العربي - الإسرائيلي من زاوية العلاقات المصرية والإسرائيلية والقوى الأخرى الغربية الراعية لمفاوضات كامب ديفيد، خصوصا البريطانية والأميركية. وبعد أن مضت عدة سنوات على زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل، بدأت تظهر في عام 1980 الشكوك حول إمكانية الوصول إلى تسوية شاملة في الشرق الأوسط.
وقد واجه المصريون معارضة قوية من قبل إسرائيل لأي شكل من أشكال الحكم الذاتي في الأراضي الفلسطينية، وشكل هذا حالة من الإحباط والخوف عن بعض القوى بأن ذلك سيزيد من إمكانية اندلاع حرب جديدة في المنطقة.
وبدأ الأميركان الحديث عن إشراك الملك حسين ليتولى الحكم في الضفة الغربية وغزة، حتى تصبح المشكلة - كما ذكرها هنري كيسنجر - عربية - عربية، بدلا من عربية - إسرائيلية. واتفقت مع الأميركان رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر، التي التقت الملك حسين، وأبدت له رغبتها في أن يتولى الحكم في الضفة الغربية. كما قيل أيضا إن السادات كان يخطط لإطلاق نسخة ثانية من كامب ديفيد في صيف 1980. التقدير البريطاني أن المعارضة الإسلامية الأصولية للسادات في ازدياد.
بريطانيا وإسرائيل ومصر وكامب ديفيد
* برقية من السفير البريطاني في تل أبيب حول لقائه مع إسحاق شامير عندما كان وزيرا للخارجية، أرسلت في 9 مايو (أيار) 1980. وكانت المناسبة زيارة شامير لأوروبا للقاء سفراء إسرائيل المعتمدين هناك. الواضح من النقاش الذي دار بين الاثنين حجم الخلافات المصرية - الإسرائيلية بخصوص المستوطنات والدولة الفلسطينية على حدود ما قبل 1967. كما أنه من الواضح تماما أن كامب ديفيد شيء كان يفضل أن يتناساه الإسرائيليون وعدم الكلام فيه، خصوصا عندما يمتد فهمه وتطبيقه إلى خارج الاتفاقيات الثنائية المصرية - الإسرائيلية بخصوص الأراضي المصرية وسيناء.
ويقول السفير في برقيته:" بالنسبة لكامب ديفيد، فإن إسحاق شامير فضل عدم التحدث حولها. وطالب أن تمنح إسرائيل الوقت الكافي من أجل التعامل مع المشكلة"، مضيفا أن بريطانيا تلكأت لمدة عشر سنوات قبل قرارها بالتفاوض حول اتفاقية (السوق الأوروبية المشتركة). فقلت له إن هذه ليست مقارنة جيدة، لأن تأني بريطانيا وعدم توقيعها في وقتها على الاتفاقية لم يؤد إلى حروب بين الأطراف المعنية. وأضاف شامير أن إسرائيل تعي تماما أهدافها. على الشعبين العيش مع بعضهما البعض، لكنها - أي إسرائيل - تريد الوقت الكافي لتجد الطريقة المثلى لتحقيق ذلك، وأن 26 مايو (أيار) ليس التاريخ المهم هنا. (شامير كان يشير إلى اللقاء الأوروبي حول الشرق الأوسط، الذي أصبح يسمى بمبادرة فينيسيا وكان مزمعا عقده في 26 مايو). لقد عبرت عن شكوكنا بأن سياسة إسرائيل تجاه التسوية الشاملة ليست حكيمة.
كان هذا قبل خطاب السادات (في 8 مايو). وقال شامير: لا يمكننا أن نقدم أكثر مما قدمنا. لقد وصلنا إلى الخط الأحمر، التقدم إلى ما بعد ذلك سيهدد وجودنا. ما يطالب به المصريون هو حدود 1967 والدولة الفلسطينية، وهذا لا يمكن أن نقبله.
وعندما ذكرت أهمية "اليونيفيل" في لبنان، لم يمانع شامير وقال إنه شيء إيجابي، لكن عندما تكلمت عن العملية الإسرائيلية داخل لبنان، رد شامير قائلا إن ذلك كان شمال الليطاني (أي بمعنى خارج سيطرة القوات الدولية).
شامير يريد من زيارته إصلاح صورة إسرائيل في أوروبا. أعتقد أن إسرائيل اهتزت بسبب التصويت في المجلس الأوروبي في نهاية شهر أبريل (نيسان) حول دعمه للتسوية الشاملة في الشرق الأوسط، ولهذا فإن أبا إيبان ينوي التوجه إلى أوروبا للقاء المجموعة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي ليشرح لهم الموقف».
