واعرب الوفد الايراني عن شعوره بعدم الارتياح ازاء الحصة النفطية التي تحصل عليها ايران من حقل مبارك النفطي، واتهم الامارات العربية المتحدة باستخراج كمية من النفط اكبر مما تستحق. ويرى جانب آخر من اصحاب هذا الرأي السياسات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجتها الحكومة ادت الى تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار البطالة، وارتفاع معدلات التضخم واسعار السلع الاساسية (17)، وقد اثارت استياءً شعبيا تحول الى اعمال شغب ومظاهرات في معظم مدن ايران الرئيسية هدد بسقوط الحكومة، بل والنظام بأكمله، الامر الذي دفع الحكومة الايرانية الى تصعيد اجراءاتها في جزيرة ابو موسى والحديث عن اكتشاف مؤامرة كبرى تحاك في هذه الجزيرة ضد أمن البلاد وسلامتها، رغبة منها في تحويل انظار الشعب الايراني عن المشكلات التي يعانيها، والالتفاف حول القضية القومية الكبرى، ومثل هذه المقولة - اكتشاف مؤامرة - قد تلهي الشعب مؤقتا، وتجعلهم يخففون من حملاتهم على الحكومة، او يصرفون النظر عن اية اعمال شغب او اضطرابات قد يقومون بها احتجاجا على الاوضاع البالغة الصعوبة التي تعيشها البلاد.
ويذهب رأي ثالث الى ان التجاوزات الايرانية في الجزيرة هي بمنزلة »إنذار ايراني« موجه الى دول مجلس التعاون الخليجي ودول اعلان دمشق والولايات المتحدة الامريكية من ان اية ترتيبات امنية في الخليج لا يمكن ان تتم بمعزل عن ايران. والامر الذي تريد ايران ان تبلغه لدول مجلس التعاون الخليجي وحلفائها هو ان ايران بثقلها التاريخي، ورصيدها الحضاري والثقافي، ووزنها البشري والاقتصادي والعسكري، وتشعب مصالحها السياسية والاستراتيجية في الخليج والعالم، لا يمكنها ان تقبل بدور هامشي لا يحقق اهدافها القومية في مسألة امن الخليج. ويفصل انصار هذا الرأي رأيهم على نحو ان حرب الخليج الثانية اظهرت هشاشة نظام الامن الخليجي وعدم فعاليته وعدم مقدرته بمفرده على مواجهة أي تحدٍ خارجي.
فكان ان ابرمت دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقات امنية ودفاعية مع دول من داخل المنظومة العربية، واتفاقات امنية ثنائية اخرى مع دول من خارجها. والملاحظ على تلك الاتفاقات انها استبعدت ايران من الترتيبات الامنية، وفي اقصى الحالات اعطتها دورا هامشيا في الوقت الذي كانت تصريحات المسؤولين في ايران تترك الانطباع بأن المقصود هو اقامة نظام امني محوره ايران، هذا ما اثار خيبة الامل لدى المسؤولين الايرانيين من سلوك جيرانهم العرب في الخليج.
وينتهي اصحاب هذا الرأي الى الاعتقاد بأن هدف ايران من اجراءاتها في جزيرة ابو موسى هو لفت انتباه دول مجلس التعاون الخليجي وحلفائها. وعلى الخصوص الولايات المتحدة الامريكية الى انها معنية اكثر من غيرها بأوضاع المنطقة. ولا يمكن استبعادها من اية ترتيبات امنية فيها، وانه من المكابرة تصور صيغة لأمن المنطقة لا تقيم وزناً لحضور ايران القريب. والواقع ان التجاوزات الايرانية لبنود مذكرة التفاهم ليست وليدة هذه الساعة. فقد بدأت في عهد الشاه محمد رضا بهلوي بعيد توزيع المذكرة، واستمرت في الاتساع منذ قيام الثورة الايرانية وحتى انتهاء حرب الخليج الثانية واستكملت ايران تجاوزاتها بإعلانها الضم الواقعي للجزيرة بعد الربع الاول من عام 1992.
اما على المستوى المحلي الايراني، فإن تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ايران واشتداد الصراع بين التيار المعتدل والتيار المتشدد داخل المؤسسة الحاكمة، وبروز النزعات الانفصالية لدى بعض القوميات المكونة للدولة الايرانية، هي الاخرى عوامل لاشك في انها تهدد النظام الحاكم في ايران في شرعية بقائه، وليس هناك اجدى من إثارة مسألة السيادة الايرانية على الجزر المتنازع عليها بين الامارات وايران لكي يلتف الشعب الايراني حول حكومته.
