_____________________________________________________________________________
_____________________________________________________________________________
_____________________________________________________________________________
____________________________________________________________________________
استطاعت الصين في السنوات الأخيرة أن تستفيد من عثرات الإدارات الأمريكية، بدءا برد الفعل البطيء حيال الأزمة المالية الآسيوية في عهد الرئيس كلينتون، وصولا إلى قصر نظر إدارة الرئيس بوش في مواجهة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
وانعكس ذلك في اتباع الصين لسياسة القوة الناعمة، واستخدامها الإقناع بدلا من الإكراه، وتعظيم قدرتها على جذب الآخرين عبر وسائل عديدة، ثقافية ودبلوماسية واقتصادية، فضلا عن المشاركة في المنظمات المتعدية الجنسيات.
وعندما أطلق الكاتب الأمريكي "جوزيف ناي" مفهوم القوة الناعمة، فقد استخدم مفهوما أكثر تحديدا، مستبعدا الدبلوماسية الرسمية والاستثمار، وسائر أشكال التأثير التقليدية مثل القوة العسكرية، إلا أن الصين وجيرانها أوجدوا فكرة أوسع للقوة الناعمة في الإطار الآسيوي يشمل جميع المجالات -باستثناء المسائل الأمنية- بما فيها الاستثمار والمساعدات.
فالقوة الناعمة "العليا" تشتمل مفهوما يخص النخب، بينما المفهوم "الأدنى" أو القوة الناعمة "المنخفضة" تتناول القاعدة الجماهيرية الأوسع، وهو ما عملت بكين على تعزيزه من أجل تعظيم تأثرها بمنطقة جنوب شرق آسيا.
ورغم أن هذه القوة أوجدت إيجابيات كبيرة في العلاقات الصينية الآسيوية وخاصة جيرانها الأقرب، إلا أن القيم والنماذج التي وضعتها الصين لجنوب شرق آسيا أو للدول النامية الأخرى يمكن أن تكون كارثية على الديمقراطية والحكم الرشيد والمجتمعات المدنية الضعيفة، والأكثر من ذلك، تبدو الصين وكأنها تستخدم قوتها الناعمة لكي تدفع اليابان وتايوان وحتى الولايات المتحدة بعيدا عن التأثير الإقليمي.
________________________________________________________________________
________________________________________________________________________
القوة الناعمة طريق الصين للنفوذ الإقليمي :-
_________________________________________________________________________
_________________________________________________________________________
مارست الصين حتى وقت قريب قوة ناعمة محدودة، حيث كانت تتبع سياسة خارجية دفاعية، ويفتقر الرأي العام إلى الثقة في إمكانية أن ترسم الصين سياستها كقوة عظمى، إذ رأى ثلث المستطلع آرائهم في استطلاع أجرته مجموعة "هورزون" البحثية عام 1995 أن الولايات المتحدة هي أكبر قوة عالمية، بينما رأى 13% أن الصين هي القوة الأكثر نفوذا، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى 40% في استطلاع أجرته نفس المجموعة بعد عام، ثم جاء عام 1997 ليكون علامة بارزة لظهور القوة الناعمة الصينية حينما رفضت تقليل قيمة عملتها على خلفية الأزمة المالية في أسواق آسيا.
ومنذ ذلك التاريخ (1997) بدأت الصين تستخدم بعض تطبيقات القوة الناعمة، حيث دشنت ما عرف باسم (إستراتيجية "توزيع المكاسب "win –win strategy") في سياستها الخارجية، وأعلنت أنها ترغب عبر ذلك إلى الاستماع للدول الأخرى بمنطقة جنوب شرقي آسيا، واتخذت مبادرات حقيقية بالتوقيع على اتفاقية "صداقة" مع دول شرق آسيا، كما ألزمت نفسها بالعمل على إيجاد طريقة للتعامل المرن في منطقة بحر الصين الجنوبي.
وبينما رأت واشنطن أن تلك الإستراتيجية لا تحترم السيادة وتتخذ منحى عقابيا تجاه منطقة جنوب شرق آسيا، إلا أنه من الناحية الواقعية لم توقع الولايات المتحدة اتفاقية للصداقة ولم تلغِ العديد من العقوبات على منطقة جنوب شرق آسيا.
وتشمل عناصر الإستراتيجية الصينية بعض المكونات الأخرى أبرزها التركيز على الدول ذات العلاقة المضطربة مع الولايات المتحدة مثل الفلبين وكمبوديا، فقد عززت لصين علاقاتها مع رئيس الوزراء الكمبودي "هون شين" بالتزامن مع تدهور علاقاته مع واشنطن، وتتبع الصين أمرا مشابها خارج آسيا مثل علاقتها بالسودان وفنزويلا وأوزبكستان.