مصر تطالب بتجميد الاستيطان.. والخلافات مع الإسرائيليين عميقة وأساسية
* وفي المقابل، فقد عكست برقية السفير البريطاني في القاهرة التوجهات المصرية وشعورهم بالإحباط. ويقتبس السفير بعض ما كان يشعر به الدكتور مصطفى خليل (الذي شغل منصب وزير الخارجية في تلك الفترة)، في برقية من القاهرة أرسلت يوم 8 مايو (أيار) إلى لندن، والتي يقول فيها إن المصريين لا يشعرون بأي تقدم على القضايا الأساسية، وأن الخلافات عميقة وأساسية مع الإسرائيليين، وأن الطرفين اتفقا فقط على تشكيل لجنة وزارية تتعامل مع القضايا الأمنية.
وطالبت مصر من إسرائيل تجميد النشاط الاستيطاني، لأن وجودها لا يقدم أي حماية أمنية لإسرائيل، خصوصا بعد عملية الخليل.
بريطانيا أصبحت متأكدة من أن كامب ديفيد لن يتمخض عنها أي تسوية
* هناك برقيتان: واحدة من بعثة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، والأخرى من سفيرها في تل أبيب، تتناول زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى واشنطن ومحاولة إرضاء العرب وإشغالهم حتى موعد الرئاسة الأميركي ووصول ريغان إلى السلطة (وهذا ما يتمناه الإسرائيليون) وتسلمه الإدارة خلفا لجيمي كارتر.
وتقول البرقية الأولى (تاريخها 8 مايو): «على التسع (دول السوق الأوروبية المشتركة) أن يتقدموا بشيء مرضٍ للعرب ويزيد من حماسهم، بعد بيان المجلس الأوروبي في 28 أبريل الذي كان مشجعا بالنسبة لهم بخصوص التسوية الشاملة. إنهم (العرب) يعتبرون المبادرة الأوروبية شيئا أصبح مخلوقا كامل النمو وكل ما يحتاجه هو دفعة بسيطة لدخوله حلبة الصراع وحل جميع مشكلاتهم. إذا خيبنا ظنهم فسينقلب مزاجهم وسيعملون هذا الصيف على إشغال مجلس الأمن باقتراحات تضعنا في موقف حرج... إنه من مصلحة القوى الغربية إيجاد مبادرة لتسوية شرق أوسطية، على اعتبار أن كامب ديفيد قد وصلت إلى طريق مسدود. المبادرة الأوروبية يجب أن تكون على شكل قرار يأخذ في الاعتبار سد الفراغ في قرار 242 ويكون مرضيا للعرب وكافيا، لئلا يقوم الأميركان باستخدام حق النقض ضده.
الأمور تشير حاليا إلى أن الأميركان سيعملون ما بوسعهم للعدول عن تبني قرار من هذا النوع، مما يجبرنا على التخلي عن المبادرة. هذا طبعا سيستغله الفرنسيون وسيقولون للعرب إنهم كانوا سيصوتون مع القرار، وإن سبب عدم حصول ذلك بسبب بريطانيا الجبانة. لكن البديل هو تبني قرار يجبرنا على استخدام حق النقض ضده، ولا أعتقد أن ذلك سيكون لصالحنا.
وبسبب ما تقدم، علينا ألا نبقى مكتوفي الأيدي. يجب أن نعمل ما بوسعنا لنبقي العرب مشغولين في الموضوع حتى بعد الانتخابات الأميركية وبعدها ستتغير الظروف... لكن، علينا أن نبدأ بعد ذلك مع العرب بحوار جدي مع جميع الأطراف.. وإذا اقتنع العرب بجديتنا في الحوار، فإنهم قد يتوقفون عن تسليط نيرانهم في اتجاهنا.
في النهاية، علينا أن نتكلم بوضوح مع الفرنسيين الذي أظهروا خلال الأسبوع الأخير كيف أنهم على استعداد دائما لاتخاذ مواقف منفردة، لإظهار أنفسهم أنهم أقرب للعرب منا.
أما البرقية الأخرى الموجه لوزير الخارجية من السفارة البريطانية في تل أبيب، فتناولت التوجه البريطاني الجديد بناء على قناعتهم بأن كامب ديفيد وصلت إلى نهاية الطريق.
وتقول برقية السفير التي تحمل تاريخ 4 مايو (أيار): "أصبح واضحا أن كامب ديفيد لن تؤدي إلى تسوية شاملة، ولن تكون هناك أي حلول لمشكلة القدس والضفة الغربية بناء على الاتفاقيات المعقودة (بين مصر وإسرائيل). ومن دون تسوية ترضي الفلسطينيين حول هذه القضايا، فإن ذلك سيزيد من التطرف في المنطقة، ويهدد استمرار مصالحنا فيها، ويضعف الأنظمة المعتدلة، ويقوي الأنظمة المتطرفة، ويزيد من التغلغل السوفياتي فيها، ويزيد من إمكانية اندلاع حرب جديدة في المنطقة.