الخاتمة: نحو تسوية سلمية لحل قضية الجزر
منذ اندلاع الازمة بين العرب وايران حول الجزر الثلاث برزت محاولات عدة لحل الازمة سلميا، حيث عقدت مفاوضات مباشرة بين ابوظبي والجمهورية الاسلامية في الفترة من 27 - 28 سبتمبر/ايلول 1992 خلال ثلاث جلسات عمل، لكن لم يتوصل الطرفان الى حل مرض، إذ رفضت ايران بحث موضوع احتلال ايران الجزر العربية او مناقشته. ولقد اكد مسؤولون ايرانيون رفضهم التام بحث هذا الموضوع، فقد صرح ناطق نوري رئيس مجلس الشورى، في رده على بيان دول مجلس التعاون الخليجي. قائلا: »ان قادة الدولة العربية الخليجية ربما نسوا التاريخ، فحتى الى ما قبل ان يكسبوا كيانهم من الاستعمار البريطاني، كانت هذه الجزر ايرانية ولم تزل ايرانية وستظل ايرانية« (18)
وقد حذر الرئيس الايراني علي اكبر هاشمي رفسنجاني من التعرض للجزر، وهدّد قائلا بأن الامارات ستعبر بحراً من الدماء للوصول الى الجزر، وأكد بأن ايران لن تتخلى عن الجزر الاستراتيجية الثلاث في الخليج مهما كلف الامر (19).
واستمرت دولة الامارات في دعوتها الداعية الى الوصول الى حل بالطرق السلمية على الرغم من اصرار ايران، ورفضها الدخول في مفاوضات حول الجزر. ولقد كثفت الامارات من تحركاتها على المستوى الاقليمي مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومع دول اعلان دمشق، ومع الدول العربية، من خلال الجامعة العربية، كما نقلت موضوع الجزر العربية الى الامم المتحدة، وقد ردّت ايران على المطالب الاماراتية بتأكيد موقفها وهو:
1- ان جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى جزيرتان ايرانيتيان، وانهما جزء لا يتجزأ من اراضي ايران، وان السيادة الايرانية عليهما ليست مطروحة للمناقشة مع الآخرين ابدا.
2- ان التفاوض بشأن جزيرة ابو موسى يجب ان يتم في اطار مذكرة التفاهم، وعلى نحو يحقق مصالح ايران الامنية والاقتصادية والاستراتيجية في الخليج.
3- ابعاد المسألة عن تدخلات القوى الكبرى تحت أي ستار كان، والتوقف عن إثارة اية مطالب اقليمية في المحافل الدولية.
وبسبب تغيب ايران وعدم استجابتها للمساعي والمبادرات السلمية لحل المشكلة اعلنت دولة الامارات العربية عن استعدادها التام للاحتكام الى محكمة العدل الدولية باعتبارها الجهاز المنوط به تسوية النزاعات بين الدول، وعن تعهدها بقبول النتائج كافة التي قد يسفر عنها حكم المحكمة الدولية باعتباره حكما قائما على الحجج والاسانيد القانونية.
الهوامش:
(1) عبدالمالك خلف التميمي، »الاحتلال الايراني للجزر العربية في الخليج: دراسة في تاريخ العلاقات العربية - الايرانية، 1787 - 1971«، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، السنة ،14 العدد 75 (يوليو/تموز 1988)، ص 131
(2) انظر: المصدر نفسه، ومحمد حسن العيدروس، التطورات السياسية في دولة الامارات العربية المتحدة (الكويت، دار السلاسل، 1983) ص 165
(3) التميمي، المصدر نفسه، ص 133
(4) »الجزر الايرانية الثلاث بين الشواهد التاريخية والتأليب الغربي« كيهان العربي (ايران)، (8 اكتوبر/تشرين الاول 1994)
(5) صالح الطيار، »عروبة الجزر الثلاث تؤكدها الوقائع التاريخية والقانونية«، جريدة عكاظ (السعودية) 24/12/1994
(6) التميمي، »الاحتلال الايراني للجزر العربية في الخليج: دراسة في تاريخ العلاقات العربية - الايرانية، 1787 - 1971«، ص 132
(7) العيدروس، »التطورات السياسية في دولة الامارات العربية المتحدة، ص 162
(8) المصدر نفسه، ص 166
(9) مجلة الدولية (20 ابريل/نيسان 1994)
(10) اسد علم، الشاه وأنا: المذكرات السرية لوزير البلاط الايراني، اعداد علي ناغي علي خاني: تعريب فريق من الخبراء العرب (القاهرة، مكتبة مدبولي، 1993) ص 92
(11) الدولية (20 ابريل/نيسان 1994) انظر ايضا الموجز عن ايران - لندن، نوفمبر/تشرين الثاني 1992
(12) سلطان حامد، عائشة راتب وصلاح الدين عامر، القانون الدولي العام (القاهرة: دار النهضة العربية، مطبعة جامعة الكويت، 1987) ص 42
(13) محمد عزيز شكري، المدخل الى القانون الدولي العام وقت السلم، ص 30 - 31
(14) أ.ل.كلود: النظام الدولي والسلام العالمي (القاهرة: دار النهضة العربية، 1964) ص 656
(15) الدولية (20 ابريل/نيسان 1994)
(16) الاسبوع العربي (28 سبتمبر/ايلول 1992)
(17) نازلي معوض احمد، »تركيا وايران وكارثة الخليج الثانية: مقارنة تحليلية« مجلة العلوم الاجتماعية، السنة ،19 العددان 1 - 2 (ربيع - صيف 1991)، ص 19
(18) ناطق نوري يدعو دول مجلس التعاون الى عدم الانسياق وراء مكائد الطامعين في: كيهان العربي (28 ديسمبر/كانون الاول 1992)
(19) هاشمي رفسنجاني، »الامارات ستعبر بحراً من الدماء للوصول الى الجزر«، جريدة العرب (لندن) 8/6/1994