لقد عملت الصين ولا تزال على الدفع بقوتها المرنة في جنوب شرقي آسيا، إذ يفوق الدعم الذي تقدمه بكين إلى الفلبين أربع أضعاف حجم المساعدة الأمريكية لها في 2003، وتفوق نظيرتها الأمريكية في "لاوس" بثلاثة أضعاف في عام 2002، وتساوت المساعدة الصينية مع الأمريكية لدولة إندونيسيا، لكنها تفوقت عليها في تنوعها وتشعب اتجاهاتها.
ويمكن القول إنه منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي كان لبكين مساعدات أفضل تبتعد عن الأهداف السياسية، وتشمل تشجيع الشركات الصينية للاستثمار في الخارج، ودعم الفاعلين السياسيين، وتقليل المخاوف من نمو الاقتصاد الصيني، فقد استخدمت المساعدات الصينية المقدمة إلى تايلاند لجذب السياسيين التايلانديين للدراسة في الصين، كما اشترت الصين منتجات لإرضاء المزارعين التايلانديين الذين أعربوا عن قلقهم من تأثير التجارة مع الصين، وهو ما بدا أنموذجا واضحا في توظيف القوة الناعمة "المنخفضة".
ويعمل الصينيون على التسويق للسياسة الصينية كجزء من دبلوماسية عامة مركبة، وهو ما يعد نوعا آخر من القوة الناعمة "المنخفضة"، فالمسئولون الصينيون قاموا في عام 2004 و2005 بضعف عدد زيارات نظيرهم الأمريكيين بالمنطقة، وبينما خفضت الولايات المتحدة ميزانية دبلوماسيتها العامة منذ انتهاء الحرب الباردة، فإن الصين قد برعت في تطبيق إستراتيجية تعزز مفهوم "التنمية السلمية" من خلال تنظيم المعارض الفنية بالعديد من دول العالم، كما أسست معاهد كونفشيوسية لتعليم اللغة الصينية داخل الجامعات الكبرى في شرق آسيا، وساهمت النشرات الدولية التي تقدمها الإذاعة الصينية في توسيع انتشار اللغة الصينية بالمنطقة.
ومن الأمثلة الأخرى أن الصين شجعت طلاب مدارس اللغات بكمبوديا، ذوي الأصول الصينية، على تلقي منح دراسية، واتبعت سياسة التجارة الحرة لتكون مصدرا للاستثمار الخارجي المباشر، فالصين اليوم تنتقل من مرحلة اتفاقيات التجارة الحرة مع دول جنوب شرق آسيا، إلى مرحلة التفاوض من أجل بناء شراكة اقتصادية، ويتوقع مع نهاية عام 2006 أن يتجاوز حجم التبادل بين الصين ودول المنطقة نظيريه الأمريكي والياباني.
ورغم أن الصين حتى الآن لا تعد مستثمرا أجنبيا مهما إلا أن استثماراتها المباشرة في الخارج تنمو أسرع مما يتوقع الخبراء، حيث أصبحت الصين أكبر مصدر لهذه الاستثمارات في كبموديا خلال 2004، كما غير استقبال الصين للهجرات الخارجية الوضع الديموجرافي في بورما وفيتنام الشمالية.
________________________________________________________________________
________________________________________________________________________
مردود القوة المرنة :-
________________________________________________________________________
________________________________________________________________________
ولكي ندرك حقيقة ما حققته القوة المرنة الصينية من نجاح، لا بد من إدراك حالة التشابك بين الأهداف المتعددة للصين بمنطقة جنوب شرق آسيا، لا سيما تداخل الأهداف الأمنية مع كل الأهداف الأخرى وصعوبة الفصل بينها جميعا، فأحد الأهداف الصينية الرئيسة هي السلام في محيطها، الأمر الذي يتيح لاقتصادها أن ينمو كما يتيح فرصا لشركاتها الباحثة عن منافذ للتسويق، وربما ترغب الصين في امتلاك قواعد على طول ممرات بحر الصين وتهيمن على الممرات المائية والجزر في المنطقة خاصة بحر الصين الجنوبي، كما تريد تقليل النفوذ الياباني والتايواني. ولهذا استخدمت منذ عام 1994 كل الموارد الاقتصادية والدبلوماسية لمكافأة الدول الراغبة في عزل تايوان، حيث تسعى لأخذ موافقة هذه الدول على سياسة "الصين الواحدة"، وتمنع المسئولين التايوانيين من المشاركة في المنتديات غير الحكومية، وتمنع الاستثمارات الآسيوية من العمل في تايوان، وتسعى لإثناء هذه الدول عن تأييد أية مبادرات يابانية إقليمية.