الإسرائيليون يتمنون أن ينجح رونالد ريغان في الانتخابات المقبلة، وبهذا ستستمر أميركا في تزويد إسرائيل بالمال والعتاد واستخدام حق النقض ضد أي قرارات في مجلس الأمن، وهذا سيعطيها (أي إسرائيل) التمييز ببناء قدراتها العسكرية لرد أي عمل عسكري عربي".
المعارضة الإسلامية الأصولية للسادات مبالغ فيها لكنها لن تثنيه عن خطه
* وفي برقية أخرى من السفير البريطاني في القاهرة، مؤرخة في 28 أبريل، يقول فيها إنه التقى بطرس غالي والسفير الأميركي في القاهرة. ويرى بطرس غالي أنه لا يوجد أي أسباب (باستثناء بيغن) تمنع من أن تقدم المفاوضات صيغة لتسوية تجذب الفلسطينيين إليها.. واقترح أثيرتون (السفير الأميركي في القاهرة) أن يشكل رؤساء البلديات في الضفة الغربية نوعا من سلطة مؤقتة للحكم الذاتي لإجبار الإسرائيليين على الانسحاب. وذكر، وكان يفكر بصوت عال، أنه يمكن تنظيم انتخابات في الضفة الغربية حتى قبل تشكيل سلطة حكم ذاتي، وقال إن الرئيس كارتر هو صاحب الفكرة.
وتضيف البرقية: "في ظل أزمة الرهائن الأميركان في طهران، أعتقد أن الرئيس السادات سيكون مترددا في أن يتخذ أي إجراءات قد تغير من التوجهات التي بدأها، وذلك لأنه يكن احتراما خاصا للرئيس كارتر ولا يريد أن يخيب ظن الرئيس الأميركي خصوصا في هذه الساعة الحرجة، حيث كان يواجه أزمة الرهائن في إيران.
وعلى الرغم من أن المعارضة تزداد لسياسات السادات من قبل الأصوليين الإسلاميين، لكن الـ(بي بي سي) وبعض المراقبين بالغوا في ذلك. وحتى لو افترضنا أن ذلك صحيح، فهذا لن يثني السادات عن خطه".
هنري كيسنجر يريد ضم الضفة إلى الأردن لجعل المشكلة عربية - عربية مع الفلسطينيين
* وفي لقاء مع مارغريت ثاتشر في مقر رئاسة الوزراء في لندن، اقترح هنري كيسنجر أن تسلم إسرائيل الضفة الغربية وغزة إلى الأردن، وجعل المشكلة عربية – عربية، بدلا من أن تكون عربية - إسرائيلية، لأن إسرائيل كانت ترفض المقترحات المصرية والأميركية وإجراء انتخابات في الضفة أو أي شكل من الحكم الذاتي. وردت مارغريت ثاتشر قائلة إن الملك حسين أبدى استعداده عندما اجتمعت به آخر مرة لتسلم زمام الأمور في الضفة الغربية. إلا أن رئيسة الوزراء اعتبرت ذلك عاملا مهددا للاستقرار في الأردن، واتفق كيسنجر معها، لكنه أضاف أن ذلك أفضل الخيارات. السادات وإطلاق كامب ديفيد أخرى
* في لقاء بين رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيغال يادين، في مقرها في لندن، في مارس (آذار)، قالت ثاتشر إنها كان مضطربة لعدم إشراك الملك حسين في مفاوضات كامب ديفيد، خصوصا أنه كان لسنوات يحكم الضفة الغربية. ورد يادين بأن اتفاق كامب ديفيد يحتوي على نقاط تبين أهمية وجود العاهل الأردني في المفاوضات، إلا أن الملك رفض الدعوة. وأضاف يادين أنه يعتقد أن على الملك أن يكون أحد اللاعبين في كامب ديفيد، ويعتقد أن السادات سيطلق في يونيو (حزيران) مبادرة جديدة، أي كامب ديفيد ثانية.
رسالة من مارغريت ثاتشر إلى الرئيس المصري أنور السادات التاريخ 18 أكتوبر (تشرين الأول) 1979.
إلى فخامة الرئيس
* شكرا على رسالتك المؤرخة في 23 سبتمبر (أيلول) التي تتناول بإسهاب مشاوراتك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن في حيفا، والتي تبين نواياكم بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط.
أستغل هذه الفرصة لأعبر عن دعمي الثابت لجهودكم لتحقيق تسوية وسلام في الشرق الأوسط. إنني أشاطركم الرأي لإيجاد صيغة تحقق للفلسطينيين حقوقهم الشرعية وتقود إلى تعايش بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وأتمنى أن تحقق المفاوضات القائمة ذلك. أنا متأكدة من أن حكما ذاتيا حقيقيا للضفة الغربية وغزة يمكن تحقيقه كخطوة انتقالية، وهذا سيكون قاعدة قيمة لبناء سلام دائم في المنطقة.
تحياتي الحارة مارغريت ثاتشر.
http://www.samanews.com/index.php?act=Show&id=84966