ومن ثم فالقوة المرنة الصينية بدأت تتقبل التعامل مع القادة المنتخبين ديمقراطيا مثل الفلبين، ونجحت في إبعاد تايوان عن لعب دور إقليمي، كما همشت بدرجة متزايدة الدور الياباني، وهو ما ظهر في التأييد الإقليمي المحدود لرغبة اليابان في الحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن.
ومن جانب آخر، ربما ترغب الصين في تحويل دفة النفوذ في منطقة جنوب شرق آسيا بعيدا عن أمريكا، إذ تسعى لتطبيق مبدأ "مونرو" الذي تتبعه الولايات المتحدة في أمريكا الشمالية في إطار محيطها الإقليمي.
وبالفعل، فقد نجحت الصين في تغيير موقف قادة المنطقة منذ خمس سنوات، فلم يألوا جهدا في إزالة الآثار السلبية للتجارة مع الصين ومنح رجال الأعمال الصينيين والنخب الثقافية وصناع القرار فرصة الدخول للمنطقة إثر تحفظ النخب الأمريكية.
ويشارك الرأي العام في جنوب شرق آسيا نفس هذا الإحساس تجاه العلاقات مع الصين رغم التهديدات الجدية التي تمثلها التجارة الحرة مع الصين، فغالبية أعضاء القطاع الخاص يبدون وجهة نظر إيجابية حيال بكين، ولم تعد صحف المنطقة تنتقد السياسات الاقتصادية والأمنية الصينية كما كانت تنتقدها منذ فترة قريبة، وتسارعت شعبية اللغة والدراسات الثقافية الصينية، ويذكر أنه بحلول عام 2008 سوف تستقبل الجامعات الصينية أكثر من 120 ألفا من الطلاب الأجانب فيما كان هذا الرقم يقدر بنحو 8 آلاف طالب فقط منذ عقدين
__________________________________________________________________________
__________________________________________________________________________
قوة الصين.. إيجابيات وسلبيات :-
__________________________________________________________________________
__________________________________________________________________________
إن صعود القوة الناعمة الصينية يمكن أن يكون أمرًا مفيدًا في بعض المجالات، التي لا تستطيع واشنطن معارضتها مثل تنظيم بكين ندوات عن الأقليات الصينية أو دعم اللغة الصينية، أو حتى إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة، فتجمع الآسيان وما نتج عنه من اتفاقات اقتصادية وتجارية يثبت قوة الصين كنموذج اقتصادي يجبر دول المنطقة على التفكير في المنطقة ككتلة اقتصادية، وهي خطوة تفضلها الشركات الأمريكية، ويمكن استثمارها في مواجهة قضايا أمنية غير تقليدية مثل تجارة المخدرات والاتجار بالبشر.
بيد أنه في بعض الحالات يمكن أن تكون القوة الناعمة الصينية كارثية على المنطقة أو على مبادرات مكافحة الفساد والحكم الرشيد.
ففي بورما أبدت الصين اهتماما محدودًا حول الآثار السلبية الناتجة عن تشييد الصين لعدد من السدود في منطقة نهر ميكونج، ورفضت الصين الانضمام إلى لجنة لإدارة النهر.
وفي بورما كمبوديا، دعمت الصين النظم السلطوية، حيث تشتكي المعارضة السياسية في بورما من تأييد الصين للحزب الحاكم، كما قوضت المساعدات الصينية وزيارات مسئوليها المستمرة لبورما الجهود الأمريكية لدفع الحزب الحاكم للدخول في مفاوضات مع المعارضة، وشجعت الصين دولا أخرى مثل الهند للتقارب مع بورما، وقد يحبط ذلك الديمقراطية أو على الأقل الحكم الرشيد في بعض دول المنطقة.
إن أسوأ ما يتصور هو نجاح الصين في تعزيز النمو الاقتصادي والإبقاء على سيطرتها السياسية على القادة الأكثر سلطوية في المنطقة مثل "هون سين" في كمبوديا والذي يعجب بالنظام السياسي والاقتصادي الصيني. ومن هنا ففي الوقت الذي تنمو فيه قوة الصين عالميا، فإن نفوذها الذي تخطط له في جنوب شرق آسيا يمكن أن يكون ضارا لعدد من الدول النامية، بسبب مساعدة الصين للنظم السلطوية مثل زيمبابوي وأنجولا، وهو ما حذرت منه منظمات مراقبة الفساد الدولية، حيث تشير إلى أن الصيت تقدم لأنجولا مساعدة تبلغ 6 بلايين دولار، لا تقترن بممارسة ضغوط من أجل تقليل معدلات الفقر في أنجولا بقدر ما تخدم فقط مصالح الصين.
وفي كل الأحوال لا يجب على أمريكا أن تسعى لموازنة هذه القوة الصينية الناعمة بالمنطقة، أولا لصعوبة تعريف مثل هذه القوة أو تحديد عناصرها، وثانيا لأن الولايات المتحدة يمكن أن تستفيد من الآثار الإيجابية المترتبة على ذلك، أما بعض الآثار السلبية لهذه القوة الصينية يجب أن يترك لدول المنطقة التعامل معها
__________________________________________________________________________
__________________________________________________________________________
أمريكا وقوة الصين المرنة :-
__________________________________________________________________________
__________________________________________________________________________
بطبيعة الحال يمكن أن تهدد قوة الصين الناعمة المصالح الأمريكية الصلدة في المنطقة، فالوحدة الإقليمية لدول المنطقة قد تطال من دعم هذه الدول لأمريكا حال نشوب نزاع خاصة في ظل أفول نجم التواجد الياباني والتايواني في المنطقة، كم يمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع في تحالف الولايات المتحدة مع تايلاند ولعلاقتها الحميمية مع الفلبين أو تقليص وجود القوات الأمريكية في سنغافورة.
وإذا أسفر النفوذ الصيني عن تقويض الديمقراطية في المنطقة أو حماية البيئة والحكم الرشيد، فيمكنه تدمير المبادرات الأمريكية، ويدعم القادة المعارضين للديمقراطية والذين سعت أمريكا لعزلهم مثل سان شيوي في بورما.
من هنا يجب أن تهتم الولايات المتحدة بأن الصين يمكنها استخدام نفوذها وقوتها المرنة بالمنطقة لدفع دولها إلى اتخاذ خيارات أكثر وضوحا حيال التقارب مع القوى الخارجية، ولكي تحمي مصالحها الأساسية. ومن ثم على الولايات المتحدة أن تتخذ سياسة محددة ومركزة تتفهم كيفية تصاعد القوة الناعمة الصينية، فكما كان لأمريكا خلال الحرب الباردة دبلوماسيا على الأقل في كل سفارة يقوم بدراسة ما كان يفعله السوفييت على الأرض في تلك الدولة، فإنه يجب العودة لذلك مجددا لشرح علاقات الولايات المتحدة الثنائية مع الصين.
وتعتمد هذه السياسة المركزة على إعادة بناء القوة الأمريكية الناعمة بالمنطقة، بما فيها زيادة عدد الأشخاص العاملين في قنصلياتها في الدول الكبرى مثل إندونيسيا، وإعادة النظر في العقوبات الأمريكية المفروضة على المنطقة، وإعادة النظر في انقطاع الإذاعات الإقليمية مثل "صوت أمريكا" الموجه إلى تايلاند، واتباع النموذج الصيني في استقطاب الزيارات السياسية ورجال الأعمال من دول المنطقة.
وإذا قوض النفوذ الصيني بوضوح العملية الديمقراطية والحكم الرشيد بالمنطقة، فيجب على أمريكا العمل علانية لفضح العلاقات الصينية بالحكومات الأوتوقراطية، ومحاولة إقناع الصين بأن دعمها للنظم السلطوية سيعرض مصالحها للخطر على الأمد البعيد. وإذا عملت التجارة الحرة بين الصين وأمريكا على عزل تايوان، فإن أمريكا يجب أن تعمل على استخدام سلطتها لدفع دول المنطقة لإشراك تايون في المؤتمرات والقضايا المختلفة، وإذا استخدمت الصين دعوتها لبناء علاقات وثيقة مع النخب من أجل علاقات عسكرية أوثق مع من كانوا أصدقاء أمريكا، فيجب على الأخيرة أن تعترف بذلك، وأن تلتزم بإعادة بناء العلاقات مع "مانيلا" لمواجهة العلاقات العسكرية بين بكين والفلبين، وإذا تخلت الصين عن سياسة الكسب للطرفين السابق الإشارة إليها أو استخدمت عضويتها في المؤسسات الإقليمية بالمنطقة لإقصاء أمريكا، فيجب على الأخيرة أن تستجيب كما بدأت مؤخرا في العمل من أجل شراكة معززة مع "الآسيان"، وكما هو في الجهود الأمريكية للدخول مجددا للمؤسسات الإقليمية بالمنطقة.
_____
المصدر
_____
http://www.islamonline.net
_________________________
_____
النهايه
_____